ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحياة القصيرة للدوغما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Action
وجدت دعوة سينما الدوغما حماسة واسعة بين السينمائيين نقاداً ومخرجين حين انطلقت سنة 1995 بمفاهيمها وقوانينها وأهدافها والتي اجتمعت على إعادة تكوين السينما على نحو »صاف« يمنح الجمهور فرصة إستقبال السينما استقبالاً جديداً كفن عليه أن يكون خالصاً من الإبداعات التقنية٠
والمؤسسون، وعلى رأسهم المخرجين الدنماركيين لارس ڤون ترايير وتوماس ڤنتربيرغ، شدّدوا على إعفاء العمل السينمائي من أي صناعات تتجاوز الكاميرا، الفيلم، الضوء الطبيعي واللون. مثلاً ممنوع استخدام الكاميرا المرفوعة على قوائم او المحمولة على رافعات . وممنوع على المخرج تصوير الفيلم بالأبيض والأسود ويُمنع استخدام الزوائد العدسية والفلترات من أي نوع . هناك مجموعة أخرى من الشروط والقوانين تتعلّق بالشكل والمضمون وكيفية استخدام الموسيقى وبل سرعة الفيلم وصولاً الى النص الذي يطلب أن لا يأتي ذكر إسم المخرج مطلقاً في بطاقة الفيلم٠
الأمر كان مضحكاً منذ البداية٠ الدوغما، التي قيل أنها جذرية حيناً واستمرارية لموجة السينما الفرنسية
La Nouvelle Vague الجديدة
حيناً آخر، كانت غير واقعية ولا هي استطاعت إحداث المطلوب منها الا على مستوى بعض النقاد الذين حين عاينوها انحسر اهتمام وحماسة العديد منهم نظراً لأن النتائج -في النهاية- لم تكن، فنيّاً، ذات شأن يوازي مئات الأفلام التي استخدمت شروط العمل الفنية المختلفة بكل المتاح من أساليب وأشكال تعبير في تاريخ السينما٠ ڤنتربيرغ بنفسه اعترف أنه كان أوّل من كسر قواعد الدوغما حين قام بوضع ستارة على نافذة خلال تصوير »الحفل« مخالفاً الشرط الذي يطلب عدم استخدام ما يمنع او يُحيّد النور الطبيعي للمشهد٠ في الحقيقة فعل ڤنتربيرغ أكثر من ذلك: استخدم إضاءة خاصّة٠ أما لارس ڤون ترايير فلم يستطع الا استخدام موسيقى سبق تسجيلها (على عكس المطلوب من أن الموسيقى عليها أن تُستخدم خلال التصوير فيتم تسجيلها مباشرة مع باقي الأصوات!!) وذلك في »الأغبياء«٠
طبعاً كان هناك المدافعون حتى النهاية والمناوؤن مثلي الذين لم يقبضوا العملية جدّياً ولو أن بعض الإنتاجات، مثل »الملك حي« لكرستيان لفرينغ، كانت جيّدة. بعضها فقط، لأن لا الدوغما أسست حركة ناجحة ولا أفلامها جاءت ضرورية، بل في أفضل الأحوال برق ورعد بلا مطر٠
Cut
أفلام معروضة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رغم كونه ميلودراما، وأحداثه تقع في الهند.... الا أن »مليونير الزقاق« هو البعد الإجتماعي الذي لم تنجزه الأفلام الميلودرامية الهندية الا نادرا
Slumdog Millionaire (2008) ****
إخراج: داني بويل
ممثلون رئيسيون: دڤ باتل، فريدا بنتو، مدحور ميتال، أنيل كابور ٠
ميلودراما | بريطانيا
...............................................................................................
نقد: محمد رُضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلم داني بويل الجديد عمل رائع في أكثر من شكل ومناسبة خصوصاً طريقته في سرد أحداث مختلفة من دون إشعارك بأن هناك وسيلة مفتعلة سواء للإنتقال من الماضي او للعودة الى المستقبل. طريقة يُولِّف فيها الأحداث توليفاً صحيحاً فيقص الخلفية والحاضر ويترك كل منهما يسطو على المشاهِد منفصلاً . هو يريد متابعة الحدث الحالي ومتابعة الحدث الماضي وتوقّعاته ليست بالضرورة هي التي سيراها تتحقق. »مليونير الزقاق« فيلم ذكي وماهر في شغله الفني من حيث اعتبارات الصورة وطريقة السرد كما من حيث رحلة المخرج البريطاني لا في أحداث تقع في الهند فقط (فقد فعل ذلك سواه قبله) بل في سينما تتحرّك على خط السينما الهندية التجارية (بوليوودية) من دون أن تشدّها تلك السينما الى أسفل٠
على ذلك، هناك شيء كان المعجب بكل ذلك يتمنى لو لم يكن موجوداً. شيء ربما لا يشكل عائقاً او يُغيّّر مستوى لكنه، من وجهة نظر نقدية بحتة، ما كان يجب أن يكون٠
يبدأ الفيلم بصفعة يوجّهها رجل بوليس بدين الى جمال (دڤ باتل) يتبعها بعدّة صفعات انتقالاً الى تعذيب مبرح. يدخل عليهما ضابط ويأمر بتعذيب الشاب بالكهرباء. هذا قبل أن ينهار الشاب فيتوقّف التعذيب ويتم إحضاره الى مكتب الضابط لمواصلة التحقيق »سلمياَ«٠
التهمة الموجّهة الى جمال هو أنه يغش في الإجابات في النسخة الهندية من برنامج »مَن سيربح المليون؟«. لقد ارتقى من مستوى الألف روبية الى العشرة فالعشرين ألف فالمئة ألف فالمليون وكل ذلك بثبات أثار شكوك مقدّم البرنامج (أنيل كابور). عند مستوى الجائزة الكبرى (20 مليون روبية) يطلب مقدّم البرنامج من البوليس التحقيق مع جمال. بذلك يقدم المُعدُّ على فعلة لا تتناسب والقيم والفيلم يتركه في منطقة رمادية ذات وجهين لا يخفي أحدهما الآخر٠
لكن الضابط مصر على إجابات واضحة حول من أين يعلم صبي الشاي جمال كل تلك المعلومات التي تخوّله مواصلة اللعب والتقدّم فيها. والتوليفة التي يعمد اليها المخرج هنا هي الإنتقال من سؤال مطروح الى فترة زمنية بعيدة في البداية ثم تقترب للزمن الراهن كلما اقترب التحقيق من نهايته. ليس فقط أن المخرج يختار مطارح مناسبة لكل فلاشباك، لكن هناك تنويعاً. الفلاشباك قد ينطلق بسبب سؤال من معد البرنامج (الذي تنتقل الأحداث الراهنة بينه وبين التحقيق طوال الوقت) عن صورة أي رئيس أميركي على ورقة من فئة المئة دولار لجزء من الماضي يعيدنا الى كيف عرف جمال في صغره هذا الجواب. الأحداث التي يعود اليها الفيلم تبرر المعرفة وفي ذات الوقت توضح لنا الحياة الصعبة التي كان عليه خوضها منذ طفولته وصولاً الى اليوم٠
بذلك هناك ثلاث مستويات او محاور مغزولة جيّداً: الزمن الراهن هو الذي يقع في مركز البوليس حيث يتم التحقيق٠ المستوى الثاني هو قريب يقع في الأيام القليلة التي سبقت التحقيق، أي منذ أن اشترك جمال في مسابقة البرنامج. المستوى الثالث هو العودة في مشاهد فلاشباك متقطّعة وطويلة الى ماضي جمال في السنوات المختلفة من حياته٠
حين يتم الإجهاز على كل الماضي يتواصل الفيلم منطلقاً نحو خاتمته: البوليس يعيد المتسابق الى البرنامج بعدما أدرك أنه لا يغش ويتركه أمام سؤال العشرين مليون روبية وجمال يلتقي بحبيبته لاتيكا (فريدة بنتو) التي كان تعرّف عليها وأحبّها منذ الطفولة والتي كبرت مثله في الأزقّة قبل أن تقع في أيدي العصابة ويغتصبها منه شقيقه سليم قبل أن يساعدها هذا في الهرب حبّاً بأخيه٠
المسألة الضبابية هي تلك التي ترد في مطلع الفيلم. التعذيب الذي يداهم فيه المخرج مشاهديه ليس ضرورياً لعدّة أسباب في مقدّمتها أن تهمة الغش لا تستوجب أساساً الإعتقال طالما أنه لم يقبض بعد روبية واحدة لقاء إجاباته، والثاني أن صفعة او صفعتين ربما لكن التعذيب بالكهرباء؟ الى ذلك، فإن المحقق الذي يأمر بالتعذيب بالكهرباء هو ذاته المحقق الذي يقرر أن يجلس وجمال ويسمع منه قصّته بالكامل مبدياً التفهّم والجانب المقبول من شخصيّته، فلم عمِد الى التعذيب أساساً؟
المخرج داني بويل (صاحب
Trainspotting و The Beach
المتباينين) جريء في اختياراته. هذا التلاقح الدائم بين المحاور الثلاثة هو جزء من خيال رحب وثقة بالقدرة على تنفيذ سرد صعب من دون التعثّر فيما تتعثر به أفلام كثيرة تقدم على الإنتقال المتكرر بين الأزمنة المختلفة. لكن الى ذلك، هناك قدرته على إنجاز قصّة واقعية النبض. فيها شخصيات من واقع الحياة ثم معالجتها بقصة فانتازية تحتوي عناصر مختلفة اجتماعية وسياسية وعاطفية. جمال يحب لاتيكا منذ الصغر وكل ما يريده ويسعى إليه هو أن يلتقي بها وهو في سبيل ذلك يتدخّل في حياتها عدّة مرّات في عدّة مراحل تعاني فيها من سطوة الآخرين عليها واستسلامها الى المصير الذي اعتقدت لا بديل له. جمال يحضر لها مصيراً مختلفاً نابعاً من إيمانه. إنه مسلم لكنك لن تسمع كلمة مسلم تُقال ولا مرّة واحدة. ستشاهد شقيقه سليم يصلّي في مشهد طالباً الغفران عن أعماله وستجده في مشهد آخر يصيح »الله أكبر« بعدما عرف بقرب نهايته لكن الفيلم ليس عن الإسلام على ذلك هو دعاية إيجابية للشخصيّتين الشقيقتين من حيث تفنيده لحياتهما ضمن المدينة الرازحة تحت أعباء المشاكل الإجتماعية٠
هناك مشهد آخر في هذا السياق نرى فيه جماعة متطرّفة ما تهاجم الحي الوضيع الذي تسكن فيه عائلة جمال صغيراً وجيرانه. كون هؤلاء مسلمين فإن المرء يستنتج أن المهاجمين أما هندوساً او سيخاً خصوصاً وأن الجماعتين شنا هجمات سابقة على المسلمين في أكثر من مدينة٠ الهجوم المسلح بالسيوف والغازولين لحرق الأحياء ومنازلهم يترك أثره على المشاهد من دون أن يعرف من هي هوية المهاجمين بالتحديد إذ ترك المخرج ذلك لاستنتاج المشاهد الذي يعلم خلفية العلاقات الطائفية في الهند٠
الفيلم يحمل كذلك حالة من أدب تشارلز ديكنز الذي تناول في مؤلّفاته مظاهر الفقر الإجتماعي في بريطانيا القرن التاسع عشر واستغلال العصابات الشوارعية للبراءة المتمثّلة في بعض أبطاله (أوليڤر) وتعرّض هؤلاء الى إساءة من أطفال تم نهب براءتهم وتحويلهم الى جنود ملتزمين برؤساء العصابة والأشرار- تماماً كما نرى هنا. لكن القصّة هنا، على عنف بدايتها وبعض مطارحها اللاحقة، تبقى آسرة وأكثر سلاسة من الجو الأدبي الصارم لمؤلّفات ديكنز. أكثر تحرراً وسرعة في السرد وفهماً لشروط الحياة الإجتماعية وكيفية تقديمها في طريقة تحتوي على حسنات مختلفة عن تلك الكلاسيكية٠
طبعاً، لم نقرأ او نسمع أن أحداً في الهند شتم الفيلم واتهمه وأصحابه بتشويه صورة الهند. هذا الإتهام الجاهز هو فقط من نصيب من يخشى الحقيقة٠
توثيق
تم التصوير بالدجيتال كما بكاميرا 35 مم *
نال الفيلم جائزة الغولدن غلوب كأفضل فيلم درامي مؤخراً بالإضافة الى الجوائز التالية *
وودي ألن أكثر رشاقة وشبابا من بعض أفلامه الأخيرة، لكن »ڤيكي كرستينا برثلونا« يستعير من أعمال المخرج السابقة التوليفة القديمة حول هذا أحبه وهذا أريده٠
Vicky Cristina Barcelona (2008) ***
إخراج: وودي ألن
ممثلون رئيسيون: خافيير باردم، ربيكا هول، سكارلت جوهانسن٠
كوميديا عاطفية | أسبانيا٠
...............................................................................................
نقد: محمد رُضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد قليل من بداية هذا الفيلم يتبدّى لمن شاهد ولو بضعة من أفلام وودي ألن العديدة (أخرج 43 فيلماً حتى الآن) أن المنوال السابق ذاته يعود الى الواجهة بعد أن تنوّع وغاب قليلاً في السنوات الأخيرة. أفلام ألن العاطفية، كشأن هذا الفيلم، وحتى العديد من أعماله الكوميدية، تدور حول شخصيات لا تعرف أين تتجه بعواطفها. يبدأ الفيلم معها وهي مصرّة على أن هذا من تريد الزواج منه او تزوّجت منه، لكن قناعتها تلك تنتقل الى شخصية أخرى على طريقة إحسان عبد القدوس »هذا أحبه وهذا أريده«. بخطوط من قلم رصاص تستطيع دوماً أن ترسم العلاقات بين الشخصيات على النحو التالي: أ يحب ب لكنه متزوج من ل التي تحب س لكن س تحب أ بينما ب تحب ع٠
هنا الوضع التالي: ڤيكي (ربيكا هول) مقبلة على الزواج من دوغ (كريس مسينا) لكنها الآن تمضي إجازة مع صديقتها كرستينا. كلاهما يلتقيان بجوان أنطونيو (خافيير باردم) الذي يعرض عليهما السفر الى بلدته لويك- إند من المتعة٠ ڤيكي تمانع وكرستينا تهفو اليه والى دعوته لكن الإثنين ينتقلان الى تلك البلدة. في الليلة الأولى تصاب كرستينا بعارض مرضي (فجأة لديها قرحة في المعدة) وتستجيب ڤيكي الممانعة ثم تتزوّج من دوغ الذي وصل أسبانيا خصيصاً للغاية من دون أن تقول له٠
كرستينا (التي لا تعلم بما أقدم عليه جوان وڤيكي) تعيش مع جوان أسابيع طويلة الذي يقسم أوقاته بين الفراش والرسم. وهي بدورها تلتقط هواية التصوير الفوتوغرافي. فجأة تدخل حياتهما زوجته السابقة ماريا إلينا (بنيلوبي كروز) ويجد خافيير نفسه مطالباً بالإعتناء بها بعدما أقدمت على محاولة الإنتحار. لكن كرستينا تنظر الى الموضوع من زاوية أنها قد تخسر خافييه بينما تواجهها ماريا بعدائية واضحة٠ بعد حين كل من خافيه وكرستينا وماريا عشّاقاً يعيشون في توأمة مثالية الى أن تقرر كرستينا نفض هذه الحياة٠ في هذا الوقت لم تنس ڤيكي تلك الليلة التي قضتها مع جوان وحين يعود إليها، بعدما انفضّت عنه كرستينا وماريا معاً، تنساق له لأنها في داخلها تريده٠
الفيلم يمضي نشطاً متجاوزاً مشاكل التكرار ولو بصعوبة. في الواقع، من لم يعرف ألن قبل ست سنوات او نحوها لن يجد ما يعيب الفيلم في هذه الناحية، فالعمل يبدو جديداً ومختلفاً وبالتأكيد يحمل مستوى كوميدي يختلف عن مستويات الكوميديا التي تأتي بها هوليوود او بوليوود او كايروود. لكن هذا لا يعني أن الفيلم جديد بالفعل وذلك تبعاً لدوام دوران المخرج حول موضوع العلاقات العاطفية وعدم ثبات الشخصيات على حب واحد٠
الحب عند ألن، وفي هذا الفيلم على الخصوص، هو شهوة جنسية وعامل اضطراب شخصي يمنع صاحبه من التوقّف عن طلب الغير٠ وهذا يذكّر ببعض أفلام ألن القديمة وشخصيّته هو فيها. في
Zelig
نراه ينتقل بنفسه ليس بين القلوب هذه المرّة بل بين الأديان والمذاهب. هو يهودي ينقلب الى المسيحية ثم الى الماركسية ثم السيخية او البوذية ثم يخرج بلا إيمان على الإطلاق. وعلى نحو ما، يبدو هذا البحث المضني عن الهوية الشخصية في ذلك الفيلم (كما في أفلام سابقة له) هو ذاته البحث عن الهوية العاطفية لأبطال ألن الذي يعمد هنا الى معلّق يسرد الفيلم في مطارح عدّة٠
ما يعيق العلاقة الحارّة بين المشاهد وبين ما يدور ليس التمثيل الذي يضطلع به الجميع جيّداً ولا الإخراج السلس والذي يستعير قليلاً من السينما الأوروبية، بل التعليق المذكور. عادة لا يُضيف وهو يشرح ويربط ما تستطيع الكاميرا فعله من دون الحاجة إليه. لكن الى ذلك، هناك صوت المعلّق (كرستوفر ولش) الذي يخلو من التعبير ويتلو مادّته غير الضرورية بروتينية غير محببة٠
بصرف النظر عن التكرار المذكور، نجد الفيلم قادراً علي إثارة اهتمام فعلي بسبب من تقلّب حالات أبطاله ومسايرة المخرج لتلك الحالات في فضول شديد، وإذ تقع معظم الأحداث في برثلونة الأسبانية فإن السيناريو يستفيد من ذلك بإتمام عملية الإقناع بأن برثلونة ليست مجرد ديكور للفيلم، بل مكاناً مناسباً للأحداث التي تدور٠
نال الفيلم جائزة الغولدن غلوب كأفضل فيلم كوميدي للعام *
سينما خاصّة | هيه.... لا تنسي الكمّون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلم المخرجة السورية هالة العبد الله لا هو روائي ولا هو تسجيلي ... الزميل زياد عبد الله يكشف عن فحواه ويجد فيه قيماً في عالم عربي قائم على قمع المهمّشين٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: هالة العبد الله
إداء: ديما الجندي٠
تجريبي | سوريا - 2008
..............................................................................................
نقد: زياد عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن كانت المخرجة السورية هالة العبدالله في «أنا التي أحمل الزهور إلى قبري» الحائز الجائزة البرونزية عن فئة الفيلم الوثائقي في الدورة الأولى من مسابقة المهر، قد نوعت في مقاربتها المنفى وحيوات النساء اللواتي تعرضن للاعتقال السياسي في سورية، وقصة عودة الرسام يوسف عبدلكي إلى وطنه سورية بعد حياته منفياً لزمن طويل، عبر تجميع كل أفلامها أو مسوّداتها في فيلم، فإنها وفي جديدها «هيه.. لا تنسي الكمون» المشارك في مسابقة المهر الوثائقية، تتخذ من المسرح معبراً نحو المرأة وجسدها وتحررها منه، من خلال الممثلة اللبنانية دارينا الجندي، ولنكون بصدد مسرحية تعيش في أعماق فيلم لا يكتفي بها، بل يمضي إلى استعادة واحد من أبرز الكتاب السوريين المغيّبين ألا وهو جميل حتمل، وقد فارق هذه الحياة ولم يتجاوز الثامنة والثلاثين، وتحديداً في نوفمبر 1992 محاصراً بمنفاه، وتوقه إلى العودة إلى سورية التي عاد إليها في تابوت، وعلى مسار مواز تمضي أيضاً هالة العبدالله بتعقب حياة الكاتبة الأميركية سارة ماكين التي انتحرت٠
«أنا التي أحمل الزهور إلى قبري» عنوان مأخوذ من قصيدة للشاعرة السورية دعد حداد التي غيّبها الموت باكراً، و«هيه.. لا تنسي الكمون» عبارة لجميل حتمل وكلاهما غيّبه الموت باكرا. يبدأ الفيلم مع حتمل ونحن نرى ما يرى وهو ممدد على سرير المستشفى، زاوية الرؤية لا يعيقها إلا كيس السيروم وأمامنا نساؤه، وعلى يسار الكادر امرأة جالسة تدير ظهرها للكاميرا تغني، بينما استعادة حتمل لهن في شريط ذاكرة يترافق بقراءة نصوص له، مشهد مبني بحب وانخطاف، نحو كل ما لحتمل أن يكون افتراضاً لما تذكره قبل أن يفارق الحياة، نساء يدرن أمامه وكل واحدة بدورها تقترب من سريره على طريقتها وخصوصيتها وهو دائماً يردد «لا أحب الأسود»، لكنهن في النهاية سيتشحن به، وما تبدأ دارينا الجندي قراءته في بداية الفيلم يتحقق «أعدني يالله إلى وطني ولو جثة»، وها قد عاد حتمل إلى سورية جثة، وها هي هالة العبدالله تزور قبره في دمشق٠
صمّام قلب حتمل تحول إلى خاتم، وصار في الفيلم على شيء من اللازمة المتكررة، والذي ما إن تقول راوية الفيلم العبدالله «لن تمانع يا جميل أن تضع دارينا الخاتم في إصبعها» حتى تتسلم دارينا سياق الفيلم وتواصل سردها لما له أن يكون قصة امرأة مع الجسد والحرية، واصطدام رغباتها بالذكورة، بدعاء أمها ألا تصير عاهرة، ومن ثم مستشفى المجانين الذي تودع به، المصير الذي فصّل خصوصاً لمن تراودها نفسها على الاحتفاء بجسدها وحرّيتها، والكثير مما يؤسّس في النهاية لشعرية، ومرارة المنفى والحرية أو بكلمات العبدالله «الجنون في الحرية والموت في الحرية».
فيلم «هيه.. لا تنسي الكمون» مسكون بهواجس تمضي والألم يداً بيد، إنها مصائر اكتملت افتراضاً بموتها، لكنها ما زالت تطالب بحريتها، بحرية الجميع، ولعل انتقال الخاتم إلى دارينا على شيء هذا الصراع المرير واستمراريته.. «لينظفوا أنفسهم وضعوا كل أوساخهم عليّ» تقول الجندي، إنها الحرية المجاورة للجنون في مجتمعاتنا، والتي تجدها العبدالله أيضاً في «مارستان» يعود للقرن الـ12 في حلب حين كان الجنون يعالج بالموسيقى والضوء٠
سواد كثير سيعتري من يشاهد فيلم هالة العبدالله، حزن عارم على مصائر من يتوق إلى المغاير والمتمرد، إنه نوع من الغوص في أعماق الهوامش والمنافي والسجون، الثالوث الذي يترصّد كل إبداع حرّ في عالمنا العربي٠
مخرج وأفلامه
Chantal AKERMAN
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت هذه الزاوية المعلوماتية- النقدية بالمخرج روبرت
ألدريتش (العدد 2). هذا الأسبوع شانتـال أكرمان٠
..............................................................................................
ولدت في: 6/6/1950 . في بروكسل، بلجيكا٠
المهنة: مخرجة
سنوات المهنة: 1968 الى اليوم٠
عدد الأفلام : مخرجة: 42 كاتبة: 39 ممثلة: 9
.............................................................................................
شانتال أكرمان مخرجة غير مُكررة من حيث أن أفلامها تحمل أسلوباً خاصّاً من حيث إنه ممنهج كلاسيكياً ومحمّل بإمارات سينما الموجة الجديدة في ذات الوقت٠ كانت في الخامسة عشر حين شاهدت فيلم جان-لوك غودار »بوارو المغفّل« وقررت أن تصبح مخرجة. درست السينما وحققت أول فيلم لها وعمرها 18 سنة الذي كان أبيض وأسود بعنوان
Saute ma Ville | فجّر مدينتي
على الرغم من إنتماء أفلامها الى الحس الأوروبي، الا أنها أعجبت بالأفلام التجريبية التي كانت مدينة نيويورك تطلقها عبر عدد من الفنانين مثل يوناس ميكاس ومايكل سنو وأندي وورهول٠ في العام 1972 انتقلت للعيش والعمل في نيويورك وعملت في بضعة أشغال لكي تموّل هوسها الفني (عملت مثلاً بائعة تذاكر في سينما لعرض أفلام البورنو)٠
لم تتوقّف عن الإخراج الا لسنوات قليلة متباعدة (من عامين الى ثلاثة بالكثير في كل مرّة). أفلامها لا تحتوي قصّة، وأحياناً بلا حبكة، لكنها مشغولة لسبر غور الشخصيات (النسائية غالباً) في أوضاع وأزمات تصب في العلاقات الشخصية والإجتماعية٠
نماذج
Jeanne Dielman, 23 Quai du Commerce, 1080 Bruxelles (1975) ***
جين ديلمان، 23 شارع كوميرس، بروكسل 1080
.............................................................................................
يرصد الفيلم حياة إمرأة في ثلاثة أيام. نتعرّف عليها وهي تعمل في بيتها. إنها تطبخ وتنظّف وتعني بشؤون إبنها. كذلك وفي المضمار ذاته تعتاش بالعمل كعاهرة. يدق باب بيتها رجل. تترك كل شيء وتدخل معه الغرفة. تتركها الكاميرا تدخل وتلتقطها لاحقاً وهي تخرج والرجل الذي زارها. يعطها المال ويتّفق معها على موعد آخر٠ صور شانتال لا تتحرّك. لقطاتها ثابتة. لا لقطات دخيلة ولا نقلات كثيرة. لكنها لقطات تفصيلية. من ناحية أسلوب المخرجة المتبدّى يجعل من الصعوبة متابعة ما يدور لأنه منوال واحد وبلا تلوين او تعابير بصرية مختلفة. من ناحية أخرى، هناك دفء ناتج عن المنهج غير التمثيلي للعملية بكاملها وعن تلك الدعة والتفاصيل الملتقطة٠ والأهمية المطلقة هو أنه تصوير للبيئة الإجتماعية من خلال ما ينتج عن ذلك الرصد من دراسة لشخصية إمرأة لا تجد الحب ولا تبحث عنه (حين تُثار وتبلغ النشوة من دون حسبان في اليوم الثالث تطعن الزبون) بل تعيش منقطعة وغير متواصلة في محيط لا يقل برودة٠
Toute Une Nuit (1982) ***
طوال الليل
.............................................................................................
يقدّم هذا الفيلم عدّة نماذج تزور بعضها البعض، تجلس مع بعضها البعض وتتحدّث مع بعضها البعض، لكنها لا تتواصل مع بعضها البعض. وسيلة أكرمان لتقديم هذه الشريحة ومن خلالها رسالة الفيلم حول وحدة الشخصيات في مجتمعاتها وبصرف النظر عما تفعله، تعمد لتصوير شخصياتها في تصرّفات تؤكد الرسالة مباشرة: رجل وإمرأة يجلسان الى مائدة من دون تجانس. إمرأة تبحث عن رجل. رجلين يبحثان عن إمرأة. عالم من العلاقات غير المرضية تسودها حالات الغموض الشخصية حيث لا أحد يريد أن يعرف أكثر مما يعتقد أن ذلك ضرورياً للحظة وحدها. ينطلق من وحدته وغربته ويعود إليهما. لتقديم هذه الصورة تعمد المخرجة الى التقاط الحركة بإيقاع لا يخلو من السخرية. أسلوبها يعتمد على حوار محدود ولقطات قصيرة وقدر من النشاط٠ لكن يبقى محدوداً في قيمته الفنية ليس بسبب اختيارات المخرجة للغتها فقط، بل بسبب المعالجة الكليّة لما تريد طرحه من حيث نتيجة هذا الطرح سينمائياً٠
La Captive (2000)
الرهينة
............................................................................................
عن رجل وعشيقته (لا متزوّجين في معظم أعمال المخرجة) يتحدّثان (عبر لقطات تنشد الغرابة والتغريب) ثم إذ تنطلق الى فندقها يلاحقها في مشاهد طويلة راصداً حركاتها. المسألة قد تبدو حبّاً او هياماً، لكن المخرجة تتحدّث، كما يكشف الفيلم بنفسه، عن الهيمنة والتسلّط وبذلك تشخّص حالة أخرى من حالات العجز الإجتماعي الناتج عن موضوع السيطرة التي ينشدها الحبيب على محبوبته (او العكس أحياناً). »الرهينة« يتناول في الحقيقة تمادي الرجل في رصده حركات معشوقته الى حد أنها يصبح رصدها كل شيء بالنسبة إليه منتقلاً بعد ذلك الى تدمير نفسه وتدمير حبّه٠ في هذا الفيلم غير البعيد اختلاف غير جذري لحلول المخرجة التعبيرية او مفرداتها البصرية كافية لأن تجعل الفيلم نسخة أكرمانية من تحفة ألفرد هيتشكوك المعروفة »فرتيغو«٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009
الحياة القصيرة للدوغما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Action
وجدت دعوة سينما الدوغما حماسة واسعة بين السينمائيين نقاداً ومخرجين حين انطلقت سنة 1995 بمفاهيمها وقوانينها وأهدافها والتي اجتمعت على إعادة تكوين السينما على نحو »صاف« يمنح الجمهور فرصة إستقبال السينما استقبالاً جديداً كفن عليه أن يكون خالصاً من الإبداعات التقنية٠
والمؤسسون، وعلى رأسهم المخرجين الدنماركيين لارس ڤون ترايير وتوماس ڤنتربيرغ، شدّدوا على إعفاء العمل السينمائي من أي صناعات تتجاوز الكاميرا، الفيلم، الضوء الطبيعي واللون. مثلاً ممنوع استخدام الكاميرا المرفوعة على قوائم او المحمولة على رافعات . وممنوع على المخرج تصوير الفيلم بالأبيض والأسود ويُمنع استخدام الزوائد العدسية والفلترات من أي نوع . هناك مجموعة أخرى من الشروط والقوانين تتعلّق بالشكل والمضمون وكيفية استخدام الموسيقى وبل سرعة الفيلم وصولاً الى النص الذي يطلب أن لا يأتي ذكر إسم المخرج مطلقاً في بطاقة الفيلم٠
الأمر كان مضحكاً منذ البداية٠ الدوغما، التي قيل أنها جذرية حيناً واستمرارية لموجة السينما الفرنسية
La Nouvelle Vague الجديدة
حيناً آخر، كانت غير واقعية ولا هي استطاعت إحداث المطلوب منها الا على مستوى بعض النقاد الذين حين عاينوها انحسر اهتمام وحماسة العديد منهم نظراً لأن النتائج -في النهاية- لم تكن، فنيّاً، ذات شأن يوازي مئات الأفلام التي استخدمت شروط العمل الفنية المختلفة بكل المتاح من أساليب وأشكال تعبير في تاريخ السينما٠ ڤنتربيرغ بنفسه اعترف أنه كان أوّل من كسر قواعد الدوغما حين قام بوضع ستارة على نافذة خلال تصوير »الحفل« مخالفاً الشرط الذي يطلب عدم استخدام ما يمنع او يُحيّد النور الطبيعي للمشهد٠ في الحقيقة فعل ڤنتربيرغ أكثر من ذلك: استخدم إضاءة خاصّة٠ أما لارس ڤون ترايير فلم يستطع الا استخدام موسيقى سبق تسجيلها (على عكس المطلوب من أن الموسيقى عليها أن تُستخدم خلال التصوير فيتم تسجيلها مباشرة مع باقي الأصوات!!) وذلك في »الأغبياء«٠
طبعاً كان هناك المدافعون حتى النهاية والمناوؤن مثلي الذين لم يقبضوا العملية جدّياً ولو أن بعض الإنتاجات، مثل »الملك حي« لكرستيان لفرينغ، كانت جيّدة. بعضها فقط، لأن لا الدوغما أسست حركة ناجحة ولا أفلامها جاءت ضرورية، بل في أفضل الأحوال برق ورعد بلا مطر٠
Cut
أفلام معروضة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رغم كونه ميلودراما، وأحداثه تقع في الهند.... الا أن »مليونير الزقاق« هو البعد الإجتماعي الذي لم تنجزه الأفلام الميلودرامية الهندية الا نادرا
Slumdog Millionaire (2008) ****
إخراج: داني بويل
ممثلون رئيسيون: دڤ باتل، فريدا بنتو، مدحور ميتال، أنيل كابور ٠
ميلودراما | بريطانيا
...............................................................................................
نقد: محمد رُضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلم داني بويل الجديد عمل رائع في أكثر من شكل ومناسبة خصوصاً طريقته في سرد أحداث مختلفة من دون إشعارك بأن هناك وسيلة مفتعلة سواء للإنتقال من الماضي او للعودة الى المستقبل. طريقة يُولِّف فيها الأحداث توليفاً صحيحاً فيقص الخلفية والحاضر ويترك كل منهما يسطو على المشاهِد منفصلاً . هو يريد متابعة الحدث الحالي ومتابعة الحدث الماضي وتوقّعاته ليست بالضرورة هي التي سيراها تتحقق. »مليونير الزقاق« فيلم ذكي وماهر في شغله الفني من حيث اعتبارات الصورة وطريقة السرد كما من حيث رحلة المخرج البريطاني لا في أحداث تقع في الهند فقط (فقد فعل ذلك سواه قبله) بل في سينما تتحرّك على خط السينما الهندية التجارية (بوليوودية) من دون أن تشدّها تلك السينما الى أسفل٠
على ذلك، هناك شيء كان المعجب بكل ذلك يتمنى لو لم يكن موجوداً. شيء ربما لا يشكل عائقاً او يُغيّّر مستوى لكنه، من وجهة نظر نقدية بحتة، ما كان يجب أن يكون٠
يبدأ الفيلم بصفعة يوجّهها رجل بوليس بدين الى جمال (دڤ باتل) يتبعها بعدّة صفعات انتقالاً الى تعذيب مبرح. يدخل عليهما ضابط ويأمر بتعذيب الشاب بالكهرباء. هذا قبل أن ينهار الشاب فيتوقّف التعذيب ويتم إحضاره الى مكتب الضابط لمواصلة التحقيق »سلمياَ«٠
التهمة الموجّهة الى جمال هو أنه يغش في الإجابات في النسخة الهندية من برنامج »مَن سيربح المليون؟«. لقد ارتقى من مستوى الألف روبية الى العشرة فالعشرين ألف فالمئة ألف فالمليون وكل ذلك بثبات أثار شكوك مقدّم البرنامج (أنيل كابور). عند مستوى الجائزة الكبرى (20 مليون روبية) يطلب مقدّم البرنامج من البوليس التحقيق مع جمال. بذلك يقدم المُعدُّ على فعلة لا تتناسب والقيم والفيلم يتركه في منطقة رمادية ذات وجهين لا يخفي أحدهما الآخر٠
لكن الضابط مصر على إجابات واضحة حول من أين يعلم صبي الشاي جمال كل تلك المعلومات التي تخوّله مواصلة اللعب والتقدّم فيها. والتوليفة التي يعمد اليها المخرج هنا هي الإنتقال من سؤال مطروح الى فترة زمنية بعيدة في البداية ثم تقترب للزمن الراهن كلما اقترب التحقيق من نهايته. ليس فقط أن المخرج يختار مطارح مناسبة لكل فلاشباك، لكن هناك تنويعاً. الفلاشباك قد ينطلق بسبب سؤال من معد البرنامج (الذي تنتقل الأحداث الراهنة بينه وبين التحقيق طوال الوقت) عن صورة أي رئيس أميركي على ورقة من فئة المئة دولار لجزء من الماضي يعيدنا الى كيف عرف جمال في صغره هذا الجواب. الأحداث التي يعود اليها الفيلم تبرر المعرفة وفي ذات الوقت توضح لنا الحياة الصعبة التي كان عليه خوضها منذ طفولته وصولاً الى اليوم٠
بذلك هناك ثلاث مستويات او محاور مغزولة جيّداً: الزمن الراهن هو الذي يقع في مركز البوليس حيث يتم التحقيق٠ المستوى الثاني هو قريب يقع في الأيام القليلة التي سبقت التحقيق، أي منذ أن اشترك جمال في مسابقة البرنامج. المستوى الثالث هو العودة في مشاهد فلاشباك متقطّعة وطويلة الى ماضي جمال في السنوات المختلفة من حياته٠
حين يتم الإجهاز على كل الماضي يتواصل الفيلم منطلقاً نحو خاتمته: البوليس يعيد المتسابق الى البرنامج بعدما أدرك أنه لا يغش ويتركه أمام سؤال العشرين مليون روبية وجمال يلتقي بحبيبته لاتيكا (فريدة بنتو) التي كان تعرّف عليها وأحبّها منذ الطفولة والتي كبرت مثله في الأزقّة قبل أن تقع في أيدي العصابة ويغتصبها منه شقيقه سليم قبل أن يساعدها هذا في الهرب حبّاً بأخيه٠
المسألة الضبابية هي تلك التي ترد في مطلع الفيلم. التعذيب الذي يداهم فيه المخرج مشاهديه ليس ضرورياً لعدّة أسباب في مقدّمتها أن تهمة الغش لا تستوجب أساساً الإعتقال طالما أنه لم يقبض بعد روبية واحدة لقاء إجاباته، والثاني أن صفعة او صفعتين ربما لكن التعذيب بالكهرباء؟ الى ذلك، فإن المحقق الذي يأمر بالتعذيب بالكهرباء هو ذاته المحقق الذي يقرر أن يجلس وجمال ويسمع منه قصّته بالكامل مبدياً التفهّم والجانب المقبول من شخصيّته، فلم عمِد الى التعذيب أساساً؟
المخرج داني بويل (صاحب
Trainspotting و The Beach
المتباينين) جريء في اختياراته. هذا التلاقح الدائم بين المحاور الثلاثة هو جزء من خيال رحب وثقة بالقدرة على تنفيذ سرد صعب من دون التعثّر فيما تتعثر به أفلام كثيرة تقدم على الإنتقال المتكرر بين الأزمنة المختلفة. لكن الى ذلك، هناك قدرته على إنجاز قصّة واقعية النبض. فيها شخصيات من واقع الحياة ثم معالجتها بقصة فانتازية تحتوي عناصر مختلفة اجتماعية وسياسية وعاطفية. جمال يحب لاتيكا منذ الصغر وكل ما يريده ويسعى إليه هو أن يلتقي بها وهو في سبيل ذلك يتدخّل في حياتها عدّة مرّات في عدّة مراحل تعاني فيها من سطوة الآخرين عليها واستسلامها الى المصير الذي اعتقدت لا بديل له. جمال يحضر لها مصيراً مختلفاً نابعاً من إيمانه. إنه مسلم لكنك لن تسمع كلمة مسلم تُقال ولا مرّة واحدة. ستشاهد شقيقه سليم يصلّي في مشهد طالباً الغفران عن أعماله وستجده في مشهد آخر يصيح »الله أكبر« بعدما عرف بقرب نهايته لكن الفيلم ليس عن الإسلام على ذلك هو دعاية إيجابية للشخصيّتين الشقيقتين من حيث تفنيده لحياتهما ضمن المدينة الرازحة تحت أعباء المشاكل الإجتماعية٠
هناك مشهد آخر في هذا السياق نرى فيه جماعة متطرّفة ما تهاجم الحي الوضيع الذي تسكن فيه عائلة جمال صغيراً وجيرانه. كون هؤلاء مسلمين فإن المرء يستنتج أن المهاجمين أما هندوساً او سيخاً خصوصاً وأن الجماعتين شنا هجمات سابقة على المسلمين في أكثر من مدينة٠ الهجوم المسلح بالسيوف والغازولين لحرق الأحياء ومنازلهم يترك أثره على المشاهد من دون أن يعرف من هي هوية المهاجمين بالتحديد إذ ترك المخرج ذلك لاستنتاج المشاهد الذي يعلم خلفية العلاقات الطائفية في الهند٠
الفيلم يحمل كذلك حالة من أدب تشارلز ديكنز الذي تناول في مؤلّفاته مظاهر الفقر الإجتماعي في بريطانيا القرن التاسع عشر واستغلال العصابات الشوارعية للبراءة المتمثّلة في بعض أبطاله (أوليڤر) وتعرّض هؤلاء الى إساءة من أطفال تم نهب براءتهم وتحويلهم الى جنود ملتزمين برؤساء العصابة والأشرار- تماماً كما نرى هنا. لكن القصّة هنا، على عنف بدايتها وبعض مطارحها اللاحقة، تبقى آسرة وأكثر سلاسة من الجو الأدبي الصارم لمؤلّفات ديكنز. أكثر تحرراً وسرعة في السرد وفهماً لشروط الحياة الإجتماعية وكيفية تقديمها في طريقة تحتوي على حسنات مختلفة عن تلك الكلاسيكية٠
طبعاً، لم نقرأ او نسمع أن أحداً في الهند شتم الفيلم واتهمه وأصحابه بتشويه صورة الهند. هذا الإتهام الجاهز هو فقط من نصيب من يخشى الحقيقة٠
توثيق
تم التصوير بالدجيتال كما بكاميرا 35 مم *
نال الفيلم جائزة الغولدن غلوب كأفضل فيلم درامي مؤخراً بالإضافة الى الجوائز التالية *
BLACK REEL AWARDS
- Best Actor (Dev Patel)
- Best Breakthrough performance (Dev Patel)
BOSTON SOCIETY OF FILM CRITICS AWARDS
- Best Film (tied with Walle-E)
- Best Editiong (Charles Dickens)
BRITISH INDEPENDENT FILM AWARDS
- Best British Independent Film Award
- Best Director (Danny Boyle).
CAMERAIMAGE
- Best Cinematography (Anthony Dod Mantle).
CHICAGO FILM CRITICS ASSOCIATION
- Best Screenplay (Simon Beaufoy).
- Best Director (Danny Boyle)
GOLDEN GLOBES
- Best Film / Drama
- Best Screenplay
- Best Director
- Best original Score (A.R. Rahman).
LOS ANGELES FILM CRITICS ASSOCIATION
- Best Director
NATIONAL BOARD OF REVIEW- USA
- Best Film
- Best Screenplay
- Best Breakthrough Performance (Dev Patel)
NEW YORK FILM CRITICS AWARDS
- Best Cinematography
--------------------------------------------------------
CAST & CREDITS
DIRECTOR: Danny Boyle
CAST: Dev Patel, Freida Pinto, Madhur
Mittal, Anil Kappor, Irrfan Khan, Tanay
Hemant Chedda.
SCREENPLAY: Simon Beaufoy
CINEMATOGRAPHER: Anthony Dod Mantle (Color)
EDITOR: Chris Dichens (116 min)
PRODUCTION DESIGNER: Mark Digby
MUSIC: A.R. Rahman
PRODUCER: christian Colson.
PRODUCTION COMPANY: Pathe (London).
GENRE: Drama/ Melodrama.
DISTRIBUTOR: Fox Searchlight [UK/USA- 2008].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ- Best Actor (Dev Patel)
- Best Breakthrough performance (Dev Patel)
BOSTON SOCIETY OF FILM CRITICS AWARDS
- Best Film (tied with Walle-E)
- Best Editiong (Charles Dickens)
BRITISH INDEPENDENT FILM AWARDS
- Best British Independent Film Award
- Best Director (Danny Boyle).
CAMERAIMAGE
- Best Cinematography (Anthony Dod Mantle).
CHICAGO FILM CRITICS ASSOCIATION
- Best Screenplay (Simon Beaufoy).
- Best Director (Danny Boyle)
GOLDEN GLOBES
- Best Film / Drama
- Best Screenplay
- Best Director
- Best original Score (A.R. Rahman).
LOS ANGELES FILM CRITICS ASSOCIATION
- Best Director
NATIONAL BOARD OF REVIEW- USA
- Best Film
- Best Screenplay
- Best Breakthrough Performance (Dev Patel)
NEW YORK FILM CRITICS AWARDS
- Best Cinematography
--------------------------------------------------------
CAST & CREDITS
DIRECTOR: Danny Boyle
CAST: Dev Patel, Freida Pinto, Madhur
Mittal, Anil Kappor, Irrfan Khan, Tanay
Hemant Chedda.
SCREENPLAY: Simon Beaufoy
CINEMATOGRAPHER: Anthony Dod Mantle (Color)
EDITOR: Chris Dichens (116 min)
PRODUCTION DESIGNER: Mark Digby
MUSIC: A.R. Rahman
PRODUCER: christian Colson.
PRODUCTION COMPANY: Pathe (London).
GENRE: Drama/ Melodrama.
DISTRIBUTOR: Fox Searchlight [UK/USA- 2008].
وودي ألن أكثر رشاقة وشبابا من بعض أفلامه الأخيرة، لكن »ڤيكي كرستينا برثلونا« يستعير من أعمال المخرج السابقة التوليفة القديمة حول هذا أحبه وهذا أريده٠
Vicky Cristina Barcelona (2008) ***
إخراج: وودي ألن
ممثلون رئيسيون: خافيير باردم، ربيكا هول، سكارلت جوهانسن٠
كوميديا عاطفية | أسبانيا٠
...............................................................................................
نقد: محمد رُضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد قليل من بداية هذا الفيلم يتبدّى لمن شاهد ولو بضعة من أفلام وودي ألن العديدة (أخرج 43 فيلماً حتى الآن) أن المنوال السابق ذاته يعود الى الواجهة بعد أن تنوّع وغاب قليلاً في السنوات الأخيرة. أفلام ألن العاطفية، كشأن هذا الفيلم، وحتى العديد من أعماله الكوميدية، تدور حول شخصيات لا تعرف أين تتجه بعواطفها. يبدأ الفيلم معها وهي مصرّة على أن هذا من تريد الزواج منه او تزوّجت منه، لكن قناعتها تلك تنتقل الى شخصية أخرى على طريقة إحسان عبد القدوس »هذا أحبه وهذا أريده«. بخطوط من قلم رصاص تستطيع دوماً أن ترسم العلاقات بين الشخصيات على النحو التالي: أ يحب ب لكنه متزوج من ل التي تحب س لكن س تحب أ بينما ب تحب ع٠
هنا الوضع التالي: ڤيكي (ربيكا هول) مقبلة على الزواج من دوغ (كريس مسينا) لكنها الآن تمضي إجازة مع صديقتها كرستينا. كلاهما يلتقيان بجوان أنطونيو (خافيير باردم) الذي يعرض عليهما السفر الى بلدته لويك- إند من المتعة٠ ڤيكي تمانع وكرستينا تهفو اليه والى دعوته لكن الإثنين ينتقلان الى تلك البلدة. في الليلة الأولى تصاب كرستينا بعارض مرضي (فجأة لديها قرحة في المعدة) وتستجيب ڤيكي الممانعة ثم تتزوّج من دوغ الذي وصل أسبانيا خصيصاً للغاية من دون أن تقول له٠
كرستينا (التي لا تعلم بما أقدم عليه جوان وڤيكي) تعيش مع جوان أسابيع طويلة الذي يقسم أوقاته بين الفراش والرسم. وهي بدورها تلتقط هواية التصوير الفوتوغرافي. فجأة تدخل حياتهما زوجته السابقة ماريا إلينا (بنيلوبي كروز) ويجد خافيير نفسه مطالباً بالإعتناء بها بعدما أقدمت على محاولة الإنتحار. لكن كرستينا تنظر الى الموضوع من زاوية أنها قد تخسر خافييه بينما تواجهها ماريا بعدائية واضحة٠ بعد حين كل من خافيه وكرستينا وماريا عشّاقاً يعيشون في توأمة مثالية الى أن تقرر كرستينا نفض هذه الحياة٠ في هذا الوقت لم تنس ڤيكي تلك الليلة التي قضتها مع جوان وحين يعود إليها، بعدما انفضّت عنه كرستينا وماريا معاً، تنساق له لأنها في داخلها تريده٠
الفيلم يمضي نشطاً متجاوزاً مشاكل التكرار ولو بصعوبة. في الواقع، من لم يعرف ألن قبل ست سنوات او نحوها لن يجد ما يعيب الفيلم في هذه الناحية، فالعمل يبدو جديداً ومختلفاً وبالتأكيد يحمل مستوى كوميدي يختلف عن مستويات الكوميديا التي تأتي بها هوليوود او بوليوود او كايروود. لكن هذا لا يعني أن الفيلم جديد بالفعل وذلك تبعاً لدوام دوران المخرج حول موضوع العلاقات العاطفية وعدم ثبات الشخصيات على حب واحد٠
الحب عند ألن، وفي هذا الفيلم على الخصوص، هو شهوة جنسية وعامل اضطراب شخصي يمنع صاحبه من التوقّف عن طلب الغير٠ وهذا يذكّر ببعض أفلام ألن القديمة وشخصيّته هو فيها. في
Zelig
نراه ينتقل بنفسه ليس بين القلوب هذه المرّة بل بين الأديان والمذاهب. هو يهودي ينقلب الى المسيحية ثم الى الماركسية ثم السيخية او البوذية ثم يخرج بلا إيمان على الإطلاق. وعلى نحو ما، يبدو هذا البحث المضني عن الهوية الشخصية في ذلك الفيلم (كما في أفلام سابقة له) هو ذاته البحث عن الهوية العاطفية لأبطال ألن الذي يعمد هنا الى معلّق يسرد الفيلم في مطارح عدّة٠
ما يعيق العلاقة الحارّة بين المشاهد وبين ما يدور ليس التمثيل الذي يضطلع به الجميع جيّداً ولا الإخراج السلس والذي يستعير قليلاً من السينما الأوروبية، بل التعليق المذكور. عادة لا يُضيف وهو يشرح ويربط ما تستطيع الكاميرا فعله من دون الحاجة إليه. لكن الى ذلك، هناك صوت المعلّق (كرستوفر ولش) الذي يخلو من التعبير ويتلو مادّته غير الضرورية بروتينية غير محببة٠
بصرف النظر عن التكرار المذكور، نجد الفيلم قادراً علي إثارة اهتمام فعلي بسبب من تقلّب حالات أبطاله ومسايرة المخرج لتلك الحالات في فضول شديد، وإذ تقع معظم الأحداث في برثلونة الأسبانية فإن السيناريو يستفيد من ذلك بإتمام عملية الإقناع بأن برثلونة ليست مجرد ديكور للفيلم، بل مكاناً مناسباً للأحداث التي تدور٠
نال الفيلم جائزة الغولدن غلوب كأفضل فيلم كوميدي للعام *
CAST & CREDITS
DIRECTOR, SCREENPLAY WRITER: Woody Allen
CAST: Javier Bardem, Scarlette Johansson, Rebecca
Hall, Penelope Cruz, Patricia Clarkson, Chriss
Messina.
CINEMATOGRAPHY: Javier Aguirresarobe (Color)
EDITOR: Robert Hein (96 min).
PRODUCTION DESIGNER: Alain Bainee
PRODUCERS: Letty aronson, Gareth Wiley, Stephen
Tenebaum.
PRODUCTION COMPANY: Mediapro & Gravier/ Antena 3 Films,
Atena 3 TV.
GENRE: Romantic Comedy.
DISTRIBUTOR: Warner Bros. [Spain- 2008]
DIRECTOR, SCREENPLAY WRITER: Woody Allen
CAST: Javier Bardem, Scarlette Johansson, Rebecca
Hall, Penelope Cruz, Patricia Clarkson, Chriss
Messina.
CINEMATOGRAPHY: Javier Aguirresarobe (Color)
EDITOR: Robert Hein (96 min).
PRODUCTION DESIGNER: Alain Bainee
PRODUCERS: Letty aronson, Gareth Wiley, Stephen
Tenebaum.
PRODUCTION COMPANY: Mediapro & Gravier/ Antena 3 Films,
Atena 3 TV.
GENRE: Romantic Comedy.
DISTRIBUTOR: Warner Bros. [Spain- 2008]
سينما خاصّة | هيه.... لا تنسي الكمّون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلم المخرجة السورية هالة العبد الله لا هو روائي ولا هو تسجيلي ... الزميل زياد عبد الله يكشف عن فحواه ويجد فيه قيماً في عالم عربي قائم على قمع المهمّشين٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: هالة العبد الله
إداء: ديما الجندي٠
تجريبي | سوريا - 2008
..............................................................................................
نقد: زياد عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن كانت المخرجة السورية هالة العبدالله في «أنا التي أحمل الزهور إلى قبري» الحائز الجائزة البرونزية عن فئة الفيلم الوثائقي في الدورة الأولى من مسابقة المهر، قد نوعت في مقاربتها المنفى وحيوات النساء اللواتي تعرضن للاعتقال السياسي في سورية، وقصة عودة الرسام يوسف عبدلكي إلى وطنه سورية بعد حياته منفياً لزمن طويل، عبر تجميع كل أفلامها أو مسوّداتها في فيلم، فإنها وفي جديدها «هيه.. لا تنسي الكمون» المشارك في مسابقة المهر الوثائقية، تتخذ من المسرح معبراً نحو المرأة وجسدها وتحررها منه، من خلال الممثلة اللبنانية دارينا الجندي، ولنكون بصدد مسرحية تعيش في أعماق فيلم لا يكتفي بها، بل يمضي إلى استعادة واحد من أبرز الكتاب السوريين المغيّبين ألا وهو جميل حتمل، وقد فارق هذه الحياة ولم يتجاوز الثامنة والثلاثين، وتحديداً في نوفمبر 1992 محاصراً بمنفاه، وتوقه إلى العودة إلى سورية التي عاد إليها في تابوت، وعلى مسار مواز تمضي أيضاً هالة العبدالله بتعقب حياة الكاتبة الأميركية سارة ماكين التي انتحرت٠
«أنا التي أحمل الزهور إلى قبري» عنوان مأخوذ من قصيدة للشاعرة السورية دعد حداد التي غيّبها الموت باكراً، و«هيه.. لا تنسي الكمون» عبارة لجميل حتمل وكلاهما غيّبه الموت باكرا. يبدأ الفيلم مع حتمل ونحن نرى ما يرى وهو ممدد على سرير المستشفى، زاوية الرؤية لا يعيقها إلا كيس السيروم وأمامنا نساؤه، وعلى يسار الكادر امرأة جالسة تدير ظهرها للكاميرا تغني، بينما استعادة حتمل لهن في شريط ذاكرة يترافق بقراءة نصوص له، مشهد مبني بحب وانخطاف، نحو كل ما لحتمل أن يكون افتراضاً لما تذكره قبل أن يفارق الحياة، نساء يدرن أمامه وكل واحدة بدورها تقترب من سريره على طريقتها وخصوصيتها وهو دائماً يردد «لا أحب الأسود»، لكنهن في النهاية سيتشحن به، وما تبدأ دارينا الجندي قراءته في بداية الفيلم يتحقق «أعدني يالله إلى وطني ولو جثة»، وها قد عاد حتمل إلى سورية جثة، وها هي هالة العبدالله تزور قبره في دمشق٠
صمّام قلب حتمل تحول إلى خاتم، وصار في الفيلم على شيء من اللازمة المتكررة، والذي ما إن تقول راوية الفيلم العبدالله «لن تمانع يا جميل أن تضع دارينا الخاتم في إصبعها» حتى تتسلم دارينا سياق الفيلم وتواصل سردها لما له أن يكون قصة امرأة مع الجسد والحرية، واصطدام رغباتها بالذكورة، بدعاء أمها ألا تصير عاهرة، ومن ثم مستشفى المجانين الذي تودع به، المصير الذي فصّل خصوصاً لمن تراودها نفسها على الاحتفاء بجسدها وحرّيتها، والكثير مما يؤسّس في النهاية لشعرية، ومرارة المنفى والحرية أو بكلمات العبدالله «الجنون في الحرية والموت في الحرية».
فيلم «هيه.. لا تنسي الكمون» مسكون بهواجس تمضي والألم يداً بيد، إنها مصائر اكتملت افتراضاً بموتها، لكنها ما زالت تطالب بحريتها، بحرية الجميع، ولعل انتقال الخاتم إلى دارينا على شيء هذا الصراع المرير واستمراريته.. «لينظفوا أنفسهم وضعوا كل أوساخهم عليّ» تقول الجندي، إنها الحرية المجاورة للجنون في مجتمعاتنا، والتي تجدها العبدالله أيضاً في «مارستان» يعود للقرن الـ12 في حلب حين كان الجنون يعالج بالموسيقى والضوء٠
سواد كثير سيعتري من يشاهد فيلم هالة العبدالله، حزن عارم على مصائر من يتوق إلى المغاير والمتمرد، إنه نوع من الغوص في أعماق الهوامش والمنافي والسجون، الثالوث الذي يترصّد كل إبداع حرّ في عالمنا العربي٠
مخرج وأفلامه
Chantal AKERMAN
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت هذه الزاوية المعلوماتية- النقدية بالمخرج روبرت
ألدريتش (العدد 2). هذا الأسبوع شانتـال أكرمان٠
..............................................................................................
ولدت في: 6/6/1950 . في بروكسل، بلجيكا٠
المهنة: مخرجة
سنوات المهنة: 1968 الى اليوم٠
عدد الأفلام : مخرجة: 42 كاتبة: 39 ممثلة: 9
.............................................................................................
شانتال أكرمان مخرجة غير مُكررة من حيث أن أفلامها تحمل أسلوباً خاصّاً من حيث إنه ممنهج كلاسيكياً ومحمّل بإمارات سينما الموجة الجديدة في ذات الوقت٠ كانت في الخامسة عشر حين شاهدت فيلم جان-لوك غودار »بوارو المغفّل« وقررت أن تصبح مخرجة. درست السينما وحققت أول فيلم لها وعمرها 18 سنة الذي كان أبيض وأسود بعنوان
Saute ma Ville | فجّر مدينتي
على الرغم من إنتماء أفلامها الى الحس الأوروبي، الا أنها أعجبت بالأفلام التجريبية التي كانت مدينة نيويورك تطلقها عبر عدد من الفنانين مثل يوناس ميكاس ومايكل سنو وأندي وورهول٠ في العام 1972 انتقلت للعيش والعمل في نيويورك وعملت في بضعة أشغال لكي تموّل هوسها الفني (عملت مثلاً بائعة تذاكر في سينما لعرض أفلام البورنو)٠
لم تتوقّف عن الإخراج الا لسنوات قليلة متباعدة (من عامين الى ثلاثة بالكثير في كل مرّة). أفلامها لا تحتوي قصّة، وأحياناً بلا حبكة، لكنها مشغولة لسبر غور الشخصيات (النسائية غالباً) في أوضاع وأزمات تصب في العلاقات الشخصية والإجتماعية٠
نماذج
Jeanne Dielman, 23 Quai du Commerce, 1080 Bruxelles (1975) ***
جين ديلمان، 23 شارع كوميرس، بروكسل 1080
.............................................................................................
يرصد الفيلم حياة إمرأة في ثلاثة أيام. نتعرّف عليها وهي تعمل في بيتها. إنها تطبخ وتنظّف وتعني بشؤون إبنها. كذلك وفي المضمار ذاته تعتاش بالعمل كعاهرة. يدق باب بيتها رجل. تترك كل شيء وتدخل معه الغرفة. تتركها الكاميرا تدخل وتلتقطها لاحقاً وهي تخرج والرجل الذي زارها. يعطها المال ويتّفق معها على موعد آخر٠ صور شانتال لا تتحرّك. لقطاتها ثابتة. لا لقطات دخيلة ولا نقلات كثيرة. لكنها لقطات تفصيلية. من ناحية أسلوب المخرجة المتبدّى يجعل من الصعوبة متابعة ما يدور لأنه منوال واحد وبلا تلوين او تعابير بصرية مختلفة. من ناحية أخرى، هناك دفء ناتج عن المنهج غير التمثيلي للعملية بكاملها وعن تلك الدعة والتفاصيل الملتقطة٠ والأهمية المطلقة هو أنه تصوير للبيئة الإجتماعية من خلال ما ينتج عن ذلك الرصد من دراسة لشخصية إمرأة لا تجد الحب ولا تبحث عنه (حين تُثار وتبلغ النشوة من دون حسبان في اليوم الثالث تطعن الزبون) بل تعيش منقطعة وغير متواصلة في محيط لا يقل برودة٠
Toute Une Nuit (1982) ***
طوال الليل
.............................................................................................
يقدّم هذا الفيلم عدّة نماذج تزور بعضها البعض، تجلس مع بعضها البعض وتتحدّث مع بعضها البعض، لكنها لا تتواصل مع بعضها البعض. وسيلة أكرمان لتقديم هذه الشريحة ومن خلالها رسالة الفيلم حول وحدة الشخصيات في مجتمعاتها وبصرف النظر عما تفعله، تعمد لتصوير شخصياتها في تصرّفات تؤكد الرسالة مباشرة: رجل وإمرأة يجلسان الى مائدة من دون تجانس. إمرأة تبحث عن رجل. رجلين يبحثان عن إمرأة. عالم من العلاقات غير المرضية تسودها حالات الغموض الشخصية حيث لا أحد يريد أن يعرف أكثر مما يعتقد أن ذلك ضرورياً للحظة وحدها. ينطلق من وحدته وغربته ويعود إليهما. لتقديم هذه الصورة تعمد المخرجة الى التقاط الحركة بإيقاع لا يخلو من السخرية. أسلوبها يعتمد على حوار محدود ولقطات قصيرة وقدر من النشاط٠ لكن يبقى محدوداً في قيمته الفنية ليس بسبب اختيارات المخرجة للغتها فقط، بل بسبب المعالجة الكليّة لما تريد طرحه من حيث نتيجة هذا الطرح سينمائياً٠
La Captive (2000)
الرهينة
............................................................................................
عن رجل وعشيقته (لا متزوّجين في معظم أعمال المخرجة) يتحدّثان (عبر لقطات تنشد الغرابة والتغريب) ثم إذ تنطلق الى فندقها يلاحقها في مشاهد طويلة راصداً حركاتها. المسألة قد تبدو حبّاً او هياماً، لكن المخرجة تتحدّث، كما يكشف الفيلم بنفسه، عن الهيمنة والتسلّط وبذلك تشخّص حالة أخرى من حالات العجز الإجتماعي الناتج عن موضوع السيطرة التي ينشدها الحبيب على محبوبته (او العكس أحياناً). »الرهينة« يتناول في الحقيقة تمادي الرجل في رصده حركات معشوقته الى حد أنها يصبح رصدها كل شيء بالنسبة إليه منتقلاً بعد ذلك الى تدمير نفسه وتدمير حبّه٠ في هذا الفيلم غير البعيد اختلاف غير جذري لحلول المخرجة التعبيرية او مفرداتها البصرية كافية لأن تجعل الفيلم نسخة أكرمانية من تحفة ألفرد هيتشكوك المعروفة »فرتيغو«٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009
0 comments:
Post a Comment