Issue 14 |

FlashBack

جين كيلي يغني ويرقص تحت المطر في
Singin' in the Rain
إخراج كيلي وستانلي دونن سنة 1952


أفلام العدد
هبة الله يوسف تكتب عن "ميكانو" (الى اليمين)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل العرض | كتب كثيرة صادرة لكن هل تدفع بالثقافة السينمائية الى الأمام فعلاً؟
.............................................................................................
مناظر | ثلاثة أفلام جديدة عن موضوع قديم | محمد رُضا
.............................................................................................
فيلم الأسبوع| نجاح جماهيري لافت لفيلم لبناني جديد. مقالتان عنه للناقدين نديم جرجورة وهوڤيك حبشيان
.............................................................................................
أفلام عربية | إستعادة لفيلم إيليا سليمان »يد إلهية« عن الحياة الفلسطينية تحت سقف العدو | محمد رُضا
.............................................................................................
سينما تسجيلية | الناقد زياد عبد الله يفحص فيلماً أميركياً عن بن لادن
.............................................................................................
استعادة |محمد رُضا يعيد النظر في فيلم عن المكارثية
.............................................................................................
صُنع فيلم | الجزء الثاني من كيف تم إنجاز فيلم »من الماضي« ومع من؟ | محمد رُضا
.............................................................................................
ألبوم | بد أبوت ولو كوستيللو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل العرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثقافة جديدة
الهدف من إصدار كتب السينما، مؤلّفة او مترجمة، هو خلق حالة وعي بالسينما نسمّيها -إذا ما توفّرت كافة الشروط الأخرى- بالثقافة السينمائية٠
لكن هناك عائق يحول دون تحقيق ذلك الهدف أسمهأ أي أفلام وأي سينما٠
بكلمات أخرى، لكي يتم خلق حالة ثقافية سينمائية عبر الكتب الصادرة في هذا الخصوص وحول هذا الميدان، يجب أن تكون هناك الأفلام التي يمكن للقاريء مشاهدتها حتى يربط بين الفيلم والسينما التي ينتمي الفيلم إليها، وبين ما يتحدّث عنه الكتاب٠
كتاب عن السينما التجريبية مثلاِ، مؤلّفاً او مترجماً، لا يعني أي شيء إذا لم تكن أفلام هذا النوع من السينما متاحة في مكان ما. مهرجان او مركز سينمائي او متحف خاص بالفن السابع الخ...٠
كتاب عن لوي بونويل من دون أن يرى المشاهد أي من أفلامه سيترك المشاهد -إذا قرأ- مثل شخص تم رفعه الى منتصف الطريق بين القاع والقمّة ثم تركه هناك٠
طبعاً الكتاب المؤلّف أفضل من ذاك المترجم. على الأقل الكتاب المؤلّف يسمح لصاحبه استعراض أفلام قد تكون بمتناول الجمهور، خصوصاً إذا ما كانت عن مخرج عربي او عن نوعية من الأفلام العربية- أما الكتاب المترجم فمن الصعب تحفيز القاريء لاقتنائه وقراءته، لأن الكاتب (الأجنبي) إنما تحدّث فيه عن أفلام ونوعيات ونظريات لاحظها في الأفلام التي شاهدها في بلده الغربي وكتب عنها أساساً للقاريء الغربي الأفضل إطلاعاً٠
لا يجب هذا أن يعني التوقّف عن إصدار الكتب. لكن علي هذه الكتب أن تخدم خطّة أشمل. أن تأتي مدروسة ومبرمجة وضمن منهج شامل يحتوي على عرض منهج لهذه الأفلام او الشخصيات٠ هذا يمكن له أن يتم لو كان لدى الدول العربية إيمان فعلي بثقافة السينما وترغب في إنتشارها عن طريق خلق ما يوازي السينماتيك فرنسيس او معهد الفيلم البريطاني. كلاهما يملك صالات يقسّمها لبرامج مختلفة من العروض والإقبال لا يزال جيّداً علماً بأنها ليست صالات تجارية تعرض جديد جاسون ستراذم او جوليا روبرتس، لكنها -في حالات- قد تجمع أفضل ما مثّلته جوليا روبرتس من أفلام وتعرضها معاً- هذا مختلف٠

مُتّفق عليه إن جهداً أكبر وأكثر سخاءاً يجب أن يوضع في خدمة السينما العربية. نفس الشيء يمكن أن يقال بالنسبة لثقافة السينما المتأتية من خلال عمليّتي الكتابة والعرض. الموزّعون التجاريون سوف لن يعرضوا عليك تحف السينما المختلفة بالتالي سوف لن يرفعوا من قيمة وجهد المؤلّفين او المترجمين، لكن الحكومات تستطيع إنشاء ما هو ناقص في هذا المجال وبرمجة افلام واتجاهات مختلفة وفي هذه الحالة -فقط- يصبح رواج كتب السينما ممكناً٠

م. ر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناظر ‮| ثلاثة أفلام جديدة عن موضوع قديم | محمد رُضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Adam Resurrected | Paul Schrader
Good | Vincent Amorim
The Boy in Striped Pajamas | Mark Herman
--------------------------------------------------
علاوة على ما ظهر من أفلام تعاملت مع موضوع الهولوكوست في الأشهر الأخيرة، مثل »فالكيري« و»تحد« و»القاريء« (الوحيد المختلف من حيث التقائه مع ضرورة التسامح ونبذ الماضي بآلامه) هناك أفلام جديدة أخرى تم عرضها في مناسبات قليلة او توجّهت مباشرة الى بعض المهرجانات غير الأساسية. لكنها تبقى أفلاماً في الموضوع ذاته تكرر المقوّلة ذاتها حول ما حدث لليهود من تعسّف وجرائم وما دفعوه من إنسانيّتهم في تلك الفترة الحالكة من تاريخ البشرية٠
بالطبع لا أحد يدّعي أنه كان ثمناً باهظاً أن يدفع أبرياء حياتهم بسبب نظام فاشي عنصري يقضي بإعدام المختلفين عن أي جنس او فكر كان، لكن المسألة هي أن الحرب العالمية شهدت عشرات ملايين الضحايا في أوروبا وآسيا لكن لا ضحايا كان صوتهم السينمائي أكثر تكراراً من اليهود. الى ذلك، ما فعله ولا يزال اليهود يفعلونه في فلسطين (وسواها حين تتاح لهم الفرصة) لا يقل وحشية وقسوة وعنصرية عما فعله الألمان بهم٠
هذا لا يمنع معظم الأفلام التي تتمحور حول الهولوكوست من تجاهل هذه النقاط والعودة الى تأكيد المعاناة في مناحات متواصلة حول مآس وقعت في حقبة تاريخية انتهت لا تزيد وحشية عن مآسي كثيرة وقعت في ذات الحقبة او قبلها (او بعدها)٠


Adam Resurrected
تحديداً هناك ثلاثة أفلام جديدة في هذا المنوال أوّلها فيلم أميركي/ ألماني/ إسرائيلي مشترك للمخرج بول شرادر (كاتب »سائق التاكسي« لمارتن سكورسيزي ) عنوانه »آدم منبعثاً«٠ وهو مأخوذ عن رواية للإسرائيلي يورام كانيوك تتحدّث عن مريض في مصحّة اسرائيلية يحمل (والأحداث تدور في الستينات) آلام ما حدث له في ألمانيا النازية. إنه ناج من عمليات الإبادة بعدما زج الى تلك المعسكرات على الرغم أنه كان، في الثلاثينات، نجم ترفيه مسرحي. في المصحّة اليوم يحاول التغلّب على ما يعانيه بمساعدة الممرضة المجذوبة اليه عاطفياً. فجأة يكتشف وجود طفل يقلّد الكلاب فيفقد تدريجياً رجاحة عقله تبعاً لما اكتشفه من عالم الطفل وميوله الشاذّة٠ ويليم دافو في دور ألماني نازي وجف غولدبلوم في دور آدم٠

رجل طيّب
الفيلم الثاني في المجموعة هو »طيّب«. مثل سابقه لم يحظ بإهتمام جماهيري ولا توزيعي لكنه مجهود جذب إليه إسماً كبيراً بين نجوم السينما الحاليين هو فيغو مورتنسون. إنه يلعب دور بروفسور ألماني أسمه جون هولدر وضع كتباً لم يقرأها أحد سوى ضابط نازي يتودد إليه طالباً منه الإسهام في البروباغاندا النازية عن طريق مؤلّفات جديدة. قبل ذلك الطلب كان البروفسور قد رسم دائرة حيادية تحيط به، وبل كان صديقاً لأحد اليهود من المثقّفين٠ بعد ذلك، يجد نفسه، وقد استجاب تدريجياً لإغراء المال والشهرة، وهو يغض النظر عما يفعله الألمان حيال اليهود٠

Good
الفيلم بريطاني من إخراج النمساوي فنسنت أموريم الذي سبق وأن أنتج وأخرج نحو عشرة أفلام وكان مساعد مخرج في بعض افلام التسعينات. وما يقوله الفيلم ليس جديداً إذ يتحدّث عن مثقفين باعوا أنفسهم للسُلطة، على غرار ما فعله المخرج المجري اسطفان شابو سنة 1981 في فيلمه »مفيستو« مستعيناً بالفنان مثالاً للإدانة ذاتها٠

قصة صبي
الفيلم الثالث بريطاني أيضاً وعنوانه »الصبي في البيجاما المخططة« للمخرج مارك هرمان ومن إنتاج ديفيد هايمان أحد منتجي سلسلة »هاري بوتر«٠

The Boy in Striped Pajamas
في هذا الفيلم ننتقل مع عائلة ألمانية مؤلّفة من الكولونيل النازي وزوجته وإبنهما وإبنتهما من المدينة الى الريف وذلك لكي يبقى الأب قريباً من محرقة اليهود ليشرف على إعدام من يتم زجّهم إليها. الفيلم من وجهة نظر إبنه الذي لا يعرف حقيقة وبشاعة دور والده الى أن يتعرّف على صبي يهودي. الإبن يجالسه من وراء الأسلاك بينما اليهودي داخلها والحكاية تمضي على هذا النحو الى أن يقرر الصبي التنكر في زي يهودي ودخول المعسكر نفسه. فعل يؤدي الى عاقبة وخيمة، إذ حال يصبح داخل المعسكر فإن شيئاً لن يمنع الحرس من دفعه الى المحرقة٠
ينتقل الفيلم من رصده العام للحياة العائلية الى التخصص في منوال وضع ابن العائلة حيال موضوع لم يعرف عنه شيئاً وكيف أن الأب يستحق ما حدث له من فاجعة في نهاية الأمر. لكن الفيلم إذ ينطلق مثيراً للإهتمام، وبل يبقى على هذا الوضع معظم الوقت، يفتقر بعد قليل الى الإقناع حيث يأتي كل ما يسرده لاحقاً تبعاً لما هو مخطط له وليس لما هو أمر مقنع او مبرر٠

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلم الأسبوع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالتان عن الفيلم اللبناني الجديد »شربل« للناقدين نديم جرجورة وهوڤيك حبشيان . كلاهما يتّفقان على أن الأب شربل كان يستحق عملاً أفضل٠


قداسة لا فيلم | نديم جرجورة

لا يُمكن التغاضي عن الجانب التجاري في عملية إنجاز فيلم «شربل» لنبيل لبّس. فالعمل البصري هذا، المرتكز على سرد عاديّ لسيرة قدّيس ماروني، لم يُوازن بين الحصول على تمويل مالي ونضج المضمون الدرامي؛ علماً بأن التوازن بين المسألتين، عند حصوله، يمنح الفيلم شرعية الإبداع، ويجعل الصنيع الفني أداة ربح ماديّ مطلوب. ذلك أن صناعة الأفلام تحتاج، دائماً، إلى تمويل أو إنتاج ماليّ جيّد، ما يؤدّي إلى التفكير الصحيح بضرورة البحث عن كيفية استعادة المصاريف، وإضافة أرباح ما عليها. وإذا قيل إن مشروع هذا الفيلم تحديداً انطلق من رغبة فردية لا علاقة لها إطلاقاً بالمعادلة التجارية/ الفنية، فإن مجرّد إطلاق عروضه في الصالات الجماهيرية يُحرّر القراءة النقدية من التنقيب عن مغزى تلك الرغبة، وعن ارتباطها الوثيق بعلاقة فردية بشخصية القدّيس الماروني، أو بإيمان المموِّل وفريق العمل. وإذا قيل إن «شربل» عملٌ متواضع لا يدّعي صناعة سينمائية بمتطلّباتها الكثيرة، فإن طرحه في السوق التجارية، أي في الأمكنة الخاصّة بالأفلام، يُحتّم معاينة مختلفة لا تكترث بالخلفيات والأهداف الفردية، بقدر ما تنحاز إلى الجانبين الثقافي والفني في عمل مُقدّم إلى الجمهور على أساس أنه «فيلم سينمائي».

فيلمٌ كهذا يجذب جمهوراً عريضاً، لأنه يمسّ حساسية إيمانية لديه، خصوصاً في ظلّ النزاع السياسي الحادّ، الذي تورّط فيه الموارنة كبقية اللبنانيين. والبحث في المسألة التجارية، بعيداً عن الرغبة الحقيقية والخاصّة بمموّل الفيلم وصانعيه، شرعيّ، لأن فيلماً كهذا قادرٌ على تحقيق أرباح جدّية، علماً بأن التكاليف، كما هو واضح في الفيلم المعروض على الشاشة الكبيرة وإن لم يُصوَّر بتقنية سينمائية، ليست مرتفعة، وحشود المؤمنين وعائلاتهم وأطفالهم وأحفادهم تتدفّق إلى الصالات، وإن بشكل خفر أحياناً. ولا أحد يعرف ما إذا كانت المدارس الكاثوليكية «تفرض» على تلامذتها الموارنة والمسيحيين مشاهدة الفيلم، ما يعني أن احتفالاً بالقدّيس شربل، وإن في صالات سينمائية تعرض نسخ «ديجيتال» منه، يُساهم في تخفيف وطأة النزاع اللبناني الداخلي، قليلاً، عن كاهل الموارنة على الأقلّ.
لا يصنع المالُ وحده أفلاماً، ولا تصلح النيّات الصادقة والسليمة والطيّبة لإنتاج إبداع سوي وسليم. لا يكفي اختيار شخصية عامّة مؤثّرة في الحياة اليومية لآلاف المؤمنين بها، كي يُنجَز عمل فني ما، ولا يلغي «النجاح» الجماهيري واقع أن العمل المذكور ليس فيلماً. هذا كلّه يعني أن «شربل» عملٌ أقلّ من عاديّ، كان يُفترض بصانعيه أن يبثّوه في المنازل، عبر الشاشة الصغيرة، بدلاً من أن يطرحوه في السوق التجارية فيلماً سينمائياً. ذلك أن صانعيه لم ينتبهوا إلى العمق الدرامي لشخصية شربل ومساره الحياتي وتجربته الإيمانية، ولم يكترثوا للتساؤلات الجمّة التي تطرحها حياة ناسك على الآخرين، المؤمنين وغير المؤمنين معاً، ولم يأبهوا بالفضاء المحيط بالشخصية نفسها، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ولا بالجانبين الانفعالي والحياتي لديه. بدوا متردّدين من التعاطي الإبداعي الحرّ مع الشخصية هذه، بدلاً من أن يجعلوا إيمانهم بها (أو اختيارهم إياها) طريقاً إلى ابتكار شكل سينمائي صحيح وقادر على تقديم الشخصية الأحبّ إليهم بوسيلة سينمائية جدّية. خرج شربل، معهم، من جبّته السوداء إلى الشاشة الكبيرة؛ لكنهم تركوه معلّقاً بين حياة يومية لا تقنع كثيرين، وقداسة تعني مؤمنين معيّنين. والفيلم، إذ عجز عن امتلاك حدّ أدنى من مقوّماته البصرية، لم يُقدّم جديداً في سيرة رجل يعرفها هؤلاء المؤمنين أنفسهم غيباً، لأنهم تعلّموها منذ ولاداتهم الأولى، وتربّوا عليها طويلاً. أما الآخرون، أي غير المؤمنين بهذه الشخصية أو بأمور متفرّقة أيضاً، فلم يعثروا على نبض درامي أو جمالية فنية، قادرَين على منحهم متعة الفرجة، كما يحصل مثلاً عندما يتمتّع محبّو السينما بمشاهدة فيلم عن قاتل متسلسل أو زعيم مجرم كستالين أو هتلر، لأن هذه المتعة منبثقة من أسلوب العمل الفني، ومن براعة المخرج وفريق عمله في ابتكار جمال مستلّ من عمق البشاعة والوحشية والعنف.

ظلّ «شربل» أسير قداسة الشخصية، بدلاً من أن يستفيد من هذه القداسة في معاينة السيرة الطويلة لرجل قرّر، بناء على دعوة إلهية، أن يتخلّى عن كل شيء من أجل التعبّد في داخل الدير، ثم في داخل غرفة منعزلة وبعيدة عن العالم. ظلّ «شربل» أسير النزاهة والتعفّف اللذين عُرفت بهما الشخصية هذه، بدلاً من أن يجعل النزاهة والتعفّف مدخلاً إلى فهم نسق الحياة وقسوة التحدّيات في واقع إنساني مزر. وإذا تجنّب صانعو الفيلم طرح الأسئلة، لأنهم منجذبون إلى القداسة من دون سواها؛ فإن مُشَاهداً متحرّراً من سطوة القداسة لا يستطيع التعامل مع «شربل» كنشيد للحب والتقوى والإيمان والتعبّد، على حساب السينما، لأن نشيداً كهذا موجودٌ في أمكنة خاصّة به، يرتادها المؤمنون، لا في أمكنة خاصة بالإبداع، يرتادها مؤمنون من نوع آخر. والمُشَاهد المتحرّر من سطوة القداسة لا يفرض على صانعي الفيلم شيئاً، بل يتعاطى مع صنيعهم انطلاقاً من حرصه على الفن السابع؛ ولا يرفض اختيار السينما المواضيع كلّها من دون استثناء، بل يسعى إلى أن يكون الاختيار متوافقاً والمتطلّبات الطبيعية لصناعة الفيلم. هنا، مع «شربل»، سقطت السينما كلّياً، ولم يبق على الشاشة الكبيرة إلاّ سيرة رجل لم تُقدَّم بشكل درامي سليم، بل بسرد مملّ لحكايات منقوصة أو مجتزأة، عن الرجل وعن بعض اللحظات التاريخية في سيرة بلده. والطامة الأخرى كامنةٌ في أن تسليط الفيلم ضوءاً على أحداث تاريخية وقعت في لبنان، عندما كان شربل حيّاً، بدا باهتاً وساذجاً وسطحياً، على الرغم من أهمية الأحداث تلك. حتى التمثيل، الذي يُفترض به أن يكون صحيحاً في فيلم لا يريد صانعوه أن يكون سينمائياً، بدا عادياً للغاية، وإن حاول أنطوان بلابان وايلي متري (أدّيا دور شربل في مرحلتي الشباب والشيخوخة) منح الشخصية بعض حيوية تمثيلية، ففشلا لأسباب عدّة: إما لعجزهما عن الخروج على إرادة صانعي الفيلم، وإما لحاجتهما إلى إعادة بلورة أدائهما التمثيلي، وإما للغياب المدوّي لإدارة الممثلين. فالتعبير عن التعبّد والتقوى والتعفّف والنزاهة لا يمرّ بادّعاء التواضع وإغماضة العينين مثلاً. والتألم أمام أهوال الحياة الخارجية، أو الإصرار على الخروج من العائلة الضيّقة إلى العائلة الإلهية الأوسع، لا يظهران بحركة جسدية مفرّغة من المعنى العميق للتألم والإصرار هذين، ولأبعادهما الدرامية والإنسانية العاكسة موقفاً أو شعوراً.
ثم إن السيرة المعروفة لشربل لم تكتمل في فيلم نبيل لبّس، لأنها لم تُقدّم الرجل الناسك والمتعبّد، والقديس في ما بعد، كمؤمن قادر على اجتراح معجزة وارتكاب المغاير للعقل والمتلائم للانفعال الإيماني. أليست قداسة شربل نابعة من أعاجيب معينة قام بها، ومن سلوك متكامل عاشه في سني عمره المديد؟ فالفيلم اكتفى بلمحات خاطفة وسريعة مرّت للحظات (عمله في الحقل، اهتمامه بالناس، حصانته إزاء الخطيئة، عدم وقوعه في فخّ المرأة، إلخ.)، من دون أي معنى إنساني أو درامي أو جمالي. واللعبة التي حاول المخرج اعتمادها في مسألة المرأة، بدت بسيطة لا طائل منها: هناك امرأتان أساسيتان عرفهما شربل. الأولى أمّه، التي أصرّ على رفض رغبتها في عودته إلى المنزل، أو على عدم لقائها؛ والثانية صبيّة أُغرمت به وحاولت إبعاده عن طريق الرهبنة. كان يُمكن لذكاء ما أن يجعل المرأتين محوري الفيلم والخيط الدرامي الذي يُمسك الحكاية كلّها من طرفيها. لكن «شربل»، الفيلم والقدّيس، رافض أبدي للمرأة، وإن عجز عن إبعادها كلّياً عنه، لأنها حاضرة في الواقع، أو لأن الفيلم محتاج إليها كأداة (فقط لا غير) للتعبير عن قوّة الشخصية لدى شربل، وحصانته المفرطة ضد «إغوائها»، أكان الإغواء أمومياً أم جنسياً.

.........................................................................................................
شربل للمؤمنين فقط | هوڤيك حبشيان

القديس شربل شخصية سينمائية في فيلم لبناني يُعرض منذ أسابيع في الصالات اللبنانية. العمل أنجزه مخرج شاب يدعى نبيل لبّس عُرف في صناعة الأغاني المصورة. وعلى رغم أن لا أغنية في "شربل" يرقص الناس على أنغامها، فبالكاد يطيح لبّس عاداته التصويرية، مكبّلاً معها النمط الفيديو كليبي الذي ينتهجه النصّ الدرامي من أقصاه الى أقصاه: مشاهد بالرالانتي، صورة منقحة، ادارة معدومة للممثلين، أجساد تتحرك كما لو انها هنا لاستعرائية تداعب فانتازيا ما، والى ما هنالك من استيتيكية "مؤسلبة" وفجة تسلب الفيلم أي قيمة فنية كان من الممكن أن يقترحها. التفخيم، يعلكه الفيلم الى ما لا نهاية حتى تحويله آلية تدور في الفراغ مثل طاحون هوائي٠
نصّ منير معاصري لا يثير الفضول. انه نحيف جداً الى حدّ انه اضطر الى دعم الحبكة الروائية بفصول من التاريخ، أي زمن العثمانيين السيئ الذكر وثورة الفلاحين، كي تصبح الحبكة الروائية أكثر دسامة، والشريط "حرزاناً". عن حياة القديس، لا يعرّف الفيلم بالكثير. ولا نعرف اصلاً اذا كان يعرف. واذا كان يعرف فهو لا يقول. واذا يقول لا يُري. واذا يُري لا يُري كما ينبغي. لذا، يبقى الفيلم للمؤمنين، وللمؤمنين فقط، الذين لا يحتاجون الى رؤية مخرج بل الى تجسيد حرفي لسيرة هذا الحبيس الكبير. مرّة أخرى، بعد "آلام المسيح" لميل غيبسون، تتحول صالة السينما الى مكان للحجّ، لا للتأمل وطرح الاسئلة الكبرى المتعلقة بالايمان. "شربل" صُنع بمحض ايمان لا يحتمل أي سؤال، أي توضيح، وأي فضول. منذ متى باتت السينما آمراً ناهياً؟
أي فيلم ديني يخاطب المؤمنين فقط ولا يسعى الاّ الى مراضاة مريدي هذا القديس أو اتباع ذاك النبي، لا يمكن أن يكون فيلماً كاملاً متكاملاً. من خلال انصياعه الى منطق التجسيد البليد، ينتهي الامر بـ"شربل" شريطاً يولي الأهمية للبوستيش والذقون والملابس، عوض التركيز على الأفكار، ليقع في خاتمة جولته في فخ "الصلاة السينمائية"، بدلاً من أن يكون تأملاً. الأنكى ان النظرة الى القديس خارجية، على غرار سائح يلتقط صوراً خلال زيارته لبنان، جبالاً وودياناً وغروب شمس! فمعالجة الجانب البصري تذكّر بالكليشيهات الفوتوغرافية التي تخصص جان - شارل بيليران في صناعتها، في القرن الخامس عشر، والتي غالباً ما كانت تحتوي على مادة دينية أو تاريخية. السذاجة التي تطرح من خلالها سيرة القديس شربل، تذكّر بهذه الصور الايبينالية (نسبة الى ايبينال الفرنسية، مسقط بيليران).
لا نعثر حتى على سؤال واحد في الشريط المملوء بمواقف يغلب فيها اليقين على عنصر الشك الاساسي لكل عمل فني. من فرط ما ينشغل الفيلم بالمظاهر، يهمل الجوهر، أي القديس وحياته. كيف عاش عزلته؟ ما هي لحظات الضعف التي تصدى لها هذا الناسك الكبير؟ أفكاره، حوافزه، ايمانه، رؤيته للانسان وللربّ وللبنان وللارض وللآخرة! لا شي من هذا كله، بل سطحية ما بعدها سطحية. الفيلم الديني، أكثر من غيره من الأفلام، في حاجة الى مخرج حرّ. هذه حرية غير موجودة. وفي حاجة الى صاحب رؤية. هنا الرؤية معدومة تماماً. عفواً، لكن الشغف وحده لا شيء. لا شيء اطلاقاً. والايمان الاعمى والنيات الحسنة لا يثمر سينما حقيقية٠
عندما صوّر روسيلليني سيرة القديس فرنسوا الأسيزي (1950) ركّز على الخفيّ في شخصيته، بعيداً من الاكاديمية وأدبيات الفيلم الديني. أعاد منح الروح الى هذا القديس بصورة فنية ورسّخ مكانه في القلوب. سواء أكنت مؤمناً ام علمانياً ام ملحداً، لا تستطيع الا أن ترفع القبعة أمام هذه الرؤية المتنورة للايمان العظيم! وعندما جاء بازوليني بنصه الكبير عن المسيح، مرتكزاً على انجيل متى، قال في ابن الله ما لم يتجرأ على قوله أحد غيره من الغربيين في تلك الحقبة. كذلك الأمر بالنسبة الى الثنائي سكورسيزي- كازانتساكيس وصدمتهما التي أثارت حفيظة المؤمنين المتشددين في أنحاء كثيرة من العالم
لا نطلب من تجربة متواضعة أن تتسلح بالقدرة والموهبة الفسيحة في الذهاب الى ما خلف المظاهر، في بلد طائفي حيث الدين يتحكم بمصائرنا. بيد ان الفيلم كان يمكنه أن يأخذ معنى آخر واتجاها مختلفا لولا المعالجة الروحانية الثقيلة والمتكررة التي تفتك بكل مفاصل الفيلم. أياً يكن، هناك من التعقيد البصري الكثير بالنسبة الى سيرة كانت بسيطة الى أقصى حدّ. وعليه، كل شيء في الفيلم هو ضدّ الفيلم. لكن أي من العناصر هو الأكثر مسؤولية عن الفشل؟ هل النصّ البليد ام الاخراج الشره والمتمادي في زخرفته؟ أم الموسيقى التصويرية المنقولة (وربما أكثر من منقولة!) من هنا وهناك، والتي لا بد أن يضيق بها المرء ذرعاً، لفرط عنجهيتها السخيفة واعتقادها بأنها بطلة الفيلم؟ أو ربما الممثلون الذين لا أحد منهم يفي بالغرض اللازم؟ الأرجح ان الفشل هو لقاء كل هذه العناصر في غياب أي اعجوبة!
الشرق أكثر "إيماناً" من الغرب. في هذا الجزء من العالم معقل الأنبياء ومهد الأديان الثلاثة. لكن هذا الشرق، أقله في السينما، لا يعرف التحدث عن الايمان على نحو يجلب اليه غير المؤمن٠

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفلام عربية | محمد رُضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المتوقّع أن يقدّم المخرج الفلسطيني إيليا سليمان فيلماً جديداً له على شاشة مهرجان »كان« المقبل٠ للمناسبة، هذه إستعادة لفيلمه السابق »يد إلهيّة« لم يسبق نشرها الكترونياً او صحافياً، بل وردت في العدد الخامس من »كتاب السينما« الذي صدر في العام 2005 عن أفلام 2004
--------------------------------------------------
٠٠٠٠ وتنفجر الدبابة ببذرة مشمش


**** يد إلهيّة
إخراج وكتابة: إيليا سليمان٠
تمثيل: إيليا سليمان، منال خضر، نايف فاهم ضاهر، جورج
إبراهيم، جورج خليفي، آفي برغر٠
تصوير: مارك- أندريه باتين [ألوان- 35 مم ]٠
توليف: ڤيرونيك لانغ [92 دقيقة]٠
موسيقى: ميراي وناتاشا أطلس٠
المنتج: أومبر بالسان٠
Ognon Pictures/ Arte France/ Gimages Films/
Soeread 2M
فلسطيني/ فرنسي- 2002
--------------------------------------------------
في مطلع الفيلم مشهد لرجل في لباس بابا نويل يحمل الهدايا ويقف على هضبة ينظر حوله في خوف. مجموعة من الأولاد والأطفال تركض وراءه. يهرب منها. يصعد الى أعلى الهضبة والأطفال يلحقون به ويرشقونه بالحجارة. كل ذلك بلقطات طويلة قبل حلول اللقطة المتوسّطة الأولى في الفيلم حيث بابا نويل وقد وقف متهالكاً أمام ما يشبه الضريح وفي بطنه سكين مغروز٠ بعد ذلك، يلتقط المخرج إيليا سليمان في نحو ثلث ساعة مشاهد شبه منفصلة أشبه بمناظر عامّة من حياة الفلسطينيين في الناصرة. وليست كل المناظر جميلة: والد بطل الفيلم يقود سيارته صباح أحد الأيام والمارة يعرفونه جيّداً فيبادرونه بالتحية الودودة. لكن الرجل يرد عليهم بأقذع الشتائم التي لا يسمعونها من وراء نافذة سيارته المغلقة٠ رجل اعتاد وضع سيارته أمام كاراج جاره. آخر اعتاد رمي الزبالة في حديقة بيت جيرانة. وثالث يقوم بهدم جانب من الطريق من دون تبرير واضح. كالعديد من مشاهد الفيلم الأخرى، يقودنا ذلك الى حالة من الكوميديا والمأساة٠

مشاهد إيليا سليمان صور انتقادية لأوضاع معينة تشبه بدايات فيلمه السابق »سجل الإختفاء« (والعنوان الفرعي للفيلم »سجل الحب والألم«). مثل »سجل الإختفاء« أيضاً، هناك فاصل بسيط ينتقل فيه الفيلم من تسجيل ملاحظاته على البيئة الى المرحلة التي تليها. والمشهدا لفاصل هنا هو الذي يسقط فيه الأب مريضاً، بقلبه وهمّه، على الأرض. في اللقطة التالية مباشرة ينتقل الفيلم الى سجل آخر. الفيلم لا يزال على أسلوبه العام من حيث تصوير مشاهد مقتطعة وغالباً بروح ساخرة، مرحة وكرتونية. في تلك اللقطة نشاهد المخرج نفسه يقود سيّارته. الكاميرا في لقطة قريبة متوسّطة من زاوية جانبية له وهو يأكل حبّة مشمس. يطل الى نهايتها وتبقى البذرة. يرميها من شباك سيارته المفتوحعلى جانب دبابة إسرائيلية. لقطة للدبابة وهي تنفجر بقوّة٠


من هذه اللحظة يستخدم المخرج الواقع لينطلق منه صوب الخيال الجانح. يوظّف الحركة العادية لكل يوم لتقديم مستويات من السخرية. وإذ تلاحظ، تجد أن حلول سليمان تتماشى مع وضع يجد نفسه فيه، كفلسطيني، في القاع. ليس لديه حل للمقاومة وللنصر سوى ترك خياله يجول في تجسيدات غير واقعية: الدبابة الإسرائيلية التي تنفجر ببذرة المشمش. البالون الذي يحمل صورة الزعيم ياسر عرفات ويطير فوق رؤوس الجنود الإسرائيليين. برج نقطة الحدود وهو يتهاوى عندما تمر الفلسطينية الشامخة والجميلة. ثم حين نراها عندما تتصدّى لعدد من جنود الأمن الإسرائيلي وهم يتدرّبون على الرماية فتطيح بهم في صورة مستعارة من أفلام النينجا لتؤدي الدور الرمزي والساخر. اليد الإلهية في الفيلم هي تلك المعبّر عنها بتلك الحلول المنتظرة. يوميات بطل الفيلم (إيليا سليمان نفسه من دون إسم لشخصيّته) تتضمن زيارة والده في المستشفى والإلتقاء بالفتاة التي يحبها عند حاجز يقع على الطريق بين القدس ورامالله. هو يكره قطع الحاجز صوبها وهي تكره قطع الحاجز صوبه، او ربما يرفضانه يلتقيان عند مكان مشرف عليه. عوض الحديث معاً يشبكان يديهما ويتطلّعان الى حيث جنود الإحتلال يوقفون السيارات المارة. يدققون. يُرجعون او يسمحون او يخرجون البعض من سياراتهم ويوقفونهم مرفوعي الأيدي... لا هم أسرى ولا هم أحراراً. العاشقان المراقبان لا يتكلّمان. ليس هناك ما يُقال. المخرج يرينا من خلالهما ما ينظران إليه من واقع لا يحتاج الى تعليق ومن دون كلمة واحدة بينهما لأن الحب ممنوع اليوم٠

ثم يأتي يوم آخر. يصل هذا الشخص الذي يؤديه المخرج الذي لا يتكلّم (بذا أقرب الى شخصية باستر كيتون او جاك تاتي) الى المكان ومعه بالون أحمر على صورة الرئيس ياسر عرفات. ينفخه في السيارة وفتاته تنظر اليه بعينين حائرتين. يفتح النافذة التي في سقف السيارة ويطلق البالون الذي يطير مرتفعاً بإتجاه ذلك الحاجز الإسرائيلي. يجتاز الحاجز ويدخل القدس حرّاً. يحوم فوق الكنيسة ويحط على قبّة المسجد. هذا كان انتخاب عرفات (رحمه الله) سينمائيا في وقت كانت اسرائيل تشكك في شعبيّته. في مشاهده الرمزية أيضاً يستخدم إيليام سليمان فتاة فلسطينية جميلة نراها تهدم حاجزاً مرّت بقربه. ترمق متعاوناً فلسطينيا بنظرات متحدّية، وأهم ما تقوم به هو تصدّيها للقوات الإسرائيلية خلال تدرّبها على إطلاق النار. تخرج لهم على طريقة أفلام النينجا في مشهد لا يُقصد به أن يكون متلاحماً مع الفيلم او منطقيا، بل لكي يقدم تلك الفتاة رمزاً لفلسطين التي لا تموت٠


في مشهد آخر بالغ الدلالة يقع بين بطل الفيلم الذي يتوقّف بسيارته عند إشارة ضوئية، وبين يهودي في سيارته التي تقف بمحاذاة السيارة الأولى. يضع بطل الفيلم أغنية مستقاة من أغنية نينا سايمون
I put a spell on you الكلاسيكية
موشّحة بصوت مطربة عربية مع إيقاع مختلف. تشتبك عينا إيليا- الممثل، بعيني اليهودي. يتبادلان نظرة طويلة، عميقة بمعين من الغضب. يتعاركان بصرياً وفي عراكهما الصامت تلخيص لتاريخ الصراع بأسره٠
وهناك مشهدان لفتاة سائحة تقترب من جندي احتلال في سيارة اعتقال تسألعه عن شارع معيّن في القدس، لكنه لا يعرف المدينة التي يفترض أنه يدافع عن حقّه فيها. في المرّة الأولى يُخرج الجندي فلسطينياً معصوب العينين ومقيّداً من داخل الشاحنة فيدلّهما على المكان. في المشهد الثاني، المنفّذ بذات حجم اللقطة السابقة وبذات حركة الممثلين وأماكنهم ضمن اللقطة، تعود السائحة لتسأل الجندي عن مكان آخر. يستدير الجندي لإخراج الفلسطيني من السيارة فإذا بالفلسطيني قد هرب٠ الضحك عند إيليا سليمان ممتزج تماماً بالموقف والرمز السياسي المتأتي منه. لا شك أن كل مشاهِد، بصرف النظر عن موقعه السياسي من القضية الفلسطينية، أدرك تماماً ما يقوله المخرج في مشهده الكرتوني هذا٠

كما »سجل الإختفاء« ينتهي الفيلم بفردين من أهل البيت. في ذلك الفيلم ينتهي برجل وزوجته (والدا إيليا فعلياً) ينظران الى شاشة التلفزيون الإسرائيلي الذي يبث صورة العلم الإسرائيلي على أنغام النشيد الوظني. لكنهما نائمان. وقد فُسّر المشهد (والفيلم أيضاً) على أنه تحية للنشيد والوطن الإسرائيليين واعترافاً بالوجود الإسرائيي (!!). هنا تصوّر النهاية ايليام سليمان وأمه (بعد وفاة أبيه كما في الواقع وكما في الفيلم) جالسين في المطبخ وهناك طنجرة ضغط تغلي. تصفر من الغليان. على وشك الإنفجار٠
سليمان أكثر نضجاً في أسلوبه الفني وتنفيذه التقني واختياراته من الصور والمشاهد هنا من الفيلم السابق. بعض ايحاءاته الصامتة والحركات التي تحتويها فنية صرفة وتشبه تلك التي أوجدها الكوميدي الفرنسي جاك تاتي مستخدما المكان وحركة البطل (تاتي نفسه) في المكان وبين تصاميمه٠

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استعادة | محمد رُضا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

The Front | Martin Ritt (1976) ***


أحتفظ بضحكة أكررها كلما تذكّرت فيلم مارتن رِت »الواجهة« او شاهدته فيها: وودي ألن يمشي سعيداً فوق جسر ومن فرط سعادته يطيح، من حيث لا يعلم، برجل جلس على حافة الجسر فيلقيه في النهر. لا لقطة للرجل وهو يقع في النهر، بل هي لقطة واحدة بعيدة لألن يدفعه ولا يتوقّف والرجل يطير تعلوه صرخة كبيرة لكن وودي ألن لا يسمعها٠
كان وودي ألن بدأ الإخراج قبل مثّل هذا الفيلم تحت إدارة مخرج آخر. وأحياناً ما أتساءل إذا ما كان ألن سوف يسمح لأحد أن يديره في فيلم لا يقوم هو بإخراجه (كما يفعل معظم أبناء جيله من المتحوّلين الى الإخراج) او أن هذه مرحلة لن تتكرر٠
هو هنا شاب أسمه هوارد برينس بلا موهبة يرضى بأن يضع أسمه على مسلسلات تلفزيونية لمجموعة من الممنوعين من العمل. واجهة، كما يقول العنوان، لكتّاب مشهود لهم بالتفوّق لكن المكارثية قضت بوضعهم على لائحة سوداء تمنع المؤسسات السينمائية والتلفزيونية من تشغيلهم٠
فجأة هو النجم الجديد الذي يتنافس البعض على تشغيله بينما هو لا يفقه شيئاً من مهنة الكتابة٠ فعلها للمال وحده قبل أن يدرك الحقيقة السياسية فيرفض الإذعان لمطالبة الأف بي آي بالكشف عن الذين يوظّفونه لبيع أعمالهم٠
بين الشخصيات المثيرة للإهتمام هنا شخصية ممثل كوميدي عتيق أسمه هَكي (زيرو موستل في آخر أدواره) يتودّد لهوارد ثم يشي به لمباحث الأف بي آي قبل أن ينتحر ندماً على ما قام به . في هذه الأثناء، يعرض المخرج رِت للعلاقة بين ادارة المحطّات التلفزيونية وبين الأف بي آي، من جهة وبين وكيل أعمال هوارد وهوارد نفسه من ناحية أخرى. »البزنس« الكامن بين هذه الجهات طبيعي في الظاهر وغريب في جوهره: لكي يواصل هوارد عمله والتلفزيون الإستفادة مادياً من »كتاباته« ووكيل أعماله من نسبته المقررة، والأف بي آي من صيد الخارجين على قرارات الحكومة من ناحية كل ما هو مطلوب هو أن يشي بمن يقف وراءه وهو يرفض. نتيجة ذلك ينتهي هوارد الى السجن٠
المشكلة الأساسية التي تواجه هذا الفيلم هو أن كاتبه وولتر برنستاين ومخرجه مارتن رِت سمحا لأنفسهما بتقديم شخصية جاهلة لمحيطها وبلا موقف سياسي مؤيّد للممنوعين من العمل بقرار اللجنة المكارثية آنذاك. صحيح أنه يتطوّر ليصبح ذا موقف، لكن هذا التطوّر معهود في العديد من الأفلام حيث الشخصية الأميركية بريئة الى أن تتعرّض لعملية فتح عين. ما يقع نتيجة هذا الإختيار هو أن المسألة المكارثية تصبح لوحة في الخلفية تكتب عليها بعض النقاط الرئيسية بينما يتحوّل الفيلم الى ملعب للكوميدي وودي ألن٠
على ذلك، يحافظ المخرج رِت على قدر من الجدّية في هذا العمل. »الواجهة« ليس فيلماً للكوميديا المطلقة، بل هو فيلم رسالة معمول بإتقان وببساطة وشريط علاقات إنسانية واجعتماعية بالغ التعبير. وهو أحد أفضل أفلام المخرج ، الذي عانى من المكارثية بدوره إذ مُنه لسنوات عن العمل، في السبعينات والثمانينات جنباً الى جنب »نورما راي« (1979) و»الأمل الأبيض الكبير« (1970)٠
أفلام أخرى عن المكارثية ذات أهمية
Good Night, and Good Luck | George Clooney (2005) ***1/2
Chaplin | Richard Attenborough (1992) ***
Guilty By Suspicion | Irwin Winkler (1991) ***
Insignificance | Nicolas Roeg (1985) ***

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سينما تسجيلية | زياد عبد الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العربي مسحوق بين الأصوليات وديكتاتوريات مدعومة أميركياً

خرج مورغن سوبرلوك من وجبات »مكندونالدز« السريعة وهو يصرخ »أين هو أسامة بن لادن«؟
زاد وزنه 25 باونداً في فيلمه السابق
Super Size Me
حيث كان عليه أن لا يأكل غير الـ »جانك فوود«. لكن ها هو يتخلّص من هذا الوزن الزائد الذي أرهقة سنة 2004 ويعود الى رشاقة ساعدته على التنقل بين سبعة بلدان بحثاً عن إجابة للسؤال الذي جعله عنوان فيلمه الجديد
Where in The World is Osama Bin Laden
أحد السينمائيّين الأميركيين المستقلّين، يقتفي أثر زعيم التنظيم الأصولي سائلاً الناس العاديين عن مكانه. وتتقاطع في الفيلم مشاهد لزوجة سوبرلوك وهي في المراحل الأخيرة من الحمل٠
بعدما وثّق في شريطه الأوّل الآثار النفسية والصحّية المدمّرة للوجبات السريعة، ورصدَ ممارسات شركات الأطعمة السريعة بوصفها أحد مظاهر العولمة الأميركية، ها هو سوبرلوك يتّجه إلى مكان آخر ويسأل عن مكان بن لادن. السؤال يهبط عليه بوصفه مواطناً أميركياً أولاً، فيما دافعه هو البحث عن الأمان الذي يتمنّاه لطفله الذي لم يولد بعد. بعد أن يمر على الجريمة التي تتسيّد الشارع الأميركي، وغيرها من مخاطر لا يستثني منها إعصار كاترينا، يصل سوبرلوك إلى أسامة بن لادن بوصفه العدو والخطر الرقم الواحد لأميركا العاجزة بكل أقمارها الصناعية وتقنياتها المعقدة عن العثور عليه. هكذا، يتحوّل الشريط إلى «لعبة فيديو» محاولاً الإجابة عن هذا السؤال المؤرق بإيقاع سريع يحمل قدراً كبيراً من السخرية٠
نتابع سوبرلوك خلال استعداداته لرحلة ستقوده إلى البلدان التي قد يلجأ إليها بن لادن. وهنا، يتقصّد المخرج أن يُظهر لنا كلّ المخاوف التي تعتري الأميركي لدى زيارته الشرق الأوسط «الإرهابي والإسلامي فقط». هكذا، نراه يأخذ كل اللقاحات اللازمة، يتدرّب على الأسلحة بأنواعها، وفنون القتال، والسلوك الذي عليه التحلي به إذا تعرض للخطف، مع تعلّم بعض العبارات العربية، وبالتأكيد «السلام عليكم»٠
في العودة إلى ألعاب الفيديو التي يستعين بها سوبرلوك لتقسيم فيلمه، تتحول الرحلة إلى جولة. وكلما اضطر إلى توضيح خلفيّات سياسية لما نراه أمامنا من أحاديث، ظهرت شخصيات الرؤساء أو غيرهم أمامنا بواسطة الأنيمايشن. وتبدأ جولته الأولى في مصر، والثانية في المغرب، ومن ثم يزور فلسطين، الأردن، السعودية، أفغانستان، باكستان.
يحاول سوبرلوك في كل بلد أن يقدمّ صورةً عنه، من خلال تركيزه على إنسان الشارع البسيط. ولعل ذلك هو فضيلة الفيلم الرئيسة. في مصر التي يبدأ بها لكون أيمن الظواهري مصرياً، يُكثر مِن حديثه عن حسني مبارك، ويقدّم من خلاله رصداً لعلاقة حكومة بلاده بهذا الرئيس. لكنّه ينأى عن ذلك حين يصل إلى السعودية، حيث يُظهر تناقضاتها والتزمّت الذي يجاور نزعةً استهلاكية، تجعله يتنقّل في مراكز التسوق هائماً على وجهه، لا بل يستعين بدليل الهاتف للسؤال عن بن لادن.
السؤال الذي يحمله الفيلم سرعان ما يتحوّل إلى بحث كامل عن أسباب الإرهاب وخلفياته ومنابعه، إضافةً إلى صورة أميركا والأميركي في الشارع العربي، والدعم الأميركي للديكتاتوريات العربية، وانسحاق المواطن العربي بين أصوليات إرهابية يرفضها وحكومات تضطهده، إضافة إلى إسرائيل. هكذا، يسلّط ـــ لدى انتقاله إلى الأراضي المحتلة ـــ الضوء على آراء ترفض كل ما يمثّله بن لادن. أحدهم يقول «ليدعنا وشأننا، نحن نعرف كيف نحرّر أرضنا». بينما يعتبره آخر ككل الحكومات العربية التي تستخدم فلسطين أداةً لكسب تأييد الشعوب العربية والإسلامية، بينما يقول له أحد الشبان «يا ريت يفجر بن لادن إسرائيل»٠
ولدى انتقال الفيلم إلى الجانب الإسرائيلي، يغدو حديث إحدى المستوطنات طهرانياً وتكفيراً مثل خطاب بن لادن، «الأرض التي تعيش عليها هبةٌ من الله» وصولاً إلى تعرّض سوبرلوك نفسه لمضايقات كادت تصل إلى ضربه لولا تدخّل الشرطة، وذلك حين سعى إلى أخذ آراء المتطرفين اليهود٠
آراء لا حصر لها يستطلعها الفيلم، تصل به إلى تورا بورا وبيشاور ولا أحد يعرف أين بن لادن. لا بل إن الفيلم سيضيء على أنّ «الحرب على الإرهاب» تخطّت هذا الشخص. «أنت تبحث عن شخص واحد» يردّد كثيرون هذه العبارة في الفيلم، بينما يحضر البؤس والفقر، ما يدفع سوبرلوك للتعليق بأنّ تفكيره في مستقبل طفله يعدّ «مهزلة» أمام ملايين الأطفال الذي لا يملكون مستقبلاً. ثم نصل إلى نهاية تختلف تماماً عن البداية: كل ما تعلّمه سوبرلوك من فنون القتال لا طائل منه. فالناس هنا طيبون وبسطاء. هكذا، نراه يتناول الغداء في بيت رجل فقير في مراكش، ويشرب الشاي في مقاهي القاهرة، والأغلبية تقول له «لا مشكلة لدينا مع الشعب الأميركي، مشكلتنا مع الحكومة»٠
سوبرلوك يلتقي مايكل مور ويفترق عنه في آن واحد. هو يسعى كي تكون أفلامه الوثائقية على إيقاع سريع ومدهش، معتمداً على المواضيع الساخنة في حياة الأميركي وعلى تسجيل الموقف، مع افتراقه عن استعراضية مور والحسّ المؤمراتي... وتحديداً في هذا الشريط الذي يبني حقائقه من آراء الناس وحياتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صنع فيلم
Out of the Past **** | من الماضي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلم للفرنسي الأميركي جاك تورنير ينتمي الى سينما الفيلم نوار- بل ويشق فيه طريقاً جديداً: الفيلم نوار الريفي (الحلقة الثانية)٠
روبرت ميتشوم وجين غرير
يبدأ الفيلم بمشهد لبلدة أسمها بريدجبورت، تقع في ولاية كاليفورنيا٠ هناك يعيش جف (روبرت ميتشوم) الذي يعمل في محطّة بنزين. يتقدّم منه رجل عصابة أسمه جو (بول فالانتين) ويتعرّف عليه. حين يفعل ينتقل جزء من ماضي جف إلينا عبر الحوار. جف كان تحريّاً خاصاً الذي أدلى بمعلومات أضرّت برئيس العصابة وِت (كيرك دوغلاس) الذي لعق جراحه وانتظر. جف يبوح بسرّه الى خطيبته آن (فرجينيا هستون) وهنا ينتقل الفيلم من تاريخ مسموع (كروؤس أقلام) الى فلاشباك بصري. هنا تكتمل الخلفية. وِت كان قام بعملية استولى فيها على 40 ألف دولار. صديقته كاتي (جين غرير) سرقتها منه وهربت الى فلوريدا واختفت عن الأنظار. وِت يستأجر خدمات التحري جف لملاحقتها وجف وشريكه فيشر (ستيف برودي) يجدانها بالفعل، لكنه توهم جف بأنها بريئة وجف، يصدّقها ويقع في حبّها، ويخبر وِت بأنه لم يعثر عليها. لكن فيشر يعود اليها محاولاً مقاسمتها الغنيمة فتقتله، ثم تهجر جف بعدما ساعدها على إخفاء الجثّة. جف يقرر اللجوء الى البلدة الصغيرة والإختفاء فيها٠
عودة الى الحاضر. آن تقترح أن يلتقي بوِت ويصلح ذات البين معه. يوافق جف وينتقل الى المدينة حيث وِت ويقابله وهناك يكتشف أن كاتي عادت الى وِت. لكن نصيحة آن لم تكن صائبة وجف -مرّة أخرى- يضع نفسه في ورطة. هذه المرّة يطلب منه وِت سرقة أوراقاً تدينه موجودة بحوزة محاسب أسمه إيلز (كن نايلز)٠ ينجح جف في المهمّة ليكتشف أن العملية ما هي الا لتوريطه بجريمتين لم يرتكبها: مقتل فيشر ومقتل إيلز٠
يحاول أن يستخدم الوثائق التي في حوزته الآن للخروج من هذه الورطة لكن وِت يبعث وراءه جو لقتله وهذا يفشل بفضل الصبي الأخرس (ديكي مور) المعجب بجف٠ يعود جف لمواجهة أخيرة مع وِت بعدما أبلغ خطيبته أن تلتفت الى مصلحتها وتنساه. هناك يكتشف أن كاتي قتلت وِت وها هي تعرض على جف الهرب معها الى المكسيك٠
يتظاهر جف بالموافقة لكنه يخبر البوليس الذي يقيم حاجزاً. تنطلق كاتي بالسيارة والى جانبها جف وحين تحاول اقتحام حاجز بوليسي ينهال رصاص البوليس عليها وعلى جف فيُقتلان على الفور٠

إذا كنت تريد أن تتعرّف على الممثل الراحل روبرت ميتشوم في فيلم يلخّص من هو، فإن »من الماضي« هو أحد أربعة أو خمسة أفلام مُتاحة. للغاية أيضاً أقترح الأفلام التالية له
Macao | Josef von Sternberg (1952) ***1/2
The Night of the Hunter | Charles Laughton (1955) ****
Ryan's Daughter | David Lean (1970) ****
The Friends of Eddie | Peter Yates (1974)****1/2
Farwell, My Lovely | Dich Richards (1975) ****1/2

من بوغارت الى ميتشوم
هنا في هذا الفيلم الأسبق للمجموعة المذكورة (تم تحقيقه كما تقدّم معنا سنة 1947) يؤدي ميتشوم دور جف بما عُرفت عنها سينما الفيلم نوار من شخصيات مطحونة بتلك الأوجاع العاطفية والإجتماعية والمادية. جف رجل يستخدم السخرية في مكان القدرة على تفعيل خياراته الأخرى. مثل أبطال رايموند شاندلر، جيمس م. كاين وداشل هامِت (ثلاثة قمم للرواية البوليسية الداكنة) هو ملذوع بوضعه ويرى النفق أمامه مثل ماضيه مسودّاً لا خلاص منه. حواره يحمل الألم مغلّفاً أحياناً بإبتسامة ساخرة٠
حقيقة أن بعض النقاد الغربيين قارنوا الشخصية بتلك التي يؤديها عادة همفري بوغارت تعود الى أن بوغارت (الذي لعب شخصيات لشاندلر وهامت) كان المرشّح الأول للفيلم وكان يريد تمثيله، لكن بوغارت كان متعاقداً مع وورنر ووورنر لم ترد إعارته لشركة أر كي أو منتجة هذا الفيلم ما دفع هذه لاسناد الدور للممثل دك باول الذي كان من أتباع الشركة. لكن إسم روبرت ميتشوم كان بدأ يعلو في سماء النجومية خصوصاً بعد نجاح فيلمه الحربي
Story of G.I. Joe | William A. Wellman (1945) ***
ما دفع الشركة لانتخابه لبطولة الدور٠
وحسناً فعلت. أعتقد من وجهة نظر نقدية بحتة أن همفري بوغارت -على حسن إدائه- كان، بسبب من طريقة القائه الحوار، سيغفل عن تلك النفسية الحزينة التي عكسها ميتشوم حين إلقائه. بوغارت يسرع في الإلقاء. ميتشوم يلقي الحوار مثل مونولوغ يخرج من عمق٠ باول جيّد أيضاً، لكنه -على بعضه- ليس بجودة ميتشوم في مثل هذه الأدوار٠
ميتشوم يسلّم حواره كما لو أنه غير مدروس، يضعه في الفضاء بينه وبين الشخصية التي يتحدّث إليها من دون أن يعيق وصول الكلام بوجود ناطقها. بذا هي أكثر طبيعية. وكلماته لا تحتاج لأسطر طويلة لتعكس ما يريد قوله (وهذه طبيعة أبطال الفيلم نوار في أحيان كثيرة). حين تقول آن لجف واضعة -من طيبة قلبها- أملاً في كاثي: "لا يمكن أن تكون كاثي كلها شريرة«. يرد عليها: "تكاد أن تكون" او بالإنكليزية
"She comes closest"
جف كما أشرت، كان يرى نهاية النفق مظلمة لا نور نهار يتبعه. كان يعلم نهايته المحتملة، ليس لأنه طلب من آن أن تبحث لنفسها عن مستقبل من دونه فقط، بل تمعّن في هذه العبارة التي يقولها لها حين سألته إذا ما :كانت هناك طريقة لكسب المعركة
There's a way to lose more slowle | هناك طريقة لأخسر ببطء أكثر
ثم يُضيف: "لا أريد أن أموت. لكن إذا كان ولابد... سأموت أخيراً"٠

نساء
ثلاث نساء في هذا الفيلم برع المخرج جاك تورنير في تقديمها. شريرتان (كاثي وسكرتيرة وِت وأسمها ميتا وتقوم بها روندا فلمينغ) وطيّبة خالصة هي آن التي قامت بها فرجينيا هستون٠
فرجينيا هستون هي أقل الممثلات في عدد الأفلام. هذا الفيلم كان الثاني لها فقط من بين إثني عشر فيلماً آخرها كوميديا من ملڤين فرانك عنوانها
Knock of Wood ** | دق على الخشب
سنة 1954 ومن المؤسف كيف أن مستقبلها انتهى قبل شهرتها إذ لعبت أدواراً مساندة في معظم أفلامها ومن بينها فيلم آخر من بطولة روبرت ميتشوم هو
The Racket ****| الخدعة
لجون كروموَل سنة 1951 ومن إنتاج آر كي أو أيضاً٠
الحال لم يكن أفضل كثيراً بالنسبة لجين غرير التي لعبت دورة الشرير كاثي، إذ لم تشهد بطولات كثيرة ومثّلت 28 فيلماً فقط على مدار 51 سنة، وهي كانت مثل بعض ممثلات الفيلم البوليسي المصري التي تسند إليهن أدواراً مساندة تجمع بين الأنوثة والشر (الأنوثة المُدانة)٠
روندا فليمنغ كانت الأشهر والأوفر حظّاً بين زميلاتها. ظهرت في 45 فيلم حتى العام 1980 لكنها كانت في أولى درب نجوميّتها حين لعبت الدور الثاني (من حيث الحجم) في فيلم »من الماضي«. لعبت مع غلن فورد وروبرت رايان ورونالد ريغان والتقت مرّة أخرى مع كيرك دوغلاس حين جمعهما المخرج جون سترجز في
Gunfight at O.K. Corral
سنة 1957

الإخراج والتصوير
هذا الفيلم كان ثالث لقاء بين المخرج (الفرنسي الأصل) جاك تورنير ومدير التصوير (الإيطالي الأصل) نيكولاس مازوراكا٠
جاك ورد هوليوود بصحبة أبيه المخرج موريس تورنير سنة 1912 وعمل في السينما من العام 1924 شاقّاً طريقه من »أوفيس بوي« الى الإخراج على مراحل متصاعدة وطويلة احتوت العمل ممثلاً ثانوياً ومساعد مونتير ومساعد إنتاج الخ...٠
أخرج 44 فيلم ما بين 1931 و1966 (لجانب نحو ستة عشر فيلماً قصيراً). في العام 1942
Cat People أخرج
الذي كان أول مرّة يشتغل فيها مع مدير التصوير مازوراكا، ثم عاد اليه في
I Walked with a Zombie
سنة 1943 قبل عملهما معاً في هذه المرّة الثالثة وحسب مجلة »أميركان سينماتوغرافر« في عدد صادر سنة 1984 فإنهما (تورنير و مازوراكا) عملاً معاً جيّداً٠ مازوراكا -كما يشهد الفيلم- يحسن تكوين صورة غامضة وجميلة في ذات الوقت٠

انتهى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Bud Abbott & Lou Costello | ألبوم


ثنائي من بين أشهر كوميديي السينما. عملاً معاً من الأربعينات ضمن نمط خاص بكل واحد منهما: بد أبوت الجاد وكوستيللو البدين الغبي الذي يرتكب معظم الأخطاء٠ ما قدّماه، من وجهة نقدية صرفة، كان تهريجاً مناسباً للتقاليد المعمول بها في هوليوود الأربعينات والخمسينات. عد أفلامهما المشتركة 37 أفضلها
In the Navy (1941) **
Abbott and Costello In Hollywood (1945) **
Abbott and Costello Meet Frankestein (1948) ***
Abbott and Costello Meet the Keystone Kops (1955) **
Abbott and Costello Meet the Mummy (1955) ***


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠



0 comments: