نقد أفلام اليوم والأمس | Transcendence | Farewell, My Lovely |

Year 7 | Issue 191
1/2***  Transcendence  

تفوّق
إخراج: والي فيستر   Wally Pfister  
        النوع: خيال علمي| الولايات المتحدة (2014)
        ممثلون: جوني دب، ربيكا هول، مورغن فريمان، بول بيتاني، شيليان مورفي.
نقد: محمد رُضــا 

 في فيلمه الأول هذا، يطرح المخرج والي فيستر
أسئلة عنيدة تتجاوز الخيال العلمي إلى مستقلبنا
على الأرض.

ما أن حط «تفوّق» على شاشات الولايات المتحدة وسواها، حتى إنبرى الحديث عن كيف أن ممثله الرئيسي جوني دَب قد خسر الموقعة كنجم شبّـاك. على الرغم من أن هذا الحديث ليس ممنوعاً ولا هو خارج إهتمام المتابعين، إلا أن على المشاهد أن يترك التفكير في متاعب الممثل المادية ويشاهد الفيلم لذاته. هذا حري بجعله يقدّر الفيلم أو لا يقدّره بحد ذاته. 
«تفوّق» فيه الكثير مما يمكن تقديره وبعض الإخفاقات أيضاً. ستجد نفسك أمام فيلم يتجاوز نوعه كخيال-علمي ليتحدث عن عالمنا اليوم و-لو صدّقنا- الغد. إنه واحد من تلك الأفلام التي تصل بكل ما فيها من غزارة أفكار إلى المشاهد من دون إرتباك. وإذا كنت تذكر The Looper وكيف أنه احتار كيف يمد يده إلى أذنه، ستدرك ما أعنيه.
هناك بداية لافتة: نقاط ماء على زجاج نافذة وأضواء سيارات معكوسة. اللقطة ستظهر مرّة أخرى قبيل نهاية الفيلم. سيكون لها وجوداً أفضل هناك، أما هنا فجزء من مقدّمة نعيش فيها حقبة ما بعد التكنولوجيا الحالية (آمين يا رب!). ها هي ضاحية بركلي، قرب مدينة سان فرانسيسكو تعيش بعد خمسة أعوام من نهاية عصر الكومبيوتر نتيجة أحداث سيكشف عنها الفيلم لاحقاً قبل أن يعود إلى الوراء.
لدينا ول كاستر (جوني دب) الذي صنع لنفسه مجداً من خلال عمله على علم جينيات الكومبيوتر التي يراها أكثر أهلاً وتقدّماً من الجينيات البشرية. إنه يعرف (أكثر مما يجب) عن موضوعه وعن الذكاء الإصطناعي وكيفية نقل الذكاء الإصطناعي إلى الأحياء ليخلق منهم جيلاً أكثر تفوّقاً ممن هم على الأرض من سائر البشر. وهو لم يحقق كل شيء وحده، بل شاركته الجهد زوجته العاشقة له إيڤيلين (ربيكا هول).
هناك منظّـمة، يُـقال عنها إرهابية تقودها إمرأة أسمها بري (كايت مارا) هدفها حماية العالم من التمدد التكنولوجي وهي تقوم بإغتيال عدد من العلماء العاملين في هذا الشأن. ول نفسه يُصاب برصاصات لا تقتله، ما سيقتله السم الكيميائي الزعاف الذي سينتشر في دمه. هو وزوجته كانا ابتكرا نظاماً ضخماً وحين يموت يصبح على زوجته الحصول على أدوات هذا البرنامج الإلكتروني والهرب به بعيداً عن الإرهابيين وإلى جانبها صديقهما ماكس (بول بيتاني). من شأن هذا البرنامج استرجاع ول كاستر فهو مات جسداً لكنه روحه التحمت مع التكوين الإلكتروني المدمّـج وها هو يظهر على الشاشة يرى ويُـرى.
ليس هذا فقط، بل أن لديه برنامجاً للبشرية وهو يبدأ بتنفيذه للتو: يطلب من زوجته شراء بلدة صحراوية صغيرة (الحياة فيها ميّـتة) وبناء مختبرات لعمله الهادف إلى استبدال الإنسان بالهجائن الإلكترونية. هناك ساعة ونيف من بعد هذه النقطة أتركها للقاريء كي يكتشفها بنفسه إذا ما أراد.
المخرج والي فيستر يخطط مشهداً مع بول بيتاني وربيكا هول

الأفلام التي وردت إلى عقلي (بشري مئة في المئة) تتمدد من «فرانكنستين» إلى «ذ ستوكر» ومن «2001: أوديسا الفضاء» إلى "Her" وحتى A.I: Artificial Intelligence  على ذلك «تفوّق» بعيد عن أن يكون نساجاً فعلياً أو نقلاً لأي من تلك الأفلام. ما هو مشترك هو البحث عن فكرة الإنسان وكيف يمكن صنع إنسان من صنوه إذا ما كان ذلك مستحيلاً. د. فرانكنستاين صنع رجلاً جمعه من أجزاء وأطراف مقطوعة ثم لاحقه يريد تدميره بعدما أدرك خطره. في فيلم ستانلي كوبريك «2001: أوديسا الفضاء» يتكلّـم هال محاولاً إستمالة الإنسان الوحيد الذي بقي على قيد الحياة في تلك المركبة البعيدة (وفي «تفوّق» نسمع صوت جوني دب أكثر مما نراه بعدما تحوّل إلى شخصية أقل من بشر وأكثر من إفتراضي. في كل هذه الأفلام أسئلة عن الروح (وفي فيلم أندريه تاركوڤسكي أحداث تقع بعد نهاية العيش الإعتيادي للإنسان وتحوّله إلى هائم يبحث عن ذاته وروحه) وفي «تفوّق» يضع كاتب السيناريو جاك باغلن السؤال مبكراً وينجح في جعله محوراً من محاور الفيلم المتعددة، فالعالم ول يتحدّى الجالسين في محاضرة يلقيها في مطلع الفيلم تعريف الحياة وأين تكمن. هذا سيكون تمهيداً لتأكيده عن أن الروح لا تموت وهي تستطيع أن تعيش في كائن إلكتروني.

"لكن الأرض لن تكون كما كانت، وكما 
تعوّدونا لها أن تكون… هي بدورها لن
تكون عضوية"

ما يسعى السيناريو لدفعه إلى عيون وأذهان مشاهديه متشابك بعض الشيء. لجانب طرح السؤال حول التقدّم غير الجائز للتكنولوجيا على الإنسان وقدرتها على تجاوزه وتحويله إلى كائنات غير بشرية، فإن فيه دعوة للتفكير، إنطلاقاً من تلك الفكرة، حول ما نتّـجه إليه، وكيف أن التضحية هي بكل ما هو إنساني ولو تحت شعارات شتّـى. الفيلم يقول أنه قد يكون صحيحاً أن يستطيع برنامج كاستر المبتكر PINN إشفاء المصاب وإبصار الأعمى وإيقاف المقعد على قدميه  إلا أنه في الوقت الذي «يتفوّقون» فيه (على تلك الحالات والأمراض) يتحوّلون إلى كائنات غير بشرية. الثمن باهظ وفي بال ول نشره وتحويل الحياة إلى أخرى. سيعيد تشجير الأحراش وسينظّـف الدنيا من التلوّث وسيطهر الماء، لكن الأرض لن تكون كما كانت وكما تعوّدنا لها أن تكون… هي بدورها لن تكون عضوية.
نرى بعض ما يحدث في عالمنا اليوم (إحذروا من الـ GMO) ومسؤولية المخرج والي فيستر هي تحويل كل هذه الأفكار إلى صور، والصور إلى سرد كامل وفي كل هذه المرافق ينجز فيستر نجاحاً ملموساً وهو مازال في أول أعماله. فيستر هو مدير تصوير عمل مع المخرج كريستوفر نولان في سلسلة «باتمان» لكنه اختار درب «تمهيد» Inception الدراسي ولو بزخم أقل من الأحداث. 
كان ينقص الفيلم  بعض التوتر لكنه لا يخفق في أن يحافظ على خط إهتمام عالٍ. هناك ميل صوب تبسيط الترجمة الصورية لبعض المواقف التي كان يمكن انتهازها درامياً (يبقى فعل شخصية التحري كما يؤديها شيليان مورفي والبروفسور مورغان فريمان محدود الأثر مع كتابة عامّـة لهما)، كذلك هناك ثغرات منطقية الشأن ولو أنها طفيفة الأثر ككل منها أن العلاقة بين الزوجين (بعد تحوّل الزوج إلى هجين إلكتروني) لا تبدو مقنعة في كل مساراتها.  هل الزوجة بحاجة إلى علاج بالصدمة لكي تدرك نوايا زوجها مثلاً؟. هذا يأتي على عكس التبدّل الذي يطرأ على موقف ماكس من صديق ملتزم علمياً بما يحاول ول فعله (حين كان حيّـاً) إلى مدرك بأن المنظّـمة الإرهابية على حق فيما تقوم به.

على أي حال، وبالنسبة للعلاقة بين الزوجين فإن سؤالاً آخر حول مدى ذلك الحب الذي يربط الزوجة بزوجها والإيمان المطلق به قبل أن تكتشف غاياته المريبة، يتبلور في النظرة إلى الحياة الخالية من الجنس (قبل موت الزوج وبعده) وعدم شعورها بالحاجة إليه (لا مع ماكس ولا مع سواه). اللافت أيضاً، أن المرأة الأخرى في الفيلم (كايت مارا) تتبدّى كما لو كان الجنس آخر ما يثيرها التفكير فيه. لا أتحدّث عن الجنس فقط كتعبير جسدي عن حب أو شهوة، بل عنه كرغبة حياتية عادية. المؤكد بالنسبة لإيڤيلين أنها تتأزم وتتقزّم كلما كبرت سطوة الزوج وقدراته (بات قادراً على أن يتقمّـص بدنه من جديد). هذا يشكّـل عائقاً آخر في قبول العلاقة بينهما فلابد أن ذكاءه وقدراته المعلوماتية تستطيع أن تجعله قادراً على إدراكه ما يحدث لها من تفكك داخلي، كيف إذاً- والمطلوب منا أن نوافق على أنه ما زال يحبّـها- يسمح لنفسه بالتمدد بعيداً عن جوهر حبّه من دون أن نراه في وضع نفسي متأزم. 

Director:  Wally Pfister. 

Cast: Johnny Depp (Will Caster), Rebecca Hall (Evelyn Caster), Paul Bettany (Max Waters), Cillian Murphy (Agent Buchanan), Kate Mara (Bree), Clifton Collins, Jr. (Martin) and Morgan Freeman (Joseph Tagger).
Screenplay:  Jack Paglen |Cinematography:  Jess Hall | Editing:  David Rosenbloom. Music:  by Mychael Danna | Prod. Desing: Chris Seagers
Producer:  Andrew A. Kosove, Broderick Johnson, Kate Cohen, Marisa Polvino, Annie Marter, David Valdes and Aaron Ryder. Prod. Companies: Alcon Entertainment, Straight Up Films. Distribution: Warner Bros (2014).


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved © By: Mohammed Rouda 2008- 2014
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2 comments:

aqrbnnas said...

I'm not missing any of your topics, i wish you the best dear Mohammed.
yours;
A Alaiban
Kuwait
*Rami Abdulraziq has an excellent piece.

muhannad al nabulsi said...

شاهدت الفيلم قبل حوالي السنتين وانبهرت بقصته اللافتة وبطريقة الاخراج وكتبت غعنه مسودة ثم نسيت اين وضعتها
وقد ذكرني مقالك السردي المدهش بالموضوع وقد كفيت ووفيت فدام قلمك وابداعك فانت حقا مدرسة في التحليل والنقد السينمائي العميق ومع خالص تحياتي