Year 4/ Issue 113
السينما الأفريقية تعود بفيلم كاشف لأزمة فردية- اجتماعية
*** اليوم / Aujourd'hui
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثاني فيلم عرضته المسابقة هو "اليوم" المقدّم بإسم السنغال وفرنسا (عادة في هذه الحالات فإن التمويل الفعلي فرنسي) وهو للمخرج ألان غوميز المولود في باريس من جذور أفريقية. في أفلامه عموماً تحدّث المخرج عن شخصيات تتهاوى أمام حالات هاربة من أي ضوابط. أبطاله، كما في فيلمه القصير «أحمد» (2006) لا تجد من ينقذها من وضع ليس من صنعها، وإن كان فليس من صنعها وحدها. هنا في هذا الفيلم الروائي الطويل نجد بطله ساتسي (الأميركي ساوول وليامز) يستيقظ صباح أحد الأيام. عيناه مثبّتـتـان على الكاميرا لبعض الوقت. ينهض من فراشه. يرتدي قميصاً أحمر ثم يخرج من غرفته لغرف البيت الأخرى المزدحمة بمن جاء يرغب في توديعه. هناك والدته وشقيقه وأقارب وجيران والمناحة قائمة. لا نعرف ما الذي أوعز بأن سانسي سيموت، لكن الجميع يعامله على هذا الأساس. في باحة البيت يجلس محاطاً بالجالسين وكل لديه ما يقوله. الخطب تبدأ بالتطنيب ("أنت قلبي" تقول له والدته) ثم تنتهي بمن يهاجمه لأنه «أناني»، "متفرّد"، "لا يفكّر الا في نفسه". بعد ذلك (سبع دقائق من الفيلم) يخرج من البيت إلى الشارع فإذا بجو مختلف آخر: شبّان البلدة وشابّاتها، شيوخها وأطفالها، يخرجون فرحين به. ليس لنا علم إذا ما كانوا يعلمون أن الرجل قرر أنه سيموت هذا اليوم أم لا. فإذا كانوا لم فرحهم؟
في الحقيقة هناك اسئلة تطل برؤوسها طوال الفيلم. المخرج لا يكترث لتعريفنا بتلك الشخصيات التي يلتقي بها ولماذا اختار بطله الإلتقاء بها دون سواها. طبعاً نعرف أنه أمام عشيقته ثم لاحقاً ما يعود إلى زوجته لكن الرحلة لا تبدو مترابطة او مسنودة بدعم درامي كفيل بجعل السرد حيوياً. والأربعون دقيقة الأولى يشوبها ذلك الشعور بأن الفيلم إذا ما استمر على منواله المراقب من دون فحوى جيّد، فإنه في أفضل حالاته سيكون هدراً للوقت. لكن نصف الساعة الأخيرة هي أفضل ما فيه. الشعور بالوحدة وسط ظروف الحياة المكفهرّة، وصراخ الشارع وفوضى الإقتتال يوغل فيه ويتركه حزيناً كما بدأ. بعد ذلك، حين يؤم منزل عائلته يلتقط المخرج شواهد أخرى على وضع بطله. لقد ترك العائلة وهاجر إلى الولايات المتحدة طويلاً قبل أن يعود. لا عجب أن زوجته تتصرّف حياله ببرود شديد، وذلك حتى قبل ساعات قليلة من موته مستريحاً على كرسي في باحة البيت.
هذه المراحل من الحياة التي تمضي في يوم واحد، وذلك التطوّر الذي يضيف بعض الثراء للفيلم ليست كافية لغض النظر عن فقدان الفيلم لعناصر كان من شأنها، لو توفّرت، أن تحوّل شخصية تبدو تائهة لشخصية تبدو تائهة لأسباب أقوى. مع كثرة الاسئلة التي لا جواب لها، فإن العمل يدخل في حلقة من الألغاز وتكرار في المواقف غير المفهومة.
عبر تكديس تلك المشاهد المتناولة ببطء والمنتقلة عبر نماذج من الحالات والشخصيات المحيطة ببطل الفيلم، ينجح الفيلم في النهاية في تجسيد أزمة السنغالي مع نفسه وأزمة في الخلفية للمجتمع أيضاً. المخرج على قدر من الذكاء يمكّنه من عدم تسديد وجهات نظر مباشرة لأي منهما. بطله لن ينتحر لكنه يدرك أنه سيموت. وطنه لا ينتحر لكنه يعيش صناعياً وكلاهما يحيا بحزن وببطء وهذا كل ما طلبه المخرج غوميز من فيلمه.
No. of films reviewed 294 | No. of films reviewed this year: 9
0 comments:
Post a Comment