Year 1, Issue 48 | The White Ribbon | Sherlock Holmes | Tangled in Blue | Fahrenheit 451 | شو صار

Focus on  Film
1 -THE WHITE RIBBON | Michele Heneke ****
الشريط الأبيض | ميشيل هنيكيه


الفيلم الأخير لميشيل هنيكي الحائز على ذهبية مهرجان
كان في العام المنصرم، ينتقل الى مطلع القرن العشرين
 حيث سُلطة التطرّف والمال تسرقان براءة الأطفال
---------------------------------------------------------------
لابد أن الأطفال كانوا‮ ‬يدركون مسبقاً‮ ‬أن طبيب البلدة‮ (‬راينر بوك‮) ‬عادة ما‮ ‬يسابق بفرسه الريح،‮ ‬او ربما عرفوا أنه سيسابق بفرسه الريح في‮ ‬ذلك اليوم في‮ ‬تلك الساعة‮. ‬ها هو مع انبلاج النهار من شاشة سوداء وسكون كلي،‮ ‬نراه من بعيد منطلقاً‮ ‬على جواده متقدّما من العمق الى اتجاهنا‮. ‬فجأة‮ ‬يصرخ الحصان صرخة ألم ويسقط وراكبه على الأرض‮. ‬الحصان مات‮. ‬الطبيب بحاجة لمن‮ ‬يداويه‮٠‬
هكذا‮ ‬يبدأ فيلم ميشيل هنيكه الجديد الذي‮ ‬تقع أحداثه في‮ ‬قرية بروتستانتية في‮ ‬شمالي‮ ‬ألمانيا سنة 1913 قبل نحو عام ونصف قبل الرصاصة الأولى التي‮ ‬أدّت الى نشوب الحرب العالمية الأولى‮. ‬شخصيات فيلمه رجال ونساء وأطفال تلك القرية التي‮ ‬تبدو لنا اليوم آتية من عصر أبعد مما نخاله‮. ‬والأولاد،‮ ‬الذين‮ ‬يشكّلون كنه الموضوع الذي‮ ‬يتطرّق المخرج النمساوي‮ ‬إليه،‮ ‬ربما ليسوا مسؤولين عن تلك الحرب،‮ ‬لكن إذ تشاهد الفيلم حتى نهايته‮ ‬تدرك أن المخرج إنما‮ ‬يقترح إنهم،‮ ‬وسواهم من أبناء ذلك الجيل،‮ ‬كانوا وقود الحرب العالمية الثانية تحديداً‮. ‬وهناك أسباباً‮ ‬مهمّة لطرح هذا الإستنتاج نطالعها ونصل الى مفادها في‮ ‬شبه‮ ‬يقين‮٠‬
قرية بروتستانتية غير محددة ‬لها ملامح مشتركة مع قرى كثيرة من حجمها وطبيعتها ومن دون معالم خاصّة‮. كذلك الحادثة تبدو من دون أسباب او معالم. شريط غير مرئي تم مدّه على عرض الطريق أدّى لتعثّر الحصان ونقل الطبيب الى المستشفي‮ ‬ويمر بعض الوقت قبل أن نسمع عن موت إمرأة تعمل في‮ ‬مطحنة‮ ‬يملكها البارون‮ (‬أولريخ توكر‮) ‬ثري‮ ‬البلدة الذي‮ ‬يملك المزارع ويعمل لديه نصف أهل القرية‮٠ ‬إبن القتيلة‮ ‬ينتقم معتقداً‮ ‬أن البارون له‮ ‬يد في‮ ‬موت والدته،‮ ‬وطريقة انتقامه تدمير محصول الملفوف مقتنصاً‮ ‬إنشغال القرية بحضور حفلة أقامها البارون لهم بمناسبة حصاد الموسم‮. ‬والد الشاب‮ ‬يغضب لفعلة إبنه ولاحقاً‮ ‬ما‮ ‬ينتحر شاعراً‮ ‬بالعار‮. ‬في‮ ‬تلك الأثناء نتعرّف على قسيس البلدة‮ (‬بورغارت كلاوسنر‮) ‬الذي‮ ‬يفرض سلطته بطريقة متزمّتة معاقباً‮ ‬أولاده إذا ما اعتقد أن أحدهم خالف مفاهيمه بالجلد‮. ‬معه في‮ ‬المدرسة أستاذ شاب‮ (‬كرستيان فريدل‮) ‬يقع في‮ ‬حب‮ (‬ليوني‮ ‬بينيش‮) ‬فتاة تعمل مربية أطفال لدى البارون ويطلبها من أبيها،‮ ‬في‮ ‬بلدة أخرى،‮ ‬لكن هذا‮ ‬يطلب منه إرجاء الزواج عاماً‮ ‬ولو أنه‮ ‬يوافق على زياراته‮. ‬في‮ ‬هذه الأثناء‮ ‬يتم خطف إبن البارون الصغير وضربه وتعليقه من قدميه‮. ‬بناءاً‮ ‬على ذلك‮ ‬يقرر البارون وعائلته مغادرة البلدة لبعض الوقت‮.



الطبيب‮ ‬يخرج من المستشفى ويكشف عن أن حياته ليست بطهارة مهنته‮. ‬الى جانب أنه اتخذ من إمرأة‮ (‬سوزان لوثر‮) ‬هي‮ ‬أم صبي‮ ‬معاق،‮ ‬عشيقة له،‮ ‬ولجانب أنه قد‮ ‬يكون مسؤولا عن وفاة زوجته،‮ ‬ضليع بممارسة أفعال شائنة مع إبنته الصبية،،‮ ‬وهو‮ ‬يقطع علاقته بعشيقته لأنها لم تعد تلبي‮ ‬حاجته ما‮ ‬يتيح له بفرض علاقته الشاذّة مع إبنته الضحية‮٠ ‬الصبي‮ ‬المعاق‮ ‬يتعرّض لقصاص عنيف من قِبل ذات المجهولين والبوليس‮ ‬يخفق في‮ ‬كشف الفاعلين‮. ‬لكن شكوك الأستاذ،‮ ‬وهو الذي‮ ‬يصاحب الفيلم تعليقاً،‮ ‬تقوده الى اتهام الأولاد ومن بينهم أطفال القسيس وإبنة الطبيب ذاته‮٠‬

ثبوت إفتراضي
مثل بداية فيلم‮ "‬مخبوء‮" ‬يمهّد المخرج لكل شيء بالصمت‮. ‬لكن هنا،‮ ‬أكثر من الفيلم الأسبق للمخرج،‮ ‬تكمن رغبة في‮ ‬تسجيل شهادة‮ ‬دامغة بذلك الصمت السائد فوق لون الشاشة الأسود الذي‮ ‬تظهر عليه الكتابات والعناوين تدريجياً‮ ‬وبأحجام صغيرة وتختفي‮ ‬تدريجياً‮. ‬ذلك لأنه بعد قليل سنستمع الى صوت معلّق آت من الظلمة،‮ ‬إنه كما لو أن التعليق،‮ ‬وسنسمعه بتلاوته‮ ‬غير الأدبية عدّة مرّات لاحقاً، ‬مسحوب من الذاكرة التي‮ ‬تسمح لنفسها الخروج من صندوقها للمرة الأولى‮. ‬وأول كلمات المعلّق هي‮:‬‭ ‬‮"‬لا أعلم إذا كانت القصّة التي‮ ‬أريد سردها هي‮ ‬بكاملها حقيقية‮" ‬إنها عبارة بالغة الأهمية وأهميّتها تتأكد لاحقاً،‮ ‬نحن أمام فيلم‮ ‬يسرد ما‮ ‬يدور ليس من وجهة نظر الراوي‮ (‬أستاذ المدرسة‮)‬،‮ ‬بل من ذاكرته‮. ‬أما وجهة النظر فهي‮ ‬شخصية‮. ‬بكلمات أخرى،‮ ‬لدينا فيلم مسرود،‮ ‬كمعظم الأفلام الأخرى،‮ ‬من دون سارد محدد،‮ ‬لكن لدينا في‮ ‬يالوقت ذاته من‮ ‬يدّعي‮ ‬معايشتها‮ ‬وهذا الإدعاء‮ ‬يدعم ما نراه حتى وإن كان المعلّق أبعد من أن‮ ‬يكون قادراً‮ ‬على أن‮ ‬يشهد كل شيء‮. ‬والمعلّق‮ ‬يسبقنا للتنبيه الى هذه الحالة فيضيف الى العبارة الأولى التي‮ ‬ينطق بها‮ "‬بعض ما‮ ‬يرد سمعته ولم أشاهده"‮٠‬
إذاً‮ ‬هناك بعض الوقائع‮ ‬غير الثابتة لأن طريقة ثبوتها‮ (‬الإفتراضية‮) ‬هي‮ ‬أن‮ ‬يكون هناك شاهد عيان لها،‮ ‬وعدم الثبوت هذا هو ما‮  ‬يسمح للجزء الخيالي‮ ‬من الفيلم بأن‮ ‬يعيش من دون أن‮ ‬يخون الواقع والحس المعيشي‮ ‬للحياة في‮ ‬الفترة المنشودة‮٠‬

عنوان الفيلم الألماني‮ ‬كاملاً‮ ‬هو‮:‬‭ ‬‮"‬الشريط الأبيض‮- ‬قصّة أطفال ألمانية‮". ‬ومع أن القصّة التي‮ ‬تدور،‮ ‬في‮ ‬الأساس حول كيف أن عنف الصغار ناتج عن سوء معاملة الكبار وخطاياهم بحفّهم،‮ ‬يمكن لها أن تعيش في‮ ‬تربة‮ ‬غير ألمانية،‮ ‬الا أن هناك مغزى مهمّاً‮ ‬وراء تخصيص ألمانيا بما نراه‮: ‬كون الأحداث تنتهي‮ ‬عند بداية تلك الحرب سنة‮ ‬1914،‮ ‬وبعد أن نرى كيف‮ ‬يترعرع الصغار في‮ ‬جو من الكبت والتعنيف والقسوة،‮ ‬لابد أن ندرك أن الذين تحلّقوا في‮ ‬الثلاثينات حول أفكار الحزب النازي‮ ‬ليسوا سوى مثل هؤلاء الأطفال‮: ‬عاشوا القسوة وتربّوا على كره الآخر وتأليه قيادة تربّت بدورها في‮ ‬ذات الفترة وتحت ذات الظرف القاهر للبيت والمجتمع‮. ‬أي‮ ‬من هؤلاء الأطفال قد‮ ‬يكون هتلر او أي‮ ‬فاشي‮. ‬الأكثر،‮ ‬حين‮ ‬يعمد المخرج الى الربط بين سوء استخدام الأب والسُلطة والإبن المجبر على الإنصياع‮  ‬وبين ما‮ ‬يؤول اليه الأطفال‮ ‬يوزّع مضمون رسالته المعادية لتلك السُلطة على كل البيئات التي‮ ‬تنتج التطرّف من أي‮ ‬نوع‮٠‬
وهي‮ ‬بيئات ثلاث تتعايش راضية ومتعاونة‮  ‬تحت سقف واحد‮: ‬الدين‮ (‬يعبّر عنه القسيس‮) ‬والعلم‮ (‬يعبّر عنه الطبيب‮) ‬والمال‮ (‬يعبّر عنه البارون‮). ‬يغيب عن هذا المثلّث عضو رابع هو السياسي،‮ ‬لكن صاحب المال‮ (‬الإقطاعي‮ ‬بكلمة ثانية‮) ‬ينوب عنه،‮ ‬وتحالف الثلاثة هو ما‮ ‬يرسم سياسة للحياة في‮ ‬تلك القرية التي‮ ‬لا‮ ‬يطلق عليها المخرج أي‮ ‬إسم‮ (‬لكي‮ ‬يجعلها نموذجاً‮ ‬متحرراً‮ ‬من التحديد‮) ‬كما لا‮ ‬يدع شخصياته تسمّي‮ ‬بعضها البعض بأسمائها الحقيقية،‮ ‬بل بوظائفها الإجتماعية‮: ‬البارون،‮ ‬القسيس،‮ ‬الطبيب،‮ ‬الأستاذ،‮ ‬المربية الخ‮...‬

عقدة الذنب
في‮ "‬مخبوء‮" ‬أيضاً‮ ‬يواجه رجل فرنسي‮ ‬ناجح في‮ ‬حياته العائلية والوظيفية فعل كان أقدم عليه صغيراً‮ ‬حين كذّب على والدته ما استدعى قلع صبي‮ ‬جزائري‮ ‬من المزرعة التي‮ ‬كان‮ ‬يعيش فيها وإيداعه إصلاحية‮. ‬السؤال الذي‮ ‬طرحه ذلك الفيلم هو إذا ما كان الصبي‮ ‬الجزائري،‮ ‬وقد كَبُر الآن،‮ ‬هو الذي‮ ‬يهدد حياة واستقرار الفرنسي‮ ... ‬او هي‮ ‬عقدة الذنب ونتائجها‮٠ ‬هنا،‮ ‬نعود الى أفعال الصغار من دون أن نراها‮. ‬هل هم من‮ ‬يرتكبوا هذه الأفعال حقيقة؟ كيف وهل‮ ‬يستطيعون؟ السؤال لغزياً‮ ‬لكن الفيلم ليس بوليسياً‮ ‬ولا تشويقياً‮ (‬هذا لا‮ ‬يعني‮ ‬أنه ليس مشوّقاً‮) ‬والبوليس حين‮ ‬يحضر للتحقيق حول من أوقع بالطبيب،‮ ‬ومن الذي‮ ‬فقأ عيني‮ ‬الصبي‮ ‬وخطف إبن البارون وضربه‮ (‬وكلها أفعال لا نراها باستثناء مشهد سقوط الطبيب وحصانه‮) ‬لا‮ ‬يصل الى الحقيقة بل‮ ‬يبتعد عنها‮. ‬لا حل مع القانون‮.  ‬إنها أفعال حري‮ ‬براشدين فعلها الا أنها من أفعال الصغار،‮ ‬إبناء القسيس في‮ ‬مقدّمتهم‮. ‬وما‮ ‬يفعله هنيكه بحكمة سينمائية‮  ‬هي‮ ‬إستبعاد الرغبة في‮ ‬إلقاء التبعية مباشرة على الصغار وذلك بتجنيب منحى إظهار الدوافع جليّة والجرائم المرتكبة والذهاب الى مصدر ذلك الشر‮: ‬الراشدون أنفسهم‮. ‬فالقسيس‮ ‬يضرب أولاده ويؤمن بالبراءة الطاهرة لهم التي‮ ‬يجب أن‮ ‬يفرضها عليهم بإرهاب نفسي‮ ‬يتركهم عرضة دائمة للخوف‮. ‬الطبيب هو الأسوأ‮. ‬رجل لا واعز عنده‮. ‬يعبث بإبنته جنسياً‮  ‬وربما‮ ‬يكون مسؤولاً‮ ‬عن موت زوجته،‮ ‬وكان اتخذ من أرملة‮ (‬أم الصبي‮ ‬المُعاق‮) ‬عشيقة لكن حين خرج من المستشفى لم‮ ‬يعد‮ ‬يرغب بها‮. ‬لا عجب أن الصغار أرادوا الإنتقام منه‮٠‬
في‮ ‬مشهد صاعق‮  ‬يبدأ بلقطة من خلف ظهره والعشيقة تحاول جهدها أن ترضيه بلمسه‮ (‬لا نرى الفعل‮) ‬يوقفها ويوجّه اليها تهمة أنها من البشاعة والعجز بحيث لا عجب أنه ما عاد‮ ‬يشعر بالإثارة حين تلاعبه‮. ‬تنظر اليه في‮ ‬ذهول وهو‮ ‬يوجّه إليها سياطاً‮ ‬من الإهانات وتقاوم دموعها وترد عليه قدر ما تستطيع‮  ‬لكنه الأقوى في‮ ‬المنازلة‮. ‬يهدمها ويردمها حيّة‮.  ‬
قبل ذلك،‮ ‬بعد حين وجيز من خروج الطبيب من المستشفى كان لا‮ ‬يزال راغباً‮ ‬بها،‮ ‬تلتقطه الكاميرا من ظهره أيضاً‮ ‬وهو‮ ‬يمارس الحب مع عشيقته وقوفاً‮. ‬ينتهي‮. ‬يعود الى جدّيته‮. ‬لا عاطفة‮. ‬اللقطة التي‮ ‬تشكل بداية هذا المشهد تسبقها لقطة من الخلف أيضاً‮ ‬للقسيس وهو‮ ‬يضرب إبنه الأكبر عقاباً‮. ‬مع تشابه اللقطتين،‮ ‬تكوينا ولوناً‮ ‬ومكاناً‮ (‬داخل‮ ‬غرفة بديكورات متقاربة الأشكال وذات تاريخ واحد‮) ‬تدرك الرابط المقصود والإدانة الدامغة لجيل مخطيء في‮ ‬كل ما‮ ‬يقوم به‮٠‬

عنف قاتل
هذا لا‮ ‬يمنع من لحظات‮ ‬يعبّر فيها المخرج عن طهارة موزّعة في‮ ‬مناسبات محددة‮: ‬أصغر أولاد القسيس‮ ‬يخرج من قميصه عصفوراً‮ ‬وجده جريحاً‮ ‬وهو‮ ‬يسأل أبيه‮ (‬الذي‮ ‬لديه طائراً‮ ‬يرعاه‮) ‬السماح له بتربيته‮. ‬الحوار هنا رائع وتتوقّع من الأب أن‮ ‬يرفض طلب إبنه،‮ ‬لكنه‮ ‬يبتسم له ويسمح له بذلك وشاهد هنا الإبتسامة التي‮ ‬علث وجه الطفل‮. ‬حين قام الولد الأكبر بقتل طائر الأب،‮ ‬يدخل الطفل ومعه عصفوره ويعرضه على أبيه حتى لا‮ ‬يبقى بلا طائر‮. ‬


مشهد حميم آخر‮ ‬يقع بين الفتاة المعتدى عليها وشقيقها الصغير ولو أنه عن الموت‮: ‬يسأل ما هو الموت وتجيبه بذكاء فطري‮: ‬طريقتان للموت،‮ ‬واحد أن‮ ‬يقع حادثاً‮ ‬للمصاب فيموت،‮ ‬او أن‮ ‬يموت بعد عمر طويل مضيفة أن معظم الناس تموت طبيعياً‮ ‬من طول العمر‮. ‬يسألها الطفل الذي‮ ‬تستطيع أن تقرأ كيف‮ ‬يعمل عقله محاولا فك طلاسم موضوع أكبر منه عن أمهما الميّتة متسائلاً‮ ‬إذا كان سيستطيع أن‮ ‬يراها‮ ‬يوماً‮. ‬الجواب‮ ‬يضعه على حافة البكاء،‮ ‬لكن عوض البكاء‮ ‬يزيح صحوناً‮ ‬كانت على الطاولة‮  ‬غاضباً‮ ‬في‮ ‬احتجاج فتسقط أرضاً‮. ‬
المشاهد الحميمة التي‮ ‬تقع بين الراشدين دون الصغار منزوية في‮ ‬إطار العلاقة العاطفية البريئة بين الأستاذ والفتاة الخجول التي‮ ‬يحب‮. ‬ذات مرّة‮ ‬ينحرف بعربتهما‮ (‬المستعارة‮) ‬عن الطريق المؤدي‮ ‬الى قريتها فتسأله أن‮ ‬يعود‮. ‬يوافقها لأنه لا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يخدش العلاقة التي‮ ‬بينهما بفعل‮ ‬غير اخلاقي‮٠‬
في‮ ‬هذا الإطار سنلحظ أن البراءة متفية بين الصغار‮. ‬ميشيل هنيكه بنفسه،‮ ‬وفي‮ ‬حديث أجرته معه مجلة‮ "‬سايت أند ساوند‮" ‬يقول إنه لا‮ ‬يوجد أطفال أبرياء‮ ("‬الطفل ليس بريئاً‮ ‬على الإطلاق‮") ‬مستثنياً‮ ‬الأطفال الصغار‮. ‬هنا في‮ ‬الفيلم‮ ‬يستثني‮ ‬أصغر أطفال القسيس وإبن الطبيب وكلاهما في‮ ‬عمر لا‮ ‬يسمح لهما بتكوين رغبة عدائية‮ ‬يكنزان فيهما مشاعرهما‮. ‬ويستثني‮ ‬كذلك الولد المُعاق خَلقيا وذهنياً‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يعي‮ ‬ما‮ ‬يحدث معه ولا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يدلف الى الشر لأنه لا‮ ‬يعرف السبيل الى ذلك‮٠‬
باقي‮ ‬الأولاد ولجوا حلاً‮ ‬عنيفاً‮ ‬هو الإنتقام من الآخرين،‮ ‬لكننا سنرى أنهم‮ ‬ينتقمون من الأطفال أيضاً‮: ‬إبن البارون وابن المرأة عشيقة الطبيب المُعاق والرسالة التي‮ ‬أعتقد أن هنيكه‮ ‬يريد إيصالها هنا هي‮ ‬الإنتقام طبقياً،‮ ‬من ناحية،‮ ‬وضد الضعفاء من ناحية أخرى‮. ‬في‮ ‬الفكر النازي‮ (‬الذي‮ ‬بتمديد عمر الفيلم افتراضياً‮ ‬سيؤمّه هؤلاء الأولاد وهم في‮ ‬ثلاثينات العمر‮) ‬لا مكان للضعفاء في‮ ‬بناء المجتمع‮. ‬الحزب استثنى من عملية البناء الوطني‮ ‬والقومي‮ ‬ومباديء الحزب النخبوية والعنصرية المشوّهين والمعافين والمخنّثين،‮ ‬والنساء كن الحاشية المطلوبة لإنجاب والوقوف وراء الشباب القوي‮ ‬مُلهم الأمّة الآرية‮٠‬

نسخة واحدة
الفيلم من تصوير كرستيان بيرغر بالأبيض والأسود‮ (‬والجائز أنه صُوِّّر بالألوان ثم عولج دجيتال للأبيض والأسود‮). ‬وهناك سبب مهم وراء هذا الإختيار كامن في‮ ‬رغبة المخرج جعل‮  ‬المشاهدين‮ ‬يعايشون تلك الحقبة التاريخية قدر المستطاع‮. ‬التصوير رائع‮. ‬دائما هناك تركيز على الشخصيات لا التباس فيه وتأكيد المحيط والفترة بعامل اقتصادي‮ ‬متقشّف عن طريق كاميرا محددة الحركة ومن دون أستخدام الألوان‮. ‬في‮ ‬طيّ‮ ‬الصورة‮ ‬يمكن لنا الإمعان بما لابد تطلّبه العمل من بحث وتصميم‮. ‬الصور التي‮ ‬نراها تبدو مؤلّفة‮  ‬من رحيق ذلك‮  ‬الزمان كما لو كانت مستمدّة من صور الفنان الفوتوغرافي‮ ‬الألماني‮ ‬أوغست ساندر‮ (‬1964-1876‮). ‬في‮ ‬صور ساندر التي‮ ‬باشر التقاطها‮  ‬من مطلع القرن فصوّر البيئة الواردة في‮ ‬هذا الفيلم كما ملامح ألمانيا خلال الحربين المتتاليين،‮ ‬نلحظ أن‮ "‬فوكاس‮" ‬الصورة لدى ساندر واضح ولا‮ ‬يزال‮ ‬يؤلّف هويتها،‮ ‬بينما الخلفية هي‮ ‬مجرد امتداد وفي‮ ‬حالات كثيرة ليست بذات الوضوح‮. ‬هنيكه وبيرغر ومصممي‮ ‬المناظر استعانوا بلا ريب بصوره،‮ ‬كما بمراجع أخرى،‮ ‬لعملية تحديد المكان عبر الصورة في‮ ‬كل لقطة وليس فقط عبر الملابس والزمن الذي‮ ‬تدل عليه الدراما‮٠‬
ما‮ ‬يرمي‮ ‬إليه المخرج في‮ ‬هذا الشأن وما‮ ‬ينجح في‮ ‬تحقيقه هو تأليف عمل‮ ‬ينتمي‮ ‬الى أعماله الأخرى عن طريق التذكير بعنف التاريخ الذي‮ ‬يولّد في‮ ‬الأشخاص دوافعهم وتصرّفاتهم العنيفة،‮ ‬لكن ما‮ ‬يختلف به هو ذهابه الى الأصول‮ (‬على الأقل الأصول الزمنية‮ ‬غير البعيدة جدّاً‮) ‬وتعميم الحالة‮. ‬هناك تشابه في‮ ‬كتابة وتنفيذ العدد الغالب من الشخصيات نراها تتصرّف وتمثّل كنسخ من أصل واحد‮. ‬هذا كان‮ ‬يمكن تجنّبه من دون أثر سلبي‮ ‬من أي‮ ‬نوع،‮ ‬لكن‮ ‬غاية المخرج هنا مفهومة‮: ‬هذا ليس تفعيل لدراما قابلة للتلوين النفسي‮ ‬والعاطفي،‮ ‬واللجام ليس بيد المشاهد ليقود الفيلم حيث‮ ‬يرغب هو أن‮ ‬يقوده،‮ ‬بل‮ ‬يملك المخرج،‮ ‬كونه المؤلف الكامل للفيلم،‮ ‬زمام الأمر ويمارس ما مارسه سابقاً‮ ‬مع مشاهديه‮: ‬تحويلهم الى مراقبين محدودي‮ ‬القدرة على الفعل‮. ‬قد‮ ‬يقبلون وقد‮ ‬يرفضون،‮ ‬لكنه لن‮ ‬يفعل شيئاً‮ ‬لإرضائهم على الإطلاق‮٠‬

CAST & CREDITS



DIRECTOR:  Michele Haneke
------------------------------------------------------
CAST: Christian Friedel, Ernst Jacobi, Leonie
Benesch, Ulrich Tukur, Ursina Lardi, Rainer Bock
------------------------------------------------------
SCREENPLAY:  Michele Haneke
CINEMATOGRAPHER: Christian Berger (B/W- 35 mm )
EDITOR: Monika Willi (144 min).
PROD. DESIGNER:  Christopher Kanter
------------------------------------------------------
PRODUCERS: Stefan Arndt, Viet Heiduschka,
Michael Katz, Margaret Menegoz, Andrea
Occhipinti
PROD. COMPANY:   X- Filme Creative Pool (Germany),
Wega Film (Austria), Les Films du Losange (France).


أفلام جديدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 2- SHERLOCK HOLMES  |  Guy Ritchie **
شرلوك هولمز | غاي ريتشي


أكشن [شخصية مقتبسة]  |  أميركي - 2009
روبرت داوني مرشّح لجائزة غولدن غلوبس٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المشكلة الرئيسية في‮ ‬فيلم‮ ‬غاي‮ ‬ريتشي‮ ‬الجديد،‮ "‬شرلوك هولمز‮" ‬ليس أنه لا‮ ‬ينتمي‮ ‬الى الشخصية كما أبدعها خيال كاتبها آرثر كونان دويل،‮ ‬بل في‮ ‬أن الفيلم بحد ذاته سيء لا‮ ‬ينفع معه محاولة تحديث الشخصية بشكل فاقع ومتطرّف في‮ ‬اختلافه عن الجذور‮. ‬هذا شرلوك هولمز الذي‮ ‬كنّا سمعنا به‮ (‬على الأقل‮) ‬كأذكى أترابه من المحققين وذاك الطبيب المصاحب له في‮ ‬مغامراته وتحقيقاته دكتور واطسن‮. ‬الشخصيّتان تأسستا بموجب إنسياب إبداعي‮ ‬عام ليس فيه ما‮ ‬يشذ عن القاعدة‮: ‬الأول رجل محنّك‮ ‬يعرف بالنظر الى حذائك من أي‮ ‬بقعة من الريف جئت،‮ ‬ومن العصا التي‮ ‬تحملها ما إذا كان لديك كلب ام لا،‮ ‬ويستطيع أن‮ ‬يدرك من سيطرق الباب بعد قليل بمجرّد مراجعة ما حدث قبل قليل‮. ‬أشياء تبدو‮ ‬غريبة‮ ‬يرصفها الكاتب علي‮ ‬نحو منطقي‮ ‬فتصبح قابلة للتصديق‮. ‬أما الدكتور واطسن فمثال الدماثة والطيبة‮. ‬إنه من‮ ‬يسرد ما‮ ‬يقع مع هولمز لأنه‮ ‬يصاحبه‮. ‬تركيبة أدبية بدت‮ ‬غريبة،‮ ‬ولا تزال‮ ‬غير منتشرة تماماً،‮ ‬حيث البطل لا‮ ‬يسرده الروائي‮ ‬الكاتب بل‮ ‬يسرده شخص قريب منه‮. ‬مهما‮ ‬يكن فإن هاتين الشخصيّتين،‮ ‬ورغبة في‮ ‬تقريبها من جمهور اليوم‮  ‬الشبابي،‮ ‬الذي‮ ‬غالبه لم‮ ‬يقرأ أي‮ ‬من مغامرات هولمز،‮ ‬ناهيك عن أن‮ ‬يكون سمع بها،‮ ‬تتحوّلان الى ثنائي‮ ‬فالت من عقاله ما لن‮ ‬يسعف أحداً‮ ‬لم‮ ‬يقرأ لهولمز في‮ ‬السابق،‮ ‬أن‮ ‬يقرأ عنه لاحقاً‮. ‬
روبرت داوني‮ ‬جونيور في‮ ‬الدور الأول في‮ ‬حكاية تدمجه وشبكة‮ ‬يقودها شرير صعب المراس لا في‮ ‬الإنتقام ممن قتلوه‭ ‬‮(‬نعم هو عائد من الموت شنقاً‮!!) ‬بل من العالم بأسره‮. ‬لقد أسس هذا الزعيم‮ (‬يقوم به مايكل سترونغ‮ ‬الذي‮ ‬شاهدناه في‮ "‬كيان من الأكاذيب‮" ‬لريدلي‮ ‬سكوت‮) ‬جمعية سرّية‮ ‬يريد عبرها الإخلال باستقرار العالم والسيطرة عليه‮. ‬لا‮ ‬يهم كيف طالما أنه لم‮ ‬يعد‮ ‬يهم كيف عاد هذا الى الحياة‮. ‬طبعاً‮ ‬لن‮ ‬يسمح شرلوك هولمز له بتمرير مؤامراته في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يرتاب فيه بصديقته القديمة إرين‮ (‬راتشل مكأدامز‮) ‬بعدما عادت إليه من جديد‮. ‬أما دكتور وطسون‮  (‬جد لو‮) ‬فكان قرر أن زمن العزوبية ولّى لذلك عقد القران على الزواج من ماري‮ (‬كيلي‮ ‬رايلي‮) ‬ما ترك هولمز محبطاً‮ ‬ومتوتّراً‮ ‬أكثر مما كان عليه من اللقطة الأولى بقليل‮٠‬
الأحداث لا تزال تقع في‮ ‬أواخر القرن التاسع عشر،‮ ‬لكن للفيلم زمنا آخر هو زمن مؤثرات الكومبيوتر‮ ‬غرافيكس التي‮ ‬تستخدم هنا فيبدو الماضي‮ ‬لا أثر له تماماً‮ ‬كما تغيب الملامح الأساسية من شخصية هولمز ليتحوّل صاحبنا الى لاعب كونغ‮ ‬فو ومنازل فنون قتالية‮  ‬من الدرجة الأولى‮. ‬ليس‮ ‬غريباً‮ ‬أن لا شيء‮ ‬يُذكر من عالم الكاتب دويل موجود في‮ ‬هذا الفيلم،‮ ‬فالعناوين تذكر أن الشخصيات أسسها آرثر كونان دويل،‮ ‬لكن القصّة هي‮ ‬من خمسة فرسان جدد روبرت جونسون وليونل ويغرام اللذان وضعا القصّة ومايكل روبرت جونسون‮ (‬إبن روبرت جونسون‮!) ‬وانطوني‮ ‬بكهام‮ (‬زوج شقيقته؟‮) ‬وسيمون كنبرغ‮ (‬جاره؟‮). ‬المخرج ريتشي‮ ‬لديه عدة حركات بالكاميرا‮ ‬يمارسها من أيام‮  ‬
Lock, Stock and Two Smoking Barrels
وهي‮ ‬دائماً‮ ‬توحي‮ ‬بأنه جيّد‮. ‬هنا،‮ ‬يحاول إنجاز فيلم أكبر‮ ‬يضعه في‮ ‬سماء المنفّذين المنضوين تلقائياً‮ ‬للماكينة الهوليوودية‮. ‬هذا‮ ‬يترك له مجالاً‮ ‬محدوداً‮ ‬للإبداع الا إذا اعتبرنا أن المط واللوي‮ ‬والتعقيد والكاميرا النطناطة والتوليف المتوتر فناً،‮ ‬وهو ليس كذلك‮٠
CAST & CREDITS‬


DIRECTOR: Guy Ritchie
---------------------------------------------------
CAST: Robert Downey Jr., Jude Law, Rachel
McAdams, Mark Strong, Eddie Marsan, Robert
Maillet, James Fox.
---------------------------------------------------
SCREENPLAY: Michael Robert Johnson, Anthony
Peckham, Simon Kinberg (خصيصاً للسينما)
CINEMATOGRAPHER: Phillippe Rousselot (Color-
35 mm).
PROD. DESIGNER: Sarah Greenwood.
MUSIC: Hans Zimmer
EDITOR:  James Herbert (128 min).
--------------------------------------------------
PRODUCERS:  Susan Downey, Dan Lin, Lionel
Wigram. PROD. COMPANIES: Internationale
Filmproduktion Blackbird Dritte (Germany), Lin
Pictures (US), Silver Pictures (US), Village Roadshaw
Pictures (US).


 3  - TANGLED IN BLUE | Haider Rashid ***

  المحنة | حيدر رشيد


دراما عاطفية | بريطانيا، إيطاليا، العراق، الإمارات العربية المتحدة
عُرض في مهرجان دبي السينمائي (خارج المسابقة)٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستحق فيلم حيدر رشيد الأول الترحاب  على الرغم من هفواته  كتلك المتمثّلة  في عنوان عربي لا يعبّر عن فحوى المادّة المهمّة التي يطرحها او التصوير بالدجيتال الذي يُظهر، في المشاهد الليلية غير المضاءة قصوره عن تلبية الشروط الفنية للصورة ما يجعل اللقطات معتمة لأسباب تقنية وليس لبعد فني ناضح
إنه دراما  مكتوبة بدراية لعالمها كون المخرج وكاتب السيناريو حيدر رشيد اقتبس مسرحية  قصيرة لبراد بوسن والفيلم، الذي يذكر أن الكاتب شارك بوضع السيناريو، يستعير من المسرحية  المشهدين الأخيرين من مشاهدها الثلاث: في الأول زيارة يقوم بها بطل النص (في المسرحية لا إسم له او للبطلة كذلك في الفيلم)  لصديقته في بيتها بعدما أصرّت على تعريفه بصديقة لها، وفي الثاني زيارة أخرى لصديقته بعدما أوصل الفتاة التي رغبت بتعريفه اليها، وعاد ليصارحها بأنها هي من يحب٠
لكن التغيير طال العديد من النواحي الأخرى. فيلم حيدر رشيد، إبن الناشط السينمائي عرفان رشيد، يضع بطلاً يعايش محنة وجود إضافية كونه إبناً لمهاجر عراقي  كان وضع نصّاً عن حياة أبيه و، في مطلع الفيلم، ينال الموافقة على نشره من دار متحمّسة، لكنه يُعرّض نفسه لسؤال أخلاقي (والى حد وجودي) حول ما إذا كان لائقاً نشر عمل يتعلّق بوالده الذي كان أكاديمياً قبل أن يتم اختطافه وقتله. في هذا الوقت، هناك المرأة التي يعرفها منذ فترة بعيدة والتي تدعوه للعشاء وفي نيّتها تعريفه على فتاة أخرى فلربما خرج من عزلته. هذا الوضع ينجلي عن فصل نهائي: لقد أوصل الشاب، المنطوي والمتردد أكثر الأوقات، تلك الفتاة الى بيتها من دون أن يشعر باحتكاك عاطفي، ثم عاد الى صديقته حيث تنقلب مناجاتهما الى مصارحة يكشف فيها عن حبّه لها٠
سوف لن يلحظ المشاهد أن المشهدين الأخيرين مسرحيين نظراً لأن المخرج نجح في ربط الصيغة المسرحية المكتوبة بأسلوب عمل أعلى: لديه الآن مرجعية سينمائية تجعله قادراً على صياغة موحّدة للفيلم بأسره من دون تعريضه لإنشقاق او إنقسام. والسبب في ذلك معالجة واقعية تعايش المدينة بظروفها ومشاهدها لتساهم في الحديث عن الشخصية التي نراها مغتربة رغم طول انتمائها في بلد الهجرة. منطوية وحاسبة لخطواتها رغم أنها في الوقت ذاته محبوبة من الباقين. في تلك الملاحظات استلهام من أسلوب جون كازافيتيس المخرج المستقل الذي برزت نيويورك في أفلامه الحميمة كما لم تبرز في أعمال أي مخرج آخر. وكنت أتمنّى هنا لو سمح المخرج للآخرين اكتشاف حبّه وتقديره لكازافيتيس عوض فرض ذلك عليهم بوضع صور وملصقات لأفلام المخرج الأميركي الراحل علماً بأن اقتباس تلك المعايشة  يبقى اقتباساً جزئياً وليس كليّاً لأنه لا يمكن فعل اقتباس كلي من مخرج فنان الا بنقله لقطة لقطة وهذا لم يكن مطلوباً هنا او ممارساً٠
بطلا الفيلم متعايشان مع المادة جيّداً. محترفان والتركيز على الممثل إيان أتفيلد كونه يدرك المعاني التي تحتويها الشخصية والتي عليه أن يعكسها بجوهرها من دون تزييف. في هذا النطاق يصبح الممثل مغترباً بدوره فهو إنكليزي في شخصية عربية كانت هاجرت الى العراق. اتفيلد ينجح في عدم الإتكال على إنكليزيته وفي ذات الوقت عدم محاولة خلق شخصية مغتربة كثيراً ما يساعد قبول ما يحدث. وأعتقد، الا إذا كنت مخطئاً، أن المخرج الذي صوّر الفيلم دجيتال، ترك للممثلين قدراً من حريّة الحركة في وصلات مشهدية طويلة غير مقطوعة. مثل كثيرين اليوم، لا يبدو حيدر رشيد مهتماً بأن يكون مخرج مشهد من لقطات عدّة، بل يكفيه اللقطة الواحدة التي تساعده حركة الكاميرا على الإلمام بجوّها بينما يساعده الممثلون على الإلمام بكن ما تريد إيصاله الى المشاهدين٠


CAST & CREDITS
DIRECTOR/ SCREENPLAY/
PRODUCER/ EDITOR:  Haider Rashid
-----------------------------------------------------
CAST:  Ian Attfield, Zoe Rigby
-----------------------------------------------------
CINEMATOGRAPHER:  Haider Rashid, Sandra
 Ortiz,Valencia  (color, digital)
MUSIC: Tom Donald.
------------------------------------------------------
PROD. COMPANY: Bluesun Films [UK-88 min]

سينما وثائقية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 4-  ***   شو صار؟


إخراج: ديغول عيد
الحرب اللبنانية | لبنان/ فرنسا - 2009
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ديغول عيد  ينهي فيلمه التسجيلي "شو صار؟" (الذي أنتجه الفلسطيني رشيد مشهراوي) بعودته الى فرنسا محمّلاً بألم أكبر من ذلك الذي جاء به الى لبنان حين قرر البحث عن قتلة عائلته (إحدى عشر فرداً لجانب والده وأمه وشقيقته الصغيرة) واستطاع، بعد التحريات، الوصول الى من يعتقد أنه قاتل والدته. يقول له شيئاً مثل: "كيف أنسى وجه قاتل أمي؟"  بينما تتربّص الكاميرا، سلاح ديغول عيد الوحيد، على وجه الرجل الذي تحاول ضحكته إخفاء حرجه. الكاميرا تحاصر الرجل لكن أكثر مما يفعل الفيلم نفسه٠

في بداية هذا الفيلم المثير للإهتمام، نتعرّف على ديغول يعيش مع زوجته وإبنته في جزيرة كورسيكا الجميلة. جبالاً خضراء ناضرة. مطر لذيذ. منعزل هاديء. لكن ديغول كان قد عقد العزم على أن يعود الى لبنان. إبنته الصغيرة تبكي لأنها تريد أن تذهب معه، وسترضى إذا ما بقي هو معها. لكن هناك نداءاً عليه أن يستجيب له: يريد أن يعود الى لبنان ليبحث بالصوت والصورة عن حقيقة ما حدث في قريته حين دهمت قوّات من الحزب القومي السوري تلك القرية وجمعت العديد من أهلها وأمطرتهم بالرصاص. بين هؤلاء والده وأمّه وأقارب أخرى له في تلك القرية الصغيرة

يحط ديغول في بيت شقيقته وينطلق منه في زيارات. إحدى تلك الزيارات يقوم بها الى قريب له في مركز إداري وسياسي في حزب الكتائب. يطرح عليه اسئلة حول ما حدث ومسببات المجزرة. يُقال، يسأل ديغول عيد الذي تلاحقه الكاميرا أينما ذهب، أن الإشكال بدأ حين منعت جنازة  من المرور عبر الحاجز الكتائبي في منطقة الأشرفية. لا يُنكر الكتائبي ذلك وإن كان يبرر السبب في أن الميت لم يكن ملفوفاً بعلم لبناني بل بعلم الحزب القومي السوري
بذلك، يوزّع المخرج اللوم على حزبين (واحد مسيحي والآخر علماني مع أعضاء مسيحيين كُثُر بمن فيهم صاحب الجنازة) عوض أن يكون الطرف المناويء لحزب واحد. لكن ذلك لا يقفل الباب على رغبة المخرج في الذهاب الى أقصى الحقيقة. وبشجاعة كبيرة ينطلق في الفصل الأخير من الفيلم الى تلك القرية ليزور البيت الذي كان يعيش فيه صغيراً حين وقعت المجزرة في العام 1980 خلال الحرب الأهلية. البيت مهدّم والذكريات تدهم المخرج فيبكي طويلاً وهو ينتقل من مكان الى آخر. يبكي وهو واقف ويبكي وهو سائر ويبكي وهو يصعد التلّة القريبة ليبتعد عن البيت ويدخل وسط البلدة حيث تجمّع الناس حوله بفضول وأحد هؤلاء الناس من يخبرنا الفيلم إنه قاتل والدته

فيلم هاجسي لا شك أن المخرج عانى خلاله عاطفياً ولا يزال، لكنها معاناة مسحوبة من ماضيه. من ذاكرة تمنعه من السعادة قبل أن يضع الأمور في نصابها. وهو وضع الكثير منها في هذا الفيلم. زار وحقق وكشف واتهم. لكني لا أخاله خرج من التجربة وقد حل معضلة حياته. موتاه لا زالوا موتاه، والقاتل لا يزال طليقاً.   ربما مخضوضاً بعض الشيء لكنه لم يدفع الثمن لأن الثمن ليس من نصيبه وحده. كلنا أصبنا بخدوش وجروح ورضوض من حرب كشفت عن الوحش الذي فينا. كلّنا وبلا استثناء٠

CAST & CREDITS
إخراج: ديغول عيد
المنتج: رشيد مشهراوي
تصوير: طارق بن عبد الله
موسيقا: أنجليك ناشون، جان كلود ناشون (ألوان)٠
مونتاج: كهينة عطية (85 دقيقة تقريباً)٠

B الصالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- Fahrenheit 451  Francois Truffaut   ***
فهرنهايت 451 | فرنسوا تروفو


خيال علمي | بريطانيا/ الولايات المتحدة- 1966
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو الفيلم الهوليوودي التمويل الوحيد الذي قام المخرج الفرنسي فرنسوا تروفو بتحقيقه ولاحقاً ما اعتبر نفسه أخطأ حين فعل. وهو ،نظرياً على الأقل، أخطأ فعلاً حين نذكر أنه ترك العرض الذي ساقته هوليوود إليه لإخراج فيلم "بوني وكلايد" فرفض وفضّل إنجاز هذا الفيلم.  "بوني وكلايد"  الذي آل الى المخرج آرثر بن، تمتّع بالعناصر التي تشكّل لبنة العمل الكلاسيكي الناجح، بينما احتل "فهرنهايت 451" مكانة محببة لدى النقاد (بسبب من رسالته) لكنه انضوى مع مرور السنين واليوم، وهذا النقد مبني على مشاهدة حديثة، يبدو عملاً باهتاً ليس فقط بسبب مرور الزمن عليه (هناك أفلام صامتة من العقدين الأول والثاني لا زالت تشع قيمة وحضوراً) بل أيضاً لأسباب تتعلّق بافتقار الفيلم الى معالجة أعمق، موضوعاً وشكلاً٠
تروفو لم يكن سعيداً بالعمل حتى خلال تصويره ودخل مشاحنات مع بطله أوسكار ڤرنر من ناحية وعدم معرفته اللغة الإنكليزية التي لم يكن يجيد عن إيصال مراميه لمن حوله. في الأساس، كما تكشف أوراق تروفو آنذاك، رغب في جين فوندا وترنس ستامب. جين قبلت ثم اعتذرت، ترنس ستامب تحمّس حين علم بوجود جين في الفيلم، ثم انسحب منه بعدما تبيّن له أن الممثلة الأميركية، التي كانت نجمة ذائعة الصيت بمواقفها السياسية، وجيّدة الإداء، تركت الدور. البديل المتاح أمام  تروفو هو الممثل الذي كان لعب تحت إدارته في فيلمه الفرنسي "جول وجيم"، كما البريطانية  جولي كريستي. تستطيع إذا ما كنت تعرف ملامح الممثل ترنس ستامب، تبيّن تشابه في ملامح الممثل الذي جيء بديل له. لكن لا يوجد سبب فني يدفع المخرج للتمسّك بڤرنر. التشابه بممثل آخر لم يكن يجب أن يلعب دوراً في ترشيحه رغم ما قد يجول في خاطر بعض المخرجين، وتروفو بالذات، من رغبة في الإتيان بممثل يحمل ملامح معيّنة. المشاكل  تتوّجت برغبة ڤرنر تمثيل دوره تبعاً لشخصية البطل التقليدي (ربما اعتقد أنها فرصته لشق طريقه الى هوليوود) في حين رغب المخرج في تقديم شخصية عادية في ظرف عادي او كما يُعرف بـ
anti hero
قيمة الرواية والفيلم تكمن في تشخيص حالة سُلطة فاشية تمنع القراءة عن الشعب في مستقبل ما في بلد ما (ناطق بالإنكليزية). الفيلم لا يحدد ما هي السُلطة. هل هي يمينية او يسارية او دينية متطرّفة (كل منها يصلح أن يكون المعني)  لكنه يقدّم لنا شخصية رجل إطفاء في مركز مكلّف بحرق كل كتاب يتم اكتشافه مخبوءاً في منزل ما. المنازل ذاتها لا تحترق بسبب مادّة البناء، لكن الكتب سيرمى بها في محرقة وتعدم على الفور. غاي مونتاج (ڤرنر) يشترك في الحرق عن قناعة سعيداً بنبأ اقتراب ترقيته. عند المساء يعود الى منزله. يجلس وزوجته (كريستي) أمام شاشة تلفزيون عريضة يراقب برامج ذهنية بليدة مخصصة للمرأة. لا شيء جميل في هذه الحياة ولا حتى زوجته التي تبدو أقرب الى  الدمية. حين يلتقي غاي بإمرأة خلال انتقاله بالمترو (كريستي أيضاً) تطرح عليه اسئلة بخصوص ما يقوم به من عمل. إنها مختلفة ولديها مكتبة تخفيها وغاي يبدأ بالإنتقال، بسببها، من شخص تابع للسُلطة الى آخر مناهض لها٠
الفكرة واضحة وتصل بسهولة. الكتب تنقل المعرفة وتثير الفضول وتنمّي روح الرغبة في التغيير او على الأقل من شأنها تثقيف الإنسان وتوعيته وهذا ما لا تريده السُلطة. لا السُلطة في الفيلم و-لو أتيح لها- أي سُلطة غاشمة في أي مكان من العالم. المعالجة البصرية للموضوع (تصميم المناظر، الديكورات، تصميم الإنتاج العام) شاحب وغير مؤثر. العربات المعلّقة عوض المترو الأرضي الخ... ) بدهية في سينما اليوم ولا تعني شيئاً يُذكر في قالب السينما الخيال علمية، لكن هذا الفيلم لا يقصد أن يكون فيلم مؤثرات بل يستعير قالب السيانس فيكشن ليحكي ما يريد. المؤسف أن تروفو لم يستغل القالب لكي يترك تأثيراً أفضل محوّلاً المادّة الى مباراة ذهنية حادّة وشاحناً المواقف الذهنية التي يثمر عنها الفيلم ببعض التشويق. هذا التشويق تحققه موسيقا برنارد هرمان الذي كتب لألفرد هيتشكوك طويلاً، وهي موسيقا جيّدة وتستخدم هنا جيّداً أيضاً٠ من بين الكتب التي يتم حرقها وتأتي كاميرا  نيكولاس روغ (لاحقاً مخرج معروف لفترة) على عناوين من بينها "موبي ديك"، "مرتفعات ويذرنغ" ، "ديفيد كوبرفيلد"، بإنتظار غودو" وعدد آخر من الروايات. تعليقاً على حرق الكتب يقول رئيس جهاز الإطفاء المسؤول لغاي: "من يريد ما تنشره الكتب من متاعب. من دونها الناس متساوين" ويقصد جهلاً. وهذه حقيقة، من دون كتب تتساوى مستويات البشر لتكون طيّعة مثل الماشية ونحن نمارس ذلك تبرّعاً٠

CAST & CREDITS


DIRECTOR: Francois Truffaut.
---------------------------------------
CAST: Oskar Werner (Montag), Julie Christie (Linda/
Clarisse), Cyril Cusack (Captain), Anton Diffring
(Fabian), Bee Duffell (Book Woman), Jeremy Spenser
(Man with the Apple), Alex Scott ("The Life of Henry
Brulard"), Michael Balfour (Machiavelli's "Prince").
-------------------------------------
SCREENPLAY : Jean-Louis Richard. NOVEL: Ray
Bradbury. CINEMATOGRAPHY: Nicolas Roeg (35 mm. 
Color). EDITOR: Thom Noble (112 min). MUSIC: 
Bernard Herrmann.
------------------------------------
PRODUCER: Lewis M. Allen. PROD. COMPANY: 
Anglo Enterprises. DISTRIBUTOR: Universal Pictures 
[UK/USA-1966].
 


  
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠

1 comments:

Anonymous said...

الأستاذ محمد رضا السلام عليكم ورحمة الله
قرأت نقدكم الجميل لفيلم "الشريط الأبيض" وأرجو أن أتمكن قريباً من الحصول على نسخة من الفيلم لمشاهدتها فما ذكرتم من حسناته تجعلني مشتاق جداً لمشاهدته٠
عندي سؤال بخصوص مشهد الطائر الذي ذكرته وكما فهمت من الوصف أن الإبن الأصغر للقسيس طلب من أبيه أن يسمح له بتربية عصفور صغير وأن الأب، وعلى عكس توقعاتك، وافق. ثم مات عصفور الأب فعرض الإبن الطائر الذي سمح له أبوه بتربيته. لماذا تعتقد أن هذا المشهد جميل وجيد كما ذكرت؟ وهل تم ذلك كله في مشهدين متتابعين. لو تكرّمت بشرح هذه الفقرة قليلاً وربما لأسباب شخصية ذلك أن شيئا مماثلا حدث بيني وبين أبي قبل سنوات حين كنت لا أزال ولداً صغيراً٠
شكرا لحرصكم على كتابة نقدكم الجميل في هذه المدوّنة المهمة

مصطفي بنيزيد - المغرب