Issue 78 | Petri's 10th Victim | Forman's Amadeus | Fincher's Zodiac


Film* Reader: يوم الإثنين في العدد الجديد من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنويعة على فكرة السي آي أيه تقتل أبناءها : Red
مع فارق أن أبطال الفريق من فوق الخمسين يقودهم
Not Bad بروس ويليس ومورغن فريمَن٠
  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة بعروض شهر تشرين / نوفمبر الحالي مثل
Megamind, Due Date, Tangled, Skyline,
127 Hours و Burlesque
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
The Girld Who Kicked the Hornet's Nestعروض خاصة
هو ثالث فيلم من السلسلة البوليسية الدنماركية المعروفة التي 
ربما أخذت تتعب مبكراً. هي وبطلتها ناوومي ريبايس
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
The White Ribbon  دي ڤي دي الأسبوع : فيلم ميشيل هنيكة 
لا يزال يُثير قشعريرة غير مريحة في البدن حين مشاهدته مرّة
جديدة على شاشة البيت٠
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثلاثة أفلام "نوار" تُحيل عتمة الشاشة الي وله بحياة أبطالها الصعبة
من ثلاثة مخرجين ذي باع هوليوودي قديم: ديمتريك المسجون
وتاي غارنت المنسي وفرانك تاتل المجهول٠ 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرشيف السينما العربية | هل تعامل النقّاد مع أفلام محمد أبوسيف
كما يجب؟ أم هم اعتبروا أن إبن المخرج الكبير يجب أن لا يقل
قدرة فحكموا عليه سريعاً؟ الإجابة في "أولى ثانوي«٠



قراءة مشهد 
Pat Garrett and Billy The Kid   (1973)  ***** 
سْلم بيكنز أصيب خلال مواجهة حين اصطحبه  جيمس كوبرن لمساعدته  ضد بعض الأشرار في فيلم سام بكنباه  الوسترن «بات غاريت وبيلي ذ كيد«. ينهض من موقعه واضعاً يده على جرحه البليغ  وناظراً الى النهر القريب.  يمشي إليه قاصداً إياه كما تفعل الفيلة حين تشعر بدنو الأجل. هذه اللقطة  قرب النهر حين يستدير لينظر الى زوجته (الممثلة المكسيكية الأصل كاتي جورادو) وهي تقف بعيداً. كانت تقاتل لجانبه ثم تركت بندقيّتها وهرعت وراءه حين شاهدته يبتعد جريحاً. لكنها توقّفت على مسافة لكي تتركه يموت بسلام. ترقبه من هناك من خلال دموع صامتة. لاحظ كيف وجهه يبدو مشعّاً بنور غريب. شبه ابتسامة على ذلك الوجه. فرحة غريبة وحزن أليم في الوقت ذاته. النهر ليس دافقا كما لو أنه بدوره منته. التصوير من إدارة جون كوكولون الذي صوّر لسام بكنباه 4 أفلام. الثلاثة الأخرى هي
Straw Dogs (1971), Cross of Iron (77), The Osterman Weekend (83)
 
ـــــــ هذا العدد    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدءاً من هذا العدد يتخلى هذا الموقع عن عرض ونقد الأفلام الجديدة المعروضة في الصالات. هذه ستجد طريقها الطبيعي الى مجلة »ظلال وأشباح«. أما »فيلم ريدر« فستتخصص في الأفلام التي لا عروض تجارية لها، مثل الأفلام الأجنبية المعروضة على أعضاء جمعية مراسلي هوليوود او تلك الملتقطة في المهرجانات والمناسبات المختلفة، وفي الأفلام القديمة من أزمنة ودول وتيارات ومدارس مختلفة. كالعادة، هذا الموقع لا يكترث ما إذا كان الفيلم لفديريكو فيلليني او لبيتر ساسدي. المهمّة هي عرض هذا السيل الذي لا يريد أن يتوقّف من الأفلام٠

ـــــــ إكتشافات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إيليو بتري والخيال العلمي. أوه... ولا تنسى جمال أرسولا أندرس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
La Decima Vittima /  The 10th Victim   (1965)  ****
الضحية العاشرة
Elio Petri  إخراج: إيليو بتري
أدوار أولى: مارشيللو ماستروياني، أرسولا أندرس، إيلزا مارتينللي، سالفو راندوني
كوميديا. خيال علمي | إيطاليا ٠
Review # 182
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين  توفي  المخرج الإيطالي إيليو بتري سنة  1982 عن 53 سنة، كان أنجز  13 فيلماً لجانب أفلام أخرى كتبها وأخرجها سواه. وهو بدأ مشواره بفيلم جيّد سنة 1961 عنوانه: المغتال 
 The Assassin
عن سيناريو لباسكال فيستا كامبانيلي  وكان جنائياً (حول جريمة قتل) إنما في قالب كوميدي.  بعد أربع سنوات وخمسة أفلام أخرى أنجز هذا الفيلم الذي ينتمي، بشروط، الى سينما الخيال-العلمي إنما، وبشروط أيضاً، في خانة الأفلام الكوميدية٠
هذا الفيلم ليس بشهرة عمليه اللاحقين «الطبقة العاملة تدخل الجنّة« و«تحقيق حول مواطن فوق الشبهات» لكنه لا يقل عنهما جودة  وهو مقتبس عن قصّة أميركية قصيرة بعنوان »الضحية السابعة« لمؤلّف أسمه روبرت شكلي الذي نقلت السينما عنه ست روايات أشهرها ذلك الفيلم الذي قام ببطولته إميليو استفيز  وأخرجه جف مورفي سنة  1992 بعنوان
Freejack
إنه عن زمن انتشر فيه حل لمسألة الحروب الكبيرة. من الآن وصاعداً ليس هناك داع للحرب لأنه تم تقسيم الناس الى  صيادين وضحايا. الصيّادون يتناوبون على لعب دور الفريسة. بذلك يعيشون (إن عاشوا) الدورين على نحو متلاحق. ليس كل الناس، بل من يرغب في ربح مليون دولار إذا ما استطاع البقاء حيّاً بعد عشر جولات.  بذلك توخّت الحكومات حل مسائل النزاعات الكبيرة وبل القضاء على العنف بتوفير  سبل القتل الفردي لمن يرغب وفي لعبة تنجز قدراً من الخيال الكامن لدى البعض في تمثيل دور البطولة في الحياة. خلال المطاردة، وهذا ما نراه في مقدّمة الفيلم، سيتاح للفريسة أن تدافع عن نفسهاوقد تفوز بالدورة وتقتل الصيّاد الذي يقصد قتلها٠
مارشيللو بوليتي (ماستروياني) عليه أن يلعب الآن دور الضحية في عاشر جولة له. إنه مفلس. لديه قضية طلاق كلّفته كثيراً، وعشيقة (مارتينللي) لا يحبّها، وفي أعقابه أميركية أسمها كارولين (أندرس) كنا شاهدناها في المقدّمة وهي تنتصر على صيّادها. الآن دورها لكي تصطاد مارشيللو. لكنها على اتفاق مع شركة تلفزيونية لفعل ذلك في استعراض ترعاه شركة تجارية٠
تدّعي أمامه أنها صحافية تريد إجراء مقابلة معه في موقع أثري لصالح التلفزيون. لكنه حذر ويفطن الى أن هذه الدعوة، وكل ما يحف بها من أنوثة ونعومة وقبلات، هي فخ لإسقاطه. نمضي الوقت في لعبة كر وفر لكنه وقت غير ضائع. هناك تمثيل أرسولا أندرس وجمالها. وأنا لا أمزح هنا او أرغب في إثارة ما، بل يلعب جمالها البدني وأنوثتها الطاغية لصالح الفيلم على طول الخط.  شاهدت أرسولا أندرس في عدد من الأفلام حيث بدت مثل قطعة ديكور متحرّكة من شدّة جمودها. أما هنا فهي مقبلة على الدور بكل ما لديها من طاقة وناجحة في تجسيد شخصية تستفيد من أنوثتها جيّداً. في المقابل، مارشيللو لم يُشاهد في دور مشابه وهو يقوم به بتخفيف تأثيره ما يجعله أكثر تأثيراً. ضد البطل وفي الوقت ذاته بطل لا ريب فيه٠
سبب آخر لمشاهدة الفيلم هو تصوير جياني دي فانزانو. هو مصوّر رائعة فديريكو فيلليني »ثمانية ونصف« ولديه هنا لقطات مشابهة للقطاته في ذلك الفيلم لمدينة روما. سبب ثالث يكمن في معالجة بتري للموضوع بأسره: خيالي- علمي من دون المؤثرات حتى مؤثرات تلك الفترة
في هذا النطاق لا يستخدم بتري أدوات مستقبلية معقّدة للدلالة على نوع الفيلم.  ليس هناك حاجة للمستقبل في هذا الفيلم. العالم عند بتري تحوّل الى حلبة على الطريقة الرومانية (وهناك مشهدان للدلالة على ذلك الأول لميدان أثري والثاني لعرض ترفيهي تتم فيه مبارزة بين متبارزين بأسلحة القرون الميلادية الأولى كما كان دارجاً)٠
الناحية اللافتة أنه يستند إلى فكرة برمجة القتل مصوّراً، قبل خمسة عشر سنة من قيام الفرنسي برتران
Death Watch  ترفنييه بتحقيق فيلمه المماثل (من دون مرح) مراقبة موت
  كذلك هو قبل سبعة عشر سنة من فيلم الأميركي بول مايكل غلازر »الراكض
The  Running Man كذلك هو قبل سبعة عشر سنة من فيلم الأميركي بول مايكل غلازر الراكض
وقبل عشر سنوات او يزيد على عدد آخر من الأفلام المشابهة مثل
Death Race (1975) و Rollerball (75)
الكوميديا مُعالجة بجدّية. هذا لا يجعلها أقل إضحاكاً بل هي سبب للإمعان في رسالة الفيلم  الإجتماعية. فإليو بتري ينتقد ما سيؤول إليه المجتمع الغربي كما حاضره أيضاً. وهناك مشاهد  كوميدية مختلفة لغايات مختلفة. ها هو مارشيللو يقف على شاطيء البحر عند الغروب يخطب في مجموعة تعبد الشمس. ترقبه كارولين يصعد المنصّة ويخطب في الحاضرين ثم يبدأ عدّاً تنازلياً أراده مصاحباً لغياب الشمس في لحظاتها الأخيرة: عشرة ... تسعة ... ثمانية ... حين يصل الى نهاية العد يقول: إثنان ... واحد. على الفور قطع سريع لرجل من خارج تلك المجموعة يضم شفتيه  حول طرف لسانه ويصدر صوتاً بمعنى »طز« ولا تستطيع هنا الا أن تضحك للتأثير الفوري. لاحقاً يدور هذا الحديث بين مارشيللو وكارولين
هي: لقد شاهدتك تبكي (خلال الخطاب)٠
هو: طبعاً، لقد تناولت حبّتي بكاء . يدوم تأثيرهما لربع ساعة
هي: الا تصدّق ما كنت تقوله؟
هو: يجب أن أصدّق. أحصل على عشرين بالمئة من الأرباح٠
يأتي هذا المشهد في عداد لعبة القط والفأر بين الجانبين، لكن هناك الكثير من الحوارات الصالحة لأمثلة على براعة المخرج توظيف الحوار لكشف مواقف او أفكار٠


ـــــــ مخرج وفيلم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ميلوش فورمان في «أماديوس« .... نثر السخرية على شخصياته ومجتمعها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


AMADEUS ****
Milos Forman  إخراج:  ميلوش فورمان
بطولة : ف. موراي ابراهام (أنطونيو سالييري)، توم هولس (موتزارت)، اليزابث باريدج، سيمون كالو
سيرة ذاتية عن فصول في حياة موتزارت - الولايات المتحدة
(1984 )٠
Review # 183
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أول ما يلفت النظر في هذا العمل، عدا النواحي الجمالية التي أدارها فورمان وفريق عمله بنجاح، حقيقة أن الفيلم لا يعتمد سرداً تقليدياً لحياة الموسيقار وولفغانغ أماديوس موتزارت (1756 ـ 1791)، بل سريعاً ما يدور حول جانب معين من حياته هو ثرائه وموهبته ووفرة إنتاجه وكيف جر عليه ذلك حقد موسيقار آخر هو أنطونيو سالييري ومحاربته له. هذا التخصيص يعمل لصالح الفيلم وليس ضده. ذلك أن السيناريو الذي كتبه بيتر شافر عن مسرحيته، يضعنا مباشرة، من بعد التمهيد الذي نرى فيه سالييري عجوزاً مريضاً في أحد المصحات يعترف لصحافي (على نحو «رجل صغير كبير» لآرثر بن)، في «فلاش باك» تنتقل من 1823 ـ تاريخ إقدام سالييري على محاولة الانتحار ثم نقله إلى المستشفى كما نرى في أول الفيلم ـ إلى 1781 عندما وصل الشاب موتزارت إلى فيينا بعدما سبقته شهرته المدوية. اللقاء الأول بينه وبين سالييري لم يكن ودياً، والذي ساد علاقاتهما لاحقاً كان أكثر من سيء. سالييري، كما يقول التاريخ والفيلم، تأذى من اهتمام البلاط والكنيسة بهذا الموسيقار الجديد وسعى دوماً إلى عرقلة أعماله وانتشاره وحاربه بكل طاقته مسبباً له مشاكل متعددة منها المرض والفقر ثم الانحدار إلى مستوى التأليف المسرحيات الموسيقية الشعبية اللاهية حتى يؤمن قوته٠
لكن بين طيات تلك الحرب التي خاضها سالييري، يعمد الفيلم إلى التأكيد على أن سالييري كان أكثر الملمين والعارفين بقيمة موهبة موتزارت. لكن في حين أن مسرحية بيتر شافر تذهب إلى حد قيام موتزارت علانية باتهام سالييري بتسميمه، تجاوز الفيلم هذا الاتهام مكتفياً بكل تلك الشحنات من الكراهية والحسد التي أولاها أحدهما للآخر. «أماديوس» ينجح في منهجه هذا خاصة وأن سالييري يعترف بقيمة موتزارت ولو أنه لاشخص الذي كان من الممكن له أن ينكرها. وهذا الاعتراف غير مباشر إلا في الفصل التمهيدي عندنا يبدأ سالييري برواية ذكرياته عن غريمه، وفي المشاهد الأخيرة من الفيلم. لكن إلى ذلك يضاف أن سالييري في نهاية الفيلم يعلن أن «إرادة الله قد أعطته عمراً يرى فيه موسيقى موتزارت وهي تكتسح موسيقاه» وهذا حقيقي إذا ما نظر المرء إلى شهرة كل منهما غير المتساوية عبر الأجيال٠

ما يدفعه الفيلم لقاء كونه جانباً من حياة موتزارت وليس سرداً لكل حياته هو ثمن مرتفع. شافر يميل إلى تلك المنهجية التي تحاول إدخال تفسيرات خاصة أو مدلولات لا ندري مدى صحتها في نطاق الفيلم محاولاً الخروج بدراسة أو بععد، مثل علاقة موتزارت بواله التي حاول الفيلم إعطائها بعداً نفسياً. كذلك قيام الفيلم بتسجيل اعترافات سالييري في مصح يمنح الفيلم في البداية مظهراً كوميدياً يطيح بجدية المشاهد اللاحقة (الأولى من «الفلاش باك») هذا إلى جانب أن الرغبة في تحقيق نجاح تجاري (وقد حدث) دفع فورمان إلى الكثير من الشكلية في الحركات وإلى الاتكال بثقل على التصميمات والأزياء والحركة المسرحية. أداء هولس وابراهام متكافئ وأحياناً مذهل في دقته يساعد الفيلم على الانضواء تحت راية فنية جامعة. إن هذا التناقض ما بين العناصر (الشكل على حساب ثقل الموضوع، تغييب الواقع على حساب الاهتمام بتأليف وقائع أخرى، خلق اهتمام محصور بالحسد والعواطف الأخرى مقابل التفسير الذاتي، الخ...) يتركنا في النهاية أمام فيلم تتلخص فيه كل هذه التناقضات في حالة واحدة: ألفة ورواح العمل مقابل تخليه عن الدراسة الأكاديمية. إنه ليس اختياراً سيئاً بحد ذاته، لكنه ليس كذلك بالشافي والوافي في نهاية الأمر٠

  أحد أهم ملامح أفلام ميلوش فورمان هذا القدر من السخرية التي ينثرها على شخصياته ومن خلالها على المجتمع بأسره. أفلامه التشيكية (من 1955 ككاتب سيناريو) وأفلامه الأميركية (من 1970 بفيلم
(Taking Off
عكست هذا الجنوح نحو السخرية. لكن أفلام فورمان قد تضع أصابعها على حالات أو عيوب، إنما لا تذهب إلى أكثر من ذلك، وبعد سنوات من حريته خارج أوروبا الشرقية يحق للمرء التساؤل عما إذا ما كانت الهالة التي نالها حتى اليوم مغالى في أمرها. «أماديوس» منح ف. موراي أبراهام أوسكاراً، كذلك فعل
One Flew Over the Cuckoo's Nest  أحدهم طار فوق عش المجانين
بالنسبة لممثله الأول جاك نيكولسون، ومخرجه وبطلته لويز فلتشر. أفلام أخرى. هذان الفيلمان وردا خلال فترة هي الأفضل إبداعياً بالنسبة لميلوش وسواه. ومع أنه لا يزال يحقق الأفلام الى اليوم، الا أن أحداً قلّما يكترث للبحث عنها، بما في ذلك مهرجانات السينما التي ربما تنظر بعيداً عن عمد٠

ـــــــ استعادة  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ZODIAC ****
 حكايات عن أبطال من  قاع المدينة
مارك روفالو
المخرج ديفيد فينشر يُدير ممثليه

David Fincher  إخراج: ديفيد فينشر
بطولة:  جايك جيلنهال، مارك روفالو، انطوني إدواردز، روبرت داوني جونيور، برايان كوكس٠
دراما [عن أحداث واقعية]. |الولايات المتحدة- 2007
Review # 184
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

‮»‬زودياك‮« ‬هو عبارة عن بحث في‮ ‬قضية بقيت‮ ‬غامضة الى اليوم‮: ‬من هي‮ ‬هوية ذلك القاتل المتسلسل الذي‮ ‬روّع مدينة سان فرانسيسكو في‮ ‬أواخر الستينات وحتى مطلع السبعينات فقتل عدّة ضحايا‮ ‬غير مترابطين بهدف او معرفة وعلى نحو شبه طائش ثم أختفى بعدما كتب عن نفسه وعن جرائمه لصحيفة‮ »‬سان فرانسيسكو كرونيكل‮« ‬وسمّى نفسه بـ‮ »‬زودياك‮« ‬ثم أختفى؟
قبل هذا الفيلم الذي‮ ‬يؤم تمثيله روبرت داوني‮ ‬جونيور ومارك روفالو وجيك جيلنهال،‮ ‬كانت هناك أفلاماً‮ ‬أخرى حول ذات الموضوع،‮ ‬لكن فيلم فينشر أكثرها فنيّة‮. ‬ومن الموضوع استوحى فيلم‮ »‬ديرتي‮ ‬هاري‮« ‬موضوعه،‮ ‬ومن شخصية التحرّي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يكل،‮ ‬إستخدم فيلم‮ »‬بوليت‮« ‬شخصيّته‮. ‬لكن زودياك بقي‮ ‬الشخص اللغز بعدما توقّف فجأة عن ارتكاب جرائمه ليثير عاصفة من الاسئلة‮:‬
هل توقف بمحض إختياره؟
هل ألقي‮ ‬القبض عليه لتهمة بعيدة عن القتل ودخل السجن؟
هل لا‮ ‬يزال حيّاً؟
أم هل انتقل الى‮ »‬العمل السري‮« ‬بعدما سعى لسنوات للحديث عن نفسه وجرائمه علناً‮.‬

                    ‮||‬*‮||‬‮ ‬خطايا‮ ‬‮||‬*‮||‬‮ ‬
من المشهد الأول‮ ‬يعيدنا المخرج فينش الى مطلع السبعينات عن طريق أغنية من تلك الفترة،‮ ‬لكن الأمر‮ ‬يتطلّب بالطبع أكثر من أغنية‮. ‬هناك كل شيء آخر من تصميم الملابس الى تصميم المناظر ومن العناية بالسلوك العام وكيف كان المرء‮ ‬يتصرّف وماذا كان‮ ‬يقول وكيف الى الأجواء والديكورات‮. ‬لكن في‮ ‬الصميم طبعاً‮ ‬هناك طريقة الإخراج‮: ‬من‮ ‬ينتظر من ديفيد فينشر تخويفه على النحو الذي‮ ‬فعله في‮ ‬فيلمه المشهور الأول‮ »‬سبعة‮« ‬عليه أن‮ ‬ينزع هذه الفكرة عن باله إذا ما اختار مشاهدة هذا الفيلم‮: ‬عوض الصدمات هناك المشاهد التي‮ ‬تُقرأ فنياً‮ ‬وموضوعياً‮. ‬عوض المطاردات الكبيرة،‮ ‬هناك الصياغة الهادئة‮. ‬العنف بلا عنف والتشويق بلا إثارة‮.‬
عوض البطل الطائر في‮ ‬الأجواء،‮ ‬هناك البطل المنتمي‮ ‬الى قاع المدينة‮. »‬زودياك‮« ‬كما كان‮ »‬سبعة‮« ‬من قبله عن التحرّي‮ ‬الآتي‮ ‬مما كان‮ ‬يُعرف آنذاك بـ‮ »‬الطبقة العاملة‮«. ‬وفي‮ ‬صلب الملاحظات المصوّرة في‮ ‬فيلميه سؤال حول تلاشي‮ ‬البؤر الضوئية من العالم وظلمة الآمال بدل بصيصها الصغير‮.‬
أنت مع العائلة في‮ »‬سبعة‮«: ‬مورغان فريمان تحرٍ‮  ‬آيل الى التقاعد‮ ‬يعيش منفرداً‮ ‬في‮ ‬شقّة صغيرة كئيبة تعكس عالمه الصغير‮. ‬في‮ ‬العالم الكبير حوله ذات الكآبة‮. ‬بعضها معكوس بشقّة صغيرة أخرى بقطنها زميله الشاب براد بت مع زوجته‮. ‬كلّما مر قطار بالقرب من المكان اهتز البيت هزّاً‮. ‬الجرائم التي‮ ‬يرتكبها القاتل المتسلسل في‮ ‬ذلك الفيلم هي‮ ‬أيضاً‮ ‬ذات رسالة عن العائلة او فقدانها‮: ‬يريد ارتكاب سبع جرائم كل منها منتمٍ‮ ‬الى واحدة من الخطايا السبع كما وردت أنجيلياً‮. ‬هدفه التذكير بأننا نعيش عالماً‮ ‬من الخطايا من الأكل بلا شبع الى الطمع الى الشهوة وسواها‮. ‬حين‮ ‬يُلقى القبض عليه‮ (‬كما أدّاه كَڤن سبايسي‮) ‬يقول للتحريين‮: »‬أنطرا حولكما‮... ‬عند كل زاوية طريق هناك خطيئة تُرتكب‮«.‬

                    ‮||‬*‮||‬‮ ‬من دون دعايات‮ ‬‮||‬*‮||‬‮ ‬
العائلة أيضاً‮ ‬في‮ »‬غرفة الفزع‮«: ‬تلك العلاقة الحميمة بين الأم‮ (‬جودي‮ ‬فوستر‮) ‬وإبنتها‮ (‬كرستن ستيوارت‮) ‬تتبع إنفصال الأم عن الزوج‮. ‬ومداهمة البيت الذي‮ ‬ظنّته الأم ممتنعاً‮ ‬عن المداهمة،‮ ‬ثم الغرفة الصغيرة المحصّنة التي‮ ‬أعتقدت أنها الملاذ الآمن هي‮ ‬خروقات الوضع الذي‮ ‬آل إليه المجتمع للعائلة والخطر الذي‮ ‬يتمثّل في‮ ‬الرجل القوي‮ ‬على المرأة الضعيفة‮ (‬الا من ذكائها كما في‮ ‬الفيلم‮).‬
‮»‬زودياك‮« ‬هو أيضاً‮ ‬عن المسألة العائلية‮. ‬لجانب أن التحرّي‮ ‬هو أيضاً‮ »‬طبقة عاملة‮« ‬فإن الكرتوني‮ ‬الذي‮ ‬يؤديه جيك جيلنهال هو معبّر آخر عن وضع عائلي‮. ‬ومع أن الصحافي‮ ‬الذي‮ ‬يمثّله روبرت داوني‮ ‬جونيور ليس متزوّجاً،‮ ‬لكن الثلاثة هم ضحايا الجريمة التي‮ ‬تُمارس على المجتمع والأبرياء ورغبة كل منهم البدء بالعالم لتغييره قبل أن‮ ‬يغيّر نفسه‮. ‬ربما القول بأن على المرء أن‮ ‬يُغيّر وضعه كشرط لكي‮ ‬يتغيّر العالم بأسره ما عاد كافياً‮ ‬لإحداث أي‮ ‬تغيير‮. ‬انظر البيئة الطبيعية التي‮ ‬نعيش‮. ‬هل صار كافياً‮ ‬اليوم أن تستبدل السيارة بالدراجة حفاظاً‮ ‬على البيئة لكي‮ ‬تنقذ البيئة؟‮ ‬
الأمر الآخر الملاحظ في‮ »‬زودياك‮« ‬هو التالي‮:‬
هذا فيلم خال من الفبركة البصرية‮. ‬لا أقصد فقط تقنيات الكومبيوتر،‮ ‬بل أساساً‮ ‬أي‮ ‬منحى‮ ‬يذكّرك بأن المخرج‮ ‬يجد لزاما عليه إستخدام الخمسين مليون دولار لصنع الفيلم لكي‮ ‬يسرق البصر ويخطف النظر ببعض الألاعيب السريعة‮. ‬ما تراه على الشاشة في‮ ‬أفلامه هو الحياة‮. ‬الجدار المتآكل والمليء رسوماً‮ ‬وكتابات في‮ »‬سبعة‮« ‬و»نادي‮ ‬القتال‮« (‬مع براد بت أيضاً‮) ‬هو قراءة في‮ ‬العالم الذي‮ ‬رصف تلك الرسومات‮. ‬إنه كما لو كان التعليق المبتسر عن حال العالم‮. ‬لا داعي،‮ ‬وهذا درس لنا جميعاً،‮ ‬لإدخال نصف حبكة او حشر شخصية تتحدّث عما آل إليه حال العالم‮. ‬هذا هو حال العالم في‮ »‬خربشات‮« ‬جدارية‮. ‬الإضاءة الخافتة في‮ ‬الشقق الوضيعة‮. ‬الكلام الذي‮ ‬يتبادله الناس‮. ‬الغبار،‮ ‬الروائح،‮ ‬المشاغل التي‮ ‬في‮ ‬البال،‮ ‬كلها تقول أشياءاً‮ ‬من دون دعايات‮.‬
هذا جدير بالإهتمام لأن فينشر خرّيج مصنع‮ »‬أندستريال لايت أند ماجيك‮« ‬الذي‮ ‬أسسه المخرج جورج لوكاس‮ (»‬حرب النجوم‮«) ‬وكان‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يذهب بفكره الى الإشتراك في‮ ‬تفضيل التقنيات البصرية على الجوهر،‮ ‬لكنه لم‮ ‬يفعل‮. ‬اشتغل في‮ ‬الإعلانات لكنه حين عمد الى إخراج الأفلام الروائية استبعد تماماً‮ ‬إمكانية استخدام اللقطة الخاطفة‮. ‬الوهج‮. ‬السرعة وكل ما‮ ‬يأتي‮ ‬عادة مع مثل هذا النوع من التفيلم



                    ‮||‬*‮||‬‮ ‬أيديولوجية‮ ‬‮||‬*‮||‬‮ ‬ 
فيلم ديفيد فينشر الكبير الأول كان‮ »‬غريب ‮٣« ‬وفيه دخل صراعاً‮ ‬كبيراً‮ ‬مع الشركة المموّلة التي‮ ‬رفضت نسخته الأولى من السيناريو على أساس أنها داكنة‮. ‬عبثاً‮ ‬حاول فينشر إقناع فوكس بأن السلسلة الخيالية العلمية هي‮ ‬في‮ ‬الأصل داكنة،‮ ‬لكن الشركة قالت له أن هذه الحقيقة هي‮ ‬ذاتها السبب التي‮ ‬تدعوها للإصرار على موقفها‮. ‬النتيجة فيلم جيّد في‮ ‬عدة نواحي‮ ‬لكنه ليس جيّداً‮ ‬بالمطلق فلقد احتوى على أجواء جيّدة تنقذ الفيلم من الهبوط‮. ‬تصميم المناظر خاصّة جداً‮. ‬تبقى عالقة في‮ ‬البال وتمنح الفيلم جواً‮ ‬سوداوياً‮ ‬والكاميرا تتفحّص المكان‮. ‬وحين تقع المفاجأة فيخرج الوحش الفضائي‮ ‬ليبتلع أحد البشر فإن المداهمة قويّة وناجحة‮.‬
واصل فينشر منحاه في‮ »‬سبعة‮« ‬كما تقدّم‮. ‬صنع‮ »‬الفيلم نوار‮« ‬الذي‮ ‬يريد‮. ‬غامق‮. ‬داكن في‮ ‬المكان وفي‮ ‬الشخصية وفي‮ ‬العالم بأسره‮. »‬سبعة‮« ‬وراء ذلك القناع كفيلم تشويقي‮ ‬فيه لحظات رعب كثيرة‮ (‬كما‮ »‬غريب ‮٣«) ‬هو أيضاً‮ ‬فيلم‮ ‬يعبّر عن أيديولوجية‮ ‬يصفها المخرج نفسه بـ‮ »‬التقدّمية‮« ‬وتنص على رفض الواقع وتصر على تحليل العنف بحثاً‮ ‬عن عالم أفضل ربما تأخر الإنسان الحالي‮ ‬في‮ ‬توفير شروطه‮.‬
هذه‮ »‬الأيديولوجية‮« ‬متوفّرة في‮ »‬نادي‮ ‬القتال‮« (٩٩٩١). ‬إنه أيضاً‮ ‬عن عالم داكن وصفحات نفسية منطوية تحاول سبر‮ ‬غور حياتها الضيّقة بالعنف‮. ‬أفلام فينشر معادية للعنف ولا‮ ‬يهم كيف‮. ‬معادية للعنف كما كانت أفلام سام بكنباه التي‮ ‬كانت أحياناً‮ ‬ما تبدو سادية من كثرة عنفها‮. ‬لكن باكنباه كان‮ ‬يوظّف العنف ليقول أشياءاً‮ ‬من نوع‮: »‬هذا هو العالم الذي‮ ‬نعيش فيه وهو عالم مكروه‮«.‬
ما بين‮ »‬سبعة‮« ‬و»نادي‮ ‬القتال‮« ‬كان هناك فيلم ثالث هو‮ »‬اللعبة‮« (٧٩٩١) ‬وهو تشويقي‮ ‬أيضاً‮ ‬أدّى فيه مايكل دوغلاس شخصية رجل ورث الثروة لكن ذلك لم‮ ‬يمنحه الطمأنينة‮. ‬والده مات منتحراً‮ ‬والبطل لا‮ ‬يزال تحت الصدمة‮ ‬يحاول أن‮ ‬يفهم ما‮ ‬يدور‮. ‬حين‮ ‬يبلغ‮ ‬عمره أربعين سنة،‮ ‬يتم إهداءه لعبة حياة‮. ‬يقول له شقيقه‮ (‬شون بن‮) ‬أن هذه اللعبة ستجعله قادراً‮ ‬على نسيان همومه‮. ‬فجأة هو عالق في‮ ‬لعبة خطرة وواقعية لا‮ ‬يفهم شروطها‮. ‬واختيار فينشر لإبقاء شروطها خفية‮ ‬يجعلنا نحن أيضاً‮ ‬شركاء فيها‮. ‬بالضرورة،‮ »‬اللعبة‮« ‬من أمهر الأفلام التشويقية منذ خروجه والى اليوم‮.‬
‮»‬غرفة الفزع‮« ‬ورد بعد‮ »‬نادي‮ ‬القتال‮« ‬واحتوى على توضيبة تشويقية خاصّة‮. ‬إنه،‮ ‬قبل كل شيء،‮ ‬الدليل أن فينشر‮ ‬يستخدم نوع السينما التشويقية ليقول أشياءاً‮ ‬عن الحياة التي‮ ‬نعيشها‮. ‬وكما سبق القول،‮ ‬واحد من هذه الأشياد هو المستوى الممارس من العلاقات العائلية‮. ‬المرأة كضحية والرجل كمعتدي‮ ‬والزوج الغائب تاركاً‮ ‬المرأة وحدها في‮ ‬معركة لا تستطيع أن تيستخدم فيها سلاحاً‮ ‬حقيقياً‮.‬
أبطال فينشر‮ ‬يأتون من أكثر من مكان‮. ‬إقتصادياً‮ ‬هم مرتاحون او فقراء‮. ‬المرتاحون‮ ‬يعتقدون دوماً‮ ‬أنهم في‮ ‬أمان‮. ‬الفقراء‮ ‬يفتقدون الأمان ويعلمون ذلك‮. ‬في‮ »‬زودياك‮« ‬مثلاً‮ ‬نجد أن بعض الشخصيات لا تود الإنخراط أكثر مما فعلت خوفاً‮ ‬من أن تخسر موقعها الأخير في‮ ‬الحياة‮. ‬وأحدهم‮ (‬الصحافي‮ ‬روبرت داوني‮) ‬يفضّل أن‮ ‬يستقبل من الصحيفة وينزوي‮ ‬في‮ ‬مكان بعيد على أن‮ ‬يبقى قريباً‮ ‬من نار قد تحرقه‮. ‬وهي‮ ‬تحرق من بقي‮ ‬باحثاً‮ ‬عن الحقيقة وتحديداً‮ ‬التحري‮ ‬غرايسميث‮ (‬ماركروفالو‮) ‬والرسام الكرتوني‮ (‬جيك جيلنهال‮). ‬لكن كل ذلك على نحو‮ ‬غير مباشر‮. ‬في‮ ‬أفلام هذا المخرج لا ضرورة للمباشرة بل الضرورة هي‮ ‬لإتمام عملية تشريح حالة ومن ورائها تشريح الإنسان‮.‬


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2010٠

0 comments: