SALLE A
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيلمان عن السجون: العربي يفكّر بحاله والأسباني بحال الجماعة
Un Prophet ****
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: جاك أوديار
أدوار أولى: طاهر رحيم، نيلز أرستروب، عادل بن
شريف، رضا طالب، جان- فيليب ريشي، هشام
يعقوبي٠
دراما سجون [عرب] | فرنسا/ ايطاليا (2009)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبي المخرج جاك أوديار في «نبي» ينجز ست سنوات حبس ويخرج من السجن في النهاية ليواجه الحياة "الحرّة" من جديد. إنه يوم بارد. ينظر الى يساره فيجد مجموعة من السيارات بإنتظاره. بعض من فيها يلوّح له محيياً. أمامه على مسافة جلست إمرأة هي أرملة صديقه وشريكه في عمليات إجرامية رياض وتحمل طفلها. يفضّل مالك (طاهر رحيم) التوجّه إليها. يسيران ويسألها متى موعد الأتوبيس. تقول في نصف ساعة. يسألها إذا كانت تريد أن تمشي فتقول نعم. وراءهما ثلاث سيّارات تتبعهما في لقطة واحدة (هما في المقدّمة والسيارات في مؤخرة المشهد). وفي وقت واحد، هو إما أمام حياة هانئة مع عائلة صغيرة جاهزة، وإما استمرار لحياة مهدورة تقوم على العنف والجريمة ترمز اليها تلك السيارات التي كانت بإنتظاره والتي تتعقّبه
ليس من الهيّن معرفة ما يخبأ المستقبل لمالك لكن الحياة في السجن علّمته أموراً لم يكن يعلمها وهو الذي دخل السجن لجريمة لا يصرّح الفيلم بماهيّتها. دخله بريئاً الى حد بعيد، لكنه سرعان ما أخذ يتعامل مع شروطه مضطراً في البداية ثم متعاوناً ومظهراً كل استعداد يتطلّبه الأمر لكي يبقى حيّاً، ثم لكي يطوّع السجن بأسره ليخدم نشاطاته٠
هذا خامس فيلم روائي طويل للمخرج أوديار في ستة عشر سنة بدءاً من العام 1994 عندما أخرج «أنظر كيف يسقط الرجال» ثم «بطل صنع نفسه» سنة 1996 وكلا العنوانين يصلحان لوصف مالك خصوصاً لناحية أنه شاب حاول أن يعيش في ظرف جديد عليه وأدرك سريعاً بأن هناك قوانين تسيطر على السجن لا علاقة لها بالحياة خارجه. شلل وجماعات ثم أفراد يحاول كل واحد منهم أن يبزّ الآخر وينتصر عليه في لعبة قاسية حتى ضمن المجموعة ذاتها. مالك، الذي لا يجيد شيئاً سوى المرور من بين الفجوات في الحياة يدرك أن عليه يفكر بنفسه أوّلاً وبمصلحته ثانياً وأن يستثمر هذه معرفته المرور بين الفجوات الإجتماعية ليبقي حيّاً وأن يستجيب لطلب عرّاب المكان، السجين الكورسيكي لوشياني (نيلز أرستروب) الذي يريد تشغيله قاتلاً (داخل السجن اولاً ثم خارجه) اذا ما أراد البقاء حيّاً. مرّة واحدة حاول الخروج عن تعليماته: طلب منه لوشياني قتل عربي أسمه رياب (كان هذا راوده عن نفسه لكن مالك صدّّه) فحاول مالك الإستعانة بالحرس لكي يعرض مشكلته ويعفي نفسه من تلك الجريمة، فقط ليكتشف أن يد لوشياني واصلة الى من يريد الإستعانة بهم٠
يد لوشياني، المسجون لتهم قد تحمل جانباً سياسياً كونه يمثّل زعامة كورسيكية (وكورسيكا تحلم بالإستقلال عن فرنسا) واصلة الى خارج السجن أيضاً وهو يُتيح لمالك، بعدما أدرك أنه يستطيع الثقة به، الخروج لتنفيذ مهام لحسابه. فجأة بات مالك قادراً على مواصلة طريق الجريمة في المكان الذي كان من المفترض به أن يكون إصلاحية وعقاباً وإعادة نظر في الحياة٠
شريف، رضا طالب، جان- فيليب ريشي، هشام
يعقوبي٠
دراما سجون [عرب] | فرنسا/ ايطاليا (2009)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبي المخرج جاك أوديار في «نبي» ينجز ست سنوات حبس ويخرج من السجن في النهاية ليواجه الحياة "الحرّة" من جديد. إنه يوم بارد. ينظر الى يساره فيجد مجموعة من السيارات بإنتظاره. بعض من فيها يلوّح له محيياً. أمامه على مسافة جلست إمرأة هي أرملة صديقه وشريكه في عمليات إجرامية رياض وتحمل طفلها. يفضّل مالك (طاهر رحيم) التوجّه إليها. يسيران ويسألها متى موعد الأتوبيس. تقول في نصف ساعة. يسألها إذا كانت تريد أن تمشي فتقول نعم. وراءهما ثلاث سيّارات تتبعهما في لقطة واحدة (هما في المقدّمة والسيارات في مؤخرة المشهد). وفي وقت واحد، هو إما أمام حياة هانئة مع عائلة صغيرة جاهزة، وإما استمرار لحياة مهدورة تقوم على العنف والجريمة ترمز اليها تلك السيارات التي كانت بإنتظاره والتي تتعقّبه
ليس من الهيّن معرفة ما يخبأ المستقبل لمالك لكن الحياة في السجن علّمته أموراً لم يكن يعلمها وهو الذي دخل السجن لجريمة لا يصرّح الفيلم بماهيّتها. دخله بريئاً الى حد بعيد، لكنه سرعان ما أخذ يتعامل مع شروطه مضطراً في البداية ثم متعاوناً ومظهراً كل استعداد يتطلّبه الأمر لكي يبقى حيّاً، ثم لكي يطوّع السجن بأسره ليخدم نشاطاته٠
هذا خامس فيلم روائي طويل للمخرج أوديار في ستة عشر سنة بدءاً من العام 1994 عندما أخرج «أنظر كيف يسقط الرجال» ثم «بطل صنع نفسه» سنة 1996 وكلا العنوانين يصلحان لوصف مالك خصوصاً لناحية أنه شاب حاول أن يعيش في ظرف جديد عليه وأدرك سريعاً بأن هناك قوانين تسيطر على السجن لا علاقة لها بالحياة خارجه. شلل وجماعات ثم أفراد يحاول كل واحد منهم أن يبزّ الآخر وينتصر عليه في لعبة قاسية حتى ضمن المجموعة ذاتها. مالك، الذي لا يجيد شيئاً سوى المرور من بين الفجوات في الحياة يدرك أن عليه يفكر بنفسه أوّلاً وبمصلحته ثانياً وأن يستثمر هذه معرفته المرور بين الفجوات الإجتماعية ليبقي حيّاً وأن يستجيب لطلب عرّاب المكان، السجين الكورسيكي لوشياني (نيلز أرستروب) الذي يريد تشغيله قاتلاً (داخل السجن اولاً ثم خارجه) اذا ما أراد البقاء حيّاً. مرّة واحدة حاول الخروج عن تعليماته: طلب منه لوشياني قتل عربي أسمه رياب (كان هذا راوده عن نفسه لكن مالك صدّّه) فحاول مالك الإستعانة بالحرس لكي يعرض مشكلته ويعفي نفسه من تلك الجريمة، فقط ليكتشف أن يد لوشياني واصلة الى من يريد الإستعانة بهم٠
يد لوشياني، المسجون لتهم قد تحمل جانباً سياسياً كونه يمثّل زعامة كورسيكية (وكورسيكا تحلم بالإستقلال عن فرنسا) واصلة الى خارج السجن أيضاً وهو يُتيح لمالك، بعدما أدرك أنه يستطيع الثقة به، الخروج لتنفيذ مهام لحسابه. فجأة بات مالك قادراً على مواصلة طريق الجريمة في المكان الذي كان من المفترض به أن يكون إصلاحية وعقاباً وإعادة نظر في الحياة٠
الفيلم بلا ريب يستدعي طرح ما إذا كان السجن هو ذلك فعلاً. يعرض لجانب طرق الإصلاح المسدودة لكيف تمضي الحياة بين الأسوار. المسلمون الملتحون مجموعة، والكورسيكيون مجموعة أخرى. العنصرية. الوشاية. المصلحة الفردية العليا والخطر الذي يتربّص بكل من هو على شاكلة مالك. في هذا الإطار لا يختلف الفيلم كثيراً عن دراما سجون عديدة في أفلام سابقة. افلام السجون الأميركية حفلت بالملامح ذاتها، لكن أياً منها لم يسبق المخرج لتقديم هذا النسيج الواقعي المنتقل من يوم الى يوم بتفاصيل مضنية من دون أن يخسر هدفه، مبلوراً بطلاً هو دراسة لحالة إجتماعية وفردية قائمة. في باب التمييز أيضاً أسلوب العمل حيث الوداع للكاميرا الثابتة التي عادة ما تشكّل في أفلام السجون ركيزة النظرة المتأمّلة للوضوع. أوديار يمنح المشاهد القدرة على التأمل في الوقت الذي يُعايش فيه. زواج ليس سهلاً (وشخصياً لا أحبّذه) لكن أوديار يحققه بنجاح. مشاهده تسبح في "بانات" (استعراضات أفقية) و"تيلتات" (عمودية) ويستخدم اللقطات القريبة والقريبة المتوسّطة على نحو يخدم علاقة الممثلين بالأماكن الداخلية (وعلاقة الممثلين والأماكن عموماً بالمشاهد). هذا ليس جديداً تماماً، لكنه متجدد المنوال تحت دراية أوديار الذي انتهج منذ البداية سينما تشويقية هذا أكثرها اقتراباً من الملامح الإجتماعية والمخرج يرسمها حسّاً كما وحياً على نحو داكن حيث الألوان والإضاءة طبيعية وتتدرج بلا تنويعات كثيرة من أسود وأزرق وكحلي ورمادي٠
السيناريو ليس من كتابة المخرج في الأساس بل وضعه عبد الرؤوف دفري ونيكولا بيفويي وأتصوّر أن المخرج عالج السيناريو بدوره كون الفيلم لا يحمل تقنية التنفيذ من رؤية خارجة عن نطاق المخرج. بكلمات أخرى، لو لم يفصح الفيلم عن أسمي كاتبيه، لجاز الإعتقاد أن أوديار هو الذي ألّف الفيلم كتابة كما إخراجاً. لكن غياب حدود الفصل بين الأصل والإعادة جيّد من حيث أن المعايشة في فيلم تبلغ مدّته 155 دقيقة، تنم عن إدراك على مستويين: معرفة بعالم السجون وعالم العربي فيها، ومعرفة بكيفية توحيد أسلوب طرح يتناول وضعاً إجتماعياً داكناً ينتمي الى عالم قاس لا زلنا لا نراه بالعين المجرّدة، ووضعاً فردياً ضمن ذلك العالم٠
»نبي» بذلك ينتمي الى سلسلة من الأفلام التي تطرح وضع الجيل المولود في فرنسا من العرب في المجتمع الفرنسي. سلسلة أكاد أقول أن ماثيو كازوڤيتز استنبطها أوّلاً (لكني لم أشاهد كل ما خرج من السينما الفرنسية لكي أجزم) سنة 1996 حينما أخرج «الكره» مع سعيد تاجماوي وعبد الحمد غيلي في دورين رئيسيين.
السيناريو ليس من كتابة المخرج في الأساس بل وضعه عبد الرؤوف دفري ونيكولا بيفويي وأتصوّر أن المخرج عالج السيناريو بدوره كون الفيلم لا يحمل تقنية التنفيذ من رؤية خارجة عن نطاق المخرج. بكلمات أخرى، لو لم يفصح الفيلم عن أسمي كاتبيه، لجاز الإعتقاد أن أوديار هو الذي ألّف الفيلم كتابة كما إخراجاً. لكن غياب حدود الفصل بين الأصل والإعادة جيّد من حيث أن المعايشة في فيلم تبلغ مدّته 155 دقيقة، تنم عن إدراك على مستويين: معرفة بعالم السجون وعالم العربي فيها، ومعرفة بكيفية توحيد أسلوب طرح يتناول وضعاً إجتماعياً داكناً ينتمي الى عالم قاس لا زلنا لا نراه بالعين المجرّدة، ووضعاً فردياً ضمن ذلك العالم٠
»نبي» بذلك ينتمي الى سلسلة من الأفلام التي تطرح وضع الجيل المولود في فرنسا من العرب في المجتمع الفرنسي. سلسلة أكاد أقول أن ماثيو كازوڤيتز استنبطها أوّلاً (لكني لم أشاهد كل ما خرج من السينما الفرنسية لكي أجزم) سنة 1996 حينما أخرج «الكره» مع سعيد تاجماوي وعبد الحمد غيلي في دورين رئيسيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Cell 211 ***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: دانيال مونزون
أدوار أولى: كارلوس باردم، لويز توزار، مارتا إتورا، ألبرتو
أمّان، أنطونيو رينيس٠
دراما | سجون | أسبانيا/ فرنسا [2009]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: دانيال مونزون
أدوار أولى: كارلوس باردم، لويز توزار، مارتا إتورا، ألبرتو
أمّان، أنطونيو رينيس٠
دراما | سجون | أسبانيا/ فرنسا [2009]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزنزانة 211 هو فيلم سجون آخر يتعاطى والوضع الإجتماعي في حضيضه على اعتبار أن السجن هو المكان الذي تتجمّع فيه قمامة المجتمع البشري حيث يُتاح لهم خلق مجتمع جديد يمارسون فيه لعبة السيطرة الذكورية التي كانوا يمارسونها خارجه وأدت بهم الى السجن. لكن ليس بعد السجن سجن آخر ومن فيه يدركون أن ظهورهم مسنودة الى الجدران وبالتالي لا يأبهون لما قد يحدث لهم. مرّة أخرى، وكما في الفيلم السابق، الإصلاحية هي نهاية مطاف أكثر منها فرصة لبداية جديدة، والسجن عقاب غير رادع بل محفّز للمزيد.
الفكرة التي ينطلق منها هذا الفيلم جيّدة بحد ذاتها: رجل أمن جديد أسمه خوان أوليفر (ألبرتو أمّان) يأتي السجن في زيارة قبل يوم واحد من بداية استلامه عمله. هذا يفسّر لماذا لا لم يكن يرتدي البزّة الرسمية حين سقط مغشياً عليه فأودع في زنزانة مفتوحة في الوقت الذي وقع فيه شغب ما اضطر الحرس لمغادرة "العنابر" وتركه لشأنه. حين استيقظ وجد نفسه وسط المساجين الغاضبين فلعب اللعبة وادعى إنه سجين جديد منضمّاً، من حيث لا يُريد، اليهم.
خوان يكسب ثقة مالا (لويس توسار) الذي يتزعّم كل السجناء لكنه لا يكسب ثقة بعض أعوانه الذين يتجسسون عليه لمعرفة إذا ما كان جاسوساً مزروعا عن عمد بينهم. لكن خوان يلعب لعبته جيّداً وحين يقرر مدير السجن التضحية به يجد نفسه يقطع كل خيوطه بماضيه خصوصاً حين ينقل التلفزيون كيف تعرّض مدير الحرس لزوجته الحامل بالضرب (ولاحقاً ماتت) فيتم استدراج الحارس الى المكان حيث يقوم خوان بقتله بنفسه. جريمة لا تزال ترفعه في عيني مالا حتى من بعد كشفه مع نهاية تفيد موقفاً أخلاقياً ليس غريباً عن أفلام السجون: المجتمع هو المدان وليس من في داخل السجن. هذا الموقف بالٍ بحد ذاته من كثرة الإستخدام، لكنه لا يزال يصلح لأن الجريمة ما زالت تترعرع فيه وبسببه في معظم الأحيان.
كما يستخدم »نبي« وجود مجموعة كورسيكية، يستخدم »الزنزانة 211» مجموعة من الباسك: أربعة سجناء من المقاطعة التي تحارب في سبيل استقلالها عن فرنسا. لكن الفيلم السابق لا يتعامل مع هذا العنصر الذي كان من الممكن تطويره لو أراد المخرج ذلك (الفيلم لا يخسر نتيجة أنه لم يفعل). أما هذا الفيلم فيستخدم الأربعة لزيادة الوضع المتأزم بعدما قسّم الشخصيات الى: رجال قانون جيّدين. رجال قانون سيئين. مجرمين أفضل من مجرمين وبطلنا ومجموعة الباسك من تلك التي لا حول او قوّة لها٠
الفيلم يحمل أقل مما حمله »نبي» من إبداعات وعناصر قوّة، بصرية وفكرية. لكنه جيّد بحدوده ومنفّذ بإدراك ووعي لخصائص النوع الذي ينتمي اليه.
لا يفوت الفيلم التحدّث عن الإعلام وعمليات الإرهاب في مدريد والقوّة البوليسية التي تواجه الثائرين والوضع المزري الذي يعيشه هؤلاء لكنهم يستقوون عليه.
في النهاية، يقف خوان ليكتب خطاب المطالبات التي يراها محقّة متّهما، وبصورة نمطية، العالم الخارجي بتجاهل ما يدور. طلقة في الظلام لكنها مناسبة وتقريباً لا غنى عنها.
في إشارة نهائية، فإن الهاتف النقال والتلفزيون، كوسيلتين تكنولوجيّتين، يؤديان دورين مهمّين في كلا هذين الفيلمين. أكثر من طريقة تواصل مع العالم الخارجي. طريقة لتسهيل مهام كانت في أفلام الثلاثينات صعبة بعدم وجود تلك الوسائل. مثلاً في هذا الفيلم، يُشاهد خوان ما يحدث لزوجته عن طريق التلفزيون وينقل أخباراً الى مدير السجن عن طريق جهاز إتصال أما في أفلام الثلاثينات فكان على المساجين انتظار الخطابات والحمام الزاجل٠
الفكرة التي ينطلق منها هذا الفيلم جيّدة بحد ذاتها: رجل أمن جديد أسمه خوان أوليفر (ألبرتو أمّان) يأتي السجن في زيارة قبل يوم واحد من بداية استلامه عمله. هذا يفسّر لماذا لا لم يكن يرتدي البزّة الرسمية حين سقط مغشياً عليه فأودع في زنزانة مفتوحة في الوقت الذي وقع فيه شغب ما اضطر الحرس لمغادرة "العنابر" وتركه لشأنه. حين استيقظ وجد نفسه وسط المساجين الغاضبين فلعب اللعبة وادعى إنه سجين جديد منضمّاً، من حيث لا يُريد، اليهم.
خوان يكسب ثقة مالا (لويس توسار) الذي يتزعّم كل السجناء لكنه لا يكسب ثقة بعض أعوانه الذين يتجسسون عليه لمعرفة إذا ما كان جاسوساً مزروعا عن عمد بينهم. لكن خوان يلعب لعبته جيّداً وحين يقرر مدير السجن التضحية به يجد نفسه يقطع كل خيوطه بماضيه خصوصاً حين ينقل التلفزيون كيف تعرّض مدير الحرس لزوجته الحامل بالضرب (ولاحقاً ماتت) فيتم استدراج الحارس الى المكان حيث يقوم خوان بقتله بنفسه. جريمة لا تزال ترفعه في عيني مالا حتى من بعد كشفه مع نهاية تفيد موقفاً أخلاقياً ليس غريباً عن أفلام السجون: المجتمع هو المدان وليس من في داخل السجن. هذا الموقف بالٍ بحد ذاته من كثرة الإستخدام، لكنه لا يزال يصلح لأن الجريمة ما زالت تترعرع فيه وبسببه في معظم الأحيان.
كما يستخدم »نبي« وجود مجموعة كورسيكية، يستخدم »الزنزانة 211» مجموعة من الباسك: أربعة سجناء من المقاطعة التي تحارب في سبيل استقلالها عن فرنسا. لكن الفيلم السابق لا يتعامل مع هذا العنصر الذي كان من الممكن تطويره لو أراد المخرج ذلك (الفيلم لا يخسر نتيجة أنه لم يفعل). أما هذا الفيلم فيستخدم الأربعة لزيادة الوضع المتأزم بعدما قسّم الشخصيات الى: رجال قانون جيّدين. رجال قانون سيئين. مجرمين أفضل من مجرمين وبطلنا ومجموعة الباسك من تلك التي لا حول او قوّة لها٠
الفيلم يحمل أقل مما حمله »نبي» من إبداعات وعناصر قوّة، بصرية وفكرية. لكنه جيّد بحدوده ومنفّذ بإدراك ووعي لخصائص النوع الذي ينتمي اليه.
لا يفوت الفيلم التحدّث عن الإعلام وعمليات الإرهاب في مدريد والقوّة البوليسية التي تواجه الثائرين والوضع المزري الذي يعيشه هؤلاء لكنهم يستقوون عليه.
في النهاية، يقف خوان ليكتب خطاب المطالبات التي يراها محقّة متّهما، وبصورة نمطية، العالم الخارجي بتجاهل ما يدور. طلقة في الظلام لكنها مناسبة وتقريباً لا غنى عنها.
في إشارة نهائية، فإن الهاتف النقال والتلفزيون، كوسيلتين تكنولوجيّتين، يؤديان دورين مهمّين في كلا هذين الفيلمين. أكثر من طريقة تواصل مع العالم الخارجي. طريقة لتسهيل مهام كانت في أفلام الثلاثينات صعبة بعدم وجود تلك الوسائل. مثلاً في هذا الفيلم، يُشاهد خوان ما يحدث لزوجته عن طريق التلفزيون وينقل أخباراً الى مدير السجن عن طريق جهاز إتصال أما في أفلام الثلاثينات فكان على المساجين انتظار الخطابات والحمام الزاجل٠
استعادات | SALLE B
كل فيلم قديم لم تره بعد هو جديد
كل فيلم قديم لم تره بعد هو جديد
*** AFTER HOURS
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخراج: مارتن سكورسيزي
أدوار أولى: غريفيث دان، روزانا آركيت، فيرنا بلوم، تيري
غار، جون هيرد.
كوميديا سوداء [نيويورك] | الولايات المتحدة [1985]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد الكوميديا السوداء التي لعب روبرت دي نيرو بطولتها تحت عنوان «ملك الكوميديا»، أنجز سكورسيزي كوميديا سوداء أخرى بطولتها هذه المرة معقودة لمدينة نيويورك. سكورسيزي الذي يعيش ويعمل هناك طالما عكس مشاعره حول تلك المدينة على أفلامه («شوارع منحطة»، «سائق التاكس» الخ...) لكنه لم يتوغل في سرد مخاوفه وتجسيد تلك المشاعر كما يفعل في هذا الفيلم.
يبدأ الفيلم بتعريفنا ببول (غريفيث دان) وعمله في قسم الكومبيوتر في إحدى المؤسسات، ثم ينزل معه إلى الشارع بعد انتهاء الدوام حيث يجلس في مقهى وتلفت نظره امرأة جميلة اسمها مارسي (روزانا آركيت) وهذه تطلب منه الاتصال بها ليلاً. هنا تبدأ مغامرة بول الغريبة، ذلك أنه منذ أن قرر الاتصال بها إلى صبيحة اليوم التالي، وهو إنسان يعايش مواقف صعبة ومغامرة حية تحت ستار ظلام وسط المدينة حيث تقطن مارسي. من سائق التاكسي الذي يقود سيارته بسرعة كبيرة، إلى فقدانه كل ماله، إلى التعرف على صديقة مارسي المعقدة، إلى دخول حانة والتعرف هناك على فتاة ثانية معقدة، إلى مطاردته في الشوارع متهماً بأنه لص المنازل، إلى دخوله بيت فنانة نحت، تضعه في قالب من الجفصين إخفاء له من مطارديه كما تنفيذاً لفكرة فنية مجنونة. في النهاية يتم للصين الحقيقيين سرقة التمثال الذي هو بول وينطلقان ليقع التمثال من السيارة بينما كانت مارة من أمام المؤسسة التي يعمل بول فيها. ينكسر الجفص ويقف بول أمام الباب مستعداً للدخول كما ولو كان قد وصل إلى الموعد المحدد.
الفيلم يعبر عن مشاعر سكورسيزي الكامنة تجاه المدينة كما تجاه المرأة. إنه ـ الفيلم ـ أشبه بتحذير ضد الخروج ليلاً أو ضد النزول إلى الشارع الذي قد يحوي بين عماراته الموت في شتى الأوجه (السيارة، العتمة، أناس الليل). إنها «بارانويا» متحكمة في شخص المخرج أو على الأقل أريد لها أن تتحكم في شخص بطله. على شتى الأحوال هي نظرة غير محببة لعالم يراه المخرج مختلفاً تماماً عن عالم النهار. مشهد البداية حيث يقوم بول بتدريب فتاة على استخدام الكومبيوتر يحوي ما يبعث الأمان إذا ما قيس لاحقاً بالعالم الخارجي. وحين ترميه السيارة عند باب المؤسسة في النهاية مختتمة المغامرة غير المتوقعة التي خاضها، يبدو الأمر وكأنما هو عودة بول إلى الأمان المفقود ليس فقط تبعاً للأحداث، بل ربطاً بين هذا المشهد الأخير وبين المشهد الأول.
المشهد الأول كذلك يوضح أمراً يتردد لاحقاً وهو موقف المخرج/ بطله من المرأة. الفتاة التي تتدرب على الكومبيوتر لا تبدو ذكية. لاحقاً كل النماذج النسائية التي تمر أمامنا سلبية: مارسي وصديقتها والمرأة التي تعرف عليها في الحانة والفنانة، كلهن غير جديرات بالمعرفة ومرتبطات بالخوف من العالم الليلي الذي يعرضه لنا سكورسيزي.
إنه ليس الفيلم الذي يتمنى المرء مشاهدته كل مرة. لكن سكورسيزي في نهاية الأمر ليس المخرج الذي ترتبط أفلامه بأهواء متفرجيه. رغم ذلك نجد أنها تبقى في أذهان هؤلاء طويلاً حتى ولو اليلم مرة واحدة فقط. كما في باقي أفلامه ينفذ سكورسيزي الفيلم من ضمن أسلوب يعطيه ميزة البقاء في البال. التصوير، الموسيقى (موزارت وباخ) تصميم المناظر، التوليف وحركة الكاميرا التي تكاد لا تشعر بوجودها كلها في لبنة متكاملة وبمنظور مخرج يؤمن بقيمة فنه ولو أن بعض موضوعه يتحدث كذلك عن اندثار قيمته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Save the City **1/2
Ocalic Miasto | أنقذ المدينة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حربي | بولندا (1976)٠
Jan Lomnicki إخراج: يان لومنيكي
أدوار أولى: تيريزا بودزيش- كريزانوڤسكا، يان
كريجانوڤسكي، ياشك ميسكيوڤتز٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في السبعينات كانت السينما في أوروبا الشرقية لا زالت تنتج أفلاماً حول دور الشيوعيين في دحر النازية ومحاربتهم. هذا الفيلم هو واحد منها وواحد جيّد. حكايته تدور حول التعاون بين المقاومة السرية في كراكوف (بولندا) وبين مخابرات الجيش السوڤييتي إيان الهجوم الأخير الذي شنّه الجيش الروسي لتحرير بولندا. ثلاثة من الروس يهبطون في الأرض البولندية لتدبير عملية من عمليات المقاومة، لاحقاً ما يكتشف أمر اللاسلكي الذي يستخدمونه، ويتم قتل أحدهم٠ لكن ذلك لا يوقف المقاومين من إنجاح المهمّة٠
إنه فيلم جيّد كصنعة. تقنيّته جيّدة وعيوبه محصورة في خانات قليلة. وجاد للغاية وهذا كله يمنح الفيلم معالجة هندسية أكثر منها فنيّة. بمعنى آخر فيلم يخلو من رؤية خاصّة من المخرج ومقتصد جدا في منح الشخصيات أرواحاً طبيعية. مشاهد المعارك تأتي بدورها عادية قياساِ بأفلام أخرى من الفترة٠
المخرج: يان لومنيكي مات سنة 2002 عن 73 سنة أخرج خلالها ما يقارب من 33 فيلماً بين روائي ووثائقي وهي بدأت 1954 وانتهت بفيلم كوميدي بعنوان «جرذ«. أخرج أفلاماً حربية أخرى بعضها تعامل مع الهولوكوست. أذكر له
Operation Arsenal عملية مستودع الأسلحة
سنة 1978 وأعلم أنه أخرج فيلماً آخر عن الضحايا اليهود هو "فقط وراء تلك الغابة" سنة 1991
The Holcroft Covenant **
ميثاق هولكروفت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشويق | نازية (1985)٠
John Frankenheimer إخراج: جون فرانكنهايمر
أدوار أولى: مايكل كاين، أنطوني أندروز، فكتوريا
تاننت، ماريو أدورف، ميشيل لونسدال، ليلي بالمر٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحاول جون فرانكنهايمر تحقيق فيلم له قدم في السياسة وقدم في التشويق. كان من قبل حقق أفلاماً من هذه النوعية. المرء لا ينسى أنه يتحدّث عن المخرج الذي أنجز سنة 1977 "الأحد الأسود" حول إرهابيين عرب يشتركون مع متعاطفين منبوذين من مجتمعاتهم الغربية للقتل والتخريب بإسم مباديء لا وجود لها، حسب الفيلم، الا في أفكارهم. «ميثاق هولكروفت» جيّد المعالجة. قائم على تشويق مجد يؤمّن النبض المطلوب لكنه مباشر في خطابه وغير عميق بما يكفي لرفع قيمة الفيلم٠
مأخذو عن عن رواية من 500 صفحة كتبها روبرت لاندلوم من بين اولئك الذين وجدوا في الحرب العالمية الثانية ومخلّفاتها عالماً لمؤلّفاته ولو أن معظمها دار بعد سنوات الحرب وليس خلالها كما الحال في هذا الفيلم. لكن لاندلوم خرج من كنف تلك الحكايات بضع مرّات وإن دائماً ما عكس رؤية سياسية محدودة. آخر أفلام سام بكنباه «عطلة أوسترمان» حول السُلطة التي تريد قتل أبنائها. سيناريو »ميثاق هولكروفت«، كما كتبه جورج أكسلرود، ينجح في اختصار الرواية وتشعّباتها، بحثاً عن خط واحد سهل التتابع، وما نجح به المخرج كان الإبقاء على ذلك الخط وبلورته في وحدة عمل متراصّة ومشوّقة٠
تنطلق الأحداث من نيويورك لكنها تنتقل الى أوروبا (بريطانيا وسويسرا). نويل هولكروفت مهندس أميركي ناجح من أصل ألماني. في ظهيرة أحد الأيام يتلقى اتصالاً هاتفياً ينتقل علي أثره الى سويسرا حيث يقابل رئيس أحد المصارف وينجو من محاولة اغتياله في الوقت ذاته. يخبره رئيس المصرف أن والده الذي كان جنرالاً نازياً خلال الحرب، كان قد وقّع مع ضابطين وثيقة مهمة مفادها ايداع بضعة ملايين من الدولارات (تحوّلت مع مرور الوقت وارتفاع الفوائد الى نحو 4 بلايين دولار) لكي يتمكنوا في المستقبل من تمويل خطّة لمنع العالم من مد نازي جديد وتعويض ضحايا النازية٠
لكي يتصرّف نوويل بموجب هذا الميثاق عليه أن يبحث عن ولدي الضابطين ليعينهما مستشارين له كما تنص الوثيقة. إيجادهما ليس صعباً، لكن الكشف عن اليد الخفية التي تسعى للإقتناص من هذا السعي مخلّفة دزينة من الجثث ليس هيّنا بدوره. في النهاية يدرك نوويل أن صاحب تلك اليد ليس سوى يوهان (أنطوني أندروز)، إبن أحد الضابطين وهو معلّق اقتصادي في صحيفة "غارديان" البريطانية. يوهان نازي متحمّس وشرير ويريد قتل نوويل وجماعته التي تؤيده والإنفراد بالثروة الهائلة لاستخدامها بما يحقق غاياته وهي خلق اضطرابات اقتصادية وحروب ومجاعات حول العالم يمهد لإنبثاق حزب نازي جديد لعله يقوده بنفسه٠
مررت هنا عن عمليات خطف وترويع وقتل كثيرة أولاً لأن المطلوب ليس كشف الأحداث، بل إيجاز القصّة، وثانياً لأن الفيلم بحد ذاته يعاني من تشابك ما يدور علماً بأن الكثير منه متوقّع وليس جديداً. ومع أن فرانكنهايمر يعالجه تنفيذياً على نحو صحيح في تصميمه وايقاعه، الا أنه يقف محتاراً بين التشويق والسخرية٠
مايكل كاين يلعب شخصيته التي أدّاها من قبل في بضعة أفلام بوليسية من قبل بينها ، على سبيل المثال
إنه جيّد في منحاه لكنه ليس جديداً . دوره هنا متمحور على تقديم إنسان ذي طاقة على التحمّل. بريء لدرجة السذاجة، في مطلع الأمر على الأقل، ثم مشترك في المهام النبيلة التي يجدها مطلوبة منه. سهل عليه ذلك طالما أن نقد النازية هو هذا الغرض النبيل٠
معلومات | جيمس كان انبرى لتمثيل البطولة وكان اختيار فرانكنهايمر الأول، لكن جرى إبداله حين وقع خلاف بينه وبين بعض منتجي الفيلم٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2010٠
يبدأ الفيلم بتعريفنا ببول (غريفيث دان) وعمله في قسم الكومبيوتر في إحدى المؤسسات، ثم ينزل معه إلى الشارع بعد انتهاء الدوام حيث يجلس في مقهى وتلفت نظره امرأة جميلة اسمها مارسي (روزانا آركيت) وهذه تطلب منه الاتصال بها ليلاً. هنا تبدأ مغامرة بول الغريبة، ذلك أنه منذ أن قرر الاتصال بها إلى صبيحة اليوم التالي، وهو إنسان يعايش مواقف صعبة ومغامرة حية تحت ستار ظلام وسط المدينة حيث تقطن مارسي. من سائق التاكسي الذي يقود سيارته بسرعة كبيرة، إلى فقدانه كل ماله، إلى التعرف على صديقة مارسي المعقدة، إلى دخول حانة والتعرف هناك على فتاة ثانية معقدة، إلى مطاردته في الشوارع متهماً بأنه لص المنازل، إلى دخوله بيت فنانة نحت، تضعه في قالب من الجفصين إخفاء له من مطارديه كما تنفيذاً لفكرة فنية مجنونة. في النهاية يتم للصين الحقيقيين سرقة التمثال الذي هو بول وينطلقان ليقع التمثال من السيارة بينما كانت مارة من أمام المؤسسة التي يعمل بول فيها. ينكسر الجفص ويقف بول أمام الباب مستعداً للدخول كما ولو كان قد وصل إلى الموعد المحدد.
الفيلم يعبر عن مشاعر سكورسيزي الكامنة تجاه المدينة كما تجاه المرأة. إنه ـ الفيلم ـ أشبه بتحذير ضد الخروج ليلاً أو ضد النزول إلى الشارع الذي قد يحوي بين عماراته الموت في شتى الأوجه (السيارة، العتمة، أناس الليل). إنها «بارانويا» متحكمة في شخص المخرج أو على الأقل أريد لها أن تتحكم في شخص بطله. على شتى الأحوال هي نظرة غير محببة لعالم يراه المخرج مختلفاً تماماً عن عالم النهار. مشهد البداية حيث يقوم بول بتدريب فتاة على استخدام الكومبيوتر يحوي ما يبعث الأمان إذا ما قيس لاحقاً بالعالم الخارجي. وحين ترميه السيارة عند باب المؤسسة في النهاية مختتمة المغامرة غير المتوقعة التي خاضها، يبدو الأمر وكأنما هو عودة بول إلى الأمان المفقود ليس فقط تبعاً للأحداث، بل ربطاً بين هذا المشهد الأخير وبين المشهد الأول.
المشهد الأول كذلك يوضح أمراً يتردد لاحقاً وهو موقف المخرج/ بطله من المرأة. الفتاة التي تتدرب على الكومبيوتر لا تبدو ذكية. لاحقاً كل النماذج النسائية التي تمر أمامنا سلبية: مارسي وصديقتها والمرأة التي تعرف عليها في الحانة والفنانة، كلهن غير جديرات بالمعرفة ومرتبطات بالخوف من العالم الليلي الذي يعرضه لنا سكورسيزي.
إنه ليس الفيلم الذي يتمنى المرء مشاهدته كل مرة. لكن سكورسيزي في نهاية الأمر ليس المخرج الذي ترتبط أفلامه بأهواء متفرجيه. رغم ذلك نجد أنها تبقى في أذهان هؤلاء طويلاً حتى ولو اليلم مرة واحدة فقط. كما في باقي أفلامه ينفذ سكورسيزي الفيلم من ضمن أسلوب يعطيه ميزة البقاء في البال. التصوير، الموسيقى (موزارت وباخ) تصميم المناظر، التوليف وحركة الكاميرا التي تكاد لا تشعر بوجودها كلها في لبنة متكاملة وبمنظور مخرج يؤمن بقيمة فنه ولو أن بعض موضوعه يتحدث كذلك عن اندثار قيمته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Save the City **1/2
Ocalic Miasto | أنقذ المدينة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حربي | بولندا (1976)٠
Jan Lomnicki إخراج: يان لومنيكي
أدوار أولى: تيريزا بودزيش- كريزانوڤسكا، يان
كريجانوڤسكي، ياشك ميسكيوڤتز٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في السبعينات كانت السينما في أوروبا الشرقية لا زالت تنتج أفلاماً حول دور الشيوعيين في دحر النازية ومحاربتهم. هذا الفيلم هو واحد منها وواحد جيّد. حكايته تدور حول التعاون بين المقاومة السرية في كراكوف (بولندا) وبين مخابرات الجيش السوڤييتي إيان الهجوم الأخير الذي شنّه الجيش الروسي لتحرير بولندا. ثلاثة من الروس يهبطون في الأرض البولندية لتدبير عملية من عمليات المقاومة، لاحقاً ما يكتشف أمر اللاسلكي الذي يستخدمونه، ويتم قتل أحدهم٠ لكن ذلك لا يوقف المقاومين من إنجاح المهمّة٠
إنه فيلم جيّد كصنعة. تقنيّته جيّدة وعيوبه محصورة في خانات قليلة. وجاد للغاية وهذا كله يمنح الفيلم معالجة هندسية أكثر منها فنيّة. بمعنى آخر فيلم يخلو من رؤية خاصّة من المخرج ومقتصد جدا في منح الشخصيات أرواحاً طبيعية. مشاهد المعارك تأتي بدورها عادية قياساِ بأفلام أخرى من الفترة٠
المخرج: يان لومنيكي مات سنة 2002 عن 73 سنة أخرج خلالها ما يقارب من 33 فيلماً بين روائي ووثائقي وهي بدأت 1954 وانتهت بفيلم كوميدي بعنوان «جرذ«. أخرج أفلاماً حربية أخرى بعضها تعامل مع الهولوكوست. أذكر له
Operation Arsenal عملية مستودع الأسلحة
سنة 1978 وأعلم أنه أخرج فيلماً آخر عن الضحايا اليهود هو "فقط وراء تلك الغابة" سنة 1991
The Holcroft Covenant **
ميثاق هولكروفت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشويق | نازية (1985)٠
John Frankenheimer إخراج: جون فرانكنهايمر
أدوار أولى: مايكل كاين، أنطوني أندروز، فكتوريا
تاننت، ماريو أدورف، ميشيل لونسدال، ليلي بالمر٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحاول جون فرانكنهايمر تحقيق فيلم له قدم في السياسة وقدم في التشويق. كان من قبل حقق أفلاماً من هذه النوعية. المرء لا ينسى أنه يتحدّث عن المخرج الذي أنجز سنة 1977 "الأحد الأسود" حول إرهابيين عرب يشتركون مع متعاطفين منبوذين من مجتمعاتهم الغربية للقتل والتخريب بإسم مباديء لا وجود لها، حسب الفيلم، الا في أفكارهم. «ميثاق هولكروفت» جيّد المعالجة. قائم على تشويق مجد يؤمّن النبض المطلوب لكنه مباشر في خطابه وغير عميق بما يكفي لرفع قيمة الفيلم٠
مأخذو عن عن رواية من 500 صفحة كتبها روبرت لاندلوم من بين اولئك الذين وجدوا في الحرب العالمية الثانية ومخلّفاتها عالماً لمؤلّفاته ولو أن معظمها دار بعد سنوات الحرب وليس خلالها كما الحال في هذا الفيلم. لكن لاندلوم خرج من كنف تلك الحكايات بضع مرّات وإن دائماً ما عكس رؤية سياسية محدودة. آخر أفلام سام بكنباه «عطلة أوسترمان» حول السُلطة التي تريد قتل أبنائها. سيناريو »ميثاق هولكروفت«، كما كتبه جورج أكسلرود، ينجح في اختصار الرواية وتشعّباتها، بحثاً عن خط واحد سهل التتابع، وما نجح به المخرج كان الإبقاء على ذلك الخط وبلورته في وحدة عمل متراصّة ومشوّقة٠
تنطلق الأحداث من نيويورك لكنها تنتقل الى أوروبا (بريطانيا وسويسرا). نويل هولكروفت مهندس أميركي ناجح من أصل ألماني. في ظهيرة أحد الأيام يتلقى اتصالاً هاتفياً ينتقل علي أثره الى سويسرا حيث يقابل رئيس أحد المصارف وينجو من محاولة اغتياله في الوقت ذاته. يخبره رئيس المصرف أن والده الذي كان جنرالاً نازياً خلال الحرب، كان قد وقّع مع ضابطين وثيقة مهمة مفادها ايداع بضعة ملايين من الدولارات (تحوّلت مع مرور الوقت وارتفاع الفوائد الى نحو 4 بلايين دولار) لكي يتمكنوا في المستقبل من تمويل خطّة لمنع العالم من مد نازي جديد وتعويض ضحايا النازية٠
لكي يتصرّف نوويل بموجب هذا الميثاق عليه أن يبحث عن ولدي الضابطين ليعينهما مستشارين له كما تنص الوثيقة. إيجادهما ليس صعباً، لكن الكشف عن اليد الخفية التي تسعى للإقتناص من هذا السعي مخلّفة دزينة من الجثث ليس هيّنا بدوره. في النهاية يدرك نوويل أن صاحب تلك اليد ليس سوى يوهان (أنطوني أندروز)، إبن أحد الضابطين وهو معلّق اقتصادي في صحيفة "غارديان" البريطانية. يوهان نازي متحمّس وشرير ويريد قتل نوويل وجماعته التي تؤيده والإنفراد بالثروة الهائلة لاستخدامها بما يحقق غاياته وهي خلق اضطرابات اقتصادية وحروب ومجاعات حول العالم يمهد لإنبثاق حزب نازي جديد لعله يقوده بنفسه٠
مررت هنا عن عمليات خطف وترويع وقتل كثيرة أولاً لأن المطلوب ليس كشف الأحداث، بل إيجاز القصّة، وثانياً لأن الفيلم بحد ذاته يعاني من تشابك ما يدور علماً بأن الكثير منه متوقّع وليس جديداً. ومع أن فرانكنهايمر يعالجه تنفيذياً على نحو صحيح في تصميمه وايقاعه، الا أنه يقف محتاراً بين التشويق والسخرية٠
مايكل كاين يلعب شخصيته التي أدّاها من قبل في بضعة أفلام بوليسية من قبل بينها ، على سبيل المثال
إنه جيّد في منحاه لكنه ليس جديداً . دوره هنا متمحور على تقديم إنسان ذي طاقة على التحمّل. بريء لدرجة السذاجة، في مطلع الأمر على الأقل، ثم مشترك في المهام النبيلة التي يجدها مطلوبة منه. سهل عليه ذلك طالما أن نقد النازية هو هذا الغرض النبيل٠
معلومات | جيمس كان انبرى لتمثيل البطولة وكان اختيار فرانكنهايمر الأول، لكن جرى إبداله حين وقع خلاف بينه وبين بعض منتجي الفيلم٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
All Rights Reserved- Mohammed Rouda ©2007- 2010٠