Year 5/ Issue: 163
في هذا العدد
الحرب العالمية ز | مارك فورستر
سينما الرعب تكسب فيلماً فوق المعتاد يتحدّث، من دون عنف فعلي أو رخص عن سيناريو آخر لنهاية العالم كما نعرفه | تقييم الناقد: ****
الهجوم | زياد دويري
باشر عروضه العالمية المحدودة وسط إستقبال جيد عموماً من النقاد مصحوباً برغبة المخرج توظيف موضوع حول المسألة الفلسطينية- الإسرائيلية لخدمة إعلانية وذاتية. | تقييم الناقد: ***
قبل منتصف الليل | رتشارد لينكلتر
الجزء الثالث من الحكاية العاطفية التي تقع على مدار 18 سنة والتي بدأت بـ «قبل الشروق» (1995) ثم استكملت بـ «قبل الغروب» (2004) وصولاً للفيلم الحالي | تقييم الناقد: 1/2***
جامعة الوحوش | دان سكانلون
من شركة «بيكسار» التي رفعت سقف التوقعات بالنسبة لأفلام الأنيماشن هذا الفيلم الأقل مستوى مما اعتادت توفيره. كانت التحقت بديزني ومن يومها… | تقييم الناقد: 1/2**
الطيّب والسيء والبشع | سيرجيو ليوني
معاد عرضه في لندن (متى ندخل التاريخ فنعرض تجارياً أفلاماً كلاسيكية قديمة؟) ويجمع بين كلينت ايستوود (الصورة) وإيلاي والاك ولي فان كليف في وسترن ملحمي | إفتح في «وسترن» أعلاه | تقييم الناقد: ****
World War Z ****
إخراج: مارك فورستر Mark Forster
كتابة : ماثيو مايكل كاناهان، درو غودارد، دامون ليندلوف.
تمثيل: براد بت، ميراي إينوس، دانييلا كيرتز، لودي بوكن، فانا موكووينا
تصوير: بن سيريزن (ألوان) | توليف: روجر بارتون، مات تشيس (116 د) | موسيقا: ماركو بلترامي
منتجون: براد بت، إيان برايس، ديدي غاردنر، جيريمي كلاينر
هناك القليل جدّاً من أفلام الرعب التي تدور حول الزومبيز والموتى- الأحياء التي تخرج منها وأنت تنظر حولك مترقّـباً. أخرها، قبل هذا الفيلم، كان فيلم داني بويل «بعد 28 يوم» الذي أنجزه سنة 2002 أثار الإحساس نفسه. هذا الناقد خرج من صالة العرض في مدينة لوس أنجيليس ينظر حوله ويفكّـر ما إذا كان المستقبل ينضوي على مثل هذه النهاية المفجعة: سقوط العالم في قبضة ناهشي الأجساد. «الحرب العالمية ز» ينقل المرء إلى ما بعد هذه النقطة: المستقبل- يقول الفيلم- بدأ الآن.
مهما قيل في ملابسات وظروف الإستعانة بالمخرج مارك فوستر، وعن المصاعب الإنتاجية التي حصدها هذا الفيلم في طريق إنجازه، فإن فوستر وضع على الشاشة عملاً يتميّـز بمعالجة واقعية. حتى وإن اعتبرنا أن ما نراه خيالاً وبل حتى إذا كان من المستبعد كثيراً حدوثه، إلا أن معالجته لم تقصد أن تخرق المستحيل بل تطويعه ليصبح أقرب احتمالاً. فجأة سيجد المشاهد نفسه شريكاً فيما يدور من زاوية أن الفيلم لا يسخر ولا يمزح ولا يفضي إلى درب من البطولات وليس هدفه تقديم فرضياته كخيال بل ينقلها إلى حيّز واقعي يجعل المشاهد غير مرتاح لما يراه.
من اللقطات الأولى، براد بت (في دور خبير سابق عمل لصالح الأمم المتحدة)، يتابع ما يدور على شاشة التلفزيون. لا نسمع تفاصيل الخبر الوارد لكنه ونحن ندرك أن هناك شيئاً غير عادي يحدث. يحاول جيري (بت) الإنصات لما يدور، لكن أصوات زوجته والأولاد يمنعه من ذلك عن دون قصد. أنهم يحضّرون أنفسهم لرحلة بسيارة العائلة التي- في المشهد التالي- نراها وسط زحمة سير لا تبدو عادية.
تابع بداية المشهد. التوتّـر الذي نلحظه على وجه جيري (عنونة عن زوجته وأولاده) هو التوتّر الذي يعترينا. نستمده من معرفتنا بسبب هذا الزحام وما يحدث في الخلفية وما يدور الفيلم عنه. نحن نعرف أكثر مما يعرف جيري، لكننا سنعتمد على أدائه لكي نبقى على خط التوتر العالي.
فجأة المخاوف تتأكد. جموع البشر تركض. الناس تترك سياراتها وتحاول الهرب. إنفجار بعيد. شاحنة زبالة تنطلق متقدّمة ساحقة في اندفاعها الهارب السيارات الصغيرة. جيري يدرك. العائلة لا زالت تتساءل… ثم هاهم الزومبيز يظهرون بين الناس يتسابقون على نهش الأحياء الذين يسقطون موتى لعشر ثوان ثم يعاودون الحياة كزومبيز.
يفلت جيري وعائلته من الخطر المحدق. يقودون حافلة إلى خارج المدينة ثم إلى منطقة سكنية غمرها الزومبيز. عليهم الصعود إلى سطح المبنى لكي يستطيعوا ركوب المروحية التي سيتم إرسالها لهم لنقلهم إلى ظهر بارجة حربية في عرض البحر (من غير المحتمل وصول الزومبيز إليها). في المبنى تتعرّض العائلة لهجوم هي والعائلة اللاتينية التي استضافتهما. جيري قبل ذلك كان دخل متجراً منهوباً وانتزع بندقية وبها أخذ يدافع عن نفسه والجوار. العائلة اللاتينية تسقط في الوباء بإستثناء إبن صغير سيأخذه جيري معه وسيصبح إبناً بالتبني.
على ظهر البارجة تسند إليه، وهو كان خبيراً عاملاً في الأمم المتحدة، مهمّة الذهاب إلى كوريا للبحث عن دلائل كون الحالة الأولى سُـجّلت هناك (في الرواية الحالة الأولى سجّـلت في الصين، لكن الفيلم خاف منع الحكومة الصينية للفيلم فتم تعديل ذلك).
هنا يدخل الفيلم فصلاً آخر: تحط الطائرة في ليلة ماطرة في قاعدة عسكرية أميركية باتت بدورها مسيّـجة بالموتى الأحياء. هناك شيء خاص في هذا الفصل من حيث أن المطر المنهمر والليل الكالح يزيدان من الشعور باليأس من إمكانية فعل شيء. يظهر الزومبيز كشلالات من المخلوقات التي ليس هناك ما يوقفها. لا تشعر فلا تخف. ما نتعلّمه هناك هو أن العسكري سوف لن يسمح لنفسه بالتحوّل إلى زومبي إذا ما وصلت إليه أنياب البشر. سيقتل نفسه على الفور.
من كوريا إلى الوطن الفلسطيني المحتل. ها هي إسرائيل بنت جداراً عالياً جدّاً (وهي لديها خبرة في بناء الجدران) في مدينة القدس لمنع دخول الزومبيز. جيري يشعر بأنه أخيراً ما وجدت دولة ما حلاً قد يكون نافعاً. الجنود الإسرائيليون يتابعون دخول العرب واليهود إلى القدس للإحتماء فيها من البوابة الوحيدة. داخل المدينة يتظاهرون فرحين، لكن لا أحد يدرك أن الزومبيز وصلوا إلى الجدار. مئات منهم سوف تشكل قاعدة يصعد عليها مئات آخرين فإذا بهم يعتلون الجدار ويهاجمون الجميع… حتى إسرائيل لن تكن سالمة.
سأترك ما يلي ذلك، والفيلم لا زال في منتصفه لمن سيشاهد الفيلم. هذا سيناريو من باب أوّل لكن حتى أصبح كذلك تعرّض لإعادات كثيرة. لا أعرف أي نسخة تلك التي اعتمدت أو من كتبها تحديداً، لكنها تقوم على مفاصل جغرافية. من مدينة فيلادلفيا إلى كوريا ومن كوريا إلى فلسطين ومن فلسطين إلى ألمانيا في الفصل الأخير. ما يضطر الفيلم للقفز فوقه هو توفير سبب يؤهله للبحث عن النهاية السليمة لإيقاف هذه الجرثومة المسببة لعدوى الزومبيزم. الفيلم لا يمنح المشاهد سبباً، لكنه إذ يفعل يستعيض عن السبب بوضعنا المباشر أمام الحالة. لا يهم السبب، يقول الفيلم، تعالوا نرى ما يحدث.
براد بت لا يمثّـل الدور كما لو أنه سوبرمان ينقذ العالم ولو أنه ينقذ العالم فعلاً إذ يجد المصل المضاد. الفارق هو أن البطل الخارق سيستخدم وسائل غير منطقية لتحقيق غايته (قد يطير، قد يقضي بضربة واحدة على دزينة أعداء أو أكثر الخ…) لكن المنهج هنا هو تقديم رجل عادي وبراد بت يفهم المطلوب ويؤمنه. هذا التأمين يتجانس مع غاية الفيلم في أن يكون بدوره قابلاً للتصديق، نظرياً أو إفتراضياً. وما ينجزه مارك فورستر تماشياً هو الإبتعاد عن الرخص في استخدام المواقف والإقلال من سطوة المؤثرات ووضع كل شيء في إطار الحدث ذاته. والنتيجة أننا نعايش ما يقع أكثر قليلاً مما نتفرّج عليه.
واحد من حسنات الفيلم هو انضباطه. ليس هذا وقت الضحكات وجمل الفكاهة التي تميد عادة بالقيمة المتوخّاة. هؤلاء الذين يطلبون التنفيس عن التوتر بنكتة ما عادة ما يتمنون عكس ذلك بعد قليل من تلك العبارات المكتوبة للغرض. هنا أمام فيلم لا يكترث لأن يسليك على الهامش. وينجح في ذلك إلى حد بعيد. كذلك هو فيلم كوارثي عن نهاية العالم اليوم أو في الغد. وإذ انتشرت منذ أن قام جورج أ. روميرو بتحقيق «ليل الموتى- الأحياء» سنة 1968 إلا أن القليل منها أنجز لهذا النوع من الأفلام ما حققه روميرو في ذلك الفيلم، وما يحققه فورستر هنا.
The Attack ***
إخراج: زياد دويري
كتابة : محمد مولسهول
تمثيل: علي سليمان، إيفينجيا دودينا، ريموند أم سالم، أوري غافرييل، ربي سلامه
تصوير: توماسو فيرويللي (ألوان)| توليف: دومونيك ماركومبي ( 102 د) | موسيقا: إريك نيفو
منتجون: رشيد بوشارب، جان بريهات.
مضطر لأن أترك الجانب السياسي من قضية قيام المخرج اللبناني زياد الدويري بتصوير الفيلم في إسرائيل، وعما إذا كان ذلك يعتبر خيانة للقضية أو لا. أولاً لأن الفيلم فيه ما يكفي من الطرح السياسي لكي نتداوله، وثانياً، لأن هذا ليس من إختصاص هذا الناقد الا من زاوية واحدة هي إنتاجية محضة: زياد الدويري أراد إستحواذ الفرصة المتاحة له: مشروع يعد بأن يعيده إلى الأذهان بعد غياب سنوات حقق فيها فيلمين فقط هما «بيروت الغربية» (الذي لم يخل من حسنات في مواجهة سلبيات) و«ليلى تقول» الذي لم يترك أثراً يُذكر. أعتقد أنه دفع نفسه بسهولة لقبول العمل كون العناصر الإنتاجية صارت جاهزة. السيناريو النهائي موافق عليه والتمويل حاضر… الشرط الوحيد هو أن يتم تصوير الفيلم في داخل إسرائيل. وزياد لم يستطع أن يفوّت الفرصة ويقول لا. بذلك ضحّى بمباديء نفترض أنه ترعرع عليها لقاء طموح لم يتحقق. بمثل سياسية مقابل وعود إفتراضية قد تدفع صوبه ببعض الأعمال التجارية الأخرى، لكنها ستكون كهذا الفيلم عبوراً غير ذي أثر.
عن رواية للكاتب الجزائري محمد مولسهول الذي يوقّـع أعماله بإسم ياسمينة خضرة (سبق له وأن وضع القصّـة التي قام بإخراجها الجزائري عكاشة تويتا تحت عنوان «موريتوري»- فيلم جيد مرّ من دون تقدير يٌـذكر). تم نقل أحداث هذا الفيلم. الكاتب معجب دائم بشخصياته النسائية ووضع رواية بطلتها إمرأة فلسطينية تستجيب لدواعي القضية وتفجّـر نفسها وسواها من ركّـاب حافلة من المدنيين في قلب تل أبيب. وحسب مصادر، لم يعترف موسهول بالسيناريو الذي تمّ كتابته عن روايته معتبراً أن المنتجين غيّروا الحكاية لتناسب مفهومهم السياسي حول الصراع الفلسطيني. والمخرج نفسه يقول أن السيناريو واجه مصاعب قبول إذ تمت إعادة كتابته أكثر من مرّة قبل أن يجهز للتصوير. بعد مشاهدة الفيلم يحق للناقد أن يتساءل ما إذا كانت التنازلات تتابعت مع كل نسخة فإذا بالبطولة النسائية تتحوّل إلى فعل أرعن وإذا بوضوح القضيّـة يصبح فعلاً للنيل من الفلسطينيين.
بعض هذا يتضّح في القصة: الزوج (علي سليمان) جرّاح فلسطيني من عرب الداخل وصل إلى قمّـة المجد مع مطلع الفيلم إذ احتفى به الجسد الطبّي الإسرائيلي. في الليلة ذاتها يقع إنفجار كبير وتهرع سيارات الإسعاف بالمصابين ويقرر الفيلم أكثر من مرّة أن معظمهم من الأطفال (كما لو أن إصابة الكبار مبررة!). ما يكتشفه الزوج سريعاً يذهله: زوجته هي التي أقدمت على العملية. لا يصدّق في مطلع الأمر ويواجه المحققين بذلك، لكنه يتحقق من الموضوع ويدرك أن تلك المكالمة الهاتفية التي استلمها قبل صعوده المنصّـة في حفلة تكريمه، والتي أدرك حينها أنها آتية من زوجته، كانت لتخبره فيها كلمات وداع مناسبة.
في محنته الحالية تقف إلى جانبه إمرأة يهودية متفهّمة لكن حتى ولو لم تكن فإن الفيلم قرر أنه الحق لن يكون على كل الإسرائيليين (أصدقاء وزملاء والمحققين والجيران على حد سواء) إذا نظروا إلى الطبيب نظرة عداء وريبة. لقد منحوه ثقتهم، إحتفوا به، إعتبروه واحداً منهم، وها هو- نظرياً على الأقل- شريك في جريمة مروعة.
الآن عليه أن يبحث عمن قاد زوجته إلى حتفها. من "ضحك" عليها وأوعز لها بهذا الفعل لا لشيء إلا لأنه وضعه في موضع حرج. مع إنتقال البحث إلى نابلس يتهاوى العمل أكثر ليس سياسياً فقط (لا يأتي بمقابل سياسي من الحجم ذاته) بل كفكرة. قضيّة الفلسطيني المثارة لا تشكّل واعزاً مقبولاً هنا. حتى وصول الزوج في بحثه إلى ركام مخيم جنين الذي دكّه الإسرائيليون وهو المشهد الذي يريد منح الفلسطيني بعض التبرير لمحاولة الإنتقام، يأتي متأخراً وغير ذي نفع.
يبدأ الفيلم من الإحتفاء بالجرّاح وتقديم جائزة شرفية في حفلة تكريم كبيرة يلقي فيها الطبيب، وأسمه أمين جعفري (إسم العائلة ليس- تقليدياً- فلسطيني لكن ذلك ربما عائد لعدم معرفة الكاتب والمخرج لذلك) كلمة يتحدّث فيها عن تقديره للجسم الطبي الذي احتفى به. بعد ذلك يعود للمستشفى وقت إنفجار "إرهابي" يقع في مكان غير بعيد. وما تلبث الأبدان المدمّـاة أن تصل إلى مباضع الجراح الماهر أمين الذي يحاول إنقاذ حياة مزيج من البشر بينهم رجال ونساء وأطفال. في الحصيلة سبعة عشر قتيلاً بينهم إحدى عشر طفلاً (يقول الفيلم شفهياً). عالم الجرّاح ينقلب رأساً على عقب، فالأدلّـة تشير إلى أن زوجته سهام (ريموند أم سالم) هي التي قامت بالعملية. وفي معالجة قابلة للتصديق، يقرر الفيلم أن الزوج لم يكن يعلم أن زوجته التي أحب منذ سنوات بعيدة كانت على علاقة بالخلايا الإرهابية وإنها قد تكون متورّطة في هذا الحادث. يُـساق إلى التحقيق. يمر بفترة تعذيب (عدم السماح له بالنوم، ضجيج موسيقي، أنوار قويّـة) ثم يطلق سراحه ليجد نفسه أعزل في مواجهته المجتمع الذي عاش فيه واعتبر نفسه جزءاً منه. لابد القول إن الميزان مائل إلى الوجهة الإسرائيلية. لا أحد يمكن له أن يوافق على النيل من المدنيين في أي نزاع والعملية الإنتحارية لزوجة الجرّاح كانت من هذا النوع. هنا يشرأب الموقف الإسرائيلي برأسه عالياً، فما تقوم به السلطات من تعنيف لأمين في محاولتها معرفة الحقيقة هو، في عرف المشاهد أيضاً، معذور. هذا مجتمع بحاجة لحماية من "الإرهابيين".
أمين على مفترق طريق الآن. صحيح إنه خرج بريئاً من تهمة معرفة غايات زوجته أو إلمامه بتورّطها الا أن الصحيح أيضاً أن الحادثة تركته عارياً من معظم الصداقات ومن العمل ومن إحترام المجتمع له ("قاتل أطفال" كما الكلمات العبرية التي كُـتبت على جدار منزله). لابد له أن يذهب إلى أهل زوجته في نابلس لإستقراء الحقيقة. ليعلم من كان وراء تجنيد زوجها. والشكوك الأولى تحوم حول الشيخ مروان الممتنع عن مقابلته. التحذير يوجّـه إليه بالعمالة وبأن وجوده في نابلس إنما قد يجذب المخابرات الإسرائيلية فيكون بذلك طعماً لرصد الحركة. المشهد الأهم من حيث محاولة خلق معادلة بين موقفين متناقضين يدور بينه وبين راعي الكنيسة (رمزي مقدسي) (كون زوجة الجراح مسيحية) الذي يطلب منه أن يفتح عيناه على الواقع وأن ينظر إلى كيف يعيش الفلسطينيين في هذا الجزء من الأرض في مقابل حياته التي لم تعد ترى سوى إستغلال ما وصلت إليه من مكانة: "تشعر بأنك محظوظ كون المجتمع الإسرائيلي أنعم عليك بالقبول" مذكّراً إياه بأنه قبول مشروط.
في النهاية أمين العائد إلى تل أبيب يجد نفسه وقد انشطر إلى قسمين: لا يزال ضد الإرهاب، لكنه بات يعرف الدوافع التي تحدو بفلسطينيي الضفّة القيام بمثل تلك الأعمال.
فكرياً يحمل الفيلم سذاجة (خصوصاً وأنه لا يتعمّق سياسياً في المبدأ الذي يتمحور حوله) والقسم الثاني محاولات لضم الموقف الآخر إلى صلب الفيلم لكن المحاولة لا تنجح في رأب الصدع الناتج عن نصفي الفيلم: واحد بالعبرية يدور في الداخل والآخر بالعربية يدور في الضفّة. الأول يظهر مدينة لها كل مزاياها العصرية وإسرائيليين لهم كل الحق في رد الفعل حتى ولو كان المتّـهم جرّاحاً نال التقدير الرسمي ("منحناك أوسكار المهنة التي أنت فيها"، كما يقول له المحقق)، والثاني يظهر تلك الحياة الفوضوية التي يعيشها الشارع بعشوائيته وزحامه والشخصيات الرمادية التي يلتقي أمين بها.
فنيّـاً، الفيلم مثل بطله يقف على حياد موضوعي. هناك قدر من التشويق لكن الفيلم ليس تشويقياً. وقدر من السياسة من دون أن يلج الفيلم أسباب قضيّته على نحو مثمر. ما هو بارز في هذا المضمار القدرة على حشد الدراما التي تفوح من السيناريو وتجسيدها بصرياً على نحو صحيح.
ما يلاقيه بطل الفيلم من حالة فصام داخلية هو ما عاناه الفيلم بأسره. هناك الجمود عند اللحظة التي على الفيلم أن يقرر في أي إتجاه يريد إلقاء الحجرة الأخيرة، أفي إتجاه الفلسطينيين كخطر على الوجود الإسرائيلي، أو على الإسرائيليين كمحتلّـين وممارسين لعمليات سقط خلالها من الجانب الفلسطيني أكثر مما سقط من الإسرائيليين. الفيلم لا يقرر، والمشهد الذي يمشي فيه بطله أمام ركام مخيّم جنين المدمّـر لا يجسّـد سوى حجارة متراكمة. طبعاً يوعز بأن هناك سوابق للصراع لكن المسألة بأسرها تبقى أشبه بقارب في عرض البحر تتجاذبه وركّـابه الأمواج المتلاطمة.
أداء علي سليمان، وهو من فلسطينيي الداخل بدوره، جيّـد. لديه الحضور القوي الذي طلع به حين قام هاني أبو أسعد بتحقيق «الجنة الآن»، ذلك الفيلم الذي قدّم سليمان للعالم، وذلك البارع الذي وفّـره لنا في فيلم «الجمعة الأخيرة» للأردني يحيى عبدالله (فاز عنه بجائزة أفضل ممثل في العام الماضي).
Before Midnight ****
إخراج: رتشارد لينكلتر Richard Linklater
كتابة : رتشارد لينكلتر
تمثيل: إيثان هوك، جولي دلبي، سيموس دايفي فتزباتريك، جنيفر بريور.
تصوير: كريستوف فودوريس (ألوان)| توليف: ساندرا أدير (108 د) | موسيقا: غراهام رينولدز
منتجون: رتشارد لينكلتر، كريستوف كونستانتاكوبولوس،سارا وودهاتش.
في العام 1995 قام المخرج الأميركي رتشارد لينكلتر بتقديم فيلم صغير عنوانه «قبل الشروق» أسند بطولته فيه إلى إيثان هوك وجولي دبلي. هو كاتب أميركي واعد أسمه جسي وهي إمرأة فرنسية أسمها سيلين. كلاهما «غريبان في القطار» (أستعير هنا عنوان فيلم شهير لألفرد هيتشكوك) المنطلق من بودابست إلى فيينا والوقت يمضي وهما يتبادلان الحديث. مع وصولهما إلى فيينا، يقترح جسي أن تشاركه التجوال في المدينة إلى حين تقلع الطائرة به عائداً إلى بلاده. يقول لها: "ربما بعد عشر سنوات أو عشرين سنة ستستيقظين من زواج غير سعيد وتتساءلين كم كان الأمر سيختلف لو أنك التحقت برجل آخر". لكن جسي مفلس حالياً وعليه فإن كل ما يستطيعان القيام به هو السير في أرجاء المدينة والحديث طوال الليل لحين توجّهه إلى المطار فجراً.
بعد تسع سنوات يلتقي جسي وسيلين مرّة أخرى وفي فيلم آخر صُـمّم ليكون تكملة للفيلم السابق. بات عنوان الفيلم الثاني «قبل الغروب» ونجد جسي قد وضع رواية واحدة وهو حط في باريس لحضور حفلة توقيع وها هي سيلين بين الموجودين، ترقبه مبتسمة. ينتبه لها ويتذكّرها. حال إنتهائه من توقيع النسخ يخرجان معاً في شوارع المدينة ويمشيان في أزقّتها وشوارعها ويستقلان مركبة تمضي بهما فوق مياه نهر السين كأي سائحين. الحديث هنا، في معظمه، هو كاشف عما حدث ما بين 1995 و2004 في حياة كل منهما. جسي يخبرها بأنه تزوّج ولديه صبي صغير وأنه يبحر تجاه الإكتفاء بالكتابة الروائية، وهي تخبره بأنها زارت أميركا وتعرّفت على صديق وانخرطت في مجال العمل دفاعاً عن البيئة. لكنه في الوقت ذاته هو عن الآن. الوضع الحالي. يلتقط بطليه في الزمن الحاضر لنرى ما الذي يمكن أن يحدث معهما وقد باتا معاً… هل سيفترقان من جديد؟ هل هما سعيدان؟ ما هي المسؤوليات الملقاة على كتفي كل منهما حيال الآخر؟
إذا كانت حوارات الفيلم الأول كشفاً للشخصيات في مرحلتها الآنية، فإن حوارات الفيلم الثاني جاءت كشفاً لخيبات أمل اعترضت كل منهما وتركته غير راض تماماً عن حياته الخاصّة. «قبل الغروب» إنتهى بسؤال واضح عما سيكون عليه مستقبلهما بعدما أشبعا ماضيهما وحاضرهما بحثاً.
الآن، وبعد تسع سنوات أخرى، يأتينا الجواب على ذلك السؤال. نلتقي بجسي وسيلين مرّة ثالثة في فيلم جديد للمخرج ذاته، لينكلتر، بعنوان «قبل منتصف الليل». هذه المرّة لا يتواعدان على لقاء بل هما زوجان قادمان معاً إلى اليونان حيث سيمضيان فترة إستراحة. وهما يصلان مع إبنتيهما التوأمين وإبنه من زوجته السابقة (التي لا نراها) التي نفهم أنها أصبحت مدمنة شرب. جسي وسيلين يبدوان سعيدين بحياتهما وفي أحد الحوارات يتعجّبان من كونهما صمدا معاً كل هذه السنوات.
الفيلم الجديد يكمل ولكن من غير المعروف بعد إذا ما كان سينهي قرابة عشرين سنة من متابعة المخرج لحياة شخصيّتين خياليّتين بأسلوب طبيعي يقترب من أسلوب سينما المؤلّفين الفرنسيين إن لم نقل يندمج بها. رتشارد لينكلتر هو إريك رومير وروبير بريسون مع تعديل. الممثلون الذين يقفون تحت إدارته هم في الواقع أكثر إثارة للمتابعة من أولئك الذين وضعهم رومير في بعض أفلامه أو بريسون في كل أفلامه (كون بريسون كان يصر على تجريد ممثليه من كل فعل تمثيل).
كنوع كل واحد من أفلام لينكلتر الثلاثة، وعلاوة على كونه فيلم- مؤلف، هو قصّـة حب رومانسية أصبح ممكناً الآن تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء كل جزء يتبع مرحلة معيّنة من حياة بطليه. والمعالجة الفنية مناطة بكاميرا تلاحق من أمامها من زوايا مختلفة لتحيط بهما وهما يمشيان ويتكلّمان. هناك الكثير من المشي والكثير من الكلام، برنّة طبيعية وبحوار يبني الدراما كما قلّما يفعل حوار آخر في أي فيلم سابق. وكان الإيراني عبّاس كياروستامي قبل أربع سنوات قدّم حكاية عنوانها «نسخة مصدّقة» من بطولة وليام شيمل وجولييت بينوش مسحوبة من حبكة الجزء الثاني من ثلاثية لينكلتر «قبل الغروب» على إعتبار أن «نسخة مصدّقة» يبدأ بحفل لكاتب في جولة ترويج (كما كان حال جسي في الفيلم الآخر) يتعرّف على فرنسية تعيش في مقاطعة توسكاني ويمضيان الوقت بعد ذلك في أحاديث طويلة. كما في «قبل الغروب» هناك تقمّـص لحالة غير واقعة بينهما ضمن لعبة تخيّـل ثم هناك بالطبع الكثير من مشاهد «الحكي والمشي» المتوفّرة، ولو أن كياروستامي يستعمل «الحكي وقيادة السيارة أيضاً».
من مطلع الفيلم حتى نهايته يحافظ إيثان هوك وجولي دلبي على مستوى إدائي جيد. هما من يدعيان أنهما هما، كما لو أنهما بالفعل الشخصيتين اللتين نصرف الوقت على متابعتهما والإستماع إلى ما يشغلهما.
Monsters University ***
إخراج: دان سكانلون Dan Scanlon
كتابة : دان سكانلون، دانيال غرسون، روبرت ل. بيرد.
أصوات: بيلي كرستال، جون غودمان، ستيف بوشيمي، هيلين ميرين، ألفرد مولينا
تصوير: جان كلود كالاش (ألوان)| توليف: كريغ سنايدر (110 د) | موسيقا: راندي نيومان.
منتجون: رتشارد لينكلتر، كريستوف كونستانتاكوبولوس،سارا وودهاتش.
تأثير ديزني، التي إبتاعت بيكسار، واضح على هذا الفيلم الذي هو من إنتاج الأولى عبر الثانية. ليس أن الفيلم منفّذ كرسومات ديزني، بل لأن الوجهة ما عادت كما كانت في الماضي، تحمل فكراً جيّداً يصاحب الشخصيات المرسومة. طبعاً «مونسترز يونيفرسيتي» هو جزء ثان (على نحو معيّـن) لفيلم من 2002 هو «مونسترز إنك» Monsters Inc. لكن القلب في هذا الفيلم تائه.
في واقع الحكاية، فإن الأحداث التي هنا تعود لما قبل الأحداث في الفيلم السابق لنتابع طفولة واحد من تلك الشخصيات العجيبة (لا هي حيوانات ولا هي حشرات ولا هي بالطبع بشر) وكيف أنها أرادت أن تصبح مخيفة تبعاً لتقاليد أترابها. ثم ننتقل بعد سنوات حيث نرى ذلك المخلوق في الجامعة يشارك الغرفة مع آخر مثله أسمه بوغس (ستيف بوشيمي) ويواجه معه شرور الأستاذ جيمس (جون غودمان). ضمن هذا المحيط تتوالد الشخصيات الأخرى. النسيج متكامل لكنه ليس آسراً إلا لمن يجد في تلك المخلوقات سبب إحتفاء ما.
الفيلم بالأبعاد الثلاثة وهو مليء بالتفاصيل المصنوعة تقنياً ما يجعل الصورة النافرة مزعجة لمن لا يزال يفضل الأفلام مسطّـحة. الرسم الدقيق والألوان الكثيفة تمنحان الفيلم حضوراً والشاشة إمتلاءاً، لكن الحكاية لا دلالات مهمّة لها خارج حبكتها ما يجعل المتابع يتذكّر كيف كان الحال مع «إيجاد نيمو» و«سيارات» و«راتاتويل» وسلسلة «توي ستوري».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ