يوميات شهرزاد | صديقي الأخير | ملف العدد: 5 أفلام لكيت بلانشيت | Like Father, Like Son | Rawhide


يوميات شهرزاد 
    *****
إخراج:  زينة دكّـاش
تسجيلي لبنان (2013)

سيناريو: زينة دكاش | تصوير: جوسلين أبي جبرايل (ألوان)  | موسيقا: خالد مزنر | توليف: ميشال تيان  (80 د) | المنتج:  زينة دكاش
نقد: محمد رُضا


لهذا الفيلم التسجيلي نحو من العمل مثير للإهتمام لا يتوفر بسهولة، وأحيانا كثيرة لا يتوفر بالمرّة، لدى الكثير من الأفلام التسجيلية أو الروائية: الكاميرا تحكي بمفردها ما لا تحكيه الكلمات. تذهب إلى أبعد ما تعنيه العبارات وإلى ما بعد المشهد ذاته، فتخط سبيلها المنفرد في استكشاف المكان وشخصياته من دون أن تتوه أو أن تنفصم أو تضعف من أهمية ما هو ماثل مباشرة.
في منطقة بعبدا اللبنانية، حيث القصر الجمهوري بالطبع، يكمن سجن بعبدا للنساء ولا يمكن تعريفه بأكثر من ذلك: النساء اللواتي يعشن فيه هنّ إما محكومات وإما بإنتظار الحكم عليهن. إحداهن (عفاف) دخلت وخرجت منه وإليه عدّة مرّات لكنهن جميعاً يشتركن في العيش لجرائم أو لتهم من نوع القتل أو تعاطي أو تجارة المخدّرات و(واحدة ربما) بتهمة الزنا. الغائب هو القانون الذي ينتصر للمرأة حين تتعرّض للعنف والضرب من الزوج أو من الأب، وكلّـهن، تقريباً، تعرّضن لذلك، وأجساد بعضهن تحمل آثار العنف الذي مورس عليهن. في مجتمع منفتح (أو هكذا معروف عنه) لا زال الرجل حرّاً في أن يخون زوجته بينما تدخل هي السجن لو سمحت لنفسها بذلك. الرجل حر أن يضرب إمرأته لكنها لا تستطيع أن تنتقم مهما بلغت ضراوة ما تتعرّض إليه. القصص الجامعة التي ترويها السجينات في معظمها (هناك واحدة فقط تتساءل إذا ما كان الحق ربما على المرأة) هي قصص إضطهاد من الطفولة وإلى اليوم. بعضهن يبكي وبعضهن يضحك لكنهن جميعاً تحت وطأة سنوات من الجور والحرمان.
المخرجة زينة دكّـاش، التي أسست «المركز اللبناني للعلاج بالدراما»، تقوم بما وهبت نفسها إليه: علاج الذوات المعذّبة بالدراما. عدد من هؤلاء السجينات يرتدين زياً ملوّناً متشابهاً ويستقبلن ضيوفاً من الرجال والنساء جيء بهم لحضور نوع من المسرحية (أقول نوع لأنها مسرحية إلقاء وليست مسرحية حدث) التي تتولّـى فيه السيدات السجينات الرقص والتعليق. 
كان المخرجان الإيطاليان باولو وفيتوريو تاڤياني سبقا، في سنة 2012 ، المخرجة اللبنانية إلى صنع فيلم تسجيلي أيضاً حول سجناء خطرين سمّـياه «سيزار يجب أن يموت». طلبوا من بعضهم تأدية مشاهد من «جوليوس سيزار» لوليام شكسبير. ما قام به ذلك الفيلم هو بلورة الموهبة المخفية لدى البعض وصقلها بحيث، وكما يعبّـر أحدهم، لم يعد يستطيع العودة إلى ذاته الأولى بعد أن جرّب الفن. المخرجة اللبنانية تعالج الجريمة بالفن أيضاً: تدرّب النساء على الفلامينغو والإلقاء وسبر الغور لاستخلاص الموضوع الذاتي الذي ستعبّـر عنه، فإذا بعدد كبير منهن يبدين أكثر مما هو متوقع وعلى نحو يفجّـر مواهب شخصية في كل ذات. كاميرا جوسلين أبي جبرايل أكثر من حاضرة لقراءة الوجوه والتعابير وتفاصيل الحركة المعبّـرة عن إحساس اللحظة. وهي، الكاميرا، تمنح الفيلم في ديكوره الداخلي الذي لا يمكن التعامل معه إلا من حيث أنه ديكور سجن، الكثير من الحضور لوناً وإضاءة. وفي مرّات تترك كل شيء وتسجل صوراً من الحاضر فاتحة خطّـاَ موازياً لما يقع. هذا هو المقصود بأن الكاميرا تحكي بمفردها. تكوّن مفردات لغوية وتعبيرية خاصّة بها وغير تلك التي تتابع فيها النساء الجالسات أمام الكاميرا أو في حلقات بحث.
المخرجة دكّـاش أذكى من أن تقع في العاطفي والخطابي، لكن ذلك لا يمنع أن بعض القصص التي ترويها النساء، بعض تلك التعابير الخاصّة، وبعض الوقائع المسرودة تترك تأثيراً عاطفيا وإنسانياً جامحاً في الذات ليخلص الفيلم لسؤال حول المجتمع ونمط التعامل الإنساني مع نساء ليست بينهن من واحدة ولدت وفي ذاتها شر.

Like Father Like Son    
الإبن كأبيه
    *****
إخراج:   هيروكازو كوريدا  Hirokazu Kor-eda
دراما اليابان (2013)
أدوار أولى: ماساهارو فوكوياما، ماشيكون أونو، يوكو ماكي، ريرف فورانكي.
العنوان الأصلي: Soshite chichi ni naru

نقد: محمد رُضا


إعتاد المخرج الياباني هيروكازو كوريدا معالجة المواضيع التي تتحدّث عن الإشكالات العائلية. في «لا أحد يعرف» (2004) تناول حكاية الأم التي ترعى أربعة أولاد ثم تقرر أن تختفي من حياتهم تاركة إياهم في الشقة بمفردهم. في «لا زلت ماشياً» (2008) عن أولاد يقمن بزيارة البلدة التي يعيش فيها والديهما. وقبل عامين حقق «أتمنّـى» عن شقيقين ينفصلان حين تأخذ الزوجة أحدهما ويأخذ الزوج الآخر عند طلاقهما. معاملة من يوزع حصصاً من ثروة أو أثاث منزلي.
هنا الفيلم عن ولدين تم استبدالهما حين الولادة بحيث ترعرع إبن العائلة الفقيرة في حضن العائلة الميسورة وإبن هذه ترعرع كإبن العائلة الفقيرة إلى أن تم إكتشاف الحقيقة. الفيلم لا يتوقّـف عند الإكتشاف (الذي يتم في حدود الساعة الأولى أو نحوها)  بل يستمر ليعرض ما سيلي ذلك فيما بعد. 
كوريدا وجد، في «الإبن كأبيه»،  زاوية مختلفة للحديث عن عائلتين تجمعهما معضلة واحدة: لقد أقدمت ممرّضة في لحظة غيظ على إبدال وليد ذكر لعائلة بوليد ذكر لعائلة أخرى وكتمت فعلها عن الجميع إلى أن وصلت إليها العائلتين بحثاً عن السبب. 
الفيلم يأتي على ذكر السبب (واهناً في مجمله قامت به الممرضة قصداً) لكنه يبني عليه الوضع بأسره. ففحص طبّي يظهر أن لا نونوميّا (فوكوياما ماساهارو) ولا زوجته ميدوري (أونو ماشيكو) هما والدا هذا الطفل النابع الذي بلغ ست سنوات من العيش المترف بينهما. وبالبحث تم الإهتداء (سريعاً!) إلى طفل آخر اعتقد أهله إنه إبنهما بينما هو إبن العائلة الأولى. الإبن الأول، وأسمه كايتا (كايتا نينوميا) ينعم ببحبوحة والديه المعيشية. يعيشان في فيلا كبيرة (ولو أننا نشاهد بعض غرفها فقط) ويتعلم لعب البيانو. سيكشف الفيلم لاحقاً على أنه كان مفتقداً لحضور أبيه المشغول بعمله في المكتب طوال الوقت. الثاني، وأسمه ريوسي (شوغن هوانغ) يعيش بين أشقائه المنتمين لعائلة أقل يسراً لكنها الأكثر تلاحماً وألفة. والعائلتان توافقان على عملية استبدال فتأخذ كل عائلة إبنها الخاص بها. 
إذ تتم العملية تكشف عن أوضاع أخرى خصوصاً في معسكر العائلة الثرية، فهما رغم محاولتهما التأقلم مع الوضع الجديد وقبول ريوسي كإبنهما، إلا أن قلب الأم والأب لا زال مع الطفل كايتا الذي ودّعاه. في المعسكر الآخر فإن الوضع ليس متأزماً لأن الأب يعرف سراً لا يعرفه نونوميّا ويطلعه عليه: "عليك أن تكون حاضراً لإبنك. كل واحد يستطيع أن يكون مكانك في العمل لكن إبنك ليس لديه أب آخر سواك".
معالجة هيروكازو سهلة. المونتاج هنا مرتاح لدرجة أن المرء يكاد يشعر بقدر من الملل لكن أسلوب معالجة المخرج للموضوع ينقذ الفيلم دوماً من الرتابة. يؤكد أهميّـته المتوالية. ما يربط المشاهد إلى العمل هو حبكة المشكلة المثارة وتداولها بين الفرقاء المختلفين والأوجه المتعددة في خانة ردّات الفعل وما تؤول إليه الأحداث كاشفة جديداً رغم بعض الرتابة. بالتدريج يتبلور دور الأب نينوميّـا إلى محور رئيسي تبعاً لاختيار الفيلم له لهذه الغاية. الأرجح أن المخرج- الكاتب كوريدا أدرك أن عليه أن يمنح أحد الوالدين مجالاً أكبر من التناول لأن هذه الدراما عليها أن تتبلور داخل شخصية واحدة أكثر من سواها. إختياره للأب الميسور صحيح من حيث أن الأب الفقير لم تكن لديه مشكلة في بث حبّـه للصبي الذي آل إليه، بينما عانى إبن نينوميّـا من إنصرافه عنه.
هذا فيلم عن تمزّق أسري مختلف. الزوجان متعاطفان وباقيان معاً ومشتركان في مواجهة الأزمة الناتجة. كذلك يلقي الفيلم ظلاله على الولدين من حيث صعوبة قبولهما وتأقلمهما. في واحد من المشاهد يبدأ ريوسي بقبول الوضع الجديد. نراه يلعب مع أبيه (الفعلي) نونوميّا قبل أن يقرر في لحظة مراجعة تناسب عمره، الهروب إلى أبيه الآخر. في الوقت ذاته يشعر الأب (نونوميّا)  بأنه بات محروماً من إبنه الذي ليس منه بيولوجياً وأن تعويضه بإعادة إبنه البيولوجي إليه لم يلغ شعوره بالحب للإبن الآخر. رغم كل ما في الفيلم من لحظات عاطفية إلا أنه لا يسقط مطلقاً  في أي ميلودراما.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

0 comments: