نقد فيلم إفتتاح مهرجان أبو ظبي | بين ترانسلفانيا وفرنكنويني


Year 4 | Issue 136
  بين الأفلام  

  «فندق بنسلفانيا» كان الفيلم الأول الذي ينجز أكثر من 40 مليون دولار في أيام افتتاحه منذ أن انطلقت عروض «صعود الفارس الداكن» في الشهر الثامن من هذا العام. كل الأفلام الأميركية التي توالت ما بين هذين الفيلمين ومنها فيلم كلينت ايستوود «المتاعب مع المنحنى» وفيلم السوبر هيرو Dredd 3D وفيلم الفامبايرز «سكن الشر: رد الفعل» تهادت بأقل من المنشود منها في عروضها الأولى. بعض هذه الأفلام لم يرتفع عن خمسة عشر مليون دولار و«درد» تحديداً جلب أقل من 12 مليون دولار في أسبوعي عروضه حتى الآن.

   لكن «فندق بنسلفانيا» فيلم كرتوني، وبالنسبة لكثيرين اللجوء إلى الأنيماشن لتعويض غياب فيلم "حي" جيّد، ليس أمراً وارداً. الغالبية لا تزال تحتشد للفيلم "العادي"، أي ذاك الذي، حسب المفهوم الشعبي، لا هو رسوم ولا هو تسجيلي. لذلك فإن التوقّـعات تعلو من جديد بخصوص فيلمين جديدين من النوع "العادي" هما «لوبر» الذي حصل على 83 بالمئة من تصويت النقاد و«مخطوفة الذي قد لا ينجح في إثارة إعجاب النقاد، لكنه مرشّـح لأن يقود الجماهير صوبه خصوصاً بعد نجاح غير متوقّـع حالف الجزء الأول قبل عامين.

  إلى جانب هذين الفيلمين هناك فيلم أنيماشن آخر هو جديد المخرج تيم بيرتون في هذا المجال هو «فرنكنويني». لكن بيرتون بات، منذ بضع سنوات، مجال حذر: أسمه جاذب إلى اليوم بلا شك وشغله المتواصل مع جوني دب (كما في فيلمه الأخير «ظلال داكنة») عامل جيّـد للمعجبين، لكن أفلامه باتت مخيّبة للآمال. ضربة على المسمار وضربة على الحافر كما يقولون. فبينما أنجز «أليس في أرض العجائب» ما توخّـاه من نجاح على قطاعي مشاهديه (الجمهور والنقاد) أخفق «ظلال داكن» في عروضه. وفي حين فرح كثيرون لفيلم بيرتون الأسبق «عروس جثّة» الا أن الرفض كان من نصيب فيلمه اللاحق «9» الذي أنتجه ولم يخرجه. وهو اشتغل منتجاً أيضاً على فيلم «إبراهام لينكولن: صائد الفامبايرز» الذي أخرجه الروسي تيمور بكمامبيتوف والذي حظي بأسبوع نجاح واحد وبكثير من الذم.

  «فرنكنويني» قد لا يختلف بدرجة دكانته (إختصاص بيرتون منذ البداية) لكن ما قرأته عنه في مجلات تقنية يشهد بجهد كبير في سبيل إتقان نوعيّته من الأنيماشن التي تستبعد الحلول السهلة عبر برامج الكومبيوتر وتعمد إلى تحريك الدمى ووسائل أخرى، كما كان فعل حين قدّم فيلميه السابقين «9» و«عروس جثّـة». وهو فيلم خال من جوني دب او هيلينا بونهام كارتر (شريكة حياة المخرج) وكلاهما ظهر في معظم ما أنجزه للآن. ربما هذا بحد ذاته خطوة جيّدة إلى الأمام.  وربما كبديل عن هيلينا هناك الممثلة وينونا رايدر، هذه الممثلة الموهوبة التي تعثّرت خطواتها قبل نحو عشر سنوات حين أمسك بها متلبّـسة بالنشل في محلات "ساكس" التي لا تقبل المزاح في هذه الشؤون. من يومها لم تعد بطلة أفلام بل مشاركة فيها فقط.



Arbitrage    ****  

مراجحة | نيكولاس جاريكي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 الولايات المتحدة2012 

 • يمكن التحيّـز لهذا الفيلم بناءاً على ما
نراه من حسنات، او ضدّه بناءاً على ما لا
نراه.
رتشارد غير

عن سيناريو كتبه بنفسه، صاغ المخرج نيكولاس جاريكي، وهو شقيق ثالث لمخرجين سبقاه هما يوجين وأندرو، عملاً تشويقياً جيّداً في معظم جوانبه مع أخطاء مهمّـة كان يمكن تحاشي بعضها على الأقل. فيلم يجمع بين المادّة الإجتماعية والخلفية السياسية. بين الحياة الخاصّـة لرجل متزوّج ولديه أسرة مثالية، وبين الحياة المهنية لمليونير بنى نفسه  بنفسه ووصل إلى الذروة. فقط ليكتشف هناك أن ما بناه بات قابلاً للهدم.
رتشارد غير يؤدي دور البطولة بمنحاه الهاديء والقابل للتصديق. طبيعي في مفردات أدائه ونقطة جذب اهتمام لا تفتر. هو روبرت الذي نتعرّف عليه في البيت والعمل. مع الزوجة ومع العشيقة. وفي فجوة ضيّقة بينهما نجده يحاول النجاة من السقوط وإنقاذ مؤسسته، بعدما كان استدان تمويلاً إضافياً لموازنة رأسمال شركته تمهيداً لبيعها [الكلمة التي يتألّف منها العنوان يعني بلغة إقتصادية "بيع وشراء السندات في وقت واحد بحيث يتم ضمان أرباح من العمليتين معاً"). في الفيلم فإن المشتري قرر أن يتمهّـل في التزامه، يعد بحضور إجتماعات ولا يصل، يبدي استعداده من دون أن يوقع. روبرت يعرف هذه الأساليب ويصبر لكنه الآن بات ملاحقاً من قبل الدائنين مطالبين بإعادة المال والا رفعوا عليه دعوى قضائية قد تؤدي ببنيانه الإجتماعي والإقتصادي إلى الإفلاس.
في هذا الوقت الحاسم يجد روبرت نفسه في ورطة أخرى: في حين أنه يحب زوجته (سوزان ساراندون) الا أنه يحب كذلك عشيقته (لايتيتيا كاستا). روبرت بهذه الصفات هو ثعلب كبير في ميدان أتيح له فيه أن يلعب فيه وحيداً. مراوغ، يسرق من خزينته الخاصّـة، يخون زوجته، لكن التحدي الذي ينجح الفيلم فيه هو أن لا شيء من هذه الصفات حاضرة هنا لكي تُـصيب هذه الشخصية إصابة قاتلة. إنه الواحد بالمئة الذي يشكو منه المواطن الأميركي كونه أثرى على كتفيه من دون أن يعود بالنفع على البلد ذاته. أحد المتسببين في كارثة 2008 الإقتصادية. لكنه في الوقت ذاته رأسمالي بنى نفسه بنفسه ولم يهبط إلى الثروة بمظلّـة. والفيلم، بمهارة وحذق، سوف لن يحاسبه من منطلق أخلاقي. يعرضه ويترك لنا محاسبته. المشكلة هنا هي أن الممثل بدوره من الحذق والمهارة بحيث يغلّـف الشخصية بستار أنيق. إنه، رغم عيوبه، رجل حنون، أب طيّب، متواضع أمام الغير على عكس التحري الذي سيلي المهووس بتحقيق العدالة، والحق معه، إنما بأي وسيلة حتى ولو كانت لا تخلو من تزييف الأدلة.
تيم روث

 وفي أحد الليالي يقود روبرت سيارته الفاخرة وبجانبه عشيقته. كان أمضى يوماً مضنياً فغفا وراء المقود للحظة كانت كافية بأن تحيد بسيارته عن الطريق وتصطدم. كسر ضلعاً في صدره، لكن جولي ماتت. يصرخ هلعاً. يفحصها فلربما كانت لا تزال حيّـة، لكنه يعود بالتدريج إلى روبرت- رجل المصالح. يريد وضع مسافة كبيرة عما حدث. هو لم يكن في السيارة التي أخذت تحترق. يتّـصل من هاتف عمومي بإبن موظّف سابق له. شاب أسود له سابقة صغيرة أسمه جيمي (نات باركر) ويرشده إلى كيف سيأتي ليأخذه من هذا المكان النائي لئلا ترصده كاميرات الطرق السريعة. على أن التحري براير (تيم روث) ينطلق في أعقاب روبرت محاولاً النيل منه بتهمة التسبب في مقتل جولي ومدفوعاً بعدائه لتلك الطبقة. براير يحاول الضغط على الشاب لكي يعترف بأنه نقل روبرت من مكان الحادث وحين لا ينفع الضغط يقوم بتزوير برهان يدين به جيمي ليودعه السجن ولو أن هذه المحاولة تبوء بالفشل.
إلى ذلك كله هناك مسألة اختلاسات تقع في شركته هو على علم بها وتضعه في مواجهة إبنته (برت مارلينغ) وزوجته التي تكشف علاقته الشائنة بعشيقته وتهدده بإفشاء سرّه إذا لم يتنازل لها ولإبنتهما عن أمواله ومؤسسته.
يوفّـر المخرج توزيعاً جيّداً لهذه الخيوط على نحو سلس وفي سياق متلاحق وشيّق. ومع أن الموضوع ليس بالضرورة جديداً، الا أن تناوله في إطار الحياة الإقتصادية الحاضرة هو الجديد.  المشكلة، ضمن هذا الإطار، موجود في النهاية التي تطرح مفاداً يمكن القبول به او رفضه (ورفضه مصيب) وهو أن روبرت سينجو من كل أفعاله لأنه ليس شخصاً شريراً في الأساس. النهاية مشغولة جيّداً وتتجاهل الموقف الأخلاقي الذي تم التعبير عنه في فيلمين رائعين سابقين عن حياة المؤسسات الإقتصادية المتسببة في الأزمة الأميركية وهما «نداء هامشي» Marginal Call [ج. س. شاندور- 2011] و«رجال الشركة» The Company Men
[جون وَلز- 2011].
لكن قدراً من الإدانة موجود حتى مع منع الممثل غير مشاهديه من تجاوز لطفه وكياسته للحكم عليه. أفعاله من خيانة زوجية إلى التسبب في جريمة قتل، اختلاساته وتمتّـعه بحياة بذخ بلا شعور بالذنب، لا تمر غير مرصودة. في الواقع، ينتابنا أن المتّـهم هنا مذنب بكل وضوح، وما بقاءه خارج العقاب والتبعات هو سبب إضافي لإدانته.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

0 comments: