أفلام مهرجان دبي 1
Life of Pie ***1/2
"حياة باي" … الرواية الأخرى…
Life Of Pi ***
فيلم «الإفتتاح» كان مفاجأة لعديدين: مسرّة للعين ومغامرة مفتوحة على إحتمالات وحبكة جديدة على الشاشة من مخرج تصدّى لرواية صعبة بعدما تراجع عنها آخرون. فحسب مصادر عالمة عـُـرض الفيلم على ثلاثة مخرجين آخرين قبل أن يوافق آنغ لي على تحقيقه، وهم الفرنسي جان-بيير جونيه والمكسيكي ألفونسوا كوارون والأميركي- ذي الأصل الهندي م. نايت شيامالان… وكلّهم اعتذروا. واضح أن بحث هوليوود بين المخرجين تم على مستوى السينمائيين غير الأميركيين تقليدياً بغية الحفاظ على جو ثقافي أشمل. آنغ لي، التايواني الأصل، أمّ المشروع وأمّـن له تلك التغطية فجوهر الكتاب هو قيام شاب بالبحث عن هويّـته الدينية ومن بعدها الوجودية في ظروف بدأت حرّة وطبيعية وانتهت إلى ظروف قاسية غير قابلة للتصديق، بإعتراف الفيلم نفسه.
القصّـة التي أمامنا تبدأ بباي والكاتب الذي يجري ما يشبه التحقيق الصحافي معه. ونعود في مشاهد فلاشباك طويلة حالما يبدأ باي سرد حكايته. نراه ولداً صغيراً لأبوين هندوسيين. والده يملك حديقة حيوان حيث يعرض باي نفسه للخطر ذات مرّة عندما يحاول إطعام نمر بنغالي. بعد حين يكون لزاماً على العائلة (الأب لا يملك أرض الحديقة لكنه يملك حيواناتها) بالهجرة وحيوانات الحديقة إلى كندا على ظهر باخرة يابانية. طبّاخها (جيرارد ديبارديو في مشهد صغير) وقح في معاملته ما يتسبب في إشكال بين والد باي (عادل حسين) والطبّـاخ. لكن الباخرة تغرق، ليس بسبب ذلك الإشكال بل لأن عاصفة جامحة هبّـت على السفينة وقلبتها. الناجون الوحيدون استقلّوا من دون تنظيم مركب خشبي أبعدته العاصفة عن الباخرة وكانت هذه هي المرّة الأخيرة التي يشاهد فيها باي (يقوم به في سن الشباب سراج شارما) والديه. هو أحد الذين إعتلوا المركب. الركّاب الآخرون هم حمار وحشي وغوريللا وضبع والنمر الذي حاول باي إطعامه قبل ذلك بسنوات. الحمار ينزوي خوفاً على نفسه والغوريلا التي كانت آخر المنضمّـين تعتلي جانب المركب وليس هناك أي خصام بينها وبين الحمار، لكن ذلك الضبع المفترس هو عدو الجميع بمن فيهم باي وحين يخفق في الهجوم عليه يستدير صوب الحمار وينهشه فيقتله ثم يقفز على الغوريلا ويجهز عليها. هنا يظهر النمر ويقتل الضبع. الآن- ولأكثر من ساعة- لا أحياء فوق المركب سوى الفتى باي والنمر (ولا أثر لعظام أو دماء!).
التعايش مستحيل. والبقاء للأقوى وباي يتعلّـم الحقائق: بسبب النمر، المسمّى بتشارلز باركر، يتعلّم كيف يدافع عن نفسه ويسعى للبقاء حيّـاً. فهو كان يدرك أنه بعد إنتهاء النمر من إلتهام كل الحيوانات التي دفعتها الظروف لاعتلاء ذلك المركب، فإنه سيستدير صوبه ليلتهمه في أول مناسبة جوع يتعرّض إليها. لذلك بنى باي لنفسه مكاناً صغيراً عائماً حتى يتحاشى التواجد مع النمر فوق المركب. أخذ باي يصطاد السمك لكي يؤمّـن للنمر طعامه، وذات مرّة تمطر السماء سمكاً طيّـاراً يتساقط كثير منه فوق المركب فيأخذ باي حصّـته سمكة كبيرة ويترك للنمر عشرات الأسماك الصغيرة يتناولها. حين ينظف المركب من أي أثر (مجدداً) يواجه باي النمر ويفرض حضوره عليه فينزوي ذاك. هذا قبل وصولهما إلى جزيرة حيث يقول باي للكاتب أنه أدرك أن الله أوصله إلى هذه الجزيرة لكي يرتاح ولكي يهاجر منها حالما اكتشف أن نباتاتها تأكل الحيوان والبشر. وهكذا يواصل باي والنمر رحلتهما إلى حين قبل أن يصلا إلى شاطيء مكسيكي بعد أكثر من 250 يوم في عرض البحر.
صدّق أو لا تصدّق، هذا ما حدث…. أو ربما هذا ما لم يحدث.
بعد سرد هذه الحكاية يفتح باي قوسين ليسرد أن المحققين اليابانيين التي بعثت بهم الشركة صاحبة الباخرة لاستجوابه في مستشفى مكسيكي لم يصدّقوا حرفاً واحداً من هذه الرواية فسرد عليهم حكاية أخرى مفادها أن باي ووالدته والطبّـاخ وأحد البحارين انتهوا إلى ذلك القارب وأن الطبّـاخ تناول أولاً جرذاً ثم التهم الطبّـاخ وأودى بحياة الأم قبل أن يتمكـّـن باي من القضاء عليه. هذه الحكاية يسردها المخرج صوتاً فقط لكنه يبرزها كإحتمال أن تكون الرواية الحقيقية لما حدث. باي يسأل الكاتب أي الحكايتين يصدّق فيقول الكاتب الأولى. ونحن، كمشاهدين، قد لا نصدّق أي من الحكايتين كوننا نشاهد فيلماً نعرف أنه خيالي، لكننا معجبين بالحكاية الأولى التي رأينا فصولها لأكثر من ساعة.
مجرد وجود حكايتين فجأة (واحدة مشاهدة والثانية مسموعة) هو إقتراح من الفيلم بأن ما شاهدناه قد لا يكون حقيقياً- على صعيد المعروض نفسه- ما يودي بمفاد الفيلم. لأنه إذا ما كان هناك إحتمال أن لا يكون ما صرف المشاهد الوقت متابعاً، وبإعجاب، حقيقياً فإن الداعي للفيلم بات باهتاً. حين تسرد نكتة تقع- مثلاً- على سطح القمر لا تضيف إليها في النهاية عبارة: "طبعاً، لم يصعد الإنسان على سطح القمر" أو إذا كانت حول رجل أمضى في الصحراء سنة من التوهان لا تريد تبرير سبب بقائه حيّـاً طوال هذه الفترة بل تمضي وتسرد النكتة التي تقوم على هذه الحكاية.
«حكاية باي» ينجح كفيلم مغامرات، كما حال الرواية التي باعت سبعة ملايين نسخة منذ صدورها، لكن الجانب الوجودي، جانب البحث عن الهوية غير مكتمل. باي هندوسي إعتنق المسيحية ثم الإسلام دون أن يهتدي (على نحو يذكّر برحلة وودي ألن في فيلم «زيليغ»- 1983)، وهو لا يزال شابّـاً إلى وجهة واحدة معيّنة. وهكذا كان حاله حين إمتطى المركب ما يوازي نوعاً بين رحلته الدينية وتوهانه في المحيط الأطلسي. المشكلة هنا هو أن باي المستعيد لذكرياته يتحدّث بلغة مسلم لكننا لا نرى كيف قاد نفسه إلى هذا الإختيار ما يجعل الخيط الباحث في هذا الإتجاه، وكما هو مقترح من قِـبل الفيلم، مقطوعاً.
النمر وباقي الحيوانات كذلك الأسماك الجانحة والطائرة كلّـها مصنوعة دجيتال ومصمموها ومنفّـذوها أنجزوا المطلوب جيّداً. وهو أيضاً فيلم بالأبعاد الثلاثة وكما هي الحال في كل الأفلام التي تنتمي إلى هذا النظام، فإن البعد الثالث يظهر فقط في بعض المشاهد وهو هنا يترك تأثيراً بصرياً ناجحاً بدوره، لكنه لا يزال غير ضروري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 comments:
Nice blog you have here, thanks for sharing this
Post a Comment