أحدهم طار فوق عش الوقواق
Beirut, I Love you (I Love you not) بيروت، أحبك (لا أحبك)٠
http://www.youtube.com/watch?v=g1uDyqPYLVM وهو موجود على
لمن يرغب بمشاهدته. لطيف. مصوّر ومُمنتج بدراية مقبولة ولا شيء أكثر٠
............................................
على البريد الخاص رسالة من مصطفى فتحي يقول فيها أنه شاهد فيلماً على محطة "شوتايم" الفضائية من بطولة هاريسون فورد و"يمكن الممثل اللي لعب مع مل جيبسون في المسلسل البوليسي
Lethal Weapon
للأسف مش عارف أطلّع أسمه وماعرفتش برضه اطلع عنوان الفيلم، لكن الفيلم عجبني جدا. ومش عارف لو حضرتك تقدر تقوللي الفيلم اسمه ايه بالضبط ومين اللي أخرجه مع الشكر مقدّماً وتحياتي لمجهوداتك الكبيرة. ربّنا يديك الصحة"٠
Witness
............................................
وعلى عنوان هذه المجلة رسالة من الأخ عبد الرحمن علي يثني فيها على التغييرات الأخيرة (شكراً لك) ويبدي إعجابه بزاوية "مخرج وأفلامه" ويضيف" "أذكر أنك منذ زمن بدأت سلسلة عن لويس بونويل ثم لم تكمل، بما أني مستغرق في مشاهدة أفلامه هذه الأيام فسأجرؤ على إثقالك برغبتي في معرفة رأيك في أفلامه٠
ثم يضيف تعقيباً يقول فيه أنني ربما أخطأت في زاوية المخرج جيمس كاميرون حيث أدخلت على الخط فيلمين ليسا له بل "لمايكل هنيكه" فهل تخطط للكتابة عنه؟ أتمنّى ذلك٠
وعلى ناصية أخرى يكتب الصديق مراد عبد الله: " كنت أنتظر نقدك بالذات لفيلم "توي ستوري 3" وكان كما أملت.
أتفق معك بالكثير فيما ذهبت إليه وخصوصا في نقطة أن الفيلم فيه عمق وكوميديا أقل ولكن عاطفة أكبر من جزئيه السابقين، من دون أن يعني كلامي أن غير مضحك أو لا يحث ممشاهده على التفكير وككل هو عمل متماسك وممتع لا يمكن ان تخرج منه إلا راضيا. نهاية مثالية جداً أعداتني إلى جيل الطفولة وإلى تلك اللحظات التي اجبرتني على التقدم على أمور أحبها دون عودة إليها بطريقة ما الفيلم جعلني أدرك أكثر أن كلما كبر المرء كلما تعبت روحه أكثر وتبخرت برائته وسعادته البريئة
أحييك على أسلوبك الذي يلين
التحية وصلت ولو أنني لست متأكدا من كلمة يلين. أشعر أنني أكثر غضباً مما كنت عليه سابقاً حيال كل شيء
............................................
أما الصديق عمر منجونة فيكتب
لا أعرف لماذا يستمر نايت شيامالان في تخييب آمالي..أتحدث عنه كأنه صديق مقرب أو أحد أفراد العائلة..ربما هو شئ قريب من هذا!! - ذلك أنه أول مخرج أعرفه (أو أهتم أن أعرفه) على الاطلاق منذ عهد المراهقة البائد حيث أفلام جاكي شان و تصادم السيارات ووحوش الزومبي هي الأساس..وسط كل هذا الزحام ظهر فيلمه (علامات) في حياتي و كان انطباعي أنه أحد أكثر الأفلام مللا في التاريخ، فالكائن الفضائي لا يظهر الا في نهاية الفيلم!! - ليمضي الوقت و أجد نفسي مصعوقا بشئ يدعى (الحاسة السادسة)- شئ جعلني أقرأ عن السينما كما لم أفعل طوال حياتي لأدرك فجأة أهمية (السيد المخرج) وبعدها أبحث عن أفلامه لأفاجئ أن (علامات) هو أحدها، أعيد مشاهدته و أتبعه ب (القرية) ، و (غير قابل للكسر) لتتغير حياتي تماما.. يمكنني أن أقول الآن بوجود ملاحظات فنية عديدة على أفلامه لكن هذه الأفلام لم تفقد بريقها لدي حتى الآن، لكني بالفعل لا أعرف سبب التراجع لواحد من المخرجين الذين توقعت له (يوم أن كنت حالما) بأن يصير أحد أعظم سينمائيي التاريخ..هكذا كان تصوري حينها..أرجو أن يترك هذه الخزعبلات و يعود الى لب الدراما التي صنعت له بادرة أمل..و الآن ها هو (كريستوفر نولان) الذي كانت بدايته مقاربة لبداية شيامالان-ها هو يحصد نجاحا و احتفاءا فنيا مبهرا، رغم أنه مؤخرا بدأ يعمد الى الأبهار على حساب الجانب الفني، لكن على الأقل جيد فيما يفعله
تمثيل : ليوناردو ديكابريو، إيلين بايج، ماريون
كوتيار، كن واتانابي٠
ينجح فيلم كريستوفر نولان فيما فشلت فيه أفلام كثير
ة أخرى: المزج بين شكل الفيلم ومضمونه مع تحاشي
السقوط في اي من الشروخ بينهما٠
ّInception: المخرج نولَن وليوناردو ديكابريو |
وجدت نفسي أفكّر في هذا المفهوم وأحاول تذكّر بضعة أحلام "مثّلتها" مع آخرين حيث تبادلنا عبارات. لا أستطيع أن أقول أنها حوارات، لكن المبدأ هو نفسه: مع من كنت أتحدث؟ من هم هؤلاء الأشخاص الذين مرّوا في أحلامي خصيصاً ولم أر أياً منهم في حياتي الحقيقية؟ وما هي حياتي الحقيقية؟ ما هي أصلاً الحياة الحقيقية؟ أليست الأحلام هي جزء منها؟ فإذا كانت كيف إذاً نعتبرها مجرّد أحلام؟ هل يمكن أن تكون واقعاً تماماً كواقع الجلوس الى الكومبيوتر وكتابة هذه المقالة النقدية؟
كريستوفر نولان سبق له وأن تعامل مع مثل هذه الاسئلة بطرق مختلفة. وجدناه يعالج موضوع الخلط بين ما ما هو حقيقي وما هو خيالي في كل أفلامه، بمستويات ومداخلات مختلفة، من "مومنتو" (2000) الى هذا الفيلم، مروراً بـ "أرق" و"باتمان يبدأ" و"برستيج" و"الفارس المظلم"٠
لكن "بداية" هو إبحاره الخالص الأول في هذا الموضوع. الفيلم الذي ينصرف تماماً الى الحديث عن العيش في الحياة وفي الحلم معاً ومن دون تفريق او حتى إدراك اللحظة في أي من الحالتين. هذا، مرّة أخرى، إذا كانتا حالتان فعلاً وليسا حالة واحدة من الصعب التمييز فيها٠
الفيلم الذي يقود بطولته ليوناردو ديكابريو ويجاوره فيه كل من ماريون كوتيار وإيلين بايج وسيليان مورفي والياباني كن واتانابي، يدور حول اختصاصي أحلام أسمه كوب (ديكابريو. رجل انتحرت زوجته ويلوم نفسه على ذلك ولا يستطيع أن يتخلّص من عقدة الذنب حيالها، لكن هذا الخط هو ليس صلب الموضوع. فهو جاسوس مستقبلي مثالي. عادة ما تكون مهامه هو استغلال أحلام الآخرين للتجسس عليها ومعرفة الأسرار وسرقتها أينما كانت: في عقله، في خزنته او في أي نطاق آخر. ياباني يملك مؤسسة كبيرة للطاقة يستأجر خدماته لكي يتجسس على رجل أعمال وصناعي أسمه فيشر ( سيليان مورفي) بغرض زرع فكرة جديدة في أحلامه يمكن له أن يصدّقها ومفادها أن والده يريد تقسيم الشركة الى كيانات متعددة. فيشر الذي كان من المحتمل أن يمانع هذه الرغبة لولا احترامه لأبيه، عليه الآن أن يصدّق هذه الفكرة وأن يسعى لتنفيذها وهذا هو المطلوب تماماً٠
بذلك، عوض أن يحذف (وهي غاية كل السرقات) عليه أن يؤسس او أن يزرع او أن ... يبدأ ومن هنا العنوان. في ذلك هو يتعامل مع لا وعي المرء وبخبرته الطويلة في الميدان يعرف ما هو المطلوب لكي يزرع الفكرة في رأس الشخص المطلوب ويدفعها لكي تتحوّل من لا شيء الى حلم ومن حلم الى ما يبدو للضحية أنه واقع يعيشه٠
إذا ما جلس المشاهد لكي يقرر أي مشهد هو حلم وأي مشهد هو واقع، سيجد نفسه في خطر تحليل افتراضي يقضي على الإثارة المتوخّاة، لذلك فإن سلاحه الأول للإستمتاع بالفيلم هو معرفة شيء عن قصّته ومفاتيحها (كما سبق التفسير) ثم اختيار الوقت الملائم للمشاهدة حيث لن يقبل ورود مكالمات ولن يشعر بالحاجة اليها، وحيث ينصب اهتمامه على تلقّف الأحداث وتحليلها لاحقاً إذا لم يكن متاحاً له تحليلها في وقته
إنه مشروع جريء من نوعه وفي كينونته. ليس مأخوذاً عن شخصيات كوميكس، ولا هو إعادة صنع لفيلم ناجح سابقاً، ولا هو جزء من مسلسل ما كحال فيلمي نولان السابقين "باتمان يبدأ" و"الفارس المظلم". لكن جرأته لا تتوقّف عند هذا الحد: تركيبته هي ذاتها مشاهده المروية، بمعنى أنه لا يكترث لأن يضع فاصلاً بين الحقيقة والحلم، فتعرف أنت كمشاهد أن شخصياته تدخل الآن أرض الأحلام وتترك أرض الواقع، بل يخلط بين الجانبين من دون تحذير. يمزج الحلم بالحقيقة كما لو كانا واحد وبذلك يمزج بين صانع الفيلم ونيّته. شكل الفيلم ومضمونه. أكثر من ذلك، هو مستعد، وأيضاً من دون بالونات حمراء وفواصل ولو صغيرة، الإنتقال من حلم الى آخر. كل ما عليك القيام به هو أن تمسك بالخط الرئيسي وتصر على متابعة الحدث كما يقع وحين تجد أن شيئاً ما قد فاتك او مر بك فارتبك المشهد أمامك، امض عنه واكمل المشاهدة بذات الإهتمام لتجد أنك أمسكت مجدداً بالخيط القصصي وما بدا مبهاً لم يعد ذلك بعد حين٠
منذ أن توقّفت هوليوود عن الإهتمام بالمجازيات والإستعارات والأبعاد وأمّت المرئيات الماثلة منتقلة من المركّب الى المبسّط، صار صعباً أن نرى عملاً قادماً من هوليوود يحمل هذا القدر من الشغل على الأبعاد بصرف النظر عن مضامينها وما تكشف عنه او عن مجازيّاتها. كريستوفر نولان يفعل ذلك ويفعل ذلك بنجاح كبير وما النجاح الذي ينجزه الفيلم حالياً الا تعبير العطشى عن حبّهم لهذا الماء عوضاً، او على الأقل، الى جانب أفلام الخضار المسلوقة التي يتم طهيها لهم كل يوم٠
ربما لأن نولان بريطاني، جاء من خلفية ثقافية مختلفة. او ربما لأنه أمّ السينما أساساً لكي يكون فنّاناً ومعبّراً ومبدعاً وليس منفّذاً لما بطلبه المنتجون. مهما كان السبب فإن "بداية" هو كل أفلامه السابقة وقد تخلّصت من شروط المنتج لتدخل شروطه هو٠
هذا لا يعني أنه يحدث للمرّة الأولى في السينما الأميركية: كل الستينات والسبعينات مليئة بالأفلام التي انتمت الى فكر المخرج وموهبته أكثر ـبكثير أحياناً- مما انتمت الى الصنعة المعلّبة التي تفبركها الاستديوهات الرئيسية٠
يمارس نولان في "بداية" رؤيته فإذا هي مؤثرات بصرية تتبع خطّاً فانتازياً خاصّاً. الفيلم يستفيد من الأدوات التقنية (والميزانية السخية) التي وُضعت تحت تصرّفه ليبني عوالم من الهواجس والأفكار. المباني التي تتطاير في الهواء نُتَفا نُتَفاً. المدينة التي تطبّق على بعضها البعض. المشاهد الداخلية التي تتجاهل قانون الجاذبية والتي تحشد أحداثاً هي مثيرة للخيال كما صعبة التنفيذ في الوقت ذاته٠
لكن ذلك كله لا يخرج من تحت قبضة المخرج وعنايته بالتفاصيل. في أفلام سواه، هناك إنفلات في التنفيذ لأجل المزيد من تلك المشاهد الحسيّة المرئية المباشرة. عند نولان كل شيء، مهما كان غريباً ومبهراً، له شريانه من الواقع (ولا أقول من الواقعية لأنهما أمران مختلفان) والإنتباه للتفاصيل الصغيرة يلزمه بإبقاء المستوى الفني والمعالجة السردية على درجة مرتفعة لا تنازل فيها
هذا المخرج سبق له وأن تعامل مع تلك المناطق الرمادية بين الخيال والواقع من قبل. الحال أن أول أفلامه الناجحة (وثاني أفلامه عدداً)، "مومنتو" الذي خرج للعروض قبل عشر سنوات، تعامل مع انتقال زمني مواز: بطل ذلك الفيلم (غاي بيرس) مصاب بفقدان الذاكرة القريبة. لا يستطيع أن يتذكر صباحه او أمسه وعليه لكي يحل معضلة مقتل زوجته، ومعرفة ما إذا كان هو القاتل او سواه، أن يرجع بخطواته الى الوراء. أن يعيد تأسيس الرحلة من اللحظة الآنية الى اللحظة التي تسبقها مباشرة ثم الى اللحظات الأقدم منها٠
الفيلم جلب إليه الإنتباه نقدياً وجماهيرياً والبعض لا يزال يعتبره أفضل فيلم حققه الى الآن٠
في فيلم نولَن اللاحق "أرق" (2002) مع آل باتشينو في البطولة، نجد توهاناً مختلفاً: تحري من لوس أنجيليس حطّ مع زميل له في ألاسكا لكي يحقق في جرائم قتل. في لحظة معيّنة من الفيلم يسقط زميله قتيلاً. المخرج يهيؤنا لقبول فكرة أن بطل الفيلم هو الذي قتل زميله، لكنه يصر على صياغة أسلوب يجعل السؤال الأصعب: الا يجوز أنه لم يفعل ذلك أيضاً؟
الى جانب ذلك، فإن بطله يعاني من الأرق ما يجعله غير واثق مما يدور حوله. إنه ليس أرقاً يمنعه من النوم حين يشاء، بل أرق يمنعه من النوم في كل الحالات وعلى مدى أيام طويلة، ما يضيف الى أبعاد الفيلم بعداً آخر يساعد على رفع نسبة التوقّعات٠
هذه المتاهات اختلفت في فيلم اللاحق "باتمان" (2005) نظراً لارتباط المشروع بسيناريو مقتبس عن أحداث مؤسسة في ثقافة الكوميكس الشعبية مع ملايين من المشاهدين المحتملين الذين يعرفون كيف وُلدت تلك الشخصية وأصبحت "باتمان" ولم يكن يستطيع مواجهة توقّعات الجمهور في أن يرى ما يعرفه فهو جاء الى هذه الغاية. يعلّق على هذا التحليل: "في "باتمان" و"الفارس المظلم" (2008) هناك ضوابط أخرى تتجاوزني لأني لست مؤلّف الفيلمين. لكنك تجد إذا ما تمعّنت بالفيلمين أن هناك قدراً كبيراً من البحث في التاريخ والشعور بالذنب والجريمة الذي يجد باتمان نفسه متّهما بها"٠
مرّة أخرى، بمقارنة "باتمان" نولَن وباتمان الأول كما أخرجه تيم بيرتون قبل هذا الفيلم بنحو عقد ونصف، فارق كبير. نسخة تيم بيرتون نشدت إشادة عالم قريب جدّاً من فن الكوميكس. نسخة نولَن قاربت التصرّف بعيداً الى الحد الكافي لأن يبتكر لباتمان شخصيّته خارج القناع وأن يعمل، بمقتضى ذلك، على شخصيّتين متلازمتين، كما لو أن صاحبهما مصاباً بالإنفصام٠
بين الفيلمين، أخرج أيضاً "برستيج" سنة 2006 الذي لم يحقق نجاحاً موازياً للنجاحات السابقة او اللاحقة له، لكنه عالج عالم السحر كما لو كان المخرج ساحراً بدوره وفي لب الموضوع أيضاً: جريمة قتل أخرى واللغز حول فاعلها وموجباتها
في مطلع الفيلم نجد كوب مرمياً على شاطيء رملي مهجور وطريقة كوب لدخول أحلام الآخرين هي، بطبيعة الحال، أن يدخل الحلم بنفسه. لذلك المشهد الأول بأسره (لقاءه مع الياباني في زمن مستقبلي مقبل) ما هو الا حلم يؤدي الى تحويل اتجاه كوب من المهمّة التي جاء يحققها الى المهمّة الجديدة التي تُطلب منه٠ ما يحدث تبعاً لذلك هو الفيلم بأسره، كما تقدّم إيجازه، لكن في صلب هذا الخط الرئيسي هناك خط جانبي. الخط الأول يحوي مجموعة المساعدين الذين يعملون تحت إمرة كوب تماماً كما الحال في أي فيلم يدور حول عملية سرقة إذ يحتاج رئيسها الى خبراء في مجالاتهم. الخط الثاني هو تجربة عاطفية مؤلمة تؤرق بطلنا وتزوره في اليقظة حينا وفي إستعادات الذاكرة حيناً آخر: زوجته انتحرت وهو يشعر بالذنب معتبراً أنه كان عاملاً في انتحارها، لكن الحكومة تعتقد أنه هو الذي قتلها. لا يستطيع العودة الى وطنه لكنه سيسخّر حلم العمل مع الياباني النافذ ليفعل ذلك٠
سيليان مورفي وليوناردو ديكابريو في مشهد |
يدلف "بداية" من واقع الى حلم ومن حلم الى حلم آخر (حلم داخل حلم) ويصبح مثيراً حين يصبح الحلم الواحد مشتركاً بين كل شخصيات الفيلم، ففي النهاية هذا هو جوهر الفكرة. فعمل كوب لا يمكن إتمامه بجهد فردي. كوب لا ينزلق الى حلم الآخرين بل يصيغها ولصياغتها عليه أن يعتمد على براعات أناس آخرين. هناك إمرأة تجيد تصميم العالم الذي سيتم ابتكاره أسمها أدريان (ايلين بايج). عملها مهم لأن على الضحية التي سيتم تطويعه لكي يحلم كيفما يشاء كوب له أن يحلم، الإيمان بأن ما يعايشه هو حقيقي وليس حلماً. وهناك إيميس (توم هاردي) الذي يستطيع أن يتغيّر الي أي شخصية يريد. في هذا المجال يلحظ المشاهد اشتغال المخرج على الفكرة من حيث تفاصيلها أيضاً: إذا كنا في أحلامنا نرى شخصيات لا نعرفها لكنها تبدو حقيقية بملامح وتصرّفات واقعية (وإن كانت غريبة في بعض الأحيان) فإن ذلك يعني أن أحداً يستطيع في الفيلم أن يؤدي تلك الأدوار، لا وبل أن ينتقل من لعب شخصية مجهولة بالنسبة للضحية الى شخصية هو يعرفها. وهناك مشهد كامل يوضح هذه النقطة عندما يتم خطف سيليان مورفي وتهديده بقتل أحد كبار موظّفيه. هذا الموظّف (توم برنجر) هو ليس سوى إيميس الذي تقمّصه والحيلة تنطلي على المخطوف٠
أيضاً هناك يوسف (دليب راو) المسؤول عن تحديد الفترة الزمنية التي سيستغرقها الحلم، ثم آرثر (جوزف غوردون ليفيت) الذي هو أشبه بالمدير التنفيذي الذي عليه أن يتأكد من أن كل شيء في مكانه الصحيح خلال العملية
الى ذلك، يشعر المرء بأن الفيلم لا قلب له. بحاجة الى تفعيل للدراما عوض أن يبقى عمليات حسابية يقوم بها الفيلم على مستويين متلازمين: كيفية تنفيذه من الخارج وتنفيذ ممثليه من الداخل تبعاً للمشاهد التي تتوالى دون توقّف. لكن مدى نجاح الفيلم لا يُقاس بهذا الجانب، خصوصاً إذا ما كانت المهام الملقاة على العاملين فيه صعبة التنفيذ أصلاً. في الأساس سيكون صعباً للغاية خيانة الغاية التشويقية لمنح الشخصيات بعض الأحاسيس الشخصية. نولان يكتفي بما يرد في بعض مشاهده فتتجلّى مشكلة كوب العاطفية تتجلّى جيّداً في مقابل أي مشاكل او أحاسيس للشخصيات الأخرى (ولو أن هناك مشهداً مهمّاً بين فيشر وأبيه). المهمّة التي يتصدّى لها الفيلم بنجاح كبير هو صياغة عوالم متوازية وإذابة الفوارق ليحافظ الفيلم علي وحدته كاملة. في هذا الصدد سنلحظ المونتاج الرائع الذي قام به لي سميث (أوسكار؟) سارداً حكايتين متوازيتين في الأدنى وأربعة متوازية في الأقصى يتوقّف ذلك على المرحلة التي يمر بها الفيلم٠
العنوان المهم الآخر للفيلم هو الذكاء، ونولان معروف عنه هذا المنوال، لكن هذا أعلى من المتوقّع في هذا الصدد. وهو دائماً ما يبقى متقدّماً على مشاهديه متأكداً من أن المشهد الحالي يؤدي الى المشهد التالي من دون ثغرات. يواكبه في ذلك الجهد الممثل ليوناردو ديكابريو الذي اجتاز سنوات ضوئية منذ أن ضحّى بحياته لإنقاذ المحبوبة في »تايتانك" قبل ثلاثة عشر سنة
أفلام حديثة
تمثيل: جاك جيلنهال، توبي ماغواير، نتالي بورتمَن، سام
شيبرد٠
هل يمكن طرح موضوع عاطفي بعيداً عن
السياسة إذا ما كان يتناول أساساً موضوعاً
له علاقة؟ يحاول جيم شريدان ويفشل٠
نتالي بورتمن وتوبي ماغواير |
ست سنوات وهذا الفيلم يعود من جديد في شكل إخراج للأيرلندي جيم شريدان الذي دأت تحقيق معظم أفلامه الأخيرة أميركياً٠
جيم يتحاشى تصوير رؤوس الحيوانات المحنّطة والمعلّقة على الجدران ، كما فعلت باير ويبقى أميناً فيما بقى إنما من دون أنياب المخرجة الدنماركية. فيلم شريدان يرمي الى دراما عاطفية لا تؤذي مشاعر أحد ولا تتخذ موقفاً ضد أحد- ليس على الصعيد السياسي وحده، بل على الصعيد العاطفي ما يحرمه من مستوى كان يستحقّه٠
سام (توبي ماغواير) هو الزوج الذي ينضم للقوّات الأميركية المحاربة في أفغانستان تاركاً زوجته المحبّة غريس (بورتمن) وولديهما التي تطلب منه أن يعود. هناك فسحة من الوقت نرى فيها حياة هذه العائلة ونتعرّف الى والد سام وشقيقه. الأب (سام شيبرد) محارب سابق بدوره والآن مدمن كحول ميّز سام وفضّله على إبنه الآخر تومي (جيلنهال) ما جعل الثاني مثل شاة سوداء في قطيع أبيض، يشعر بأنه منبوذ ويتصرّف ببعض الطيش. حين ينضم شقيقه سام الى "المجهود" الحربي، تُتاح له فرصة أن يُبدي رغبته في التحوّل لولا أن والده لا يزال يعتبره أقل مستوى من أخيه. مع وصول خبر موت سام (في مشهد جيّد الصنع يتيح لبورتمَن أن تبكي) يجد الطريق ملائماً للعمل أكثر على نفسه، هذا من دون أن يحاول استغلال الفرصة بل ينساق تلقائياً لها. مع بداية التقارب بينه وبين الزوجة يعود سام محمّلاً بعقدة الذنب كونه اضطر للتضحية برفيق سلاح لأجل سلامته. لكن يكتشف أزمة جديدة بانتظاره فهو يعتقد أن شقيقه نام مع زوجته وهو ولو كان يدّعي أنه سيفهم الوضع، الا أن غيرته تقلب هناءه وهناء من حوله٠
ليس هناك الكثير من الإهتمام الذي يستطيع الفيلم بثّه لمشاهديه. إنه مثل مقال حول خطاب مهم مكتوب بلغة لا تجسّد تلك الأهمية. مليء بالمشاهد الدالّة لكنها غير المؤثرة خصوصاً وأن الفيلم لا يُشيد زوجين سعيدين فعلاً من البداية، فيبقى الحب بينهما مسألة نظرية او افتراضية٠
هناك جهود مبذولة من كل الممثلين لتقديم إداءات درامية لموضوع جاد كهذا. والشخصيات تتطلّب كل جهد ممكن لكن المعرفة بالكيفية تغيب عن البعض خصوصاً عند جيلنهال وماغواير. الأول مرتاح أكثر مما يجب مع المادّة التي يؤديها والثاني متأزم ظاهرياً أكثر من المطلوب محوّلاً أداءه الى بحلقة متواصلة أكثر مما هي تشخيص جيّد. أما نتالي بورتمَن فهي أفضل الممثلين يليها سام شيبرد٠
الموضوع الأفغاني لا يستدعي من الفيلم أي أبعاد سياسية. هذه الأبعاد ليست ضرورية، لكن كذلك من غير الضروري، وبل من السذاجة، تصوير الآخر كعدو جاهز. إما أن الأفغان عدو جاهز إثر توفير بعد سياسي، او لا داعي للتنميط المعتاد وهو ما يقوم به الفيلم في استسهال
DIRECTOR: Satyajit Ray
تمثيل: أولريخ تاكر، دانيال برول، آن كونسيني، داغمار
منزل، زانغ جينكشو، ستيف بوشيمي٠
كما أن دور أوسكار شندلر في التاريخ الألماني خلال الحرب العالمية الثانية بقي غير معروف على نطاق عام الى أن قدّم ستيفن سبيلبرغ حكايته في فيلمه "قائمة شيندلر"، فإن دور جون رابَ في التاريخ نفسه بقي غير معروف بإنتظار من يكشف اللثام عنه. والمخرج الألماني فلوريان غالنبرغر يفعل ذلك. الفارق أن هذا الدور سيبقى مجهولاً، الا من الباحثين ومشاهدي هذا الفيلم الذين هم أصغر حجماً بكثير من عدد الذين شاهدوا فيلم سبيلبرغ٠
لكنّ قصّة جون رابَ التي يكشف الستار عنها لأوّل مرة في فيلم روائي (سبقه سنة 2007 الفيلم الوثائقي
لبيل غوتنتاغ وفيلم وثائقي ياباني تم تصويره سنة 1938 للمخرج كن أكيموتو) تلتقي Nanking
وقصّة أوسكار شندلر في نواحي متعددة: كلا الشخصيتان حقيقيتان، كلاهما عضو في الحزب النازي وكلاهما أنقذ أبرياءاً من الموت. المختلف هو أنه في حين أنجز أوسكار بضع مئات من اليهود من المحرقة، أنقذ راب نحو مئتي ألف صيني من الإعدام على أيدي القوّات اليابانية الغازية٠
لجانب أن عدد الذين تمّ إنقاذهم كبير (وعدد الضحايا الذين لم يتم إنقاذهم أكبر في كلا الحالتين) هناك حقيقة أن فيلم غالنبرغر يحمل قدراً أكبر من الواقعي في مقابل قدر أصغر من الخيالي على عكس ما ذهب اليه فيلم سبيلبرغ سنة 1994
جون رابَ كان مدير الفرع الصيني لمصنع سيمنز الألماني عندما اشتعلت الحرب اليابانية- الصينية تحت مظلّة الحرب العالمية الثانية سنة 1937. كان أمضى 27 سنة في مدينة نانكينغ، حيث أقيم المصنع، مع زوجته الألمانية عندما بات واضحاً مع نهاية ذلك العام المذكور أن القوّات اليابانية ستحتل شنغهاي ونانكينغ. لكن عوض أن يهرب عائداً الى ألمانيا فضّل البقاء وحماية من يستطيع حمايته من العاملين والعاملات الصينيين في مصنع الشركة (كما الحال فيلم "قائمة شيندلر" إنما من دون اضطرار صاحب المصنع في فيلم سبيلبرغ للهرب الى أي مكان)٠ بادرة جون رابَ نتج عنها قيام الحكومة الصينية بمنحه وسام "بطل الشعب" الذي تقبّله عن رحب مباشرة قبل غارة جويّة يابانية على المدينة. في مواجهة الخطر الماثل خارج حدود المدينة مباشرة، قرر بعض الأجانب الذين يمثّلون مؤسسات مختلفة (الصليب الأحمر، المستشفي المحلّي، الكنيسة، الجمعيات المدنية الخ٠٠٠) تحويل جزء من المدينة الى ما سمّوه بـ " منطقة آمنة" يستقبلون فيها الصينيين المدنيين لحمايتهم. الى داخل هذه المنطقة تدافع ضعف العدد المفترض. جون الذي كان قرر العودة بعد اشتداد وطأة القصف وتهديم المصنع مع زوجته الى ألمانيا بالبحر، وافق على أن يرأس اللجنة المشرفة على "المنطقة الآمنة" من دون علم زوجته فاتجه معها الى الباخرة وتركها بعدما أمّن وصولها ثم عاد. الفيلم يعتمد في ذلك وفي كل ما يسرده على مذكّرات الشخصية المعنية حتى نهاية ذلك العام متوقّفاً عند أحداث شخصية وعامّة كثيرة وحاسمة مصوّراً تأثير الوضع الناجم عن الإحتلال الياباني على جون رابَ وصحبه، من ناحية وعلى الصينيين علي شكل واسع٠
الحملة اليابانية، كما تذكر كتب التاريخ، كانت من أقسى وأعنف الحملات التي تمّت في التاريخ الإنساني، وتاريخ المنطقة تحديداً: القتل الذي خلف 300 ألف مدني، وملاحقة الجرحى للإجهاز عليهم وعدم القبول بجنود مستسلمين بل إعدامهم على الفور، وحالات الإغتصاب التي تعرّضت اليها الصينيات. كل ذلك يعرضه الفيلم معمداً على وثائقيات يزرعها، في أوقات مناسبة، وسط الروائي للتدليل. بذلك يتّخذ موقفاً معادياً لليابانيين، ومعه العذر، ولو أنه يخلق شخصية ضابط شاب يحاول ايقاف المجازر والحد من عبثية الإحتلال مواجهاً في ذلك آمر قوّات من العائلة الإمبراطورية ذاتها٠
ما لم يكترث له الفيلم هو اتخاذ موقف ضد النازية ذاتها. إنها ليست مدانة والشخصيات الألمانية الرئيسية في الفيلم غالبها جيّد حتى وإن كانت نازية الإنتماء. بل أن هناك ألماني يهودي من بين دبلوماسيي السفارة الألمانية (دانيال برول) متاحة له مواقف مشهودة في المحنة الماثلة أمامه٠
ينتهي الفيلم بلقاء جون رابَ بزوجته بعدما كان اعتقد أنه ماتت في قصف الطائرات لتلك الباخرة، لكنه يتوقّف عند هذا الحد. في الواقع قام الغستابو بالتحقيق معه مطوّلاً على أساس من مساندة الصينيين في مواجهة اليابانيين الذين كانوا حلفاء ألمانيا كما هو معروف. لكن الغستابو أطلقوا سراحه (بعض المصادر تقول أن ذلك تمّ بضغط من شركة سيمنز ذات النفوذ). المثير، أنه بعد احتلال ألمانيا، ألقى الروس القبض عليه وحققوا معه، ثم أفرجوا عنه لتتلقّفه المخابرات البريطانية وتحقق معه. لكن أحداً لم يصدر فيه حكماً بالسجن حسب أغلب المصادر المنشورة حينها٠
الممثل أولريخ توكور يشبه، لحد مقبول، جون رابَ، وفي الأدوار شخصية جرّاح يقوم بها الأميركي ستيف بوشيمي جيّداً. ما يقتل هذا الجانب من الجهد سيناريو حريص على الحوارات التقليدية في هذا المجال وخال من بناء الشخصيات المحيطة بالشخصية الرئيسية، بحيث يزداد تأكيد وجودها كديكورات ضرورية ليس إلا٠
كلاسيكيات السينما
تمثيل: مارشيللو ماستروياني، كلوديا كاردينالي، أنوك
إيمي، ساندرا ميلو، باربرا ستيل٠
سيرة حياة فديريكو فيلليني الفنية والعاطفية خرجت
أصر فيلليني على أنه لا يحقق أفلاماً تعكس سيرة حياته، لكن 1/2 8 هو سيرة ذاتية بلا ريب، كذلك فيلمه التحفة "أماركورد" (فيلمي المفضّل بين الإثنين). لكن لا تستطيع أن تصدّق إدّعائه وأنت تتابع مارشيلو ماستروياني وهو يؤدي دور المخرج السينمائي الذي يعاني مع ذاته، ومع نسائه. بل مجرد إسناد البطولة لماستروياني هو إلتزام بالصورة غير الحيادية التي يبثّها المخرج في ممثله. بالإستناد الي أفلامهما معاً، ما سبق هذا الفيلم وما تلاه، والمعبّرة، بأكثر من شكل ومعنى، عن أن الممثل ليس سوى نسخة بديلة، جسدياً، للممثل٠
إنه عن المخرج الذي يصطدم بحقيقة أن العالم صار يطلب منه فيلماً جديداً (جاء هذا الفيلم التاسع له مباشرة بعد تحفته الناجحة "الحياة اللذيذة"/ لا دولشي فيتا) وهو غير قادر على تأمين المطلوب فقد اصطدم بغياب الدافع والوحي، وفي الوقت ذاته لديه مسائل يريد حلّها. هذه المسائل أسمها الوحيد هو المرأة، ونحن، كهواة، نعلم من متابعتنا لأعمال المخرج المختلفة أن السؤال البارز في مجمل أعماله هو: الرجل مقابل الوجوه المختلفة للمرأة وكيف أنه واقع كضحية لهاثه لها. ينفخ الكثير من الحياة في شرنقته ولا يأخذ في المقابل الا بعض اللهو الذي ينقطع وينصرف عنه بإنقطاع الوصال. لو كان الأمر عائد اليه لأبقاه فبطله يحب النساء ويحب أن يجد نفسه محاطاً بهن. المشكلة الوجدانية هو أنه، كبطله في "لا دولتشي فيتا" لا يترك التأثير الصحيح و-الأهم- لا يترك الحاجة العاطفية الملحّة التي من أجلها سوف تسعى المرأة لإبقاء علاقتها معه قائمة٠
هذا الفيلم يدعوا مشاهديه لقراءة موسّعة فيما سبق للمخرج أن تناوله من قبل، لكن بطله هذه المرّة هو: هو. سينمائي يبحث عن الإلهام وقد وعد دخول الاستديو في الوقت المحدد وفي يده سيناريو جاهز. إخفاق غويدو أنسلمي (مارشيللو ماستروياني) في ذلك يماثل الوضع الذي وجد فيلليني نفسه فيه: كيف يستطيع تأمين مستوى أعلى مما وصل اليه بعدما صنّفه النقاد والمثقّفون كعبقري سينما؟ عوض أن يخرج فيلليني فيلماً آخر لإثبات جدارته (او ربما للإعتذار عنها) قرر أن يخرج فيلماً عن هذه المشكلة بالذات. هذا مقبول على هذا النحو ومن هذا المنطق لكن المخرج لا يكترث إذا ما عمد الى بناء فيلمه على مشاهد جمعها تحت سقف واحد من دون منهج مدروس (غالباً هو مدروس في عقل المبدع، لكنه مقدّم كما لو أنه ليس كذلك). هذه المشاهد تشكل رحلات متكررة بين الذاكرة وبين الأحلام وبين اليقظة. ولن يدع المخرج الفرصة تمضي من دون أن يستدير لنقد الكنيسة والمثقّفين ويستدعي قدراً من الرغبة في الثورة على عالمه وعالم المثقّفين عموماً. هذا واضح من خ
لال تقديمه شخصية ناقد سينمائي أسمه دومييه (جان روجيه) بتلوين جاف٠
بطله لا يعرف كيف يحب (حالة ماستروياني في "لا دولتشي فيتا" وحالة دونالد سذرلاند في "فيلليني كازانوڤا" من بين أفلام أخرى)، كذلك ليس لديه فكرة عن المرأة المثالية التي يبحث عنها للفيلم لأنه، كالمخرج تماماً، لا يعرف إذا ما كانت هناك إمرأة مثالية فعلاً . هذا يتّضح في شخصية كلوديا كاردينالي التي جيء بها لبطولة المشروع إذ تبدو، في الوهلة الأولى، مثالية، لكن حين يلتقي بها غويدو خارج نطاق العمل لا يجدها كذلك٠
فيلليني ينهي الفيلم بحفلة رقص هي ذاتها النهاية التي يفكّر بها بطلة غويدو. لكن اللقطات الأخيرة تنأى عن هذه الحفلة الى صورة صبي يعزف على الناي. تدرك أن الصبي ذي العاشرة تقريباً (العمر غير محدد في الفيلم) هو غويدو نفسه وقد رجع بذاكرته الى ذلك الحين. بذلك الرجوع يعلن، وفيلليني، حنينه الى صباه وأنهما (المخرج وبطله) ليسا سوى رجلين في المظهر طفلين في الداخل٠
مخرج وأفلامــه
وسترن | نظرة معتدلة للزعيم الهندي جيرونيمو (يؤديه بيرت لانكاستر) الذي وجد نفسه ممزّقاً بين عالمين، (عالمه وعالم الإنسان الأبيض) إثر استسلامه وقبوله التحوّل الى مزارع. الفيلم قوي الحجة ورصين التقديم لكنه يختار من الحقائق ما يناسبه ما يصبغ المعالجة بقدر من الليونة مع نهاية متفائلة أُجبر عليها المخرج إذ كان يريد رفع مستوى إدانة الرجل الأبيض بجعله يطلق النار على جيرونيمو غدراً
وسترن | هذه المرّة يلعب بيرت لانكاستر شخصية مغامر محتال في رحلة مع شريك حذر (غاري كوبر) الى المكسيك بعد انتهاء الحرب الأهلية الأميركية بحثاً عن الإنضمام لمن يدفع أكثر وسط نشوب حرب أخرى بين الحكومة والثوّار. يوافقان على نقل وحماية الكونتيسة (دنيس دارسل) لكن الطريق طويلة ومحفوفة بالمخاطر والرجلين في لعبة قط وفأر قبل أن تتوحّد جهودهما ضد العدو. مناسبة لمشاهدة الممثلين الرئيسيين، كل يؤدي بأسلوب مختلف .الفيلم في نهايته مسلِ لكنه ليس خاوياً من الحسنات وهو تمهيد لما سبر غوره سام بكنباه لاحقاً على نحو أفضل٠
فيلم نوار بوليسي | عن رواية للكاتب البوليسي العنيف ميكي سبيلَن، اقتبس ألدريتش هذا الفيلم الناجح الذي حذّر من تبعات السلاح النووي وقت كانت فيه الأفلام الأخرى تفضّل التحذير من الخطر الأحمر المتمثّل بالشيوعية٠ التحري الخاص مايك هامر (رالف ميكر) يقود سيّارته ذات ليلة عندما توقفه إمرأة شابّة وغامضة أسمها فلدا (ماكسين كوبر) وتكون السبب في زجّه في قضيّة تهريب أشعّة غامضة في صندوق أسود لا أحد يعلم بخطورتها الا رئيس العصابة التي تتاجر بها. هناك مواقف للتشويق والإثارة بقدر ما يسمح الفيلم البوليسي من دون شطط، كذلك هناك أشراراً يُشهد لهم بالإداء المميّز الذي لا يُنسى: جاك إيلَم
الجبان الا إذا كان هناك من يحميه، وجاك لامبرت الذي يتمتّع بالقوّة والوحشية لكن بلا ذكاء (يقول لرئيسه: لقد أدركت أن الكرة لا يمكن أن تكون كروية. لأنها لو كانت لسقط الناس في الصين"٠ في النهاية ، بعد أن ينال هامر نصيبه من الضرب يحاول إنقاذ سكرتيرته كرستينا (كلوريس ليتشمن) فيلتقي بالفتاة الغامضة التي على وشك فتح الصندوق معتقدة أنه يخفي كنزاً. تطلق عليه النار لكنه يتحامل ويهرع بعيداً عن المنزل مع سكرتيرته في حين ينفجر البيت بجثثه وترتفع الأشعة وسط ظلام الليل٠
دراما | دراسة جادّة حول هوليوود وما يقع فيها حينما يقرر ممثل معروف (جاك بالانس) عدم تجديد العقد مع الاستديو فينبري رئيسها (رود شتايغر) لوضعه أمام خيار صعب: التوقيع او الإشهار به لتدميره. الفيلم سبّاق من نوعه ونقدي لهوليوود وأساليبها بلا ريب. مقتبس عن مسرحية لكليفورد أودتس ويحافظ على هذا الأصل كون معظم الأحداث تقع داخلياً. بالانس يقدّم إداءاً محسوساً والمخرج يمنح العمل نظرته الى حياة تضع أبطاله أمام خيارات صعبة٠
حربي | جاك بالانس مرّة أخرى، هذه المرّة في دور مجنّد في القوات الأميركية خلال الحرب العالمية الثانية يُترك لمواجهة الأعداء بسبب رفض الكابتن الجبان (أدي ألبرت) مساعدته. لا يكتفي ألدريتش هنا بالنظر الى الحرب ذاتها نظرة معادية بل يصوّر المصالح والأكاذيب كجزء من ممارسة بعض قيادييها. خذ مثلاً لي مارفن في دور الكولونيل الذي يعرف أن الكابتن أخطأ التقدير وضحّى بعدد من الجنود لكنه سيحاول التستّر على فعله طالما أن ذلك لا يُضيره. حين يظهر الجندي بالانس من جديد تبدأ حلقات جديدة من هذه الدراما بالحدوث. فيلم جيّد ومختلف وإدارة المخرج لممثليه، كما موهبة هؤلاء الممثلين، تجعل من العمل متعة ولو داكنة٠
وسترن | كيرك دوغلاس في دور مطلوب من العدالة التي يمثّلها روك هدسون لكن قبل حل هذا الوضع هناك ماشية من البقر عليهما إيصالها. صاحب الماشية (جوزف كوتُن) يُقتل وزوجته (دوروثي مالون) التي كانت تربطها علاقة سابقة بكيرك دوغلاس تميل الآن الى هدسون. لجانب المتاعب العاطفية هناك عصابة من بين أفرادها جاك ايلَم ونيڤيل براند وطريق طويل الى تكساس حيث المنازلة الأخيرة. ليس فيلماً أساسياً من أعمال ألدريتش لكن قيمته رغم ذلك تكمن في صياغة المخرج لشخصية دوغلاس: الرجل الذي أخذ يخسر كل شيء ولم تعد لحياته قيمة ما حدا به الى تفريغ مسدّسه من الرصاص حتى يموت في صمت. هذا المشهد معبّر عنه جيداً ويحمل تأثيراً يشابه تأثير شخصيات عدّة تدرك هزيمتها. معالجة ألدريتش ممطوطة وعادية٠
دراما تاريخية | أول فيلم أقل من المستوى يحققه ألدريتش هو هذه الدراما التاريخية المستوحاة من قصص الإنجيل. لكن الفيلم لا يقتبس من الوارد في الكتاب المسيحي الا نسبة محدودة وعامّة من الأحداث. الباقي خيالي مئة في المئة وموزّع درامياً في كل اتجاه حتى ليبدو الفيلم كما لو كان مجموعة أفكار وغايات غير متّصلة. ستيوارت غرانجر في دور لوط يحاول الإمساك بالشخصية ولا يجد الي ذلك سبيلاً الا باتباع منطقه الأخلاقي. الحكايات الرئيسية هنا لا علاقة لها بالمادّة المذكورة في الإنجيل (ربما لأن القليل هو المذكور هناك) ما دفع الى التأليف، لكن من دون إجادة٠
رعب | اكتسب هذا الفيلم إعجاباً نقدياً استحقه حينها لكن هذا الإعجاب خبا كما خبا الفيلم عصراً بعد عصر. "ما الذي حدث للبايبي جين؟" يدور حول شقيقتين. الأولى (جوان كروفورد) كانت نجمة سينما حين كانت صغيرة ثم أصيبت بحادثة (يلعب المخرج على غموضها) ما حوّلها الى مقعدة واقعة تحت رحمة (او عدم رحمة بالأحرى) شقيقتها (بيتي ديفيز). يدخل جحيم هذه العلاقة المازوشيسادية معلّم بيانو (فكتور باونو) فيلمع الفيلم ويتسبب في تغيير المعادلات داخله. ليس أن الفيلم رديء الصنعة، بل هي مشوّق وفعّال في معظم ما يعرضه، كذلك هو جيد لقطة بلقطة، لكنه أكثر ثقلاً مما يج من دون أن يسمح المخرج لنفسه بنفس طبيعي او بسخرية ولو عابرة، وإذ يأتي عامين فقط بعد "سايكو" هيتشكوك، فإن المقارنة لا تخدمه مطلقا. على ذلك يبقى فريداً بين أعمال الرعب حينها لربطه الموضوع بالسينما كون الشقيقتين خريجتي هوليوود تبعاً للموضوع٠ً
وسترن | معالجة كوميدية لموضوع ليس ذي بال أساساً يبدأ واعداً وسريعاً ما يدخل غرفة الطواريء ولا يخرج منها. كذلك لا يرضى أن يموت. فرانك سيناترا ودين مارتن في لعبة قط وفأر (أخرى). كلاهما خريج سجن وعليهما الآن توحيد جهودهما بعدما دخول أنيتا إكبرغ وأرسولا أندرس على الخط. جاك ايلَم في دور صغير٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2010٠
4 comments:
العزيز محمد رضا
شكرا على التجاوب وعلى العدد الجديد
you're spoiling us :)
بالنسبة لملاحظتي عن فيلمي هانيكه المتسللين إلى موضوعك عن جيمس كاميرون
(الفلمان هما 71 Fragments of a Chronology of Chance و The Castle )
فأكتفي بنسخ الجزء الذي أقصده من الموضوع في العدد السابق وعموما "حصل خير"
:)
"
1986: Aliens ***
مخلوقات غريبة
Film n. 107
شظية من جدول الحظ الزمني: هناك أكثر من حالة عنف لأكثر من شخصية نمساوية وغير نمساوية. ما يفعله المخرج هنا على نحو مبتسر وغير كاشف، هو الإنتقال من صرح العائلة الى صرح المجتمع مختاراً نموذجاً محورياً واقعياً. هانيكه يستعرض التتابعات الزمنية لحادثة أقدم فيها طالب في الجامعة على جرائم قتل متوالية وخلال اهتمامه بهذا الرصد يحصد المراحل الزمنية السابقة لحياة بعض الضحايا. يخصص المخرج كاميرته بمراقبة وجمع ذخيرة من المشاهد التي تدين المجتمع او، على الأقل، تربطه بالجريمة التي وقعت ربطاً محكماً٠
1997: The Castle
القلعة : لم يُشاهد٠"
--------------------------------
أخيرا وليس آخرا .. بالنسبة للرائع لويس بونويل فقد بدأت مؤخرا بمشاهدة أفلامه من البداية وحسب الترتيب الزمني لها شاهدت أفلامه الثلاثة الأولى ثم جزءاً كبيراً من أفلامه المكسيكية وصولا إلى أول أفلامه الفرنسية "يوميات خادمة" (أنجزه قبل حسناء النهار) هل شاهدته؟ أعتقد أنني بحاجة لمشاهدته مرة أخرى (كما غالب أفلام بونويل) إلا أنني لم أستسغ استخدامه للشاشة العريضة فيه. ما رأيك؟
سوف أكمل مشاهدة بقية آفلامه الفرنسية خلال الأيام
التالية ..
بالمناسبة .. ما رأيك بالأفلام المكسيكية (أعمال الخمسينات) التي شاهدتها له؟ أجد تعامل النقاد مع أفلامه المكسيكية محيراً للغاية فهناك من يتجاهلها تماماً وهناك من يضعها بموازاة روائعه الأخرى الأمر الذي أرى فيه تساهلا كبيرا .. ما رأيك؟
عذرا على كل هذه الثرثرة وتقبل تحياتي
:)
عبدالرحمن علي
مرحبا ابو رضا
فيه كذه قراءه بالعداد الصادره كنت بالنتظارها , أوله فيلم "الحياة اللذيذه للعظيم فيلليني هي الرمزيه بالفيلم هل انا فهمتها مثل ماارد فيلليني ان نفهمها
انا متفق معك في أغلب النقاط لأنها قريبه من تحليل لها بس في نقطه ماتطرقة له وهي مشهد النهايه لمارشيللو ارد التحدث مع الفتاه ولفت نظرها طلعت الفتاه لاتسمع ولا تتكلام هل معناتها مارشيللو قرر يعيش حياته كماهي بدون اي تغيير "يعني تجي زي ماتجي المهم انا عايش ..!
ثاني فيلم " سايكو "
فيه جملة دايم اقوله كثير مخرجين او كتاب حول يقلدوا او يمشون على نفس نهج العبقري ألفرد هيتشكوك بس مااستطعوا عنده لغز لا احد يستطيع جوابه اللى هو , وكيف اذا هو صناع الغز
علمآ اني لم اشاهد سوي خمس من افلام واوله الفيلم المذهل " النافذه الخلفيه "
ثالثآ المخرج الهندي ساتياجِت راي
منذ فترة طويله اسوي بحث بمدونك و بمدونة نقاد اخري او عن طريق مرحك البحث
لا اجد شي عن هذا المخرج , واخير كتب عن احدي افلامه ,وجملتك انه مختلف 99 بالمئه عن السينما الهنديه هذي بحد ذاته محفز للمشاهدة , لكن لم أجد فيلم واحد مترجم عربي حتي اذا وجد انجليزي تكون ترجمة سيئه للاسف
اسف للاطاله
عبدالعزيز منصور
فعلا لا تستطيع ان تتخيل عش الوقواق دون وجود من يوقوق بداخلة سوى نكلسن ذاته ، وبخصوص رسالة عمر منجونة فأظنه تأخر جدا في تساؤله حول ام نايت شيامالان ، حيث أبديت أنا استغرابي في رسائل سابقة ، وأتوقع له مزيد من السوء في المستقبل ان كان له مستقبل من عدمة.
أراهنك استاذ محمد بأنك ستغير من تقييمك لفيلم كرستفر نولن ، وأنك ستكتب عنه في القريب العاجل ، خصوصا مقارنة الشخصيتين لديكابريو في هذا الفيلم و في الجزيرة المغلقة ! كلا الشخصيتين تدور حولهما الشبهات في مقتل زوجته ، في أجواء غرائبية ، تتحريان الحقيقة ، في زمن غير محدد ، لا يمكن تحديد جانب الشر من الخير في أي منهما . شاهدت كيفية تنفيذ مشهد الدوران في الفندق عبر اليوتيوب ، أود أن تطالعة وتخبرني عن تقنية الدولاب هذه؟ لما لم يختر المخرج دوران الكاميرا عوض الديكور ؟
http://www.youtube.com/watch?v=z0HrgbD33zw
وحول عدد 19 يوليو : يهمني جدا ما ذكرت حول توي ستوري 3 ، حيث قلت "حين يأتي الأمر الى التفاصيل، فهي أكثر مدعاة للصدق أيضاً من العديد من الأفلام المتوفّرة حولنا. هذه الألعاب لها شخصيّات مختلفة. بعض الجديد منها يستند الى معيار نفسي وبعضها يقف على شفير السقوط في الخداع العاطفي" هذا شيء يثير جدا اهتمامي لأن افلام الكرتون هي للصغار فلا يحتاج الأمر كل هذه التفاصيل ! لكن من يريد ان يبدع لا ينظر لجزء ويهمل جزء بل يترقب الابداع في انتاجة ككل.
بصراحة أستطع تخيلك تشتري تذكرة وتحضر توي ستوري 3 ، لكن كيف دخلت توالايت ساغا اكليبس؟ مع من ولم لم تطلبه على قرص سي دي ؟ وتشاهده وأنت تلعب الورق أو الدومينو ؟ هل يستحق الكتابة عنه؟
وحول سيد الهواء ، أقول ان النقد الذي كتبه روجر ايبرت كان في قمة السخرية ان لم اقل المسخرة ، وكافي كلام عن الميت الحي شيامالان .
حول مفترسون : لدي سؤالين ، لما المجرم الهارب من العدالة يحمل سكيناً صغيراً تشبه ما يُستخدم لتقشير البرتقال؟ و لم ادريان برودي يواجة الوحش المفترس؟ وليس ممثل قوي الشكيمة ؟ هل وكيل أعمالة لدية نفوذ لهذه الدرجة!
هناك جانب لم تذكره في عملية الماركتنج او التسويق ، فالافلام التي ذكرتها تكاد تكون كلها في لائحة الأفلام الأكثر ترقبا منذ فترة طويلة ، لذلك التوقع بأنه ستكون تحفة شيء غير مقبول في ظل ترقب المشاهدين لها.
كاميرون انجز بيرانا في 1981 وليس في 1989 ، وهناك ربط غريب بين فيلمي كاميرون الاخيرين لا أعرف أين قرأته يقول : ان افاتار و تيتانك هما نفس القصة لكن ببيئة مختلفة فقط!
كيف ياترى أدخلت سائق الأوتوبيس علينا هكذا دون سابق انذار ، ألم يجد مكانا للانتظار؟
شكرا.
عبدالله العيبان - الكويت
انت ناقد رائع حبتني في الافلام
Post a Comment