ISSUE 5 | Wild Field| Defiance| Waltz With Bashir| Doubt| Black Balloon | Brute Force| باب الحديد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ACTION
حين تعرّف عن نفسك أنك »ناقد سينمائي« ما هي ردّة الفعل التي تحصدها ؟ يتوقّف ذلك بالطبع على الشخص الآخر الذي تتحدّث إليه. وقد يفاجئك رد فعله بين من يعرف ما تعنيه وبين شخص يعتقد أنك والعاطل على العمل سيان٠
لكن في فرنسا مثلاً يحترمون ناقد السينما لدرجة أنه قبل نحو عامين صدر تشريع يحرّم على شركات الأفلام الإستعانة بمقاطع من آراء النقاد إذا ما تم التلاعب بها وحرّفت عن حقيقتها لكي تُستخدم لترويج الفيلم٠
مجرد الحرص على نقاوة الرأي النقدي هو جزء من حضارة شاملة لا زلنا -للأسف- بعيدين عنها٠ لكن ربما وجد البعض شيئاً من العزاء في أن معظم بلاد الدنيا لا تطبّق هذا القانون. وفي أميركا وبريطانيا مثلاً قد تكتب عبارة مثل: " الفيلم رائع لولا عشرات العيوب والثغرات التي فيه" وهي عبارة تريد ان تقول فعلياً أن الفيلم مليء بالعيوب والنواقص، لكن شركة التوزيع التي تنشر الإعلانات في الصحف ستأخذ الكلمتين الأولتين فقط وتنشرهما تحت أسم الناقد فيصبح الكلام »الفيلم رائع« وهي بذلك لم تخن حرفية الرأي وتعتدي على معناه فقط، بل غشّت المشاهد من ناحية وارتكبت جريمة بحق الناقد إذ أساءت الى سمعته ذلك أن من يقرأ له ويشاهد الفيلم سيخرج معتقداً أن الناقد كتب مادّته وهو يفكر بفيلم آخر او تحت تأثير حبوب الهلوسة٠
رئيس تحرير مجلة »فاراياتي« التي يحلو لبعضنا اعتبارها »إنجيل صناعة السينما« كتب ذات مرّة: "النقاد غير ضروريين معظم الوقت" وهي لم تكن مرّة وحيدة إذ عادة ما يعتبر أن النقد لا لزوم له وشركات الأفلام لا تكترث له. إنه منطق جاهل بالتأكيد ومعاد للثقافة وبل لمنهج الصحيفة التي لديها نفر غير قليل من النقاد الثابتين وأكثر منهم من نقاد متعاونين من دون رواتب ثابتة (على القطعة). ولا أرى كيف لا يكون النقد مهماً إذا ما كانت شركات الإنتاج تطلب رضى النقاد فتدعوهم الى حفلاتها الخاصّة وتوزّع عليهم الهدايا وتدعوهم لحفلات سهر على شرف الفيلم وتسهّل لمن يريد المقابلات الصحافية٠ ثم كيف لا وهي تقتطع من مقالاتهم ما هو إيجابي (محوّراً او غير محوّر) لتضعه على اعلاناتها؟
أما في عالمنا العربي فالقصّة مختلفة تماماً ولنا عودة للموضوع٠
Cut


أفلام الجوائز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Waltz With Bashir **** | الرقص مع بشير
.......................................................................................................


فيلم آري فولمان »الرقص مع بشير« مرشّح حالياً لأوسكار أفضل فيلم أجنبي٠
المقال النقدي التالي نُشر بعد مشاهدة الفيلم في مهرجان كان علي موقع »ظلال
وأشباح« وأعيد نشره للمناسبة كما هو باستثناء تحديث بعض العبارات المرتبطة
بزمن ومكان مشاهدته٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إسرائيلي | أنيماشن [الحرب العربية- الإسرائيلية] | 90 دقيقة | ألوان٠
.......................................................................................................
إخراج
Ari Folman
Ari Folman, Serge Lalou
منتجون
Gerhard Meixner, Yael Nahlieli, Roman Paul.
موسيقا
Max Richter
توليف
Feller Nilli
أصوات
Ron Ben- Yishai, Ronny Dayag, Ari Folmanm,
Dror Harzi, Yehezker Lazarov, Zahave Solomon
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وين العرب؟ تتساءل إمرأة خرجت تتفقد ما حل بمخيمي صبرا وشاتيلا من خراب وقتل وذبح إثر رحيل القوّات التي قامت بالمجزرة. سؤال يرد في الفيلم الإسرائيلي »الرقص مع بشير« وهو سؤال بقي يتردد عدة مرّات كل سنة منذ ذلك الحين. تردد خلال مذابح جنين وتردد خلال مذابح رام الله وتردد كثيراً في غزة. طبعاً معظم العرب ليسوا هنا للإجابة على هذا السؤال. لكن الفيلم الإسرائيلي يطرحه على أي حال عبر اللقطة الوثائقية الحيّة الوحيدة في الفيلم والتي ترد في نهايته لتتردد في صدى البال ولتعيد فتح العين المغلقة على مذبحة ما كان لها أن تتم لولا إسرائيل ذاتها٠
فيلم »الرقص مع بشير« لآري فولمان له أهميّات متعددة أوّلها أنه إنتاج العام 2008 الذي احتفلت فيه إسرائيل بولادتها قبل ستين سنة. وثانيها أن هذا الإنتاج تسلل الى شاشة أكبر مهرجان سينمائي في العالم (كان) واستقبله ألوف المشاهدين بعضهم لم يخف تعجّبه من أن يكون هناك فيلماً »إسرائيلياً ضد إسرائيل« بهذا الشكل٠ ومع أن القول أنه ضد إسرائيل ليس صحيحاً تماماً الا أن الناقد يستطيع إرجاء بحث هذه المسألة لما بعد. الثابت هو أن المستوى الثالث من الأهمية يكمن في حقيقة أن الفيلم يفتح تاريخ مذبحة صبرا وشاتيلا كما لم يفعل فيلم عربي الى اليوم، لا تسجيلي ولا روائي ولا بالطبع كفيلم أنيماشن٠ »الرقص مع بشير« يفعل وإذ يفعل يجده المتابع مثل صندوق من المتفجّرات كل واحدة أشد من سابقتها٠

قبل وصول الفيلم الى عرضه العالمي الأول في »كان«، تردد أنه عمل جديد من نوعه على أساس أنه الفيلم الطويل الأول الذي يمزج نوعين من أنواع السينما الثلاث: إنه فيلم أنيماشن بقدر ما هو فيلم وثائقي وهذا لا يتبدّى سريعاً ، إذ في الوهلة الأولى تجد نفسك مستعداً أن تحكم على الفيلم بأنه روائي يستخدم الأنيماشن وهو الشكل الدارج بطبيعة الحال. لكن بعد فترة وجيزة تدرك صحة ذلك القول فالمخرج ينطلق في رحلة من حاضره اليوم الى الماضي مستعيناً بذاكرة كانت تخبو وصورة في اليد لا يكاد أحد أن يتبيّنها وسؤال ملح حول ماذا فعل الإسرائيليون لجانب أنهم التزموا الصمت حين كانت قوّات الكتائب اللبنانية تداهم مخيّمي صبرا وشاتيلا وتذبح الأبرياء من الناس فيهما؟
مثل أي فيلم تسجيلي يتحدّث عن رحلة مخرج باحث عن الحقيقة، ينطلق هذا الفيلم من سؤال ملح: ماذا فعلت حين كنت على مقربة من مخيّمي صبرا وشاتيلا عندما غزتهما قوات الكتائب اللبنانية وقتلت من فيهما من رجال ونساء وأطفال أبرياء؟
الجواب الذي يبرز في النهاية هو : لا شيء. آري فولمان لم يفعل شيئاً. ربما فقط في النهاية -وهذا الإحتمال يقترحه هو- صرخ في بعض ميلشيا الكتائب الذين كانوا يقودون حفنة متبقّية من الفلسطينيين الى حيث سيتم إعدامهم، بالتوقف وإخلاء السبيل. وهؤلاء استجابوا. إن فعل، أنقذ حياة بضع عشرات في أفضل الأحوال. إن لم يفعل فهو إما أنه، وحسب الفيلم وليس حسب رأي منفصل، توهّم أنه فعل او يحاول، وهو صاحب الفيلم، أن يبدو كما لو فعل أضعف الإيمان٠
لكن السؤال الملح الذي ينبثق طوال الوقت في هذا الفيلم الغريب هو ماذا فعلت القيادة. وبقدر ما السؤال والجواب الأول صادقاً الى حد بعيد ومسؤولاً الى حد أبعد، بقدر ما يشوب الثاني شيء من عدم التحديد. حسب الفيلم، الذي يستخدم، كرتونياً، المقابلة مع أحد قادة الفرق الإسرائيلية، فإن ذلك القائد اتصل بالسفّاح شارون وأخبره ما يدور فإذا بالثاني يشكره لمعلوماته من دون أن يبدو عليه أنه اهتم فعلاً٠ بعض اللبنانيين يؤكدون أن شارون كان حاضراً ولم يكن في تل أبيب او سواها حين وقعت المجزرة، لكن حتى ولو لم يكن فإن المخرج يحيط موقف القيادة الإسرائيلية بدائرة حمراء كبيرة تقصد أن تنتقد عدم مبالاتها إذا لم تكن تعرف ما يدور، مضيفاً أن عدم معرفتها بما يدور أمراً مشكوكاً به تماماً. إذاً كانت تعرف وكانت ترقب و... كانت توافق٠

ما نراه على الشاشة هو سعي هذا المخرج آري فولمان المزودج (هو مخرج الفيلم وهو مخرج في الفيلم) لإماطة اللثام عن ذاكرة كانت غابت منذ ذلك الحين وتعود إليه اليوم٠ لقد أخذ يحلم بمشهد نراه يتكرر كل قليل: أنه واحد من مجموعة من أفراد الجيش الإسرائيلي الذين سبحوا في ظلمة الليل الى الشاطيء اللبناني. يحلم المخرج بنفسه وهو يخرج من الماء عارياِ، كما سواه، ويمشي صوب ملابس تركت له على الشاطيء. لكن في كل مرّة يحلم ذلك الحلم يتذكّر واحداً من رفاقه. والتذكّر هو الوسيلة التي يستخدمها الفيلم للإنتقال من شخص الى آخر بسؤال حول ذكرياتهم حول دخول لبنان وماذا فعلوا حينها. بذلك هو إنتقال من ذاكرة الى أخرى، وكثير من هؤلاء كانوا نسوا او أرادوا أن ينسوا. كثير مما يرد في تلك الذكريات هو في الواقع شهادات لا تسر لا الجيش الإسرائيلي ولا الدولة العبرية في عيد ميلادها الستّين خصوصاً حينما يربط طبيب نفسي يزوره المخرج بين حلمه ذاك وبين الرمز الذي يمثّله البحر في الأحلام. يقول له: البحر هو التهديد. لقد حضرت مجازر ذكّرتك بمجازر الهولوكوست وجعلتك تشعر من جديد بأنك مهدد٠
ذكريات وشهادات رفاقه بالغة الأهمية. إنها في جانب تأريخ لدخول الجيش الإسرائيلي لبنان لكنها في الجانب الآخر تأريخ للمقاومة من دون سعي الفيلم لتبرير غزو لبنان. يتساقط الجنود صرعى على أيدي المقاومين، لكن حين يرد الجيش على المقاومة، قلّما يقتل حامل سلاح. جل من يقتلهم، بإعتراف الفيلم، أناس أبرياء. إحدى الشخصيات تؤكد:
"فجأة يختفي كل ما تعلّمناه في التدريبات العسكرية ونبدأ
في إطلاق النار بخوف ومن دون معرفة ما نطلق النار عليه"٠
الصورة المصاحبة لهذه الشهادة هي لسيارة تسقط في خط القوّات الإسرائيلية التي ترشّها بالأسلحة النارية رشّاً قبل أن تتقدّم صوبها لتكتشف أن كل فيها هو إما إمرأة او طفل او رجل العائلة وكلهم بلا أسلحة... استقبلهم الموت وهم هاربون منه٠

بذلك يفصح الفيلم أيضاً عن مجازر إسرائيلية ولو أن ضحاياها لم يتم توقيفهم الى الجدار وإطلاق النار عليهم من الخلف كما فعل، وحسب شهادة الفيلم، حزب الكتائب، كما يفصح عن فقدان الجنود بوصلة أخلاقية او معرفة سياسية بما الذي دخلوا لبنان يحاربونه. ما شكل العدو ولم لا تفعل القيادة شيئاً حيال سقوط الأبرياء. في الحقيقة، فيلم آري فولمان مهذّب في نقده لكن تهذيبه لا يمنع من أن هذا النقد بحد ذاته حاد كالسكين٠ إنه فيلم يستحق أن يُعرض في إسرائيل على المبتهجين بميلاد دولة مارست او اشتركت بممارسة فظائع مدنية في كل أرض غزتها من فلسطين الى مصر ولبنان (وهو سيعرض بلا محالة في إسرائيل) . دولة لا تزال ترى في المواربة السياسية والعدوان العسكري السبيل الوحيد للإستمرار علماً بأن كل ذلك لم يفعل سوي تأخير السلام بينها وبين محيطها العربي٠

يستخدم المخرج المقابلة الحيّة ثم يموّهها كرتونياً كما كان فعل رتشارد لينكلتر في فيلميه الكرتونيين »حياة يقظة« و»سكانر داركلي«. أما العنوان فيعود الى بشير الجميّل الذي كان أغتيل في ذلك الحين. الرقص مع بشير هو تعبير رمزي إستخدمه واحد من جنود الغزو حين أخذ، كما نقل رفاقه عنه، يرقص حين حط على شاطيء المنطقة الغربية في بيروت وهو يطلق النار على الذين تصدّوا للجنود الإسرائيليين وقد ارتسمت صور بشير الجميّل على الجدران٠
العنوان موح جيّد بالتعاون الوثيق الذي قام بين إسرائيل وحزب الكتائب خلال الحرب اللبنانية (والفيلم يبيّنه في أكثر من وسيلة ومشهد) لكن المشكلة في هذا التحديد هو أن صور بشير الجميّل لم يتم لصقها على جدران بيروت الغربية لا قبل اغتياله ولا بعد أغتياله. جدران ذلك الجزء الوطني من بيروت حملت صور جمال عبد الناصر وكمال شاتيلا وياسر عرفات وبعض القوى الوطنية الأخرى التي كانت جديرة بالرفع في هذه المنطقة الأبية من لبنان، والكثير الكثير من صور الشهداء، لكن لم تحمل صورة واحدة لبشير الجميّل او أي من شخصيات الطرف الآخر

على صعيد فني أيضاً، رسم المخرج كرتونياً واقعي. ما تراه ليس توم أند جيري ولا نمط هوليوودي او ياباني من سينما الأنيماشن، بل فيلم واقعي سواء بالحركة او بالإيقاع لعمل لا يُقصد منه التسلية او المرور على الحدث المقصود مرور الكرام. ألوان الفيلم في البداية تبدو كما لو كانت غير متناسقة، لكن لاحقاً ما يدرك المرء إنها جميعاً تنتمي الى الجو المؤلّف من تلك الذاكرة ومن تلك الأحداث. لون قاتم قليل البهجة كتاريخ هذا الجزء من العالم منذ 60 سنة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Dikoe Pole | Wild Field **| حقل برّي
......................................................................................................


يوم الإثنين الماضي (26 من الشهر الحالي) نال »حقل بري« الجائزة الأولى
في سباق »إيغلز« المخصص للأفلام الروسية (شبيه بالأوسكار محليّاً). التالي نقد لهذا الفيلم
الذي شوهد بعد فوزه بـ 24 ساعة بفضل نسخة تم إرسالها لجمعية صحافة هوليوود الأجنبية٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روسيا | دراما [حياة نائية] | 108 دقيقة | ألوان
......................................................................................................
إخراج
Mikheil Kalatozishvili
سيناريو
Pyotr Lutsik, Aleksei Samoryadov.
منتجون
Andrei Bodarenko, Mikheil Kalatozishvili,
Sergei Snezhkin
مدير تصوير
Pyotr Dukhovskoy
موسيقا
Aleksei Aigi
توليف
Dmitri Dumkin
تمثيل
Oleg Dolin, Roman Madyanov, Yuri Stepanov,
Aleksandr Korshunov, Daniela Stoyanovich,
Irina Butanayeva.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفيلم الثالث لمخرج هذا الفيلم، مايكل كالاتوزيشفيلي (وهو حفيد المخرج الرائع ميخائيل كالاتوزوف صاحب الفيلم الروسي الوحيد الذي نال سعفة مهرجان كان، وذلك عن »البجع تطير« سنة 1957) يقوم على حكاية طبيب في منطقة ريفية تقع على حدود روسيا مع كازاخستان. اللقطة الأولى هي لتلك الأرض النائمة بين جبال بعيدة. من بعيد نلتقط الطبيب على درّاجة نارية قديمة. تشق الدراجة طريقها في هذه البرية المفتوحة والخالية من الشجر والصخر. تربة الأرض تميل الى الإحمرار ولا شيء فوقها سوى التضاريس الطبيعية٠ لا ندري من أين هو قادم لكنه بعد قليل يصل الى بيته المتداع وسط العراء. محيطه تلال وهضاب وطريق ترابية يستخدمها للوصول او للمغادرة هو وكل من يقصده

إنه طبيب شاب أسمه دمتري (أوليغ دولين) معيّن لخدمة المنطقة الريفية النائية. يميل الى الترقّب والصمت ويبدو أنه ماهر في عمله يبتدع حلولاً بأدواته البسيطة ويعيش وكلبه وبعض كتبه. لكنه ليس وحيداً تماماً، ومن بين أوائل زوّاره رجل الأمن ريابوف (رومان ماديانوف) ثم ثلاثة رجال أحدهم شرب لأيام كثيرة حتى اعتقد صديقاه أنه مات. ينقلونه الى الطبيب الذي يضربه على معدته فيفيق الرجل من غيبوبته٠
كذلك تزوره صديقته آتية من المدينة. تبيت عنده يوماً كاملاً وفي اليوم التالي تتركه وتقول له -حينها فقط- أنها تزوّجت ولن تره. قبلها تزوره فتاة ذات ملامح آسيوية ولكنه روسية ثقيلة وهي ذاتها الفتاة التي يتم نقلها اليه بعدما أصيبت بطلق ناري من صديقها. هذا قبل أن يُصاب الطبيب نفسه بجرح من طعنة خنجر يحمله آسيوي غريب الأطوار كان جاء طالباً المساعدة لجرح في خاصرته. بعد أن يداويه الطبيب يباغته الآسيوي بطعنته ويهرب٠ الفيلم ينتهي والطبيب منقول للمعالجة الى مكان آخر٠
المكان يقول الكثير في هذا الفيلم من حيث البيئة التي يفرضها على الفيلم. بيئة قاحلة ومنعزلة ومن حيث الخطر الذي يحيط بالحياة في تلك البيئة. هناك معركة نارية (قُصد بها أن لا تكون بوليسية ومثيرة) تنتهي بسقوط آسيويين (لا يريد الفيلم تحديدهما) وهناك ذلك الرجل غريب الأطوار الذي طعن الطبيب في نهاية الفيلم لسبب غير معروف. هذا الرجل يلاحظه الطبيب منذ البداية واقفاً عن قمّة هضبة بعيدة. يتساءل من يكون ثم يكتفي بالقول لمن يسأله أنه »ملاكي الحارس«٠
لكن ما يخلو الفيلم منه هو الخلفيات والدوافع٠
بدءاً بشخصية ديمتري نفسه لا نستطيع أن نعرف عنه أي شيء. ما نتلقّفه مثير للعين ملاحظته لكنه كل شيء. وحين تصل تلك البسمة الواردة على محيا صديقته مثل سحابة مطر تنشدها الأرض لا نعرف عنها أي شيء أيضاً. نستوحي إنه ربما كان -مثلها- إبن مدينة تم نقله ليكون طبيباً في الأرياف لكن هذا ليس بالشيء الذي يُذكر في مجال تعميق الشخصية التي نراها٠
كذلك الحال لدى باقي الشخصيات. كلها تثير اهتمام الناظر لأشكالها وملامحها وتصرّفاتها لكن لا شيء أبعد من ذلك٠
أما الرجل الواقف بعيداً لأيام وليالٍ يراقب تحرّكات الطبيب فإنه يبدو -لحين أن يظهر- مثل شخصية من تأليف الفرنسي غي دو موباسان في رواية قصيرة كتبها حول فرنسي كان يقف عند النهر فمرّت مركبة عليها رجل أسود. الرجل رفع يده ملوّحاً بتحية. الفرنسي لوّح بيده رادّاً التحية ومنذ تلك الليلة حياته اختلفت كما لو أن روح ذلك الرجل عادت مع الفرنسي الى بيته. لكن إذ يقرر المخرج- الكاتب (في ثالث فيلم له) استقدام الغريب الواقف بعيداً الى بيت الطبيب طالباً العلاج ثم طاعنا الطبيب، نخسر تلك القراءة الرمزية والمفترض من معانيها. المعضلة في هذا الوضع هو أن البديل أيضاً غائب: ما هو سبب إصابة ذلك الرجل؟ من هو؟ وكيف بقي حيّاً في العراء رغم إصابته؟ ثم -والأهم- لماذا طعن الطبيب وهرب؟

الفيلم حالة من تلك الحالات التي كان يمكن معها منح الفيلم أبعاداً أفضل لو أنه حواها. الحالة الماثلة هي أقرب لأن تكون كل شيء ولولا الحديث عن الغرباء الذين نراهم يتسببون في المشاكل لما أمكن الخروج بما هو متاح من تلك الأبعاد٠ تصميمياً، الصورة هي الحافز الأول للمتابعة. جيّدة من حيث استخدامها ومن حيث زواياها وما تصوّره بكثير من الرصانة والتأمّل، كما من حيث التنفيذ التقني المحض لها عامدة الى تخفيف وهج الضوء النهاري (عكس »لورنس العرب« مثلاً) والإعتماد على أقل كم من الضوء في الليل٠
أحياناً يبدو الفيلم آيل للإنضمام الى تلك الأعمال التي تستوحي من شاعر السينما أندريه تاركوڤسكي تركيباتها وإيحاءاتها، لكن المخرج لا يستطيع تجاوز المطروح المباشر للسيناريو ليركّب عليه الحس الشعري الصحيح والبعد الناتج عما تحت الصورة او خلفها٠
ولا يمكن لذلك الحس الشعري أن ينطلق من أحداث مبهمة. غامضة؟ نعم. لكن مبهمة على طريقة أن لا نعرف أسبابها، لا. في هذا الصدد، هناك ذلك المشهد الذي تتم الإستعانة بالطبيب لمعالجة رجل أصيب بصاعقة. الطبيب يستمع لأصدقاء المصاب ويعلن بعد معاينته بأنه مات. لكن بعد ساعات (ولا نعلم لماذا الطبيب انتظر) يفيق الرجل إذ عادت الحياة إليه. المشكلة هنا هو أن الطبيب سلفاً ما رمز الى العلم وإسهام حضاري منتقل الى بيئة قاحلة من العلم والثقافة والحضارة. بإثبات احتمال أن تعود الحياة لميّت (وهو احتمال أكّده أحد الشخصيات الثانوية الذي رفض تصديق أن صديقه مات) يفقد الفيلم شروط أزمة من المفترض ناتجة عن صدام الحضارات٠
هذه الملاحظات لم تمنعه من استحواذ سيل من الجوائز. غالباً على قوّة الفكرة(رجل وحيد في البرية) وقوّة الصورة (مدير التصوير بيوتر دخويفسكوي). نال ثلاث جوائز في مهرجان السينما الأوروبية الشرقية الشابة ولو أنها ليست رئيسية، قبل جائزة إيغل تلك لجانب جائزة النجمة الذهبية في دورة العام الماضي من مهرجان مراكش السينمائي٠


أفلام جديدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
DEFIANCE ** | تحدِّ
......................................................................................................


Defiance

وراء »تحدٍ« رغبة عارمة للإحتفاء بالمقاومة اليهودية ضد النازية، وشعور جامح
صوب الإحتفاء بفعل الإنتقام ...ثم إخفاء لحقيقة كان يمكن لها -لو ذُكرت- أن
تقلب رسالة الفيلم من معه الى ضدّه٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أميركي | دراما [هولوكوست/ نازية] | 137 دقيقة | ألوان
......................................................................................................
إخراج
Edward Zwick
سيناريو
Clayton Grohman, Edward Zwick
منتجون
Pieter Jan Brugge, Edward Zwick
مدير تصوير
Eduardo Serra
مصمم إنتاج
Dan Weil
موسيقا
James Newton Howard
توليف
Steven Rosenblum
تمثيل
Daniel Craig, Liev Schreiber, Jamie Bell, Alexa
Davalos, Allan Corduner, Mark Feuerstein, Kate
Fahy, Iben Hjejle.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

‮»‬تحد‮« ‬فيلم هولوكوست‮ ‬يختلف عن معظم ما مرّ‮ ‬من أفلام تتحدّث عن النازية واليهود بأنه‮ ‬يتعامل مع أحداث وُصفت بأنها حقيقية وأبناء بعض شخصياتها الرئيسية لا زالت حيّة‮٠ ‬عوض أن نشاهد كيف ساق النازيون اليهود الى معسكرات الإعتقال او أفران الغاز وكيف شحنتهم القطارات لآخر المعتاد من المشاهد،‮ ‬سنرى اليهود هنا مقاومون‮ ‬يخوضون معارك بطولية ضد الجيش الألماني‮ ‬والبوليس البلروسي‮ ‬قبل العودة الى معسكرهم وسط الأحراش الكثيفة‮. ‬لكن المرء لابد أن‮ ‬يتساءل عن الحقيقة في‮ ‬هذا الشأن وإذا ما كان التاريخ المكتوب من قبل شخصيات المقاومة كان صادقاً‮ ‬في‮ ‬وصفه وتقديراته وبالتالي‮ ‬ما إذا كان الفيلم في‮ ‬مهمّته الهادفة للحديث عن بطولات المقاومة اليهودية لم‮ ‬يتطوّع لتطوير بعض الحقائق المحدودة لأسباب تعزيز رسالته‮٠ ‬الى ذلك،‮ ‬هناك مسألة المذابح التي‮ ‬قامت به جماعة بييلسكي‮ ‬والتي‮ ‬لم‮ ‬يتطرّق إليها الفيلم‮

يؤكد المخرج في‮ ‬حديث له لمجلة‮ ‬‮ ‬أنه لا‮ ‬يأبه كثيراً‮ ‬لموقف النقاد ولا لجوائز
Box-Office
الأوسكار‮ (‬حيث لم‮ ‬يتم ترشيح الفيلم لها‮) ‬ولا بأرقام الإيرادات‮. ‬وهذا كلام خطابات كان‮ ‬يمكن أن‮ ‬يصبح معكوساً‮ ‬لو أن الفيلم نال التقدير على صعيد الجوائز والنقد والجمهور‮. ‬لكن الأهم مما قال ومما كان‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقول،‮ ‬حقيقة أن الفيلم لم‮ ‬يُصنع على نحو فني‮ ‬بحيث‮ ‬يصح معه لوم النقّاد على موقفهم والظهور بأن الفيلم لم‮ ‬ينل ما‮ ‬يستحقّه‮. ‬في‮ ‬الأساس،‮ ‬ومن وجهة نظر صناعية بحتة،‮ ‬الفيلم قد‮ ‬يقلب الصورة من‮ ‬يهودي‮- ‬ضحية الى‮ ‬يهودي‮- ‬سبارتاكوس،‮ ‬الا أن الموضوع‮ ‬يبقى واحداً‮ ‬ورسالته التعاطفية هي‮ ‬ذاتها‮. ‬إنه‮ -‬الموضوع‮- ‬أشبه بحصان ميّت لا زال البعض‮ ‬يحاول ركبه رغم ذلك‮. ‬
يبدأ الفيلم بمشاهد‮ ‬يريد الإيحاء بأنها وثائقية‮. ‬نعم بعضها كذلك،‮ ‬لكن سريعاً‮ ‬ما تختلط مع مشاهد مصوّرة خصيصاً‮ ‬للفيلم ومُعالجة على نحو تبدو معها كما لو كانت أشرطة صوّرت في‮ ‬ذلك الزمن‮٠ ‬ندخل للموضوع سريعا‮: ‬توڤيا وزوس وأشيل‮ (‬جامي‮ ‬بَل‮) ‬وآرون‮ (‬جورج مكاي‮) ‬يندفعون صوب الأدغال هرباً‮ ‬من الجيش الألماني‮ ‬الذي‮ ‬دهم المزارع واقتاد اليهود او قتلهم حيث هم‮٠ ‬بعض قليل‮ ‬يكتشف أصغرهم،‮ ‬آرون،‮ ‬مجموعة من اليهود الهاربين مثلهم ويتم ضمّهم‮. ‬هناك مشهد نرى فيه زوس وقد امتلك بندقية لا ندري‮ ‬من أين وهو الذي‮ ‬بدأ مشواره قبل خمس دقائق من دونها‮. ‬لكن ذلك ليس مهمّاً‮ ‬ولو أنه برهان قليل على دفع الفيلم لبعض أحداثه على منوال الحقيقة ولو بالقوّة‮. ‬
من ذلك الحين‮ ‬يوعز الفيلم بالخلاف بين الشقيقين الكبيرين توڤيا‮ (‬كريغ‮) ‬وزوس‮ (‬شرايبر‮). ‬الأول‮ ‬يأمل في‮ ‬لعب دور موسى وتأسيس بيئة إجتماعية في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يحارب فيه من أجل هذه البيئة،‮ ‬والثاني‮ ‬يراه متهاوناً‮ ‬يريد الإهتمام بمجموعة من اليهود الذين‮ ‬يستغلّون نواياه ليبقوا أحياءاً‮ ‬بينما‮ ‬يفضل أن‮ ‬يصرف الوقت والجهد في‮ ‬التصدّي‮ ‬للقوات الألمانية‮٠ ‬الخلاف عصب الفيلم لكن بدايته مفتعلة وغير مبررة لكنها إذ تنطلق تؤسس لفيلم‮ ‬يتحدّث عن وجهي‮ ‬اليهودية باعتزاز‮: ‬وجه‮ ‬يريد الحب ووجهة‮ ‬يريد الحب‮. ‬والأول لا‮ ‬يخلو من الحرب أيضاً‮. ‬للتدليل فصل من المشاهد المتوازية‮: ‬الجماعة التي‮ ‬قررت البقاء تحت إدارة توڤيا‮ (‬الغالبية‮) ‬ترقص وتغني‮ ‬في‮ ‬حفلة زفاف وتلك القليلة المنضمّة الى شقيقه تشترك مع القوّات الشيوعية في‮ ‬الإغارة على موقع ألماني‮. ‬بذلك،‮ ‬يفتح الفيلم قضيّة أخرى متوقّعة حول تحالف زوس مع القوّات الشيوعية حيث‮ ‬يتحوّل الى مجرّد محارب فيها مكتشفاً‮ ‬أن الروسي‮ ‬يحمل في‮ ‬ذاته العداء نفسه لليهودي‮ ‬لجانب المصلحة كما تمليها‮ ‬غايات الحزب وليس الأوضاع الإنسانية‮. ‬عودة زوس في‮ ‬النهاية مع رجاله لإنقاذ أخيه و»شعبه‮« ‬من هجوم ألماني‮ ‬ناتج عن اكتشاف زوس أن تحالفه كان عقيماً‮. ‬في‮ ‬مشهد سابق‮ ‬يقول زوس لأخيه‮ "‬شيوعية،‮ ‬صهيونية،‮ ‬فاشية ما الفرق؟‮". ‬إنها مسألة فيها وجهة نظر لكنها لا تصب في‮ ‬نقد ذاتي‮ ‬للصهيونية في‮ ‬نهاية الأمر لأنها‮ ‬غير مطروحة ببعد سياسي،‮ ‬بل بعبارات تطرق الباب ولا تهتم للجواب‮.‬
مسألة أخرى‮ ‬يود الفيلم طرحها هي‮ ‬مسألة قيام قلّة من المحاربين الذين بقوا تحت إمرة توڤيا‮ ‬يسي‮ ‬استخدام وضعه لكي‮ ‬يأخذ أكثر من حصّته من الطعام والشراب‮. ‬مرّة أخرى ليس من باب النقد إنما تلويحاً‮ ‬بأن البعض كان،‮ ‬ومن الطبيعي،‮ ‬سيء النيّة‮. ‬لاحقاً،‮ ‬أسر جندي‮ ‬ألماني‮ ‬أعزل وقتله ضرباً‮ ‬من قبل المُعانين اليهود تذكرة‮ ‬يترك الفيلم لمشاهده تحديد موقفه منها‮: ‬من ناحية عمل بالعنف،‮ ‬من ناحية أخرى‮ ‬يسألنا عدم لومهم إذا ما أقدموا على ذلك بسبب ما‮ ‬يعانونه‮. ‬
‮ على أن النيّة المبيّتة لرفع شأن المقاومة اليهودية طاغية ليس فقط مما يختار الفيلم عرضه، بل مما يختار استبعاده من الحقيقة. ما لا يذكره الفيلم أن المقاومين اليهود أعدموا نحو 128 شخصاً بريئاً سنة 1943 في إحدى عملياتهم. هناك تحقيقات بدأت سنة 2000 في هذا الخصوص تبعاً لدعوى مرفوعة لإعتبار يهود الأخوة بييلسكي مجرمي حرب، لكن نتائجها لا تزال طي الكتمان
قد‮ ‬يكون‮ »‬تحدِ‮« ‬مختلف عن معظم سواه من حيث زاوية طرحه موضوع الهولوكوست،‮ ‬وهو بالتأكيد مصنوع بعناية تتهاوى حسناتها تحت مطارق الكليشيهات العاطفية ذاتها من مواقف معهودة وموسيقى تريد أن تبكي‮ ‬وتعميم نظرة تعاطف من دون تفعيل تحليل سياسي‮ ‬واجب،‮ ‬لكن هذا الإختلاف لا‮ ‬يعني‮ ‬أنه لا‮ ‬ينصهر في‮ ‬وضع واحد مع معظم أفلام الهولوكوست وهو الإتجار بما حدث وإبقاء شعلة الذاكرة مولعة‮٠ ‬


بانورما | أفلام أخرى حديثة بإختصار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Doubt ***

ميريل ستريب وفيليب سايمور هفمن في Doubt
أميركي | دراما 2008
John Patrick Shanley: إخراج
Meryl Streep, Philip Seymour Hoffman: تمثيل
Amy Adams, Viola Davis.
............................................................................................
اقتبس جون باتريك شانلي الفيلم عن مسرحية كان كتبها وفي نصف الساعة الأولى يخرج عن نطاق المكان ويقدّم جهداً ملحوظاً في تطويع المادة للسينما. لكن بعد حين يصبح عليه العودة الى مواقف المواجهة ذات المكان المحدود والحوار الطويل. لكن هذا الفيلم يُحكم عليه بما ينجح المخرج في توفيره: موضوعاً مهمّاً نسبة لطريقة معالجته. في أفلام تتطرّق الى موضوع المدارس الكاثوليكية والعلاقات الممنوعة بين الطلاب والرهّاب يتم -لغاية في نفس صانعي الأفلام- الحكم على الراهب والكنيسة الكاثوليكية كلّها بالخطأ والشذوذ. لكن هنا يعمد شانلي الى إيجاد أسباب قويّة كافية لدفع المشاهد في إتجاهين: لا دليل. لا إيحاء فعلي. لا ضعف إنساني يؤدي الى اعتراف، بل راهب (فيليب سايمور هوفمن) ينفي ومديرة المدرسة (ميريل ستريب) التي تؤكد إنطلاقاً من حدسها وقبل أن تنهار في النهاية، وبعدما نجحت في جعل الراهب يقدّم استقالته، لتعترف بأنها في شك مما فعلته٠
يوفر الفيلم لمشاهديه متعة متابعة ممثلين يسطوان على المشهد ناشرين إبداعيهما كممثلين محترفين رائعين في قيادتة شخصيّتهما وفي تنفيذ الإداء بإحكام. ميريل ستريب مع كل حركة يد ورمشة عين وهوفمن مع كل خلجة وقدرة على الحضور رهيبة٠
لكن الفيلم ينهزم أمام عناصر أخرى ليس الإحكام المسرحي الا واحداً منها وهو إحكام يؤثر على فرصة الفيلم ليصبح فيلماً وليس إعادة إنتاج مصوّر. منها أيضاً أن اللعبة الجارية بين متّهم قد يكون بريئاً وصاحبة الإتّهام لها منافذ عديدة أخرى غير السبيل الذي اختير لها . عدم قيام المخرج بتأكيد الحالة قد يجعلنا دوماً نسأل إذا ما كان الراهب مذنباً او لا- لكن ما قيمة هذا السؤال؟
الآن، حقيقة ان الصبي الذي ربما وقع عليه الإعتداء صبي أسود يزيد المسألة تعقيداً من دون نتيجة. في الفيلم أن الصبي يعاني من شذوذ والده هو عليه ومن ضربه ما يدفع والدته لتمنّي لو أن علاقة أخرى قائمة بين الراهب وإبنها لكي تساعد إبنها على أن يجد في الراهب ملاذاً وأماناً. رغم قوّة المشهد الذي نسمع فيه مثل هذا الإعتراف الا أنه يبقى اعترافاً غير قابل للتصديق- كما يرد. وبما أن الصبي هو الأسود الوحيد، يصير حتمياً السؤال عن السبب في أنه هو، وليس صبيّاً آخر، هو الذي اختير من قبل الكاتب- المخرج ليتعرّض الى هذه المحنة. الخلفية الفقيرة وحدها لا يمكن أن تكون سبباً الا إذا كان الشذوذ هو من ملامح هذا الوضع الإجتماعي تحديداً وهذا ليس صحيحاً٠
.........................................................................................................
Black Balloon **
استرالي | دراما 2009
Elissa Down: إخراج
Rhys Wakefield, Toni Collette, Gemma Ward.
.........................................................................................................

توني كوليت هي الأم في
Black Moon

Introducing the Dwights قبل عامين أقدمت مخرجة أسمها تشيري نولان على تحقيق
فيلم حول أم بريطانية تعيش في استراليا مع ولديها: واحد طبيعي والآخر مصاب بحالة نفسية تعرف بـ
Autism او التوحّد
وفي الفيلم الجديد »البالون الأسود« (ينتمي الى بالونات سينمائية أخرى مثل »البالون الأحمر« و»البالون الأبيض« الخ..) هناك حالة مشابهة لكن المخرجة اول مرّة إليسا داون (وهي نيوزلاندية) تستوحيها من حياتها الخاصّة أذ أن لها شقيقين مصابان بها. لكن الفيلمين متشابهين من ناحية أنهما يصوّران الحالة انطلاقاً من افتراض بأن مجرّد تقديم شخصية مصابة بمرض قلّما تلتفت السينما الروائية إليه (وهناك سبب مهم لذلك) هو إنجاز الفيلم الذي سيجعل المشاهد المهتم يجلس متابعاً الفيلم ومصفّقاً لجرأة عرض من هنا او تشجيعاً للمخرج من هناك٠
لقطة واحدة لإبنة المقتفي في »المقتفي« لأندريه تاركوفسكي تساوي كل الجهد المبذول في أي من هذين الفيلمين وبل الفيلمين معاً٠ لكن في حين أنه لا يمكن توقّع أن يكون كل مخرج ومخرجة بمستوى الكبار فإنه من المتوقع أن ينجح فيلم يريد التعامل مع هذه المشكلة البحث عن بديل لحالة فرض ذلك التعاطف بالقوّة وتصوير المرضى كما لو كانوا هبلاً يشكون من تخلّف عقلي وليس من حالة نفسية٠
المشكلة المعروضة هنا (شاب في الخامسة عشر يبحث عن مستقبله بعيداً عن منزل العائلة تبعاً لحالة أخيه وما تسببه له من متاعب) مهمّة بحد ذاتها بلا ريب لكن الشخصيات مكتوبة كنتائج فقط والمخرجة تدفع كل شيء تجاه حالة تعاطفية سطحية٠ الأسوأ هو أن مفرداتها اللغوية لتحقيق فيلم تبقى من اشتقاق ما تابعته على الشاشة الصغيرة من »سوب أوبرا«٠


فلاشباك | أفلام من الأمس تعاودنا اليوم٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب الحديد****
إخراج: يوسف شاهين (1958)٠

.......................................................................................................
ملخص: قناوي (يوسف شاهين) شاب من الصعيد يعمل بائعاً للصحف في محطة باب الحديد. نفسياً مضطرب وذو عاهة في قدمه. يقع في غرام هنومه (هند رستم) بائعة المرطبات في المحطة، التي ستتزوج من أبو سريع (فريد شوقي) الشيال القوي الذي يقف ضد المعلم (عبد الغني الجندي) داعياً زملائه لتأليف نقابة تدافع عنهم. حين تصد هنومه قناوي، يعزم على قتلها انتقاماً، لكنه يهاجم أخرى، وإذ تكاد الجريمة تحل على أبو سريع، تكتشف الحقيقة ويقاد قناوي إلى مصيره الحالك٠
.......................................................................................................

الكثير لا زال يمكن أن يقال في هذا الفيلم المهم في تاريخ السينما المصرية، كما في سينما يوسف شاهين. إنه دراسة فنية عن عالم من الشخصيات الواقعية جمعها شاهين في إطار زمني ومكاني واحد. فبينما يقدم لنا قصة قناوي المأساوية، وينقل عنها أحاسيسها وحالاتها مدافعاً، يقدم في مكان آخرى قصة الشيال والنقابة التي يدعو إليها، ويجد وقتاً يصرفه في ملاحقة نماذج من ركاب المحطة وحكاياتهم الصغيرة. لكن من خلال هذا العالم الذي أجاد شاهين وصفه وتقديمه، يقدم حبكته الأساسية واضعاً فيها ما هو مطلوب من ثقل نفسي ربما لم تعهده السينما العربية من قبل٠

شاهين، وهو يلعب دور الشاب المشلول، يغوص في مشاكله الجنسية ورغباته الحسية، وينقل كذلك تأثير الرواية المترددة عن جثة اكتشفت في صندوق، وكيف إنها وجهته إلى ارتكاب جريمته في نفس الطريقة.
وشاهين يعطي الشخصية اهتماماً فنياً فلا تبقى حبيسة تيارها الواقعي الشعبي فقط بل تخدمه في توجهه إلى سينما عالم المثقفين. لكن الفيلم لا يتخلى عن سلبية نجدها في معظم أفلام شاهين، فهناك عند اقتراب الفيلم من نهايته، يحدث ذلك الفصل بين المشكلة الواحدة وبين العالم المحيط، وإذا بالخط السياسي ـ الاجتماعي الذي حمى نشأة الفيلم لا ينسحب إلى الآخر، بل يتضاءل تأثيره مع اقتراب الأحداث إلى نهاياتها. إلى جانب إخراجه الجيد، أدار شاهين مجموعة ممثليه (شوقي، رستم، حسن البارودي، والآخرين) بتفهم متحاشياً تحويلهم إلى أنماط خيرة وشريرة، مركزاً في تقديمه هذه الشخصيات على مفاهيمها وعلى علاقاتها، والجنسية منها في المقدمة٠

بطاقة: مصري. إنتاج غبريال ملحمي. قصة وسيناريو: عبد الحي أديب، حوار: محمد أبو يوسف. التصوير: ألفيز أورفانيللي. مونتاج: كمال أبو العلا. موسيقى: فؤاد الظاهري. التمثيل: فريد شوقي، هند رستم، يوسف شاهين، حسن البارودي، عبد الغني الجندي وأحمد أباظة٠

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**** Brute Force| قوة وحشية
إخراج: جول داسين (1947)٠
.......................................................................................................
ملخص: سجن ألكاتراز الشهير. الزنزانة رقم 17 ر. بيرت لانكاستر ونزلاء تلك الزنزانة يخططون للهرب. رئيس الحرس (هيوم كرونين) يخطط بدوره للاستيلاء على إدارة السجن بإجبار المدير المدني المعتدل على تقديم استقالته والحلول محله بموافقة سياسي نافذ. يتناهي له في الوقت نفسه أن خطة تدور للهرب فيحاول التصدي لها. أحد المتعاونين يقاد إليه فيعذبه طالباً منه اعترافاً لكن السجين يرفض الوشاية. تتم خطة السجناء وسط جو مشحون في السجن أثر إعلان رئيس الحرس «انقلابه» لكن الهرب يتعثر وتقع مواجهة يسقط فيها الجميع بما فيهم رئيس الحرس٠

بين كل أفلام السجون، وهو نوع من القصص والمواضيع يكاد أن يكون قائماً بذاته، ينفرد هذا الفيلم بنظرة سياسية أكيدة وبفهم اجتماعي حاد لكينونة المؤسسات الأميركية القائمة. هذا النوع من التفكير ورد في سنوات كان اليسار الأميركي في بداية مواجهته للفكر المضاد الذي تجلى بالحملة المكارثية، والتي انتهت بطرد عدد من المخرجين والكتاب الذين أظهروا اختلافاً مع البلادة الفكرية التي أريد لها أن تسود. من بين هؤلاء المحكوم عليهم جول داسين


في هذا الفيلم نرى مثل هذا التعريف للمؤسسات وللعلاقات القائمة داخلها، كما نرى عالماً موحشاً أغلب من فيه (من المسجونين) ضحايا اجتماعية. جول داسين ينتقد، دون تردد، القوة القمعية الممثلة برئيس الحرس، والضعف السياسي الممثل بضعف الإدارة

كما ينتقد الطمع الذي في داخل هؤلاء الناس، ويقف إلى جانب المسجونين في وضوح. إنه يتجنب، بنجاح، أن يكون فوضوياً، ويبني أغراضه السياسية برزانة دون أن يعبث بالخط التشويقي للأحداث مقدماً في النهاية عملاً رائجاً وذي رسالة عنيفة في الوقت الواحد. تعذيب رئيس الحرس لأحد المسجونين نسمعه ولا نراه. في الوسط، بين الإدارة العنيفة والضعيفة والفاسدة، وبين السجناء ـ الضحايا، يقف الحرس العاديون لا يستطيعون فكاكاً من بين الاثنين. كل هذا يمر أمام أعيننا بوضوح وتسلسل سردي طبيعي دون خطابة ما يمنح الفيلم قيمة فنية عالية. الفيلم بالأبيض والأسود وذلك يعطيه بعداً واقعياً وجمالاً خاصاً به،
كذلك من المهم متابعة الحوار. مثلاً من كلمات الفيلم ذات المغزى: «أنا سآخذ اليسار، إنه اختيار صعب» يقولها أحد السجناء وكأنه يعلن موقف المخرج ذاته. وفي نهاية الفيلم يقول طبيب السجن (تشارلز بيكفورد): «هل يستطيع أحد أن يكون حراً... أقصد أن يكون حراً فعلاً» وينتهي الفيلم بلقطة قريبة متوسطة له وهو ينظر من وراء القضبان٠

بطاقة: أميركي. سيناريو: رتشارد بروكس، تصوير (أبيض/ أسود): ويليام دانيال، موسيقى: ميكلوس روزا، الممثلون: بيروت لانكاستر، هيوم كرونين، تشارلز بيكفورد، هوارد داف وأيفون دي كارلو٠

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2008٠


0 comments: