Her | American Hustle |

 ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Year 7 | Issue 186
  نصب أميركي American Hustle    
*****
الولايات المتحدة (2014) | إخراج: ديڤيد أو راسل
نقد: محمد رُضــا

لكي تحقق الحكومة أغراضها تستعين بنصّـاب محترف في كوميديا
حول شخصيات هي دوماً حقيقية في عالم هو دوماً مزيّـف!

في اللقطة الأولى من فيلم ديفيد أو راسل الجديد «نصبٌ أميركي»، تتحرّك الكاميرا من على جانب رَجل مرتفعة عن مستوى الأرض بالتدريج. خلال حركتها تلك تكشف عن كرش كبير ثم تنتهي والرجل واقف عند المرآة يضبط شعره. إنه يحاول إخفاء صلعة في منتصف رأسه عبر لصق شعر مستعار. يضع الخصال فوق رأسه ثم يعالجها بمادة لاصقة ثم يرتّـبها في النهاية على نحو يوهم الناظر أنه شعر حقيقي. 
إنه إرفينغ روزنفلد (كرشتيان بايل) يقوم بعملية نصب على نفسه. يوهمها بأنه لا زال يملك كامل شعره ويحاول إخفاء الواقع بأن شعره الحقيقي غادر رأسه ولا يزال يتساقط. هذا النصب ليس الوحيد، لكنه دال على عمليات نصب كثيرة يقوم إرفينغ بها. فهو نصّـاب محترف يعتاش من مهنته التي يمارسها بنجاح وإنتظام كبائع للوحات مزيّـفة. لديه ثلاث أو أربع محلات لغسل الملابس هي الواجهة، لكن لديه تلك المهارة في إقناع من ينصب عليهم بأنه يبيعهم لوحات أصلية ثمينة. 
مكتب التحقيقات الفدرالية (FBI) يعلم ذلك لكنه يستعين به للمساعدة بإيقاع عدد من السياسيين لكشف فسادهم وتقاضيهم الرشاوى. العميل المنبري لذلك هو ريتشي (برادلي كوبر) الذي يتعرّف على روزنفلد بعدما تعرّف ذلك على سيدني (آمي أدامز) وانجذب نحوها في شعور متبادل.  علماً بأن روزنفلد متزوّج ولديه منها طفل. زوجته روزالين (جنيفر لورنس) لا تُـطاق. على قدر من طيبة القلب لكن بكثير من الضباب في الرأس.  
الأحداث، التي يذكر الفيلم أن بعضها وقع فعلاً، تعود إلى سبعينات القرن الماضي عندما قام المكتب بالإستعانة فعلياً بنصّـاب حقيقي (أسمه مل واينبيرغ) للغاية ذاتها. آنذاك تم تجنيد عميلين للأف بي آي لتقمّـص شخصيتي عربيّـتين وهميتين وتقديمهما لحاكم ومسؤولي مدينة أتلانتيك سيتي على أساس أنهما يزمعان دخول عالم مؤسسات القمار جنباً إلى جنب العصابات المنظّـمة. للقيام بذلك، عليهما الحصول على تغطية من عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي. هؤلاء وقعوا في الفخ المرسوم أو، بالأحرى، في عملية نصب قام بها نصّـاب واشترك فيها مكتب التحقيقات الفدرالية كشريك كامل والغاية النيل من فاسدين يحتلون تلك المراكز الرسمية. 
فيلم أو راسل يحافظ على هذا الهيكل لكنه يغيّـر كثيراً في هيئته. يرممه بالكامل.
الناتج عن هذا التعاون هو عمل مشترك بين روزنفلد وصديقته سيدني والعميل المستتر ريتشي الذي يجد نفسه منجذباً إلى سيدني التي تراقصه وتداعبه وتتدلل عليه لكنها تتمنْـع عن ممارسة الحب معه. لا يشرح المخرج لماذا تفعل ذلك. هل ليست واثقة من أنها تريد الإرتباط بعميل للحكومة؟ هل تفعل ذلك نتيجة فتور علاقتها بروزنفلد؟ الأرجح، والأكثر إنسياباً مع الفيلم، أنها تنصب بدورها على العميل لكي لا يودعها السجن محافظة على مسافة بينهما ولو أقصر من المسافة الناشئة بينها وبين روزنفلد. لكن المهارة هي في معالجة هذه الورطة العاطفية المثلّـثة وجعلها بمثابة عين العاصفة التي نتابعها. 

بإنضمام ريتشي إلى إرفينغ روزنفلد (لاحظ يهودية الإسم كما يهودية الشخصية التي بنيت عليها مل وانبيرغ) وسيدني عليه أن يجيد النصب، لكنه لا يستطيع. ليس من ذلك الفصيل. على العكس من ذلك يكاد ينسف الغطاء برمّـته عندما يتسرّع أمام محافظ المدينة كارمن بوليتو (جيريمي رَنر) محاولاً رشوته. ينقذ إرفنغ الموقف سريعاً ويصبح أهل ثقة لدى المحافظ. نوبات الثورات العاطفية التي تجتاح ريتشي تزداد جنوحاً (يضرب رئيسه- تمثيل لويس س. ك) وينفلت من عقاله الأخلاقي محاولاً المستحيل للوصول إلى سيدني، لكنه في نهاية الأمر هاهو ما زال ساعياً حثيثاً لعملية تتطلّـب الإستعانة بعربي مزوّر (مايكل بينا) عوض عربي حقيقي (سعيد تاجماوي). العربي المزوّر مكسيكي- أميركي من أبناء المدينة لا يعرف سوى كلمتي «السلام عليكم». وعندما يضمّـه مجلس مع أحد أقطاب المافيا (روبرت دينيرو) لا يتفوّه بكلمة ردّاً على أسئلة دينيرو التي يفهم العربية ويتحدث، على نحو ما، بها.
هذا هو مشهد من مشاهد عدّة جيّـدة التوضيب والتأليف. مشهد آخر هو الذي يجمع بين روزنفلد وريتشي في متحف عام عندما يأخذ الأول الثاني إلى لوحة متقنة ويقول له "إنها مزيّـفة. هل الفن إذاً عند الفنان الأصلي أم عند المزيّـف؟» ويضيف: "الناس تصدق ما تريد أن تصدّقه". 
في أكثر من ساعتين هناك الكثير من الأحداث لجانب ما هو مسرود أعلاه. هذا الفيلم هو كوميديا من تلك التي تتعامل وشخصيات هي دوماً حقيقية في عالم هو دوماً مزيّـف. المحور عاطفي: علاقة روزنفلد بسيدني التي تتطوّر أولاً نحو تباعد ثم تعود فتقترب عندما تتدخل زوجته وترتكب خطأ وراء آخر، وعلاقتها بريتشي التي تبدأ بعيدة ثم متقاربة ثم تبتعد مجدداً قبل أن ينتهي ريتشي إلى وضع صعب داخل مؤسسته.
مثل Goodfellas  الذي حققه مارتن سكورسيزي سنة 1990، ومثل فيلم سكورسيزي الحالي «ذئب وول ستريت» يعمد «نصب أميركي» إلى سرد الحكاية عن طريق صوت لاعبيها الأساسيين. إنه راي ليوتا في الفيلم السابق وليوناردو ديكابريو في الفيلم الحالي، لكنه يأتي على لسان شخصيّتين هنا هما إرفنغ وسيدني. 
لك أن تراقب أداء الجميع بعناية. كلّـهم جيّدون لكن جيمي رَنر أفضل من أن ينتهي بلا ترشيح لأوسكار أفضل ممثل مساند. للأسف كوبر يفرض عليك أن تكرهه عوض أن تكرهه طواعية. لكن كرشتيان بايل أمر آخر.
في واحد من المشاهد تقول له عشيقته أنه ليس "بالشيء الذي يستحق النظر إليه". ليس وسيماً بالضرورة، ويملك كرشاً، ويرتدي ملابس تقليدية حتى في ذلك الحين وشعر رأسه مصطنع كحياته. بايل يجسّـد كل هذه الأمور من دون هزّة واحدة تكشف عدم قناعته أو إنفصاله عن الشخصية. لكن راقبه مرّة أخرى، هناك بعض الحركات التي يقوم بها تذكّـرك بحركات دينيرو تحت إدارة سكورسيزي. وهذا ليس الأمر الوحيد الذي يذكّـر بسكورسيزي، هناك عالم العصابات غودفيلوز») والسرد المنضبط بإدارة حكيمة من دون أن يكون ثقيلاً. في الحقيقة شاهد «ذئب وول ستريت» ثم «نصبٌ أميركي» وتجد نفسك أمام أسلوب متقارب جدّاً.



هـ Her    
*****
الولايات المتحدة (2014) | إخراج: سبايك جونز
نقد: محمد رُضــا

في المستقبل القريب سيكون عالمنا خال من العطف وآيل
إلى حياة من الفراغ الدائم… يقول هذا الفيلم.

كلمة Her لا تعني «هي» (ولو أضطررنا لاستخدام «هي» إيجازاً) بل- وكما يعرف العديدون- هي هاء التأنيث للغائب كما في Her face أي وجهها. عليه فإن ترجمة عنوان الفيلم يصح أن يحمل حرفاً واحداً هو «هـ». هذا ليس إشكالاً في أي لغة غير الإنكليزية ولغات لاتينية أخرى على الأرجح، إلا إذا توقفنا عند العنوان من دون فهم فعلي للسبب الذي من أجله سمّـى المخرج سبايك جونز فيلمه هذا بـ Her.
إنه صوت سكارلت جوهانسن ذلك الذي نسمعه آتياً من الخيال الجانح (أو سمّـه الواقع الإفتراضي إذا شئت). ليس لها وجود فعلي، بل هي نتيجة نظام حاسوبي يتم إطلاقه في مستقبل قريب (وإن غير محدد) يتيح لمن يرغب بناء علاقة مع شخصية وهمية عبر الإنترنت. هو (في هذه الحالة ثيودور كما يؤديه واكين فينكس) حقيقي. هي ليست حقيقية. هذا سوف لن يمنع إنغماس كل في الآخر عاطفياً. بعد ساعات قليلة من تبادلهما الحديث يقعان في الحب. لكن ما هو حب الشخص الوهمي أساساً، أليس حبّـاً وهمياً فعلاً؟ أمام هذا السؤال كيف ننظر إلى حب ثيودور إلى تلك الشخصية الوهمية؟ هل يمكن أن يكون حبّـاً حقيقياً كما لو كانت العلاقة مع إمرأة من لحم ودم؟
ثيودور يعيش، قبل هذا الوضع، حياة وحدة. ما يحيط به في شقّـته فراغ كبير. وما يحيط به في العالم الخارجي فراغ أكبر. لديه مكتبة في حجزة الجلوس. أنظر إلى رفوفها، معظمها خال. ثيودور يعيش كما لو كان إنساناً آلياً صاغته الحياة المقبلة على هذا النحو. وحيد ومفرغ وآلي الحركة وثيابه هي ذاتها معظم الوقت. المرأة التي تزوره عبر الإنترنت هي استكمال لعالم يعيشه. حين افتقر ثيودور لعلاقة عاطفية صحيحة. حين وجد نفسه وحيداً وغير اجتماعي قفز على الفرصة لتكوين صداقة مع أنثى غير موجودة.
المخرج سبايك جونز تعامل سابقاً مع صدامات شخصيات تعيش حالات وهم نتيجة أوضاعها الخاصّـة. لا يزال فيلمه «أن تكون جون مالكوفيتش» يتردد بين جوانب هذا العمل لناحية غرائبية تكوين الحبكة (The set-up). هنا يرمي المخرج نظرة مساندة على حياة شخصية (حقيقية) أخرى، تلك التي تؤديها آمي أدامز. إنها جارة ثيودور التي ستتزوج من صديقها لتثبيت علاقة تبدو لهما متينة، لكن هذه العلاقة تنهار. الآن الجارة وحيدة. لكن لا هي ولا ثيودور سيقفزان مباشرة إلى علاقة. هو مشغول وهي متعبة مما حدث لها. كلاهما محبطان.

الفيلم ليس لكل مشاهد. قد يكون عليك أن تسبح مسافة طويلة قبل أن تستمتع بالماء… وقد لا تستمتع. موضوعه عالمنا الخالي من العطف والآيل إلى مستقبل خال من العلاقات الصحيحة. هذه وحدها رسالة رائعة يجسّـدها واكين فينكس كرجل ذي روح مجروحة يلجأ إلى وهم جميل يلطمه في النهاية. شغل جونز هاديء النبرة حتى الهمس. تصاميم المشاهد من ديكورات وألوان باهتة كالحياة التي تنتظر الجيل المقبل (إذا ما استمرينا نسير على هذا المنوال التقني المفروض علينا). أماكن التصوير الداخلية والخارجية لا يوجد منها ما هو مبهج وحيوي. حتى مشهد الشاطيء حيث ينتشر الرجال والنساء للتمتع بالشمس (ليس بعيداً مداخن صناعية) يجيء مصفرّاً وبنيّـاً كالحاً. الكاميرا لا تلتقط جمال الأجساد النسائية لأن بطلها ليس هناك لكي يرقبها، بل تحيط بعادة إجتماعية مستمرّة وتلقائية. حين يستلقي ثيودور على الرمال يستلقي بكامل ملابسه مبتسماً راضياً بالحديث للشخصية الوهمية التي يسمع صوتها. هنا تعلم إنه رجل منته. لكن ثيودور لا يُـراد به أن يكون حالة خاصّـة. المنظر اللاحق لرجال ونساء عديدين مثله يكشف عن وباء مماثل حيث الحياة ستستمر لكن المشاعر فيها ستكون مثل بقع المطر. تجف سريعاً.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3 comments:

Anonymous said...

استاذ محمد
سعدت بهذه الزاوية الجديدة التي تقدمونها في هذا الموقع الأثير. لكني لا اعرف لماذا هي محصورة في الستينات. اعتقد أن ناقدا بخبرتك الواسعة ومشاهداتك يستطيع ان ينتقل بين كل سنوات السينما ولن تعدم وسيلة لذلك. للعلم أنا أنا أستاذ جامعي سابق وقد تجاوزت الستين سنة وكنت دائما ما
منيت نفسي بان أصبح مخرجا او كاتبا سينمائيا. موقعك كله وهذه الزاوية
تحديدا تعيديني إلى شبابي وتجعلني استعيد ما شاهدته وهو كثير وافتقد ما لم تتح لي مشاهدته ايضا. بارك الله فيك وشكراً لما تقدمونه من افادة لنا جميعا ومن كل الاعمار ولكل الأجيال

جاسم عبدالرحمن الرشيد- بغداد

Anonymous said...

لو اتبعنا منطقك بالترجمة لضح أن تكون الترجمة ها وليس ه فاقتراحك هو ترجمة لـ his.

أنا شخصيا كنت أحب أفلام يخرجها سبايك جونز ويكتبها تشارلي كاوفمان مثل أن تكون جون مالكوفيتش أو المعالجة adaptation وكان هنالك حديث عن مشروع فيلم مشترك بينهما قبل سنوات لكنه لم يتم (أشك أنه في النهاية كان فيلم مجاز مرسل الذي أخرجه كاوفمان بنفسه) ولو قارنا مثلا بين الفيلم الذي كتبه وأخرجه كاوفمان والفيلم الذي كتبه وأخرجه جونز نجد أنهما حين تعاونا كانت الأفلام أفضل. فيلم مجاز مرسل تجريبي أكثر من اللازم ويذهب في "الميتا" إلى حد يجعل دماغك يتفجر بينما فيلم ـها فليس تجريبيا بما فيه الكفاية برأيي وهو يعبر عن حالة تكنولوجية عابرة أكثر مما يعبر عن طبيعة بشرية خالدة... هذا رأيي الخاص.

Unknown said...
This comment has been removed by the author.