This Week
Alice in Wonderland | Tim Burton
***جيد
Brooklyn's Finest | Antoine Fuqua
****ممتاز
Case 39 | Christian Alvert
***
Chloe | Atom Etoyan
لم يُشاهد بعد: 00000
The Ghost Writer | Roman Polanski
***
Iron Cross | Joshua Newton
00000
Rainbow Tribe, The | Christopher Watson
00000
Next Week ل
Ape, The | Jesper Ganslandt
***
Green Zone | Paul Greengrass
00000
Our Family Wedding | Rick Famuyiwa
00000
Remember Me | Allen Culter
**وسط
She's Out of My League | Jim Field Smith
*ضعيف/ رديء
استعادات الناقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التحري فيليب مارلو بين الروائي رايموند تشاندلر والمخرج روبرت ألتمَن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
The Long Goodbye ****
٠" لقد فهمت قصدك تماما، مستر بوتر. لا تحب الإتجاه الذي يمشي فيه العالم ما
يجعلك تستخدم السُلطة التي لديك لكي تنعزل في زاوية خاصة تعيش فيها قريباً
قدر الإمكان من الطريقة التي تتذكر أن الناس عاشوا عليهـا قبـل خمسين سنة من
قبل عصر الصناعات الشعبية. لديك مئة مليون دولار وكل ما جلبته لك ألم في العنق"٠
فيليب مارلو في "الوداع الطويل"٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك علاقة بين شخصية فيليب مارلو في فيلم "الوداع الطويل" الذي أخرجه روبرت ألتمَن سنة 1973 وبين فيلمه اللاحق "بوباي" (1980) وهي أن كليهما ساخر من الشخصية التي يضعها أمام الكاميرا، وكل من شخصية فيليب مارلو، ذلك التحرّي الخاص المحمّل بالتعليق على المجتمع الذي يعيش فيه والريبة في صدق الآخرين، سواء أكانوا من رجل البوليس او من الأشرار، و"بوباي" تلك الشخصية الكرتونية التي تسعى لكسب عاطفة الفتاة الوحيدة التي تحبّه والذي ما عليه الا أن يبتلع علبة سبانخ ليصبح سوبر مان يواجه الأشرار الذي ينشدون الأذى له او لها او للوطن٠
ألتمَن هو بحد ذاته فنان ساخر. قلّما تغيب السخرية عن أي أفلامه وتشهدها أعمال أخرى له مثل "ماش" عن المؤسسة العسكرية "ماكاب ومسز ميلر" عن بدايات النشأة الرأسمالية لأميركا، "اللاعب" من المؤسسة السينمائية الهوليوودية و"جاهز للبس" عن مؤسسة الأزباد، و"بافالو بِل والهنود" عن الصورة الكلاسيكية للبطل في الغرب الأميركي ومثل كل ساخر هو إنسان حزين في العمق وفي الظاهر. قد تضحك في بعض المواقف، بل في الكثير من مواقف "اللاعب" و"بوباي" و"العرس" و"ثلاث نساء" و"اختصارات"، لكنه ضحك غير كوميدي، بل ناتج عن قدرة المخرج في إيضاح صورة سلبية ثابتة في صلب العالم الذي نعيشه لم نكن نعلم أنها بذلك السوء فننزع الى ضحكة مفاجئة مثل الراحة المفاجئة التي يشعر بها من يقلع ضرساً، من دون أن يغيب القلق عنه٠
الشيء الآخر الذي يسخر منه المخرج، كونه مخرجاً مؤلّفاً ويتبع الخط العريض من المخرجين المستقلّين (ولو أخرج أيضاً لاستديوهات نحو ثلث أفلامه)، هو سينما النوع. لذلك أول ما يعمد اليه في "الوداع الطويل" هو تحطيم الحدود الراسخة لسينما النوع وبما أنه يتعامل مع الفيلم البوليسي، فإن النوع المقصود به هو النوع البوليسي، كما كسر نوع الوسترن حين قدّم "ماكاب ومسز ميلر" ( 1971) ومن سينما الخيال العلمي حين أخرج "خماسي" (1979)٠
كناقد مجبول بسينما التحري الخاص (كفكرة، مبدأ عمل، مصير، وكنوع هوليوودي يضم أفلاماً من الفيلم نوار ومن خارجه) لم تعجبني سخريته من أحد أفضل كتاب القصّة البوليسية وأحبّهم الى قلبي. لليوم أدخل مكتبات باحثاً عن رواية بوليسية جديدة، لكني انتهي الى شراء واحد من الروايات التي كتبها تشاندلر او كورنل وولدريتش داشل هاميت او روس مكدونالد او برت هوليداي او جيمس م. كاين او سواهم من فترة لم أعشها (الثلاثينات والأربعينات وجزء من الخمسينات) كانت عصراً ذهبياً لكتاب البالب فيكشن والبوليسي الخاص٠ ولم أكن وحيداً في عدم الإعجاب ذاك. معظم الذين انتقدوا الفيلم سلباً آنذاك (بينهم، على سبيل المثال وليس الحصر جاي كوكس، ناقد مجلة "تايم" حينها) لم يعجبهم كسر التقليد وكسر الشخصية وروح العمل الأدبي للمؤلّف أيضاً٠
لكن للفنان الحق في رؤيته ورؤية ألتمَن لا تلتقي ورؤية العديدين الذين يسمحون لكافة وجهات النظر بالتواجد والحكم على طينة العمل بحد ذاته. وما يزعجه في كل أفلامه وما كسره في كل مرّة وقف فيها وراء الكاميرا هي صورة البطل. وفيليب مارلو كان بطلاً. صحيح إنه لم يكن "بوباي" ولا "سوبر هيرو" لكنه كان بطلاً في نطاقه. في عالمه وبين جمهوره. المشكلة مع هذا الفيلم، ومع تطبيق رؤية المخرج على شخصيّته هي أن المخرج تحامل على فيليب مارلو: تحر فقير يكابد عالماً فاسداً. من حيث المبدأ كلاهما، ألتمَن ومارلو في خندق واحد، لكن المخرج سوف لن يسمح لنفسه بتنازلات
القصّة التي وضعها تشاندلر متشابكة: تبدأ بمارلو يساعد رجلاً لا يعرفه الهرب ليكتشف لاحقاً أن الرجل خلف وراءه زوجة مقتولة. البوليس يتّهم مارلو بالتعاون مع الهارب وأسمه لينوكس. لاحقاً ما يتم اكتشاف جثّة لينكوس. كل هذا من دون أن ندري أن لهذا الخط علاقة بخط ثان يبدأ بالتبلور حين يستلم تشاندلر قضية اختفاء كاتب تنتظر دار النشر مخطوطته. يجد الكاتب الذي يحاول أن ينتحر عدّة مرّات والمتزوج من إمرأة تحاول لاحقاً أن تقيم علاقة مع تشاندلر. الكاتب والمرأة ولينوكس وشخصيات أخري متّصلة مع بعضها البعض وهذا ما يجعل تشاندلر يدور في دوّامة من الفساد الإجتماعي تقع خلالها عدّة جرائم قتل ويواجه فيها روايات مختلقة عدّة لا يصدّق منها شيئاً لكنه في النهاية ليس متأكداً أنه وصل الى نهاية الخيط٠
لا أحد في أفلام ألتمَن يقود حياته كما يريد ولا أحد في أفلامه يُسيطر على مقدّراته وشؤونه. وفيليب مارلو، كما كتبه تشاندلر، يسيطر على مقدّراته وهذا ما لا ينفع في رؤية ألتمَن للمصائر البشرية. هزّة أرضية واحدة تغيّر الحياة لأبطال "اختصارات". عثرة صغيرة تقلب حياة ماكاب وتحول دون وصوله الى طموحاته فينتهي ميّتاً تحت الثلج في "ماكاب ومسز ميلر"، وهو لن يسمح لمارلو أن يتعامل ومحيطه مقرراً ما يُريد وما لا يُريد، بل سيرسم شخصية أخرى، بالإسم ذاته، يمثّلها إليوت غولد (كان ظهر في فيلم ألتمَن "ماش") وسيطلب منه أن يتحرّك على الشاشة بعكس المواصفات التي وضعها تشاندلر في بطله٠
تشاندلر كتب: "في تلك الشوارع المنحطة هناك رجل عليه ليس منحطّاً. ليس ملطّخاً وليس جباناً"٠ بالنسبة لألتمَن هذا هراء. وهو يأخذ من القصّة مضامينا وخطوطاً لكنه يعالجها ألتمانياً بالكامل. فجأة هي عن شخصية محبطة من دون أمل لها في الإنتصار. اللقطة الأخيرة من الفيلم تُظهر مارلو/ غولد وهو يمشي بلا نهاية كما لو أن كل ما مرّ به لم يبدأ بعد٠
كبداية، نقل ألتمَن الأحداث الى عالم يعرفه. عالم السبعينات وزوّد هذا العالم بشخصيات يعرفها (ولو أنها لا تختلف عن الشخصيات التي عرفها وكتب عنها رايموند تشاندلر). التحري مارلو يعيش في شقّة من تلك الشقق المتقاربة التي في لوس أنجيليس حيث الشمس والفتيات المتحررات والموسيقا الراقصة. هنا لا يستطيع ألتمَن الهرب من بعض مكوّنات الشخصية: مارلو الأول لا يستطيع ان يلتقي والفتيات المتحررات ولا الموسيقا الراقصة. كذلك الحال هنا. ما يشغل بال مارلو في الفيلم هو اختفاء قطّته التي رفضت أن تأكل من طعام أعدّه لها. حين عاد بطعامها المفضل لم يجدها. لكن هذه ليست القضيّة الوحيدة. في مطلع الفيلم يزور شخصاً سيطلب منه تسلّم قضيّة. سنسمع صوت المعلّق الذي هو مارلو يحدّثنا عن نفسه وعما يقوم به. هذا أمر آخر لم يستغن عنه ألتمِن: التعليق صاحب أكثر من فيلم استنبط عن روايات تشاندلر مثل "النوم الكبير" لهوارد هوكس (1946) وصولاً الى "وداعاً يا حبي" (1975). لكن لا بأس. هذه عناصر صغيرة لا تغيّر خطّة المخرج ألتمَن او رؤيته٠
لينوكس (جيم بوتون) يطلب من مارلو (غولد) أن يدبّر له الهرب الى ما وراء الحدود المكسيكية. يفعل مارلو ذلك لكن حين عودته يجد البوليس بإنتظاره ويُقاد الى القسم حيث يتم التحقيق معه لثلاثة أيام بتهمة مساعدة لينوكس على الهرب بعد قيام لينوكس بقتل زوجته (كما في الرواية الأصلية)، ثم يُفرج عنه حين يتم اكتشاف جثّة لينوكس في بلدة تيجوانا المكسيكية٠
بعد ذلك تتقدّم منه سيّدة أسمها إيلين طالبة منه البحث عن زوجها الكاتب المعاقر للخمر بشراهة. لقد غاب سابقاً عن المنزل لكنه الآن مفقوداً ومارلو يقبل القضية ويبدأ بالبحث عنه. خلال ذلك تتكشّف علاقة ايلين وزوجها روجر بلينوكس . مارلو يجد الزوج (سترلينغ هايدن بلحية تشبه تلك التي كان يعتمرها ارنست همنغواي) ويقبل دعوته الى دارته ويشهد مشاجرات بينه وبين زوجته قبل أن يكتشف التحري ثغرة لربط الشخصيات بعضها ببعض ومعرفة سبب الجريمتين السابقتين لينوكس وزوجته٠
من دون أن يخون ألتمَن شروط لعبته، يقدّم لنا مارلو بعينين مثقلتين كما لو أن النعاس يغالبهما على الدوام. لكن في الحقيقة هذا "المارلو" سمكة خارج مياهها. محاط، كما ذكرت، بفتيات يحببن استعراض أجسادهن وشفاه تجيد حياكة مفاتيح الإغراء ولو أن محاولتهن لاصطياد مارلو تبوء بالفشل. يعد إحداهن بزيارة قريبة، لكنه لا يزور الا بحثاً عن قطّته المختفية. هو أيضاً شخصية تعيش في مدينة في منتصف عصر جديد. حريّة جنسية واقبال على الماريوانا ورياضة اليوغا بينما هو لا يزال، روحاً على الأقل، في عصر آخر. ألتمَن، رغم ذلك، ليس نوستالجياً على الإطلاق. هذا بطله الذي ربما كان نوستالجياً والنوستالجية عند المخرج نقيصة وهو يريد إظهار نواقص بطله لا حسناته فقط. وإذا كانت المدينة الحديثة التي تقع فيها الأحداث غريبة فبطله أغرب من فيها٠
ألتمًن ليس محتاراً او تائهاً وسط النقلات والحذف والتغييرات. إنه متمكّن، كعادته، من معالجته. لا تفوته استخدام العناصر الشخصية بين الرجل وزوجته ليربطها بالعالم الذي تعيش فيه. فالكاتب روجر يقول لمارلو أنه يعاني من فقدان القدرة على الكتابة ويربطها بفقدان القدرة على ممارسة الحب. في كلا الحالتين، لدى الكاتب، عجز يجعله غارق في الشرب لكي ينسى. بالنسبة الى ألتمَن هذا عجز مزدوج للحياة الإجتماعية للمدينة التي فقدت الإبداع وفقدت الحب معاً٠
على عكس أفلام كثيرة من الفترة (في مقدّمتها أفلام سام بكنباه) لم ير المخرج ألتمَن أن الحل هو الهرب جنوباً الى المكسيك. ها هو لينوكس يهرب الى هناك فيُقتل. على العكس، هناك مصائر مفروضة على الشخصيات بفعل ارتكاباتها الأخطاء ولا يمكن لها أن تهرب منها. مصائر محفوظة تكشف ضعف تلك الشخصيات في السيطرة عليها. البوليس لا يكتشف شيئاً وحتى مارلو يكتشف ما حدث ولا يستطيع الحيلولة حتى دون انتحار الكاتب. إنها الشخصيات التي تصطدم بنهاياتها بعدما اختارت أن تمشي في الطريق المسدود
على الرغم من كل شيء فإن القصّة هنا ليست محبوكة على صعيدي السرد والعناصر الدرامية. هذا لا بأس به عند ألتمَن الذي لم يكترث في حياته للحبكة بل للموضوع. على ذلك، فهي توصم العمل ببعض البرود خصوصاً لدى أمثالي الذين يحبّون الفيلم البوليسي ساخن بمواقفه وألغازه. لكنه ألتمَن، أحد كبار فناني العصر، وأنت لا تستطيع الا وأن تتنازل عما تحب لكي تستقبل ما يحبّه هو٠
ملاحظة
ألتمَن هو بحد ذاته فنان ساخر. قلّما تغيب السخرية عن أي أفلامه وتشهدها أعمال أخرى له مثل "ماش" عن المؤسسة العسكرية "ماكاب ومسز ميلر" عن بدايات النشأة الرأسمالية لأميركا، "اللاعب" من المؤسسة السينمائية الهوليوودية و"جاهز للبس" عن مؤسسة الأزباد، و"بافالو بِل والهنود" عن الصورة الكلاسيكية للبطل في الغرب الأميركي ومثل كل ساخر هو إنسان حزين في العمق وفي الظاهر. قد تضحك في بعض المواقف، بل في الكثير من مواقف "اللاعب" و"بوباي" و"العرس" و"ثلاث نساء" و"اختصارات"، لكنه ضحك غير كوميدي، بل ناتج عن قدرة المخرج في إيضاح صورة سلبية ثابتة في صلب العالم الذي نعيشه لم نكن نعلم أنها بذلك السوء فننزع الى ضحكة مفاجئة مثل الراحة المفاجئة التي يشعر بها من يقلع ضرساً، من دون أن يغيب القلق عنه٠
الشيء الآخر الذي يسخر منه المخرج، كونه مخرجاً مؤلّفاً ويتبع الخط العريض من المخرجين المستقلّين (ولو أخرج أيضاً لاستديوهات نحو ثلث أفلامه)، هو سينما النوع. لذلك أول ما يعمد اليه في "الوداع الطويل" هو تحطيم الحدود الراسخة لسينما النوع وبما أنه يتعامل مع الفيلم البوليسي، فإن النوع المقصود به هو النوع البوليسي، كما كسر نوع الوسترن حين قدّم "ماكاب ومسز ميلر" ( 1971) ومن سينما الخيال العلمي حين أخرج "خماسي" (1979)٠
كناقد مجبول بسينما التحري الخاص (كفكرة، مبدأ عمل، مصير، وكنوع هوليوودي يضم أفلاماً من الفيلم نوار ومن خارجه) لم تعجبني سخريته من أحد أفضل كتاب القصّة البوليسية وأحبّهم الى قلبي. لليوم أدخل مكتبات باحثاً عن رواية بوليسية جديدة، لكني انتهي الى شراء واحد من الروايات التي كتبها تشاندلر او كورنل وولدريتش داشل هاميت او روس مكدونالد او برت هوليداي او جيمس م. كاين او سواهم من فترة لم أعشها (الثلاثينات والأربعينات وجزء من الخمسينات) كانت عصراً ذهبياً لكتاب البالب فيكشن والبوليسي الخاص٠ ولم أكن وحيداً في عدم الإعجاب ذاك. معظم الذين انتقدوا الفيلم سلباً آنذاك (بينهم، على سبيل المثال وليس الحصر جاي كوكس، ناقد مجلة "تايم" حينها) لم يعجبهم كسر التقليد وكسر الشخصية وروح العمل الأدبي للمؤلّف أيضاً٠
لكن للفنان الحق في رؤيته ورؤية ألتمَن لا تلتقي ورؤية العديدين الذين يسمحون لكافة وجهات النظر بالتواجد والحكم على طينة العمل بحد ذاته. وما يزعجه في كل أفلامه وما كسره في كل مرّة وقف فيها وراء الكاميرا هي صورة البطل. وفيليب مارلو كان بطلاً. صحيح إنه لم يكن "بوباي" ولا "سوبر هيرو" لكنه كان بطلاً في نطاقه. في عالمه وبين جمهوره. المشكلة مع هذا الفيلم، ومع تطبيق رؤية المخرج على شخصيّته هي أن المخرج تحامل على فيليب مارلو: تحر فقير يكابد عالماً فاسداً. من حيث المبدأ كلاهما، ألتمَن ومارلو في خندق واحد، لكن المخرج سوف لن يسمح لنفسه بتنازلات
القصّة التي وضعها تشاندلر متشابكة: تبدأ بمارلو يساعد رجلاً لا يعرفه الهرب ليكتشف لاحقاً أن الرجل خلف وراءه زوجة مقتولة. البوليس يتّهم مارلو بالتعاون مع الهارب وأسمه لينوكس. لاحقاً ما يتم اكتشاف جثّة لينكوس. كل هذا من دون أن ندري أن لهذا الخط علاقة بخط ثان يبدأ بالتبلور حين يستلم تشاندلر قضية اختفاء كاتب تنتظر دار النشر مخطوطته. يجد الكاتب الذي يحاول أن ينتحر عدّة مرّات والمتزوج من إمرأة تحاول لاحقاً أن تقيم علاقة مع تشاندلر. الكاتب والمرأة ولينوكس وشخصيات أخري متّصلة مع بعضها البعض وهذا ما يجعل تشاندلر يدور في دوّامة من الفساد الإجتماعي تقع خلالها عدّة جرائم قتل ويواجه فيها روايات مختلقة عدّة لا يصدّق منها شيئاً لكنه في النهاية ليس متأكداً أنه وصل الى نهاية الخيط٠
لا أحد في أفلام ألتمَن يقود حياته كما يريد ولا أحد في أفلامه يُسيطر على مقدّراته وشؤونه. وفيليب مارلو، كما كتبه تشاندلر، يسيطر على مقدّراته وهذا ما لا ينفع في رؤية ألتمَن للمصائر البشرية. هزّة أرضية واحدة تغيّر الحياة لأبطال "اختصارات". عثرة صغيرة تقلب حياة ماكاب وتحول دون وصوله الى طموحاته فينتهي ميّتاً تحت الثلج في "ماكاب ومسز ميلر"، وهو لن يسمح لمارلو أن يتعامل ومحيطه مقرراً ما يُريد وما لا يُريد، بل سيرسم شخصية أخرى، بالإسم ذاته، يمثّلها إليوت غولد (كان ظهر في فيلم ألتمَن "ماش") وسيطلب منه أن يتحرّك على الشاشة بعكس المواصفات التي وضعها تشاندلر في بطله٠
تشاندلر كتب: "في تلك الشوارع المنحطة هناك رجل عليه ليس منحطّاً. ليس ملطّخاً وليس جباناً"٠ بالنسبة لألتمَن هذا هراء. وهو يأخذ من القصّة مضامينا وخطوطاً لكنه يعالجها ألتمانياً بالكامل. فجأة هي عن شخصية محبطة من دون أمل لها في الإنتصار. اللقطة الأخيرة من الفيلم تُظهر مارلو/ غولد وهو يمشي بلا نهاية كما لو أن كل ما مرّ به لم يبدأ بعد٠
كبداية، نقل ألتمَن الأحداث الى عالم يعرفه. عالم السبعينات وزوّد هذا العالم بشخصيات يعرفها (ولو أنها لا تختلف عن الشخصيات التي عرفها وكتب عنها رايموند تشاندلر). التحري مارلو يعيش في شقّة من تلك الشقق المتقاربة التي في لوس أنجيليس حيث الشمس والفتيات المتحررات والموسيقا الراقصة. هنا لا يستطيع ألتمَن الهرب من بعض مكوّنات الشخصية: مارلو الأول لا يستطيع ان يلتقي والفتيات المتحررات ولا الموسيقا الراقصة. كذلك الحال هنا. ما يشغل بال مارلو في الفيلم هو اختفاء قطّته التي رفضت أن تأكل من طعام أعدّه لها. حين عاد بطعامها المفضل لم يجدها. لكن هذه ليست القضيّة الوحيدة. في مطلع الفيلم يزور شخصاً سيطلب منه تسلّم قضيّة. سنسمع صوت المعلّق الذي هو مارلو يحدّثنا عن نفسه وعما يقوم به. هذا أمر آخر لم يستغن عنه ألتمِن: التعليق صاحب أكثر من فيلم استنبط عن روايات تشاندلر مثل "النوم الكبير" لهوارد هوكس (1946) وصولاً الى "وداعاً يا حبي" (1975). لكن لا بأس. هذه عناصر صغيرة لا تغيّر خطّة المخرج ألتمَن او رؤيته٠
لينوكس (جيم بوتون) يطلب من مارلو (غولد) أن يدبّر له الهرب الى ما وراء الحدود المكسيكية. يفعل مارلو ذلك لكن حين عودته يجد البوليس بإنتظاره ويُقاد الى القسم حيث يتم التحقيق معه لثلاثة أيام بتهمة مساعدة لينوكس على الهرب بعد قيام لينوكس بقتل زوجته (كما في الرواية الأصلية)، ثم يُفرج عنه حين يتم اكتشاف جثّة لينوكس في بلدة تيجوانا المكسيكية٠
بعد ذلك تتقدّم منه سيّدة أسمها إيلين طالبة منه البحث عن زوجها الكاتب المعاقر للخمر بشراهة. لقد غاب سابقاً عن المنزل لكنه الآن مفقوداً ومارلو يقبل القضية ويبدأ بالبحث عنه. خلال ذلك تتكشّف علاقة ايلين وزوجها روجر بلينوكس . مارلو يجد الزوج (سترلينغ هايدن بلحية تشبه تلك التي كان يعتمرها ارنست همنغواي) ويقبل دعوته الى دارته ويشهد مشاجرات بينه وبين زوجته قبل أن يكتشف التحري ثغرة لربط الشخصيات بعضها ببعض ومعرفة سبب الجريمتين السابقتين لينوكس وزوجته٠
من دون أن يخون ألتمَن شروط لعبته، يقدّم لنا مارلو بعينين مثقلتين كما لو أن النعاس يغالبهما على الدوام. لكن في الحقيقة هذا "المارلو" سمكة خارج مياهها. محاط، كما ذكرت، بفتيات يحببن استعراض أجسادهن وشفاه تجيد حياكة مفاتيح الإغراء ولو أن محاولتهن لاصطياد مارلو تبوء بالفشل. يعد إحداهن بزيارة قريبة، لكنه لا يزور الا بحثاً عن قطّته المختفية. هو أيضاً شخصية تعيش في مدينة في منتصف عصر جديد. حريّة جنسية واقبال على الماريوانا ورياضة اليوغا بينما هو لا يزال، روحاً على الأقل، في عصر آخر. ألتمَن، رغم ذلك، ليس نوستالجياً على الإطلاق. هذا بطله الذي ربما كان نوستالجياً والنوستالجية عند المخرج نقيصة وهو يريد إظهار نواقص بطله لا حسناته فقط. وإذا كانت المدينة الحديثة التي تقع فيها الأحداث غريبة فبطله أغرب من فيها٠
ألتمًن ليس محتاراً او تائهاً وسط النقلات والحذف والتغييرات. إنه متمكّن، كعادته، من معالجته. لا تفوته استخدام العناصر الشخصية بين الرجل وزوجته ليربطها بالعالم الذي تعيش فيه. فالكاتب روجر يقول لمارلو أنه يعاني من فقدان القدرة على الكتابة ويربطها بفقدان القدرة على ممارسة الحب. في كلا الحالتين، لدى الكاتب، عجز يجعله غارق في الشرب لكي ينسى. بالنسبة الى ألتمَن هذا عجز مزدوج للحياة الإجتماعية للمدينة التي فقدت الإبداع وفقدت الحب معاً٠
على عكس أفلام كثيرة من الفترة (في مقدّمتها أفلام سام بكنباه) لم ير المخرج ألتمَن أن الحل هو الهرب جنوباً الى المكسيك. ها هو لينوكس يهرب الى هناك فيُقتل. على العكس، هناك مصائر مفروضة على الشخصيات بفعل ارتكاباتها الأخطاء ولا يمكن لها أن تهرب منها. مصائر محفوظة تكشف ضعف تلك الشخصيات في السيطرة عليها. البوليس لا يكتشف شيئاً وحتى مارلو يكتشف ما حدث ولا يستطيع الحيلولة حتى دون انتحار الكاتب. إنها الشخصيات التي تصطدم بنهاياتها بعدما اختارت أن تمشي في الطريق المسدود
على الرغم من كل شيء فإن القصّة هنا ليست محبوكة على صعيدي السرد والعناصر الدرامية. هذا لا بأس به عند ألتمَن الذي لم يكترث في حياته للحبكة بل للموضوع. على ذلك، فهي توصم العمل ببعض البرود خصوصاً لدى أمثالي الذين يحبّون الفيلم البوليسي ساخن بمواقفه وألغازه. لكنه ألتمَن، أحد كبار فناني العصر، وأنت لا تستطيع الا وأن تتنازل عما تحب لكي تستقبل ما يحبّه هو٠
ملاحظة
الممثلة التي لعبت دور إيلين (زوجة الكاتب) هي الممثلة الدنماركية نينا فان بالانت التي ظهرت في دزينة أفلام او نحوها قبل أن تغيب سريعاً . وهي كانت على علاقة مع الكاتب الفاشل كليفورد إرفينغ الذي شاهدنا قصّته في فيلم "الخديعة" (2007) الذي كان أوعز لدار نشر نيويوركية أن رجل الأعمال الراحل هوارد هيوز كان طلب منه أن يكتب مذكّراته. دار النشر دفعت للكاتب أكثر من مليون دولار صرفها وعشيقته. عوض أن تنأى بنفسها عنه حين تم اكتشاف أمره حاولت أن تتسّتر عليه فانتهى أمرها مذنبة. هذه الشخصية لعبتها الممثلة جولي دلبي في الفيلم الذي أخرجه لاسي هولستروم٠
الأفلام الورادة في هذا المقال وتقييمها
The Long Goodbye | Robert Altman (1973) ***
Popeye | Altman (1980) ***1/2
McCabe & Mrs. Miller | Altman (1971) ****
Mash | Altman (1970) **
The Player | Altman (1992) ***1/2
Ready To Wear | Altman (1994) ***
Buffalo Bill & the Indians | Altman (1976) ***
The Wedding | Altman (1978) ***
Short Cuts | Altman (1993) ***
The Big Sleep | Howard Hawks (1946) ****
Farewell, My Lovely | Dick Richards (1975) ****
The Hoax | Lasse Hallstrom (2007) ***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2010٠
0 comments:
Post a Comment