ISSUE 21| Ingmar Bergman's SARABAND.

FLASHBACK


لقطة ليد أورسن وَلز وقد فلتت منها الكرة في المشهد
النهائي حين يتفوّه ولز قبل موته بكلمة واحدة هي
Rosebud
تاركاً لغزها ليشغل المشاهدين الى اليوم٠ هذا من فيلم
Citizen Kane (1941) *****
تصوير كريغ تولاند وموسيقا برنارد هرمان. المونتاج
لروبرت وايز الذي أضحى مخرجاً بدوره


فيلم اليوم | آخر برغمَن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Saraband ****


حين خرج »ساراباند« لبعض العروض السينمائية، لم يلق اكتراثاً كبيراً بين النقاد ربما على أساس أنه فيلم تلفزيوني، رغم أن النسخة نُقّحت للشاشة الكبيرة ورغم أن الفيلم كان يستحق نظرة أعمق متخلّصة من المفاهيم المسبقة. في نهاية المطاف هو فيلم للمخرج الكبير أنغمر برغمن، وهو فيلمه الأخير٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقد: محمد رُضا

باشر إنغمار برغمان بتصوير هذا الفيلم كعمل تلفزيوني‮ ‬في‮ ‬العام ‮٣٠٠٢ ‬وانتهى منه في‮ ‬العام ‮٤٠٠٢ ‬حيث عُرض على الشاشة الصغيرة في‮ ‬السويد ثم في‮ ‬عدد من الدول الاسكندنافية‮. ‬مهرجان‮ »‬كان‮« ‬طلب الفيلم للإشتراك خارج المسابقة لكن برغمان رفض‮. ‬ومهرجان فانيسيا حاول جهده بعد ذلك،‮ ‬لكن الرد كان واحداً‮. ‬حين أتصلتْ‮ ‬الممثلة الفرنسية جين مورو بالمخرج واقترحت عليه عرضاً‮ ‬تجارياً‮ ‬في‮ ‬باريس استجاب شرط أن تتمتع الصالة او الصالات العارضة بنظام دجيتال عالي‮ ‬الكفاءة‮. ‬فالمخرج صوّر هذا الفيلم بكاميرا دجيتال وكان‮ ‬يريد أن‮ ‬يتأكد من صلاحية الشاشة التي‮ ‬تعرضه‮. ‬قد‮ ‬يكون هذا الحرص سبباً‮ ‬لامتناع برغمان عرض فيلمه في‮ ‬المهرجانين المذكورين او قد لا‮ ‬يكون،‮ ‬لكن الفيلم في‮ ‬واقعه لا‮ ‬يقل إجادة عن أي‮ ‬من أعمال برغمان‮ (٦٨ ‬سنة‮) ‬الأفضل في‮ ‬تاريخه الطويل‮.‬
يبدأ الفيلم بماريان‮ (ليف ‬أولمان‮) ‬تستعرض صوراً‮ ‬فوتوغرافية من الماضي‮ ‬فرشتها على طاولة عريضة‮. ‬تلتقط بعض هذه الصور وتتحدث عنها‮. ‬إنها تتكلم مباشرة الى الكاميرا‮. ‬وفي‮ ‬المشهد الذي‮ ‬يستمر نحو دقيقتين ونصف،‮ ‬حركتا زوم إن هما الوحيدتان في‮ ‬الفيلم كله‮. ‬ليس أن برغمان متأثر بالمنهج التلفزيوني‮ ‬لدرجة إنه لا‮ ‬يستطيع كبح جماح الرغبة في‮ ‬إستخدامها في‮ ‬الفيلم،‮ ‬والا لاستخدم الحركة لاحقاً،‮ ‬بل أن مخاطبة الكاميرا واستخدام الزوم‮- ‬إن هما في‮ ‬إطار أسلوب البحث الريبورتاجي‮. ‬ماريان تتحدث عن ماضيها مع مطلّقها الذي‮ ‬لم تلتق به منذ ثلاثين سنة‮. ‬ماريان تدعونا الى الإنتقال الى صلب الموضوع‮. ‬الى عشرة أجزاء تبدو كما لو أن كل منها لعبة مكملة لمسرحية حياتية كبيرة‮. ‬او حركة من حركات السيمفونية‮. ‬كل جزء‮/ ‬حركة لها عنوان مستقل‮.‬
يبدأ الفيلم بعنوان‮ »‬ماريان تنفّذ خطتها‮«. ‬ماريان تدخل من الباب الخارجي‮ ‬الى‮ ‬غرفة استقبال‮ ‬بيت ريفي‮ ‬منعزل‭ ‬‮(‬لا نراه من الخارج لكننا نعرف ذلك من الحوار لاحقاً‮). ‬هناك سلم‮ ‬يصعد الى‮ ‬غرفة عليا‮. ‬تبدأ بالصعود اليه بعد أن نادت‮ »‬يوهان‮«. ‬بعد خطوتين او ثلاثة‮ ‬ينغلق باب بفعل تيار هواء‮. ‬تتراجع وتنزل الدرجات الى‮ ‬غرفة الصالون‮. ‬بعد قليل باب آخر‮ ‬ينغلق‮. ‬تصبح وحدها كما لو أنها تعيش فانتازيا‮. ‬لكن بعد قليل تشاهد‮ ‬يوهان‮ (‬ارلاند جوزفسون‮) ‬جالساً‮ ‬على كرسي‮ ‬في‮ ‬شرفته نائماً‮. ‬تنظر الى الكاميرا وتحصى دقيقة قبل خروجها‮ (‬في‮ ‬زمن العرض هي‮ ‬أقل من ذلك‮) ‬ثم تخرج وتوقظه‮. ‬يحييها مرحّباً‮ ‬لكنه متسائلاً‮ ‬ما الذي‮ ‬دفعها للمجيء‮. ‬هناك استذكار لماضيهما وسؤال عما حل بإبنتيه‮ (‬واحدة تزوّجت وانتقلت الى استراليا والثانية منقطعة عن العالم بأسره بعدما فقدت عقلها‮). ‬يتحدّثان عن إبنه‮ (‬من زواج آخر‮) ‬وعن حفيدته كارين‮. ‬
بعد ذلك‮ ‬ينتقل الفيلم الى لقاءات متفرّقة تتكرر حسب الحاجة إليها،‮ ‬لكنك لن تر مشهداً‮/ ‬جزءا واحداً‮ ‬يجمع أكثر من شخصيتين معاً‮: ‬ماريان ويوهان،‮ ‬ماريان مع حفيدة‮ ‬يوهان وأسمها كارين‮ (‬دلڤونيوس‮). ‬كارين مع والدها هنريك‮ (‬بورجي ألستد‮) ‬يوهان مع حفيدته كارين‮. ‬هنريك مع والده‮. ‬هنريك وماريان‮.‬
والحديث المتبادل بحث برغماني‮ ‬نموذجي‮ ‬في‮ ‬الذات الفردية وتأثيرها في‮ ‬ذات الآخر‮. ‬الحب والموت وأشباح الحياة والرغبة في‮ ‬الإنعتاق والخوف من الوحدة والغوص في‮ ‬الذاكرة من زاوية كيف كنا وأين أصبحنا‮. ‬قبل أن‮ ‬ينتهي‮ ‬كل ذلك في‮ ‬خاتمة هي‮ ‬إعادة لمشهد الإفتتاحية‮ (‬نفس المكان،‮ ‬غير ألوان النهار‮) ‬مع ماريان لا زالت تجلس وصورها السوداء‮/ ‬البيضاء‮ (‬لاحظ‮) ‬تتحدّث عما حدث بعد عودتها‮. ‬نهاية الرحلة‮.‬


أحد المشاكل القليلة،‮ ‬وربما الهامشية،‮ ‬الكامنة في‮ ‬صلب العمل أنه إذ‮ ‬ينطلق كما لو كان تكملة لفيلم برغمان السابق‮ »‬مشاهد من زواج‮« ‬
Scenes From A Marriage
‮ (‬1973‮) ‬الذي‮ ‬دار حول ماريان ويوهان كزوجين‮ ‬يعانيان مشاكل حادة‮. ‬ماريان في‮ ‬ذلك الفيلم كانت ليڤ أولمان‮. ‬يوهان كان جوزفسون‮. ‬أسماء الشخصيات ذاتها‮. ‬لكنه بذلك‮ ‬يخلط بعض الأوراق بحيث‮ ‬يصبح من الصعب عدم تخطئة قرارات المخرج‮. ‬إذ تبدأ قصة‮ »‬ساراباند‮« ‬بعد ‮٠٣ ‬سنة على إنتهاء قصة‮ »‬مشاهد من زواج‮« ‬ومع نفس شخصيّتيها الرئيسيّتين‮. ‬ماريان في‮ ‬ذلك الفيلم كانت في‮ ‬الخامسة والثلاثين‮ ‬من العمر ويوهان كان في‮ ‬الثانية والأربعين‮. ‬في‮ ‬الفيلم الحالي‮ ‬أصبحا على تفاوت أكبر فهي‮ ‬مقدّمة على أنها في‮ ‬الثالثة والستين،‮ ‬أي‮ ‬أقل بسنتين مما‮ ‬يجب،‮ ‬وهو أصبح في‮ ‬السادسة والثمانين اي‮ ‬أكبر بأربعة عشر سنة مما‮ ‬يجب‮. ‬
جواب برغمان على هذه الناحية هو أن الفيلم الحالي‮ ‬ليس تكملة للأول‮. ‬هذا على الرغم من كل معطياته التي‮ ‬تُفيد إنه كذلك‮. ‬وجواب المخرج عوض أن‮ ‬يحسم الموقف خلق جدالاً‮ ‬قائماً‮ ‬على هذه الناحية‮. ‬بما أن برغمان لا‮ ‬يمكن له أن‮ ‬يكون وقع في‮ ‬الخطأ سهواً،‮ ‬فإنه من المحتمل أن‮ »‬ساراباند‮« ‬هو‮ »‬مشاهد من زواج‮« ‬وليس‮ »‬مشاهد من زواج‮« ‬في‮ ‬ذات الوقت‮. ‬في‮ ‬ظاهره تكملة وفي‮ ‬عمقه فيلم مستقل‮.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‮ "‬الفيلم برغماني‮ ‬على النحو المعتاد
حيث الحديث‮ ‬
هو مرتع
للذكريات ومفتاح لصدر‮ ‬ينوء بما‮ ‬

يحمله من آلام‮"‬

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باكراً‮ ‬في‮ ‬الفيلم،‮ ‬هناك قرار مدروس من المخرج بعدم صلاحية‮ ‬منهج الريبورتاج‮ ‬كوسيلة إستمرار او عرض‮. ‬لكن،‮ ‬والحال هكذا،‮ ‬لماذا الإقدام عليه إذاً؟‮ ‬يقع هذا القرار حين تلتفت ماريان الى الكاميرا،‮ ‬قبيل دخولها عالم‮ ‬يوهان من جديد‮ (‬موقظة إياه من نومه‮) ‬وتقول وهي‮ ‬تنظر الى الكاميرا‮:‬‭ ‬‮»‬هذا كان خطأ‮«. ‬من هنا تختلف المعالجة ويتحوّل الفيلم من تسجيل في‮ ‬صيغة إعترافات الى مواكبة حياة على النحو المعتاد‮. ‬الكاميرا‮ (‬داخل الفيلم‮) ‬أمام الكاميرا‮ (‬خارجه‮) ‬تم إلغاؤها‮. ‬من هذه اللحظة‮ ‬المشاهد العشرة التالية‮ (‬ثم خاتمة نعود بها الى ماريان وطاولتها من الذكريات‮) ‬هي‮ ‬برغمانية على النحو المألوف بالنسبة إليه،‮ ‬حيث الحديث هو مرتع للذكريات ومفتاح لصدر‮ ‬ينوء بما‮ ‬يحمله من آلام‮. ‬وحيث المشاهد مرتاحة لكنها‮ ‬غير طويلة‮ ‬ولا مبتسرة على الإطلاق‮ (‬هناك نسخة أصلية من‮ ‬132‮ ‬دقيقة نعتقدها التي‮ ‬عرضت على الشاشة الصغيرة في‮ ‬الدول الإسكندناڤية‮) ‬تمعن النظر الى الوجوه والأيدي‮ ‬وتصرفاتها‮. ‬في‮ ‬هذه المشاهد نتعرّف على أي‮ ‬نوع من الحياة‮ ‬يعيشها‮ ‬يوهان وفي‮ ‬وسط‮ ‬أي‮ ‬علاقات شخصية وعاطفية ونفسية‮. ‬إبنه هرنيك‮ (‬ألستد‮) ‬الذي‮ ‬يعيش أرملاً‮ ‬بعد موت زوجته،‮ ‬تربطه بإبنته الشابة كارين‮ (جوليا ‬دلڤونيوس‮) ‬علاقة‮ ‬استحواذ تلامس الممنوع الجنسي‮. ‬رجل منح نفسه الحق في‮ ‬أن‮ ‬يسبر قلب إبنته ليس كأب بل كعاشق ما أثار،‮ ‬كما‮ ‬يفصح مشهد آخر،‮ ‬حفيظة زوجته الثانية‮ ‬آنا‮ (‬التي‮ ‬لا نراها الا في‮ ‬صورة بيضاء‮- ‬سوداء أيضاً‮ ‬ونسمع عنها كثيراً‮) ‬فكتبت إليه تحذّره من مغبّة تصرفاته وذلك قبل وفاتها‮. ‬الفيلم بأسره‮ ‬يقع في‮ ‬نطاق رحلة ماريان الى عالم تبلور بعيداً‮ ‬عنها وتكتشفه‮ -‬على حقيقته‮- ‬لأول مرة،‮ ‬وفي‮ ‬نطاق العلاقة التي‮ ‬تربط الشخصيات التي‮ ‬ترحل إليها‮: ‬الأب بإبنه،‮ ‬الإبن بإبنته‮. ‬وماريان هي‮ ‬المرآة التي‮ ‬يقف كل منهم أمامها عارياً‮ (‬هنريك وإبنته كارين بالمعنى الرمزي‮ ‬ويوهان بالمعنيين الرمزي‮ ‬والمادي‮) ‬ليتطلع،‮ ‬ليبوح وليكشف نفسه‮. ‬
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‮ "‬برغمان لا‮ ‬يزال على براعته في‮ ‬توظيف اللقطات
كما لو كانت أعيناً‮ ‬ممعنة بحد ذاتها مصرّة على‮ ‬
إلتقاط الخلجات والإيحاءات جميعاً‮"‬
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في‮ ‬لب الموضوع علاقة‮ ‬يوهان المريعة بإبنه‮ (‬الأول في‮ ‬شتاء العمر والثاني‮ ‬في‮ ‬خريفه‮) ‬وعلاقة الإبن هنريك المريعة بنفسه وبإبنته‮. ‬في‮ ‬مشهد‮ ‬يفتح الباب على كل هذه الخلفية،‮ ‬نرى هنريك‮ (‬الذي‮ ‬يعيش في‮ ‬منزل منفرد‮) ‬يدخل على والده المشغول بتدوين بعض الشعر في‮ ‬مكتبته العامرة بنفائس قديمة،‮ ‬ويطلب منه ديناً‮ ‬يمكّنه من شراء آلة ڤولونسيل لإبنته‮. ‬خططه لها أن تشترك معه في‮ ‬الأوركسترا التي‮ ‬سيؤلّفها ويقودها‮. ‬خطتها هي‮ ‬أن تنفصل عن أبيها وتركه،‮ ‬وهي‮ ‬خطّة‮ ‬يحاربها إذ،‮ ‬وكما‮ ‬يقول لها،‮ ‬لن‮ ‬يدعها تغادره‮. ‬في‮ ‬مشهد الوحيد الجامع بين الأب وإبنه‮ ‬يوضح كل منهما إزدرائه للآخر‮. ‬الإبن‮ ‬يخشى أن‮ ‬يهينه أبيه وهذا ما‮ ‬يتلقاه منه تحديداً‮. ‬لكن نظرات الإبن لأبيه كاشفة عن كره حتى حين‮ ‬يسأل والده‮: ‮.»‬أخبرني،‮ ‬ما الذي‮ ‬يجعلك تكرهني؟‮«. ‬في‮ ‬رد الأب حادثة في‮ ‬الذاكرة حين كاشف هنريك،‮ ‬الذي‮ ‬كان لا‮ ‬يزال مراهقاً،‮ ‬لأبيه إنه‮ ‬يكرهه‮.


‬ارلاند جوزفسون يتلقى عطفاً من ليڤ أولمن في :ساراباند

‬على الرغم من أن برغمان لا‮ ‬يمضي‮ ‬بعيداً‮ ‬في‮ ‬تحليل الأسباب‮ (‬ربما فعل ذلك في‮ ‬النسخة الأطول‮) ‬الا أن المشهد‮ ‬يمضي‮ ‬مشحوناً‮ ‬لآخر قطرة منه بعلاقة متردية الى الحضيض‮. ‬وكل واحد منهما‮ ‬يدفعها الى أبعد ما‮ ‬يستطيع‮. ‬في‮ ‬مشهد وحيد آخر‮ ‬يقع بين هنريك وماريان‮ ‬يسألها الأول عن سبب زيارتها ثم‮ ‬يبوح لها بأنه‮ ‬يكره هذا العجوز الذي‮ ‬لم‮ ‬يمت بعد‮. ‬لاحقاً‮ ‬حين‮ ‬يقدم هنريك على الإنتحار‮ (‬في‮ ‬مشهد مسموع وليس منظور‮) ‬ينفعل الأب وقد علم أنه تم نقل هنريك الى المستشفى ولم‮ ‬يمت‮: »‬هذا الأحمق‮ ‬يفشل في‮ ‬كل شيء بما في‮ ‬ذلك أن‮ ‬يموت‮«. ‬ماريان هنا تستنكر الموقف‮. ‬وفي‮ ‬غضون الفيلم وفي‮ ‬نسيجه ماريان وكارين،‮ ‬ولا تنسى‮ »‬آن‮« ‬التي‮ ‬لا نراها حية،‮ ‬هن عاقلات الفيلم‮. ‬العاطفة الحقّة‮. ‬الإدراك للأبعد‮. ‬الضحايا الأقرب‮. ‬الفيلم من هذه الناحية نسائي‮ (‬وعذراً‮ ‬لبرغمان من التشبيه‮) ‬أكثر بمليون سنة ضوئية من أي‮ ‬فيلم أخرجته إيناس الدغيدي‮ ‬مثلاً‮. ‬رجلاه،‮ ‬الأب الكبير وإبنه الذي‮ ‬يصفه‮ ‬يوهان بالأحمق والبدين وخنوع،‮ ‬هما القاصران واللذان‮ ‬يخفقا النظر الى البعيد‮.‬
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٠ " مشهد حزين للغاية تعيشه ماريان
ثلاث مرات في الفيلم. لكنها إذ تبحث في
حياة الآخرين، كانت توقّفت عن الحبث في
حياتها الخاصّة"٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك خمس مناسبات فقط‮ ‬يخرج فيها الفيلم من المنزل،‮ ‬هذا عدا التمهيد والختام المصوّران أيضاً‮ ‬داخلياً‮. ‬الأولى حين تجلس ماريان ويوهان على الشرفة‮. ‬الثانية حين تلتقط الكاميرا في‮ ‬تتابع سريع مشاهد لمحيط البيت في‮ ‬ربوع الطبيعة‮. ‬الثالثة حين تركض كارين في‮ ‬الغابة هاربة من أبيها‮ (‬قبل العودة الى البيت وقبل مغادرته له فيما بعد‮) ‬والرابعة‮ ‬حين تدخل ماريان على هنريك‮ ‬وهو‮ ‬يعزف داخل كنيسة‮ ‬مهجورة من سواهما،‮ ‬والخامسة حين تدخل ماريان على إبنتها المجنونة في‮ ‬فلاش‮- ‬باك‮. ‬الإبنة تعيش في‮ ‬عالم ما تحت نظارتيها الداكنتين‮. ‬لا تنفعل لوجود أمها او حديثها إليها الا حين تمد ماريان‮ ‬يدها وتخلع النظارة عن عيني‮ ‬الإبنة‮. ‬ترجف تلك لكنها تبقى مسحوبة الى أعماقها الغريبة‮. ‬مشهد حزين للغاية تعيشه ماريان ثلاث مرّات في‮ ‬الفيلم‮ (‬تذكره في‮ ‬المقدّمة ثم الى‮ ‬يوهان قبل أن نراها مع إبنتها في‮ ‬هذا المشهد‮). ‬لكن ماريان إذ تبحث في‮ ‬حياة الآخرين، كانت توقفت عن البحث في‮ ‬حياتها الخاصة‮. ‬أما‮ ‬يوهان فلا‮ ‬يزال‮. ‬وهاهو في‮ ‬نهاية الفيلم‮ ‬يخلع ثيابه ويقف عارياَ‮ ‬طالباً‮ ‬من ماريان أن تفسح له مجالاً‮ ‬في‮ ‬سريرها الضيق‮. ‬ليس لممارسة الحب،‮ ‬بل رغبة منه في‮ ‬العودة الى أحضان الماضي‮. ‬لقد عرّته ماريان قبل أن‮ ‬يتعرّى‮. ‬أصبح أمامها الطفل الصغير الذي‮ ‬هو

ليڤ أولمن والمخرج برغمن

كل منهما‮ ‬يعطي‮ ‬ظهره الى الآخر وهذا آخر ما نراه من الفيلم قبل العودة الى الخاتمة‮.‬
برغمان لا‮ ‬يزال على براعته في‮ ‬توظيف اللقطات كما لو كانت أعيناً‮ ‬ممعنة بحد ذاتها مصرة على إلتقاط الخلجات والإيحاءات جميعاً‮ ‬ومصاحبة ما‮ ‬يصدر عن أصحابها من حركات وأفكار‮. ‬إنه لا‮ ‬يزال بارعاً‮ ‬في‮ ‬إدارة مجموعة من الممثلين لا‮ ‬يطلبون من أنفسهم سوى تأدية أعلى قدر ممكن من التجسيد من دون إنفصالهم عن المشهد الواحد كخامة،‮ ‬وعن الفيلم بأسره كعمل‮. ‬وهم‮ ‬يقدّمون ذلك التجسيد كأفضل ما‮ ‬يستطيع الممثل‮. ‬إنهم ما‮ ‬يؤدّونه كما لو أننا أمام الشخصيات من دون أي‮ ‬حواجز‮. ‬وخلال لقطات برغمان الطويلة التي‮ ‬لا‮ ‬يزعجها تقطيع المشهد الى لقطات عدّة تدرك أن أسلوبه ذاك‮ ‬يتيح للممثل الإنطلاق دون توقف بإنتظار أن‮ ‬يُعاد تركيب الكاميرا في‮ ‬زاوية أخرى للقطة مختلفة،‮ ‬بل هو‮ ‬يسترسل كما حاله على المسرح‮. ‬لذلك هناك طابعاً‮ ‬مسرحياً‮ ‬لا شك فيه لدى كل أفلام برغمان ولدى هذا الفيلم بالذات‮ ‬يكاد‮ ‬يصل الى حد الإفراط خصوصاً‮ ‬وأن الحوار طويل ومتواصل‮.‬
عنوان الفيلم مأخوذ عن إسم الرقصة اللاتينية التي‮ ‬وجدت طريقها الى أوروبا منذ بضع قرون واستهجنت لإيحاءاتها الجنسية‮ (‬المحكمة الأسبانية منعتها في‮ ‬القرن السابع عشر وبقيت ممنوعة لقرن آخر على الأرجح‮). ‬وطوال الفيلم نسمع باخ ونسمع ذكره بين الجميع باستثناء ماريان التي‮ ‬تعترف بأنها ليست خبيرة،‮ ‬لكنها تتذوّق‮. ‬إنها معظم الناس‮. ‬


CAST & CREDITS
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
SARABAND ****
............................................................
DIRECTOR: Ingmar Bergman
............................................................
CAST: Liv Ullman, Erland Josephson, Borje
Ahlstedt, Julia Duvenius, Gunnel Fred
............................................................
SCREENPLAY: Ingmar Bergman
............................................................
CINEMATOGRAPHERS: Stefan Eriksson, Jesper Holmstrom,
Per-Olof Lantto, Sofi Strindh, Raymond Wemmenlov.
............................................................
EDITORS: Sylvia Ingemarsson
............................................................
PRODUCTION NOTES:
PROD. COMPANY: Danmarks Radio/ Nordisk Film
& TV-Fond/ Network Movie Film- und
Fernsehproduktion/ NRK [Denmark/ Sweden-
2003].





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2009٠

1 comments:

Hldk said...

يعطيك العافية على المراجعات ومن أفلام كان سأتابع فيلم ترانتينو لأنه من المخرجين الرائعين بحق

وبانتاظر نقد فيلم حدث ذات مرة في الغرب
تقبل تحياتي واحترامي