Year 1. Issue 49 | Ajami |Maciste in Hell | عرس القمر


مناظر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبل نحو سنة أشتريت من أحد محلات الأسطوانات مجموعة بإسم
50 Movie Pack: Nightmare Worlds
وكما عنوانه، هناك خمسون فيلماً من أنواع فانتازية ومرعبة من تواريخ مختلفة. كل ديسك عليه أربعة أفلام كلها مجهولة او منسية او مرت في سماء اللاحظ حين تم إنتاجها. وهي من تواريخ مختلفة. الديسك الأول الذي استخرجته لكي أشاهده يحمل الأفلام التالية٠
على الوجه الأول فيلم بعنوان
Menace from the Outer Space
خيال علمي شاحب وفقير من مخرج أسمه هولينغوورث مورس كان من منتصف الثلاثينات مساعد مخرج ورجل في خدمة أي وظيفة تُسند إليه الى أن أخرج أول فيلم سينمائي حول الكلب لاسي سنة 1963. فيلمه هذا، عن رحلة الى القمر المأهول بسكان يتحدّثون، من حسن حظ الرحالة، الإنكليزية. الفيلم المذكور بعنوان "شر من الفضاء الخارجي" أنجزه لحساب التلفزيون سنة 1956
على ذلك الوجه الأول فيلم صامت. عرفته صامتاً من التاريخ المذكور تحت عنوانه
Maciste in Hell
وبكلمة واحدة: لم أتوقّع مطلقاً أن يكون هذا الفيلم أهم إكتشاف أحظى به منذ مدّة بعيدة. وليس اكتشافاً على صعيد واحد، كما سيكشف المقال الوارد حول هذا الفيلم الذي أعرضه (بكامله) في صالة
B


الفيلم الأول، من ناحية أخرى، هو أحدث بـ 83 سنة. ليس اكتشافاً على أي صعيد، لكنه فيلم جيّد في محصلته الأخيرة. فيلم وجد مؤيدين ومعارضين أخرجه فلسطيني واسرائيلي في تعاون (ليس الأول من نوعه) بين مواطني أرض واحدة وهو الترشيح الإسرائيلي للأوسكار. الفيلم بعنوان "عجمي"٠
Focus on Film: الصفحة


فيلم ثالث أعرضه هذا الأسبوع هو للمخرج التونسي الطيّب الوحيشي وهناك سبب وراء هذا الإختيار
الفيلم هو فيلم "عرس القمر" أحد آخر ما أخرجه السينمائي الموهوب وكان ذلك قبل عشر سنوات. في العام 2007 على ما أعتقد، تعرّض لحادثة سيارة وأصيب من جرائها بالشلل في كل بدنه. آخر ما سمعته عنه قبل عام، ومن المخرج التونسي أيضاً رضا الباهي، أنه لا يزال قيد المعالجة. الوحيشي كان افتتح سلسلة أعماله المعدودة بتحفة في عصرها بعنوان "ظلال الأرض" (1982) تناول فيها وضعاً إجتماعياً صعباً برقّة وشعرية ملحوظتان. بإعادة تقديم "عرس القمر" هنا، وكان شوهد خلال مهرجان القاهرة في عام إنتاجه، آمل أن أوجّه والقراء تحيّة لهذا المخرج راجين له استعادة صحّته وعافيته وأن نرى له المزيد من الأعمال الجيّدة٠



Focus On Film.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الفيلم رقم 7/ 2010
AJAMI ***
عجمي



إخراج: سكندر قبطي ويارون شاني٠
تمثيل: فؤاد حبش، نسرين ريحان، إلياس سابا، يوسف صحواني، شهير كبّاجة، سكندر قبطي٠‬
ألمانيا/ بريطانيا/ إسرائيل- 2009

فيلم «عجمي‮« ‬نوع منتشر هذه الأيام من الأفلام التي‮ ‬يمكن إرجاعها الى الشكل العريض للسينما الواقعية ناقص السحر والجماليات الواقعية ذاتها‮. ‬إنه في‮ ‬هذا النطاق‮ ‬يجمع بين‮ »‬مدينة الله‮« [‬فرناندور مايريليس‮ | ‬برازيل‮- ‬2002‮] ‬و»صدام‮« ‬الأميركي‮ [‬بول هاجيز‮| ‬الولايات المتحدة‮- ‬2004‮] ‬مع قدر من فيلم‮ »‬الكره‮« [‬ماتيو كازوڤيتز‮| ‬فرنسا‮-‬1995‮]. ‬وبما أنه عن عصابات تنفّذ عمليات قتل لها علاقة بوضعية مجتمع محدود الدخل وبتجارة المخدّرات، فإن الفيلم الإيطالي‮ »‬غومورا‮« [‬ماتيو‮ ‬غاروني‮ | ‬إيطاليا‮- ‬2008‮] ‬ليس أيضاً‮ ‬بعيداً‮ ‬عن الصورة‮٠ ‬المشكلة في‮ ‬بعض هذه الأفلام،‮ ‬و»عجمي‮« ‬بالتحديد،‮ ‬هو خلوّها من السبب الجوهري‮ ‬لقيامها بسرد الحكاية على نحو‮ ‬يتم فيه تسبيق الحدث اللاحق على الحدث الآني‮ ‬وتأخير الآني‮ ‬الى ما بعد‮. ‬الفيلم مؤلّف من خمسة فصول لكن ليس بالضرورة كل فصل‮ ‬يقع‮ -‬حدثياً‮- ‬حسب وروده،‮ ‬بل،‮ ‬من باب التشبيك والتشابك،‮ ‬ينطلق الفيلم من الفصل الأول ويدخل الفيلم الثاني‮ ‬ثم‮ ‬يؤجل الثالث الى الخامس ويحل الرابع عوض الثالث‮. ‬أحد‮ ‬يجب أن‮ ‬يذكّر هؤلاء المخرجين أن الفن ليس سرداً‮ ‬غير مرتّب،‮ ‬وفي‮ ‬حالة‮ »‬عجمي‮« ‬فإن عدم الترتيب لا‮ ‬يخلق فوضى سردية فقط،‮ ‬بل‮ ‬يجعل الفيلم‮ ‬يبدو كما لو أن السيناريو صُوّر بصفحات ناقصة في‮ ‬حين أن السيناريو،‮ ‬عملياً‮ ‬جيّد وكل ما كان‮ ‬يحتاج إليه أن‮ ‬يبقى سلساً‮ ‬ومُصاغاً‮ ‬بعفوية تماثل عفوية إدارة الممثلين‮ ‬غير المحترفين الذين‮ ‬يظهرون هنا‮٠‬



حي‮ ‬عجمي،‮ ‬نفهم من السياق،‮ ‬يقع في‮ ‬يافا وهو اليوم خليط من العرب واليهود لكن عزّه كان أيام ما كانت‮ ‬يافا‮ ‬يافا قبل‮ ‬1948‮. ‬جريمة ثأر بدوية تقع في‮ ‬مطلع الفيلم‮ ‬يسقط فيها إبن الجيران سببها أن الشقيق الأكبر للعائلة المقصودة كان قتل فرداً‮ ‬من عصابة بدوية وهذه تريد الإنتقام‮. ‬عمر،‮ ‬الإبن الثاني‮ ‬لتلك العائلة‮ (‬بعد رحيل شقيقه الأكبر‮) ‬يطلب المساعدة من المسيحي‮ ‬أبو إلياس‮ (‬يوسف صحواني‮) ‬وفي‮ ‬السر عمر وإبنة أبو الياس متحابّين‮٠ ‬أبو الياس‮ ‬يسعى لعقد جلسة اتفاق بين العشائر‮ ‬ينتج عنها اتفاق دفع فدية لا‮ ‬يملكها عمر ولديه ثلاثة أسابيع لذلك والا عاد حمّام الدم‮. ‬الطريقة التي‮ ‬تتراءى له لجلب المال هي‮ ‬التجارة بالمخدّرات،‮ ‬وبنجي‮ (‬اسكندر قبطي‮) ‬يتاجر بها‮. ‬ستؤدي‮ ‬الأحداث الى موت بنجي‮ ‬وحصول عمر على المخدّرات بمساعدة فتى‮ ‬يعمل في‮ ‬يافا من دون رخصة عمل لمساعدة والدته التي‮ ‬تحتاج الى عملية،‮ ‬لكن العملية تقحم هذه الشخصيات وسواها في‮ ‬نهاية مأساوية‮٠‬
هناك،‮ ‬بعد مطلع الفيلم‮ ‬يبدأ العمل بفقدان وحدته ويمكن لي‮ ‬أن أفهم حيرة بعض النقّاد في‮ ‬التفريق بين شخصية وأخرى،‮ ‬ذلك لأن كل الشخصيات تشترك في‮ ‬هذه الفوضى لكن ليست كلّها تتميّز بحضور وأداء مختلفين في‮ ‬الجوهر‮. ‬حين‮ ‬يترك الفيلم،‮ ‬بعد نحو ساعة من عروضه،‮ ‬مشاكل الحي‮ ‬الفلسطيني‮ ‬المتفاقمة،‮ ‬وينتقل الى شخصية الشرطي‮ ‬داندو‮ (‬إيران نعيم‮) ‬نجد اختلافاً‮ ‬أسلوبياً‭ ‬كبيراً‮ ‬قد طرأ‮. ‬قبل ذلك وبعده،‮ ‬المنحى التسجيلي‮ ‬كامن في‮ ‬تصوير فيلم مع ممثلين‮ ‬غير محترفين ومشاهد مبنية على النسق التسجيلي‮ ‬ولو أنها تروي‮ ‬قصّة‮. ‬مع تخصيص جزء من الفيلم للحديث عن ذلك الشرطي‮ ‬اليهودي‮ ‬ينتقل الفيلم الى المعالجة التسجيلية الكاملة‮. ‬طبعاً‮ ‬لا‮ ‬يزال الفيلم مؤلّف‮ (‬اي‮ ‬روائي‮) ‬لكن هنا الكاميرا تُعالج ما تصوّره كما لو كان الفيلم وثائقياً‮ ‬بالكامل‮. ‬من ناحية،‮ ‬المعالجة مقبولة،‮ ‬لكن من ناحية أكبر،‮ ‬هي‮ ‬تدخل في‮ ‬السياق الأشمل في‮ ‬الفيلم وتفكيك آخر لوحدته الإفتراضية‮. ‬الى ذلك،‮ ‬الإنتقال من البيئة العربية بالكامل الى بيئة‮ ‬يهودية بالكامل‮ (‬الذي‮ ‬هو ليس سوى تمهيد لخلق قصّة ذلك الشرطي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يبحث عن أخيه المفقود‮) ‬يبدو محشوراً‮ ‬بسبب الطريقة التي‮ ‬تم فيها توليف الفيلم‮ (‬وفي‮ ‬الأساس كتابته‮). ‬إذا ما كان لديك نيّة في‮ ‬سرد جانبين متوازيين او متناقضين وكيف أنهما،‮ ‬كما الحال هنا،‮ ‬سيلتقيان عند خط معيّن،‮ ‬فإن ذلك‮ ‬يستدعي‮ ‬التمهيد للنقلة التي‮ ‬أجراها المخرجين حتى لا‮ ‬يأتي‮ ‬ذلك الإنتقال مفاجئاً‮ ‬وعلى حساب وحدة الفيلم‮٠‬
الغالب،‮ ‬في‮ ‬اعتقادي،‮ ‬أن اسكندر قبطي‮ ‬لم‮ ‬يكن من صوّر ونفّذ المشاهد الوديعة التي‮ ‬تقع في‮ ‬الجانب اليهودي‮ ‬ذاك،‮ ‬لهذا فإن أسلوب العمل اختلف‮ (‬هذا من دون أن أعلم كيف عمل المخرجين معاً‮ ‬في‮ ‬تصوير المشاهد العربية‮ ‬يا ليت السيد قبطي‮ ‬يكتب لي‮ ‬حول ذلك‮). ‬وهو أمر‮ ‬يدعو للتمعّن كيف أن المخرج العربي‮ ‬سمح لنفسه بنقد البيئة العربية،‮ ‬بينما لم‮ ‬يسمح المخرج اليهودي‮ ‬لنفسه بنقد البيئة اليهودية‮. ‬بعد تقديم مشاهد‮ »‬أنيقة‮« ‬ومتعاطفة مع حياة الشرطي‮ ‬داندو في‮ ‬بيته وضمن إسرته،‮ ‬ينتقل الى بيت والديه حيث‮ ‬يدور نقاش حول ظروف اختفاء شقيقه،‮ ‬ثم ها هو‮ ‬يوزّع المناشير في‮ ‬أحد الأحياء اليهودية من المدينة،‮ ‬ويدخل المركز الديني‮ ‬ليمارس الشعائر‮ ... ‬كل ذلك لا علاقة له بالفيلم‮. ‬الفيلم ليس دراسة في‮ ‬من‮ ‬يمارس ماذا،‮ ‬لكن الحال هو أنه كان بالإمكان قبول هذا النتوء في‮ ‬العمل لو كان الفيلم عن داندو من مطلعه او لو تداخل معه من البداية وعلى نحو صحيح‮.‬



تشابك الفترات‮ ‬يجعل السرد كما لو كان بحاجة الى مونتاج جديد،‮ ‬او كما لو أن بعض المشاهد تداخلت على‭ ‬طاولة المونتاج بحيث أخطأت بعضها فسبقت او تأخرت عن بعضها الآخر‮. ‬لكن كل شيء مقصود ولو أن كل شيء ليس مبرراً‮ ‬لمجرد أنه مقصود‮. ‬نأخذ مثلاً‮ ‬العملية التي‮ ‬تظهر ثلاث مرّات في‮ ‬الفيلم‮: ‬عُمر بحاجة الى المال لتجنيب عائلته التصفية البدوية‮ (‬الشخصيات البدوية لا تظهر الا قليلاً‮ ‬في‮ ‬مطلع الفيلم‮) ‬ومالك بحاجة للمال لإنقاذ حياة والدته‮. ‬بنجي‮ ‬يملك المخدّرات مخبّأة في‮ ‬داخل جهاز تسخين‮. ‬البوليس‮ (‬داندو بينهم‮) ‬يداهمه ولا‮ ‬يجد شيئاً‮. ‬يخرج من عنده بعد استلام إشارة لمشكلة أخرى واقعة‮ (‬كما لو أنه ليس هناك آخرين لمتابعة حدث آخر‮). ‬عندها‮ ‬يخرج بنجي‮ ‬ظرف الكوكايين‮. ‬يضع بعضاً‮ ‬منه على طاولته ويرمي‮ ‬معظمه في‮ ‬البالوعة‮. ‬لكن‮ -‬ولسبب‮ ‬غير معروف‮- ‬يستبدل محتويات الظرف بالسكّر ويعيد أخفاءه في‮ ‬ذات المكان قبل أن‮ ‬يستنشق كل الكوكايين الذي‮ ‬سكبه لنفسه ويموت‮٠ ‬مالك كان شاهد مخبأ الكوكايين‮. ‬يخبر عمر‮. ‬عمر ومالك سيسرقانه ويحاولان بيعه‮. ‬المشهد المكرر هو عملية البيع التي‮ ‬تنتهي‮ ‬بموت مالك وموت داندو‮: ‬في‮ ‬الفصل الثالث نرى العملية التي‮ ‬ليست سوى فخ منصوب‮. ‬يسحب داندو المسدس ويصوّبه الى رأس مالك‮. ‬نسمع طلقة‮. ‬في‮ ‬المرّة الثانية نرى المشهد ذاته مع إضافة نلحظ فيها تفاصيل صغيرة من بينها صوت طلقة نار أخرى لا نرى مصدرها وهدفها‮. ‬في‮ ‬الثالث تتضح الصورة بإضافة تفاصيل أخرى‮: ‬داندو‮ ‬يجد ساعة شقيقه الميّت في‮ ‬جيب مالك‮. ‬يسحب المسدس عليه بينما زميله‮ ‬يمسك بمالك من الخلف ويصبح بداندو‮: ‬ماذا تفعل؟‮ ‬يتسلل شقيق عُمر‮ (‬المتعارك مع الشرطي‮ ‬الثالث‮) ‬وأسمه نصري‮ (‬فؤاد حبش‮) ‬ومعه مسدس كان عمر تركه في‮ ‬السيارة‮. ‬يصوّبه الى داندو ويطلق النار في‮ ‬اللحظة التي‮ ‬كان داندو فيها‮ ‬يصوّب مسدّسه الى رأس مالك‮. ‬يسقط داندو قتيلاً‮. ‬زميل داندو‮ ‬يصوّب مسدّسه الى نصري‮ ‬ويطلق النار عليه‮ (‬سر الطلقة الثانية)‮٠‬
حسب خطّة المخرجين هي‮ ‬دخول وخروج متعدد لكنه مدروس،‮ ‬حسب نظرة الناقد متعدد،‮ ‬مدروس،‮ ‬لكنه ليس مهمّاً‮ ‬على النحو الذي‮ ‬ورد فيه‮ (‬ولدى البعض معقّد)‮٠‬
بمجمله،‮ ‬فيلم لا تستطيع أن تكرهه‮. ‬إذا كان اسكندر قبطي‮ ‬مسؤولاً‮ ‬عن تنفيذ المشاهد ذات البيئة العربية‮ (‬وهي‮ ‬الغالبة‮) ‬فإن ذلك طبيعي‮ ‬لأنه منها وهو‮ ‬يلتقط أنفاسها جيّداً‮ ‬وحتى ولو لم‮ ‬يكن فإن ذلك الإلتقاط لا‮ ‬يزال جوهرياً‮ ‬وجيّداً‮ ‬للفيلم كلّه‮. ‬كل المسألة هي‮ ‬أنه‮ ‬يختار لحبكته سرداً‮ ‬متوعّكاً‮ ‬يكشف عن مشاكل مثل هذا السرد أكثر مما‮ ‬يُفيده‮٠‬



Salle B.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الفيلم رقم 8/ 2010
MACISTE ALL'INFERNO ****
Maciste in Hell (1926) | ماشيستي في الجحيم



بعد دقائق من هذا الفيلم سنرى الشياطين تطير في دوائر فضائية. لا أعرف كيف صوّرها المخرج جيدو برينوني. لكنها هناك: لقطة سوريالية رائعة لشياطين تسبح في الفضاء بين السماء والأرض على شكل دوائر مثل سرب من الطيور٠
بعد دقائق أخرى، هناك لقطة من نوع آخر: فلاح يجر بقرة ووراء البقرة مجموعة من الأفراد (عائلته) على طريق ريفيية ضيّقة. الكاميرا تلتقطه من مستوى عال وفي لقطة بعيدة. ثم في اللقطة التالية تكمن وراء أغصان من الرياحين بينما تمر القافلة الصغيرة أمامها٠ ربما لا يعني هذا المشهد شيئاً يُذكر في سينما اليوم، لكن نتحدّث عن فترة كانت حبلى بالإبتكارات، وذلك المشهد كان من الرقّة بحيث بهرني جمالياً وحسيّاً٠
وإذ يتوالى الفيلم تكتشف أنه، بأكمله، عمل يتقدّم العديد من أفلام الفترة التي شاهدتها (وشاهدت العديد منها طوال الخمس والعشرين سنة الماضية) بما لابد وأنه كان حينها إبداعاً خالصاً. أقول ذلك وفي بالي مسألتان: لا أحد شاهد كل ما انتجته العشرينات من افلام سينمائية. ثلاثة أرباعها مفقود اليوم (وكان مفقوداً منذ العقد الرابع من القرن الماضي) لكن وبما أن أحداً لا يستطيع مشاهدها كلّها فإن تقييم أي منها، بما فيها هذا الفيلم، بمعزل عما كان منتشراً من أعمال، لن يعطي الناقد/ المُقيّم قدرة على الحكم الكامل. ربما أرى أن الفيلم أبدع في ناحية معيّنة، لكن ربما كان المخرج نفسه أبدع في ذات الناحية في واحد من أفلامه السابقة، او غيره في الناحية ذاتها او تقدّم عليه. كل ما يستطيع الناقد فعله في هذه الحالة هو الحديث عن الفيلم بمعزل عن المقارنة الا مع ما شاهده فعلاً فيما بعد٠
لكن ما تعرفه هو عادة بالغ الأهمية. رغم لقطات سوريالية وانطباق شروط سوريالية عليه فإن حقيقة أن
Entr'acteالمخرج الفرنسي رنيه كلير أنجز سنة 1924 فيلما بعنوان
عملاً أعتبره المؤرّخون أول فيلم سوريالي، يمنعني من الإدعاء بأن هذا الفيلم هو الفيلم السوريالي الأول، ولو أنني لم أشاهد بعد فيلم كلير ولا أعرف إذا ما كان متوفّراً. لكن مع حذري في أن لا أدّعي او أتبنّى تفسيراً قد لا يكون حقيقة، الا أن الفيلم لا يعمل على منوال واحد فقط لكي يرتاب المشاهد في أصوله وتأثيراته، بل هو جديد ومبدع في حقول عديدة بحيث أن الفيلم الآخر الذي يمكن أن يكون مماثلاً له في ذلك حينها لابد أن يكون فيلماً آخر من تحقيق جيدو برينوني٠

الإثارة تبدأ من العنوان: ماشيستي؟ سألت حين وقعت عيناي على عنوانه، وهل كانت هناك أفلام ماشيستي في تلك الأيام؟ الجواب نعم. أول فيلم من بطولة تلك الشخصية الميثالوجية الخيالية ورد عبر فيلم ملحمي ايطالي بعنوان "كابيريا" (سأتناوله حال الحصول عليه) للمخرج جيوفاني باستروني وذلك سنة 1914. لكن ماشيستي "كابيريا" لم يكن الشخصية الأساسية كما الحال في فيلم برينوني هذا. الى ذلك فإن ماشيستي في فيلم باستروني ينتمي الى حقبة الفيلم (العقد الثالث قبل الميلاد) في حين أن ماشيستي فيلم برينوني ينتمي الى فترة قريبة زمنياً من عشرينات القرن الماضي، ولو أن الفيلم لا يحددها. على الأقل هذا الماشيستي بالبذلة الدارجة آنذاك: سروال وجاكيت وصدرية وهو مرتاح فيما يرتديه وليس عليه أن يمزّق ملابسه لتبدو عضلاته كما في أفلام وضعت ماشيستي في زمنه التاريخي المفترض (قبيل وبعيد ميلاد السيد المسيح) في فورة أفلام تم إنتاجها في الستينات٠
نقطة الإثارة الثانية، هي أن "ماشيستي في جهنم" مقتبس بحرية شديدة من "جحيم" كما وضعه الشاعر دانتي في القرن الثالث عشر. بذلك يكون المخرج قد حدّث (من تحديث) نص دانتي الشهير في الوقت الذي أجرى فيه تعديلات على ذلك النص بحيث خلق قصّة قائمة بذاتها تنص على دخول ماشيستي جهنم ومقارعته مئات الشياطين قبل أن تقهره إمرأة. هذا لحين أن تنقذه إمرأة، كما سنري بعد قليل٠

يبدأ فيلم برينوني بعبارة مطبوعة تلعب دور التمهيد: قوى الشر تخطط لزيارة الأرض". إنه، مباشرة بعد ذلك، نلحظ ذلك التشكيل الفني السوريالي لمجموعة من الشياطين تسبح في الفضاء على نحو لولبي بمن فيهم قائد أسمه بارباريثيا (فرانز صالا وهو الممثل الوحيد الذي أعرفه وكان يعمل في ذات الوقت فناناً تجميليا وبقي فناناً تجميليا حتى وفاته سنة 1953). بارباريثيا يحط في البلدة التي يعيش فيها ماشيستي. هنا ننتقل الى ماشيستي الذي يصفه الفيلم بأنه "بدنيا وروحياً أقوى من معظم الآخرين". لعبه الممثل بارتولوميو باغاني وهذا كان ممثلاً مشهوراً في السينما الإيطالية منذ متصف العقد الأول من القرن العشرين وتخصص في دور ماشيستي لاعباً الشخصية 21 مرة قبل هذا الفيلم وثلاث مرّات بعده (المجموعة 25 مرّة). كان يمتلك المؤهلات البدنية من عرض وطول، لكنه لم يكن يملك مهارة الأداء ولا جمال الوجه لكن مع ماشيستي من يسأل؟

نرى ماشيستي، في المشهد الأول له، ينهي طعاماً، ثم يشرب قدحاً من النبيذ. ينهض من على الطاولة التي تتوسّط منزلاً صغيراً فقيراً ويتّجه الى النافذة لإشعال سيغارة (لم تكن السيغارة آنذاك من العادات المكروهة على ما يبدو). عند هذه اللحظة يدخل بارباريثيا عليه بغاية إغرائه للكفر بالذات الإلهية وقبول الشيطان. يحدّثه عن المال، والمتعة الجنسية والسُلطة التي يمكن للشيطان توفيرها له. وراء كل عبارة لقطة ترمز لها: ذهب، نساء جميلات ثم، بعد أن يذكر له أن يستطيع أن يجعله سيّد الأرض ينتقل المخرج الى واحد من أجمل المعاني الممكن ربطها بالمعنى السياسي للسُلطة: صور لمدن عامرة: التقطت جوّاً من بينها روما ونيويورك٠
لكن ماشيستي، قوي الإرادة ويرفض الإغراءات ويهجم على الشيطان الذي يفلت من بين يديه. لكي ينتقم من ماشيستي يقوم بخطف طفل لإمرأة من أقارب ماشيستي ويرميه في الغابة القريبة. هذا الحدث، مع بحث المرأة عنه باكية، يتقاطع مع حدث آخر: ماشيستي يذهب الى الأمير الذي، كما نفهم من دون حوار، كان على علاقة معها وهو والد الطفل الذي هجرها. هناك فصل مسل يقع حين يحاول بعض رجال الحاشية منعه من الدخول على الأمير فيحمل عليهم بقوّته فيخافونه ويولّون الأدبار. حين يلتقي مع الأمير يقنعه بالعودة الى تلك المرأة من دون أن يعلم بالطبع أنها الآن تبحث عن إبنها٠
هناك نقطتان دينيّتان لابد من ملاحظتهما: حين ترسم شارة الصليب على صدرها يتوارى بارباريثيا وأزلامه كرهاً وخشية. الثانية هي أنها تنطق بعبارة تكفر فيها و بارباريثيا سعيد بذلك معتقداً أنها أصبحت تلقائياً تابعة له. لكن القسيس يظهر في طريقه الى الكنيسة (ثلاث مشاهد لجرس الكنيسة في أماكن متفرّقة) وهي تهرع إليه حيث يغفر لها، حسب العقيدة المسيحية. ماشيستي يظهر فجأة في الغاية ويسمع الطفل وهو يبكي فيحمله الى سيّدات وينتهي هذا الفصل بعودة الطفل لها٠



هنا تتم نقلة ترتسم كلماتها على الشاشة أوّلاً: "بالنسبة لماشيستي فإن ما حدث بعد ذلك كان غريباً جداً لدرجة أنه لحين ظن أنه في كابوس بشع"٠
بعد العنوان ننتقل الى ماشيستي بين "قطعان" الشياطين كما يصفهم الفيل. المئات منهم. وهناك ذلك الفصل المتوالي من اللقطات والأحداث التي نراه فيها يدافع عن نفسه ضد ما يفترض به أن يكون مئات الشياطين. يوسعهم ضرباً ويحملهم ويرميهم ويهجم عليهم وهم غير قادرين على الإمساك به. وهناك ذلك المشهد الخاص والطريف حيث يحمل ماشيستي شيطاناً من ذنبه ويلوّح به ضارباً به الشياطين المتحلّقة من حوله قبل أن ينفصل ذنب الشيطان عن الشيطان فيطير هذا ويصطدم بصخرة بينما يبقى الذنب بيد ماشيستي. لا أدري إذا كان المقصود إثارة ضحكة ما، لكن الفيلم جاد جدّاً والأرجح إنها فلتة سوريالية، او شبه سوريالية أخرى٠
وهناك شيطان آخر نرى أنفه وعينه تسقطان وجزءاً من وجهه ثم يعاد تركيبها جميعاً. ويغز ماشيستي الحربة في بطن أحد قادة الشياطين (واحد ببطن منفوخ) فيطلع النار من فمه ويعود بطنه لشكله السابق بلا أثر. بعد حين ينفك الجمع عن ماشيستي لكنه يتعرّض لإغراء المرأة وحسب قوانين جهنم فإن الشياطين تطلق سراح الأنس بعد ثلاثة أيام إذا ما استمرّت مقاومتها، لكن إذا ما نجحت إمرأة بتقبيله او هو قبّل إمرأة بقي هناك للأبد٠
وماشيستي يفعلها. يسمح لفتاة بأن تقبّله فإذا به ينقلب الى شيطان غصباً عنه. يثور لكنه يستسلم لما حدث معه وبل يصبح سعيداً في حياته الجديدة. في هذه الأثناء تقع اضطرابات في جهنم عندما يحاول أحدهم الاستئثار بالسُلطة فيصطف ماشيستي مع "الملك" ويدافع عنه فيعفيه ذاك من لعنته وينقلب ماشيستي الى آدمي من جديد، لكن الشيطانة تقبّله عنوة وهو في طريق عودته الى الأرض فيعود الي شيطان مكبّل لبضع سنوات (تمر في بضع دقائق). هذا الى أن تطلب أم الطفل من طفلها أن يدعو الله لسلامته وذلك في يوم ميلاد المسيح، فيفعل الصبي وإذا بماشيستي ينقلب بشراً ويحطم القيود ويعود الى الأرض سالماً٠
ما هو مطبوع على الشاشة هو سعي مخرج في ذلك الحين إتقان ترجمة صُوَرية لجحيم دانتي. مهمّة هي صعبة اليوم على صعيدي الدراما والصورة معاً. الى ذلك، فإن ما يُضيفه المخرج من مشاهد يجعل الفيلم
سبّاق لزمنه. هناك قرب نهايته المشهد الذي سيمتطي فيه ماشيستي ظهر تنين ضخم سيحمله من جهنم الى الأرض. تنين طائر فوق الأرض واللقطة مأخوذة من وجهة نظر ماشيستي اي من على ظهر التنين. شاهدنا مثل هذه اللقطة في منتصف التسعينات لأول مرّة . ذلك المخرج فكّر بها ونفّذها سنة 1926
الفيلم هو جمع لخبرات أخرى. تصميم المناظر كما المؤثرات الخاصّة وجهدان يعكسان الطموح الكبير لفيلم يترك تأثيره الى اليوم، رغم كل هذه السنين٠


CAST & CREDITS
DIRECTOR: Guido Brignone
CAST: Bartolomeo Pagano, Franz Sala, Elena Sangro, Lucis Zanussi, Umberto Guarracini, Domenico Serra, Pauline Polaire
SCREENPLAY: Dante Alighieri, Riccardo Artuffo. CINEMATOGRAPHER: Ubaldo Arata, Sequndo de Chomon, Massimo Terzano.
PRODUCTION: Cines-Pittlauluga



Rear Window | نافذة خلفية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الفيلم رقم 9/ 2010
عرس القمر ***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: الطيّب الوحيشي
تمثيل: ماس حتو، محمد هادي، ريم الرباحي٠
دراما إجتماعية | تونس - 1998

فيلم "عروس القمر" فيه اجتهاد واضح للخروج من نصوص المخرج الوحيشي السابقة. إنه دراما إجتماعية تستمد رسالاتها من وضع شبابي معيّن يترعرع على هامش المجتمع المحافظ القائم٠
على عكس أفلامه السابقة، وفي مقدّمتها "ظل الأرض" الذي لم يصنع الوحيشي بعده فيلماً على ذات مستواه، تدور الحكاية هنا في رحى مراهقين يرتدون الجينز والخوذات ويمضون معظم الوقت على الدرّاجات النارية. صورة ربما ليست منتشرة في تونس بعد، لكنها موجودة وهذا المخرج هو أول سينمائي تونسي يتطرّق إليها (كان اللبناني الراحل سمير الغصيني قدّم فيلماً عن هؤلاء بعنوان "قطط شارع الحمراء" من بطولة يوسف شعبان سنة 1971 تقع أحداثه في بيروت)٠
تنطلق قصّة "عروس القمر" من محاولة تعريفنا بالشخصيات الخمسة الرئيسية: فتاة وأربعة شبّان هم أصدقاء وكل واحد منهم لديه مشاكل أسروية. أحدهم من عائلة غنية يريد أن ينفضّ عنها، والآخر من عائلة فقيرة يريد الهرب منها، أما هي ففالتة تبحث عن الحريّة٠
ليس من بين هذه المشاكل ما هو جديد لكن المرء مستعد لقبولها على أساس أنها مسببات معقولة لخروج المجموعة عن التقاليد الممارسة٠
بعد الكثير من مشاهد ركوب الدراجات والإنطلاق بها فوق أراض ترابية وشوارع خارج تونس (مكان قريب من البحر) تتقدّم القصّة قليلاً عندما تنشب مشادّة بين إثنين من هؤلاء الأصدقاء فيقوم أحدهم، عرضاَ، بقتل واحد من المجموعة. يبحث الجميع عن حل وينتهون الى قبول رأي القاتل بالتستر على الجريمة٠
ما بين وقوع الجريمة ونهاية الفيلم عندما ينهار السر بينهم وتتكشف الجريمة لرجال القانون، يميل المخرج الى العناية بشخصيّتين أكبر سنّاً: إمرأة تبيع الزهور أمام الكنيسة وحارس مخزن قريب. الإثنان يقعان في الحب وهناك حفل على ظهر تلك السفينة نصف المحطّمة مع أجواء شبه فانتازية. هذه العناية تأخذ شكل قصّة داخل قصة لكن السيناريو لا يزال خال من مواقف مشحونة الأبعاد او ذات حدّة. في الحقيقة، دخول الُمشاهِد في قصّة جانبية تصوّر شخصيتين مسالمتين يعمل ضد إيقاع الفيلم الذي بدا خافتا على أي حال٠
على صعيد الكتابة وحدها، يبدو أن المخرج أراد تسجيل موقفين متناقضين: التعاطف مع الأصدقاء الخمسة وإدانة الجريمة في الوقت ذاته. تنفيذياً لا يصل ذلك الى الشاشة على النحو المأمول فأنت مع او ضد وضع معيّن والأعذار إذا لم تكن لها مبررات لا تلعب الدور الفاعل في توجيه الفيلم الى حيث عليه أن يتوجّه٠
ما ينجح الفيلم به أكثر من غيره هو قدرة المخرج على توظيف ذلك الخيال الذي يتمتّع به خالقاً صورة تبقى في الذهن. تصوير مناسب في الأجواء الخاصّة (ليلة، على ظهر باخرة نصف غارقة، ساحل البحر الخ...) وتوليف جيّد عموماً. ولولا أن الموسيقا صاخبة بلا تأثير وتصوير عجلات تلك الدرّاجات في العدد من المشاهد ما يفقدها التأثير، لكانت تلك العناصر الفنية في أفضل وضع. بين الممثلين تبرز ريم الرياح لكن المجموعة بكاملها تؤدي أدوارها بجهد ملحوظ لإتقان مشاعر متفاوتة يحفل بها هذا العمل٠




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠

0 comments: